أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-11-2016
875
التاريخ: 1-11-2016
1585
التاريخ: 2-11-2016
2561
التاريخ: 1-11-2016
1189
|
عصر الإحياء السومري "منذ 2125ق. م."
في لجش:
استغلت لجش في نهضتها مسالك التجارة القديمة استغلالًا واسعًا لصالحها، وكان خير عهودها عهد ملكها التقي جوديا، قبيل أوائل القرن الحادي والعشرين ق. م أو أواسطه، وكان رجلًا اعتز أو اكتفى في أغلب نصوصه بلقب، "إنسي" القديم الذي تلقب به حكام لجش في عهود تبعيتهم للدولة الأكدية، وفي عهود سيطرة الجوتيين، ولكنه استعاض عن الانتساب إليهم في لقبه بالانتساب إلى سيادة ربه نين جيرسو الذي اعتبره ملكه واعتبر نفسه إنسيا له، ثم نعتته نصوص عهده بلقب "الراعي"، وقال في نقوش أحد تماثيله "أنا الراعي حبيب ملكه "نين جيرسو" طال عمري"(1).
ولم تذكر نقوش جوديا الحرب غير مرة واحدة مع دولة أنشان. ولكن حملت قوافل التجارة شهرته وسجلت اسمه في شمال سوريا وفي عيلام والبحرين وعمان. واحتفظت له أرض لجش بأكثر من ستة عشر تمثالًا وجزءًَا من تمثال نحت أغلبها من أحجار الديوريت، وقد تفرقت بعد الكشف عنها في متاحف العراق واللوفر والمتحف البريطاني(2). وأخذت هذه التماثيل بالأسلوب الواقعي الذي بدأ نضوجه من قبل خلال العصر الأكدي، وعبرت بخطوطها المرنة عن الجنس السومري ذي الرأس العريضة، وغلبت على ملامح صاحبها وهيئاته روح التقوى والتواضع الكريم، ويبدو أن اعتبار أهل عصره نكبة الجوتيين على أرضهم غضبًا من الأرباب كان له أثره في تغليب روح التقوى في حياتهم إبان سعيهم للتخلص من غزاتهم(3).
وأظهرت تماثيل جوديا صاحبها جالسًا وواقفًا على هيئة المتعبد، في أحجام تقل عن حجمه الطبيعي "فيما خلا واحد منها"، وأعوزت الجالسة منها سلامة النسب بين الجذع العلوي والجذع السفلي، وبين الرأس والرقبة، ولكنها لم تخل على الرغم من ذلك من حيوية أضافها عليها صدق تمثيل ملامح وجهه العريض الحليق، وتفاصيل حاجبيه الكثيفين واتساع ما بين أنفه وشفته وامتلاء ذقنه وبروزها، وتفاصيل عمامته "أو قلنسوته" الصوفية الواسعة ذات الخصل، وبساطة ثيابه ورقة أطرافها الموشاة التي عبر الفنان عنها بتموجات خفيفة وخطوط مرسلة وزوايا منفرجة. وتخلصت بعض تماثيله الواقفة الصغيرة المنحوتة من حجر الديوريت وحجر الحية "السربنتين" من قلة التناسب بين أجزائها، وجنبته تصلب الهيئة ومثلته في وضع طبيعي خاشع لطيف تكاد تشف عباءته الثمينة عن عضلات بدنه، ولم يعبها بعض الشيء غير اتساع محجري العينين واتصال الحاجبين، وهو اتساع اتصفت به أغلب تماثيل العراق. والطريف أن من تماثيله الجالسة ما تتشابه بعض تفاصيله مع تفاصيل التماثيل المصرية في عصور الدولة الوسطى وما تلاها، من حيث نقش نصوص رأسية فوق الجزء الأسفل من ثوبه، ووضع مسطح مستطيل على ركبتيه تضمن في إحدى المرات تصميمها لمعبد وتصوير لوحة "مسطرة" وقلم؛ ثم من حيث نقش اسمه داخل مستطيل على كتفه(4).
أقيمت أغلب تماثيل جوديا في معبد لجش الكبير، وأقيمت في فنائه عدة نصب، وتركت تحت أحجار أساسه آثار صغيرة منقوشة. واتسعت سطوح تماثيل جوديا تلك ونصبه وسطوح الصولجانات ورءوس المقامع التي أهداها إلى هذا المعبد، وإلى بقية معابد دولته، لتسجيل آيات تقواه إزاء أربابه ولا سيما نين جيرسو إله لجش الذي اعتبره ربه وملكه، واعتبر نفسه إنسيا له، روى كتبته فيها على لسانه اهتمامه باستيراد أحجار مختلفة الأنواع والألوان، ومعادن مختلفة القيم وأخشاب، عن طريق البر والنهر والبحر من أرض إلام "عيلام" وعاصمتها سوسه، ومن ماجان وملوخا، ومن كيماش وجبل الأرز وجبل الصنوبر، لصالح معبد لجش بوجه خاص، وأكد أنه التزم في تجديد هذا المعبد وبناء مقاصيره وصناعة رموز معبوده وأسلحته ما جرى به العرف القديم وما أوصى به المعبودان نين زاجا، ونين سيكيلا(5).
