أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-7-2019
1822
التاريخ: 2024-07-02
507
التاريخ: 2024-07-08
471
التاريخ: 30-8-2021
2042
|
بإزاء كل فضيلة رذيلة هي ضدها ، و لما عرفت أن أجناس الفضائل أربعة فأجناس الرذائل أيضا في بادئ النظر أربعة :
الجهل ، و هو ضد الحكمة ، و الجبن ، و هو ضد الشجاعة ، و الشره و هو ضد العفة ، و الجور، و هو ضد العدالة.
وعند التحقيق يظهر أن لكل فضيلة حدا معينا ، و التجاوز عنه بالإفراط أو التفريط يؤدى إلى الرذيلة ، فالفضائل بمنزلة الأوساط ، و الرذائل بمثابة الأطراف ، و الوسط واحد معين لا يقبل التعدد ، و الأطراف غير متناهية عددا.
فالفضيلة بمثابة مركز الدائرة ، و الرذائل بمثابة سائر النقاط المفروضة من المركز إلى المحيط فإن المركز نقطة معينة ، مع كونه أبعد النقاط من المحيط ، و سائر النقاط المفروضة من جوانبه غير متناهية ، مع أن كلا منها أقرب منه من طرف إليه.
فعلى هذا يكون بإزاء كل فضيلة رذائل غير متناهية ، لأن الوسط محدود معين ، و الأطراف غير محدودة ، و تكون الفضيلة في غاية البعد عن الرذيلة التي هي نهاية الرذائل ، و يكون كل منها أقرب منها إلى النهاية ، و مجرد الانحراف عن الفضيلة من أي طرف اتفق يوجب الوقوع في رذيلة.
والثبات على الفضيلة و الاستقامة في سلوك طريقها بمنزلة الحركة على الخط المستقيم ، و ارتكاب الرذيلة كالانحراف عنه ، و لا ريب في أن الخط المستقيم هو أقصر الخطوط الواصلة بين النقطتين ، و هو لا يكون إلا واحدا ، و أما الخطوط المنحنية بينهما فغير متناهية فالاستقامة في طريق الفضيلة و ملازمتها على نهج واحد ، و الانحراف عنه تكون له مناهج غير متناهية و لذلك غلبت دواعي الشر على بواعث الخير.
ويظهر مما ذكر أن وجدان الوسط الحقيقي صعب ، و الثبات عليه بعد الوجدان أصعب ، لأن الاستقامة على جادة الاعتدال في غاية الإشكال ، و هذا معنى قول الحكماء «إصابة نقطة الهدف أعسر من العدول عنها ، و لزوم الصوب بعد ذلك حتى لا يخطيها أسر» و لذلك لما أمر فخر الرسل بالاستقامة في قوله تعالى : { فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} [هود : 112] .
قال شيبتني سورة هود (عليه السلام).
إذ وجد أن الوسط الحقيقي فيما بين الأطراف الغير المتناهية المتقابلة مشكل ، و الثبات عليه بعد الوجدان أشكل.
وقال (المحقق الطوسي) و جماعة : «إن ما ورد في إشارات النواميس من أن الصراط المستقيم أدق من الشعر، و أحد من السيف إشارة إلى هذا المعنى» و غير خفي بأن هذا التأويل جرأة على الشريعة القويمة ، و هتك لأستار السنة الكريمة ، و الواجب الإذعان بظاهر ما ورد من أمور الآخرة نعم يمكن أن يقال كما مر: إن الأمور الأخروية التي حصل بها الوعد و الوعيد كلها أمور محققة ثابتة على ما أخبر به ، إلا أنها صور للأخلاق ، و الصفات المكتسبة في هذه النشأة قد ظهرت بتلك الصور في دار العقبى بحسب المرتبة ، إذ ظهورات الأشياء مختلفة بحسب اختلاف المراتب و النشآت فمواد ما يؤذى و يريح من الصور في موطن المعاد انما هو الأخلاق و النيات المكتسبة في هذه النشأة.
وهذا المذهب بما استقر عليه آراء أساطين الحكمة و العرفان ، و ذكرنا الظواهر الدالة عليه من الآيات و الأخبار، و أشرنا إلى حقيقة الحال فيه.
وعلى هذا فالصراط المستقيم الممدود كالجسر على الجحيم صورة لتوسط الأخلاق ، و الجحيم صورة لأطرافها ، فمن ثبت قدمه على الوسط هنا لم يزل عن الصراط هناك و وصل إلى الجنة التي وعدها اللّه المتقين ، و من مال إلى الأطراف هنا سقط هناك في جهنم التي أحاطت بالكافرين.
ثم الوسط إما حقيقي و هو ما تكون نسبته إلى الطرفين على السواء كالأربعة بالنسبة إلى الاثنين والستة ، و هذا كالمعتدل الحقيقي الذي أنكر الأطباء وجوده ، أو إضافي و هو أقرب ما يمكن تحققه للنوع أو الشخص إلى الحقيقي و يتحقق به كمالهما «اللائق بحالهما» وإن لم يصل إليه فالتسمية بالوسط إنما هو بالنسبة إلى الأطراف التي هي أبعد من الحقيقي بالإضافة إليه ، و هذا كالاعتدالات النوعية و الشخصية التي أثبتها الأطباء ، فإن المراد منها الاعتدالات التي يمكن تحققها للأنواع و الأشخاص ، و هو القدر الذي يليق بكل نوع أو شخص أن يكون عليه ، و إن لم يكن اعتدالا حقيقيا بمعنى تساوى الأجزاء البسيطة العنصرية و تكافؤها في القوة و الأقربية إلى الحقيقي بالنسبة إلى سائر الأطراف سمى إضافيا.
