أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-11-2016
2332
التاريخ: 14-1-2017
12802
التاريخ: 2024-08-13
354
التاريخ: 5-2-2017
5618
|
كان العرب يؤدون طقوسهم الدينية لمعبوداتهم في الأشهر الحرم، وهي ذي القعدة وذي الحجة والمحرم ورجب، وقد سميت بذلك لاتفاقهم على حرمة نشوب الحروب فيها او استباحة الدماء، وكان الحج الأعظم تختص به الكعبة التي يلي امرها القريشيون في مكة وكانت شعائره تتم في شهر ذي الحجة. فكانوا يطوفون بها أسبوعا ويسعون بين الصنم اساف على الصفا وبين نائلة على المروة، ثم يقفون بجبل عرفة في ساعة غروب الشمس، ويفيضون منها الى المزدلفة عند شروقها ثم مني، وخلال طوافهم كانوا يتبركون بالحجر الأسود ويتمسحون باركان الكعبة جميعها، وفضلا عن ذلك كانت كل قبيلة تطوف حول صنمها سبعة أشواط، وكان منهم من يطوف عاريا ويعرف بالحلة ومنهم من يطوف مرتديا ثيابه النقية ويعرف بالأحمس(1).
وطواف عاري الثياب يبدا بأساف فيستلمه ثم يستلم الركن الأسود ويطوف ويجعل الكعبة عن يمينه، فاذا اتم طوافه سبعا، استلم الركن ثم استلم نائلة فيختم بها طوافه، ثم يخرج فيجد ثيابه كما تركها لم تمس فيأخذها فيلبسها، ولا يعود الى الطواف بعد ذلك عريانا. ويرجع الطواف العاري الى قولهم: لا نطوف في ثياب عصينا الله فيها فيلقونها عنهم ويسمون ذلك الثوب لقي. وفي مني كانت ترمي الجمرات. اما النساء، فتضع احداهن ثيابها كلها الا ذرعا مفرجا عليها، ثم تطوف فيه (سيور تعلقها تتستر بها) او تطوف ليلا فيتخلصن من وقوع سترهن في اعين الرجال(2).
وكان الحمس على نقيض الحلة، فهم المتشددون في دينهم، فكانوا اذا احرموا لا يأكلون السمن ولا يسولونه ولا يمخضون اللبن، ولا يأكلون الزبد ولا يلبسون الوبر ولا الشعر ولا يستظلون به ما داموا حرما، ولا يغزلون الوبر ولا الشعر ولا ينسجونه، ولا يأكلون شيئا من نبات الحرم، فانزل الله تبارك وتعالى {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 31، 32] (3)، قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا } [البقرة: 187] إشارة الى ما كانت الحمس حرمته من طعام الحج الا طعام الحمس، و {خُذُوا زِينَتَكُمْ} [الأعراف: 31] ، يعني اللباس، ولا تتعروا ولذلك افتتح بقوله: {يَابَنِي آدَمَ} [الأعراف: 26] بعد ان قص خبر ادم وزوجه ان يخصفان عليهما من ورق الجنة، أي ان كنتم تحتجون بانه دين ابائكم فادم ابوكم ودينه ستر العورة.
وكانوا يعظمون الأشهر الحرم ولا يخفرون فيها الذمة ولا يظلمون فيها، ويطوفون بالبيت وعليهم ثيابهم وكانوا يقولون: لا تعظموا شيئا من الحل، ولا تجاوزوا الحرم في الحج فلا يهاب الناس حرمكم ويرون ما يعظمون من الحل كالحرم، فقصروا من مناسك الحج والموقف من عرفة وهو من الحل، فلم يكونوا يقفون به ولا يفيضون منه، وجعلوا موقفهم في طرف الحرم فانزل الله تبارك وتعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [البقرة: 199] (4).
وكانوا يقولون: نحن اهل الحرم، لا نخرج من الحرم، ونحن الحمس، وقد اقتصرت قريش وهم من الحمس على استعمال القباب المصنوعة من الادم فكانوا اهل القباب الحمر من الادم(5).