وتحدثت نقوش الرجل عن فضل أربابه في منع طغيان الفرات على أرضه. وروت أنه رأى ذت مرة في رؤياه معبوده على هيئة شيخ متوج تسمو هامته إلى كبد السماء، يحيط به أسدان وحمار رابض وشمس مشرقة، وسيدة تمسك قلمًا مع لوحة النجم السعيد، ومعبود في إهاب محارب ظهر كأنه يخطط تصميم معبد. واستفتى جوديا وحي أربابه "أو على الأصح استفتى كهنتهم" في تأويل رؤياه، فأتاه وحي ربته نينا بأن الإله المتوج هو نين جيرسو، وأن الشمس ترمز إلى ربه نين جيزيدا، وأن السيدة ذات القلم واللوحة هي نيسابا، وأن المعبود في هيئة المحارب هو نندوب، وأن الرؤيا إيحاء له بإعادة بناء معبد نين جيرسو بعد خرابه في عهد الفوضى، وأما الحمار المضجع فهو جوديا نفسه! ويبدو أن الرجل كان لا يزال بحاجة إلى آية أخرى فسوف في الأمر حتى حل القحط بأرضه فاتجه بدعائه إلى نين جيرسو، وأتاه نداء ربه بأنه إذا بدأت يمينه في تأسيس معبد فلسوف ترقى الصرخة إلى السماء من أجل الرياح والأمطار، ولسوف تسقط السماء حينئذ فيضها بعد أن يضع الرب قدمه على الجبل العالي، جبل العاصفة، ولسوف ينزل الفيضان من قمة مقدسة شاهقة الارتفاع(6). وعندما تم بناء المعبد أكدت نصوص الملك حسن معاملته لمن اشتركوا في بناءه من رعاياه، وأشركتهم في ثوابه، فتحدثت عن انتفاء الضرب واللكز، وقالت إنهم كانوا يعتبرون عملهم قربانًا لربهم(7).
ولم يكن جوديا، فيما تحدثت به عنه نصوصه، أقل ولاء لربات مدينته منه لأربابها، فكان من ابتهالاته للربة جاتومدو ربة لجش قوله لها: "مليكتي، بنت السماء البهية، يا من تجيبين الدعوات، وترفعين الرأس، وتهبين الحياة لأرض سومر، أنت تعرفين ما يصلح مدينتي، أنت مليكتي، أنت الأم التي أسست لجش، لا أم لي وأنت أمي، لا أب لي وأنت أبي ... ، جاتومدو ما ألذ "ترديد" اسمك"(8).
وتخلفت من آيات النحت من عهد جوديا مفردات أخرى، ومنها رءوس رجال حليقي اللحى والشوارب، ورؤوس وتماثيل نساء بلغت الغاية في بساطة خطوطها، وسلامة تعبيراتها، وإتقان تمثيل الحلي ووشي الملابس عليها على الرغم من قسوة أحجارها(9)، وتمثال قد يرجع إلى عهده أو إلى العصر الأكدي، يجمع بين جسم فحل رابص ورأس إنسان ملتح يلتفت جانبًا في تناسق لطيف(10)، وبقايا أسود كبيرة، ورأس مقمعة رمزية مذهبة شكلت سطوحها على هيئة رءوس السباع(11).
وتضمنت ودائع أساسات المعابد اللجشية "لا سيما معبد نين جيرسو ومعبد إنانا" روائع معدنية صغيرة تميزت منها قطع على هيئة الأوتاد زودت بأشكال ربانية وملكية، كناية فيما يبدو عما كان الملوك يرجونه لمباني معابدهم من ثبات يتعهده الأرباب. ومن نماذج هذه الأوتاد وتد يتصل به تمثال صغير رابع لمعبود طويل الشعر واللحية يلبس قلنسوة لطيفة هرمية الشكل، أو لولبية الشكل، مائلة، ويعتلي منصة صغيرة ويرسل ساقيه منها، وقد احتضن الوتد بين ساقيه وبدا كأنما يهم بغرسه في الأرض(12)، ثم أوتاد أخرى احتضنها جوديا نفسه وقد حمل على رأسه سلة كان من المفروض أن تتضمن بعض أدوات البناء أو تتضمن الطين الذي كان يعتزم أن يضرب به اللبنة الأولى في أساس المعبد(13).
وأدت نقوش العهد دورها في تسجيل آيات الرقي الفني خلاله، وصور بعضها زقورات ذات ثلاثة مسطحات، ليس من المستعبد أن إحداهما كانت تقوم في العاصمة لجش بالذات.