ثم الوسط المعتبر هنا هو الإضافي لتعذر وجدان الحقيقي و الثبات عليه ، و لذا تختلف الفضيلة بالاختلاف الأشخاص و الأحوال و الأزمان ، فربما كانت مرتبة من الوسط الإضافي فضيلة بالنظر إلى شخص او حال أو وقت ، و رذيلة بالنسبة إلى غيره.
وتوضيح الكلام أنه لا ريب في أن الوسط الحقيقي في الأخلاق لكونه في حكم نقطة غير منقسمة لا يمكن وجدانه و لا الثبات عليه ، و لذا ترى من هو متصف بفضيلة من الفضائل لا يمكن الحكم بكون تلك الفضيلة «هي الوسط الحقيقي ، إلا أنه لما كانت تلك الفضيلة» قريبة إليه و لا يمكن وجود الأقرب منها إليه له ، يحكم بكونها وسطا إضافيا لأقربيتها إليه بالنسبة إلى سائر المراتب فالاعتدال الإضافي له عرض ، وسطه الاعتدال الحقيقي ، و طرفاه طرفا الإفراط و التفريط ، إلا أنه ما لم يخرج عن هذين الطرفين يكون اعتدالا إضافيا ، و كلما كان أقرب إلى الحقيقي كان أكمل و أقوى ، و إذا خرج عنهما دخل في الرذيلة.
لا يقال : على هذا ينبغي أن يكون الاعتدال الطبي في المزاج أيضا كذلك أي له عرض وسطه الاعتدال الحقيقي و طرفاه خارجان عن الاعتدال الطبي حتى أنه كلما قرب إلى الحقيقي صار الطبي أقوى و أكمل مع أنه ليس الأمر كذلك ، إذ القياس يقتضي الخروج عن الاعتدال الطبي أو ضعفه لقربه إلى الحقيقي.
«بيان ذلك» أن الاعتدال الحقيقي في المزاج أن تكون أجزاء العناصر متكافئة القوة ، و الاعتدال الطبي في نوع الإنسان أو شخص من أشخاصه أن تكون الأجزاء الحارة مثلا من عشرة إلى اثنى عشرة ، و الباردة من ثمانية إلى تسعة ، و اليابسة من سبعة إلى ثمانية ، و الرطبة من ستة إلى سبعة ، فإذا كانت الأجزاء الحارة ستة ، و الباردة خمسة ، و اليابسة أربعة والرطبة ثلاثة كانت خارجة عن الاعتدال الطبي ، مع صيرورته أقرب إلى الحقيقي ، بل إذا فرضت تكافؤ أجزاء العناصر الأربعة حتى حصل نفس الاعتدال الحقيقي خرجت أيضا عنه فلا يكون الحقيقي وسط الطبي حتى أنه كلما يصير إليه أقرب يكون أقوى و أكمل.
لأنا نقول نحن لا ندعى : أن الحقيقي وسط الطبي بل هو أمر مغاير له ، و الحقيقي في طرفه الخارج ، فإن له طرفين : «أحدهما» أن تصير الأجزاء أقرب في التساوي مما كان للطبي إلى أن يبلغ إلى الحقيقي ، «و الثاني» أن يصير أبعد فيه مما كان له إلى غير النهاية ، إلا أن بعض مراتب الطرفين التي منها الاعتدال الحقيقي غير ممكن الوقوع فتأمل.
فإن قيل : إن الوسط المعتبر هنا إن كان إضافيا ، لكان له عرض كعرض المزاج ، فلا يناسب وصفه بالحدة و الدقة ، قلنا.
كما في عرض المزاج مرتبة هي أفضل المراتب و أقربها إلى الاعتدال الحقيقي ، كذلك في عرض الوسط للملكات مرتبة هي أفضل المراتب و أقربها إلى الحقيقي ، و هي المطلوبة بالذات ولا ريب في أن خصوص هذه ليس لها عرض واسعة ، فلا بأس بوصفها بالدقة و الحدة ، و أما سائر المراتب المعدودة من الوسط و إن لم تكن خالية عن شوائب الإفراط و التفريط ، إلا أنه لما كان لها قرب محدود إلى المرتبة المطلوبة بحيث يصدق معه كون النوع أو الشخص باقيا على كماله اللائق به عدت من الأوساط و الفضائل : كما أن غير الأقرب إلى الاعتدال الحقيقي من مراتب عرض المزاج يعد من الاعتدال : لكون النوع أو الشخص معه باقيا محفوظا بحيث لا يظهر خلل بين في أفعاله و إن لم يخل عن الانحراف ، و لو وصف هذه المراتب أيضا بالحدة و الدقة مع سعتها فوجهه أن وجدانها و الثبات عليها لا يخلو أيضا من صعوبة.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|