وكان من طقوسهم الدينية أيضا ذبح الذبائح على انصاب اتخذوها فنهى الله عن ذلك في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [المائدة: 90] (6) وفي قوله جل شانه: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ} [المائدة: 3] (7). وكانوا يقسمون لحوم اضحيتهم فيمن حضرها وكان عندها، اما دماؤها فكانت تصب على النصب.
اما بالنسبة للهدايا والنذور والقرابين والتي كانت تتالف من الطيب والبخور والملابس والأسلحة، فضلا عن الزروع والغلات والانعام، فكانوا يقسمونها بزعمهم بين الله وبين الهتهم(8). ثم يؤثرون اصنامهم ويعطونها ما جعلوه نصيبا للهن قال تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الأنعام: 136] (9).
كانت الابل والانعام الحية تقدم أيضا الى الالهة كنذور وقرابين فتحبس عليها ولا يمسها احد بسوء ومنها، البحيرة والسائبة والوصيلة والحام. البحيرة هي الناقة او الشاة تترك فلا ينتفع من لبنها ولا تحمل او تركب، فاذا ماتت حرموا لحمها على النساء واباحوه على الرجال. والسائبة الدابة تترك لنذر فلا تركب ولا يحمل عليها ولا تمنع من ماء وكلا وتترك سائبة. واما الوصيلة فهي الناقة التي وصلت بين عشرة ابطن او الشاة التي وصلت سبعة ابطن. واما الحام فهو الفحل اذا نتج له عشر اناث متتابعات ليس بينهن ذكر، فيقال حمي ظهره فلم يركب ولم يجز وبره ولا يمنع من ماء وكلا(10). قال تعالى: { مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [المائدة: 103] (11).
ولم تقتصر زيارة الكعبات وبيوت الالهة على الحج والعبادة وإقامة الطقوس والشعائر، بل قصدها اهل الحاجات وأصحاب المشكلات والمقبلون على الاعمال الهامة من اجل مشورة الالهة عن قضاياهم وسؤالها عما يريدون ويشتهون والاستفسار عما يعن لهم من أمور، فضلا عن استطلاعها في غيبيات المستقبل فكانوا يكلمون الاصنام بواسطة سدنتها من الكهان الذين يتكلمون على السنتهم الى الاله ويفسرون للسائلين ما يصدر من تلك الاصنام من الأصوات والهمهمة وغيرها ويقومون بالاستقسام بالأزلام وذلك كله في مقابل النذور والهدايا وذبح الذبائح.
وفضلا عن الاصنام الكبرى التي اتخذتها القبائل العربية الهة يبعدونها من دون الله، اتخذ اهل كل دار في دارهم صنما صغيرا، فاذا أراد الرجل منهم سفرا تمسح به حين يركب، فكان ذلك اخر ما يصنع حين يتوجه الى سفره، واذا قدم من سفره تمسح به، فكان ذلك ما يبدا به قبل ان يدخل على اهله(12)، وذلك لإحساسهم العميق بحاجتهم الدائمة الى الأمان من خلال الهتهم المقدسة الملموسة التي تراها الاعين وتدركها الابصار، فهي في نظره حامية البيت والاسرة في وقت الاستقرار والارتحال، وفي زمني الحرب والسلم كما ان اعتقاده بقدرات الالهة التي تعلو على طاقات البشر وتحكمها في قدرة ومسيرة حياته، جعلته يؤثرها على نفسه فقدم اليها اعز ما يملكن ويتودد اليها بكل غال ونفيس في سبيل ارضائها فتجلب له السعادة والهناء وتمنع عنه الشرور والاخطار وتمن عليه بالخير الوفير والبركات.
__________
(1) الازرقي: اخبار مكة، جـ1، ص13.
(2) الازرقي: المصدر السابق، جـ1، ص166.
(3) الازرقي: المصدر السابق، جـ1، ص117.
(4) سورة الأعراف: الآيات (31 – 32).
(5) سورة البقرة: اية (99).
(6) ابن سعد: الطبقات الكبير، جـ1، ص41.
(7) سورة المائدة: اية (89).
(8) سورة المائدة: اية (3).
(9 ابن هشام: السيرة النبوية، جـ1، ص84 – 85.
(10) سورة الانعام: اية (136).
(11) ابن هشام: المصدر السابق، جـ1، ص93.
(12) سورة المائدة: اية (102).
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|