وجرت نقوش الأختام حينذاك على الأسلوب الأكدي، وشاعت فيها مثلها مناظر التقرب من الآلهة، ولكن روح التقوى غلبت فيها على مجرد الرغبة في الإهداء إلى الأرباب. واحتفظت نقوش أحد أختام جوديا وأحد نصبه بمنظر متماثل صور راعيه نين جيزايدا يأخذ بيده ليقدمه إلى كبير الأرباب واهب الفيضان الذي استوى على عرشه بتاجه ذي القرون، حيث تقرب جوديا إلى مولاه بآنية ينسكب على جانبيها الماء الطهور، وبدا في حضرته متواضعًا وجلا يلبس ملفعة بسيطة موشاة الأطراف ويضع كفه تجاه فمه في هيئة التوسل والدعاء، وظهرت خلفه ربته بثوب بسيط رقيق ذي خطوط طويلة، وقد رفعت يديها إجلالًا لربها الأكبر وتشفعًا لربيبها جوديا عنده، وظهر من خلفها تنين خرافي مجنح بجسم أسد ورأس ثعبان وساقي نسر. ونجح الفنان في الحالين في تمثيل ملامح شخوصه بوضوح وفي تحقيق التناسب في صورهم وفي التمييز بين شموخ المعبود وخشوع المتعبد ورجاء الشفيع وقوسة التنين(14).
واحتفظت إحدى لوحات عهده بتصوير ممتع لفتى وفتاة يدقان على طبل كبير في حفل ديني. كما بقيت كأس كبيرة باسمه صنعت من حجر الحية، جسدت على سطوحها الخارجية بالنقش البارز هيئات حيوانات خرافية مجنحة قرناء تقف على سيقانها الخلفية وتمسك عمدًا ذات مقابض تشبه مقابض السيوف، وأفاع ضخمة قائمة متقابلة تلتف حول محور رأسي وقد رقشت أجسادها جميعها بقطع حجرية صغيرة وطعمت رؤوسها بمواد ملونة(15).
وصاحب تعمير المعابد ورقي الفنون في عهد جوديا نشاط عمراني، كان من صورة الاهتمام بوسائل الري، وبقي من نصوص عهده ما يتحدث عن شق قناة نسبت إلى رب لجش وسميت "نين جيرسو أوشومجال" ويبدو أن حفرها كان عملًا ذا بال بحيث أرخ به في سنته(16).
وظل خلفاء جوديا يرددون ذكراه، وساعدت كثرة تماثيله في معبد لجش وكثرة الأوقاف المرصودة على قرابينها، على استمرار تبجيله أو تقديسه بعد عهده.
واحتفظت فنون لجش بمستواها الرفيع في عهد "أورنين جيرسو" بن جوديا، واحتفظت له أرضها ببضعة تماثيل صغيرة ممتعة تشبه تماثيل أبيه، صوره بعضها حليق الشارب واللحية على عادة الكهان، بينما صوره بعضها الآخر بشعر طويل ولحية, واستغل الفنانون بعض قواعد هذه التماثيل لنقش صور عدد من المتعبدين يتقدمون بقرابينهم وهم جثاة(17).
__________
(1) See, A. Parrot, Tello, Vingt Compagnes De Fouilles "1887-1933", Paris, 1948 Pl.,
(2) Ibid.
(3) Frankfort, The Art And Architecture…, 47.
(4) Frankfort, Op. Cit., Pl. 46; Parrot, Op. Cit., Pl. Xvi D.
(5) G.A. Barton, Op, Cit., 181 F., 201 F., 205 F.; L. Oppenheim, Op. Cit., 268-269.
(6) G.A. Barton, Op. Cit., 214-217; Lambert and Tournay, Rb, 1948, 403 F.; Ra, 1952, 81.
(7) Barton, 182-183; Frankfort, Kingship And The Gods, 255.
(8) A. Falkenstein, W. Von Soden, Sumerische Und Akkadiesche Hymmen Und Gebete, Zurich, 1953, 140, 173, Etc.
(9) Frankfort, Op. Cit., Pl. 50, A-B, Etc...
(10) Ibid., Pl. 50 C.
(11) Parrot, Op, Cit., Fig. 42 H.
وانظر عن آثار أخرى من عهده: Frankfort, Op. Cit., 49 and References.
(12) Ibid., Pl. 51 A.
(13) Parrot, Op. Cit., Fig. 44; and See, E. Douglas Van Butren, Foundation Figurines and Offerings, Berlin, 1931.
(14) ديلابورت: المرجع السابق - شكل 31 Frankfort, Op. Cit., 49.
(15) Ibid., Pl. 51 B. "Louvre Archives Photographiques", And See Iraq, I "1934," 60 F.
(16) ديلابورت: المرجع السابق ص128
(17) Parrot, Op. Cit., Pl. Xxiii A-C.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
في مستشفى الكفيل.. نجاح عملية رفع الانزلاقات الغضروفية لمريض أربعيني
|
|
|