أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-3-2022
1885
التاريخ: 1-4-2020
1654
التاريخ: 23-9-2021
1653
التاريخ: 2024-08-11
324
|
الفضائل ملكات مخصوصة ، لها آثار معلومة ، و ربما صدر عن بعض الناس أفعال شبيهة بالفضائل ، و ليست بها فلا بد من بيان الفرق بينهما لئلا يشتبه على الغافل فيضل و يضل فنقول : قد عرفت أن فضيلة الحكمة عبارة عن العلم بأعيان الموجودات على ما هي عليه ، و هو لا ينفك عن اليقين و الطمأنينة ، فمجرد أخذ بعض المسائل و تقريرها على وجه لائق من دون وثوق النفس و اطمئنانها ليست حكمة ، و الآخذ بمثله ليس حكيما ، إذ حقيقة الحكمة لا تنفك عن الإذعان القطعي و اليقيني و هما مفقودان فيه ، فمثله كمثل الأطفال في التشبه بالرجال أو بعض الحيوانات في محاكاة ما للإنسان من الأقوال و الأفعال.
وأما فضيلة العفة ، فقد عرفت أنها عبارة عن ملكة انقياد القوة الشهوية للعقل ، حتى يكون تصرفها مقصورا على أمره و نهيه ، فيقدم على ما فيه المصلحة و ينزجر عما يتضمن المفسدة بتجويزه ، و لا يخالفه في أوامره و نواهيه ، و ينبغي أن يكون الباعث للاتصاف بتلك الملكة و صدور آثارها مجرد كونها فضيلة و كمالا للنفس و حصول السعادة الحقيقية بها ، لا شيء آخر من دفع ضر، أو جلب نفع ، أو اضطرار و إلجاء ، فالإعراض عن اللذات الدنيوية لتحصيل الأزيد من جنسها ليس عفة ، كما هو شأن بعض تاركي الدنيا للدنيا و كذا الحال في تركها لخمود القوة و قصورها و ضعف الآلة و فتورها ، أو لحصول النفرة من كثرة تعاطيها ، او للحذر من حدوث الأمراض و الأسقام ، أو اطلاع الناس و توبيخهم ، أو لعدم درك تلك اللذات كما هو شأن بعض أهالي الجبال و البوادي , إلى غير ذلك.
وأما فضيلة الشجاعة ، فقد عرفت أنها ملكة انقياد القوة الغضبية للعقل حتى يكون تصرفها بحسب أمره و نهيه ، و لا يكون للاتصاف بها و صدور آثارها داع سوى كونها كمالا و فضيلة فالإقدام على الأمور الهائلة، و الخوض في الحروب العظيمة ، و عدم المبالاة من الضرب و القطع و القتل لتحصيل الجاه و المال ، أو الظفر بامرأة ذات جمال ، أو للحذر من السلطان و مثله ، أو للشهوة بين أبناء جنسه ، ليست صادرة عن ملكة الشجاعة ، بل منشأها إما رذيلة الشره أو الجبن ، كما هو شأن عساكر الجائرين ، و قاطعي الطرق و السارقين ، فمن كان أكثر خوضا في الأهوال ، و أشد جرأة على الأبطال للوصول إلى شيء من تلك الأغراض ، فهو أكثر جبنا و حرصا ، لا أكثر شجاعة و نجدة.
وقس على ذلك الوقوع في المهالك و الأهوال ، تعصبا عن الأقارب و الاتباع ، و ربما كان باعثه تكرر ذلك منه مع حصول الغلبة ، فاغتر بذلك و لم يبال بالإقدام اتكالا على العادة الجارية.
ومثله مثل رجل ذي سلاح لم يبال بالمحاربة مع طفل أعزل ، فإن عدم الحذر عنه ليس لشجاعته ، بل لعجز الطفل.
ومن هذا القبيل ما يصدر عن بعض الحيوانات من الصولة و الإقدام ، فإنه ليس صادرا من ملكة الشجاعة ، بل عن طبيعة القوة و الغلبة.
وبالجملة : الشجاع الواقعي ما كانت أفعاله صادرة عن إشارة العقل و لم يكن له باعث سوى كونها جميلة حسنة ، فربما كان الحذر عن بعض الأهوال من مقتضيات العقل فلا ينافي الشجاعة ، و ربما لم يكن الخوض في بعض الأخطار من موجباته فينافيها ، و لذا قيل عدم الفزع مع شدة الزلازل و تواتر الصواعق من علائم الجنون دون الشجاعة ، و إيقاع النفس في الهلكات بلا داع عقلي أو شرعي كتعرضه للسباع المؤذية ، أو إلقاء نفسه من المواضع الشاهقة أو في البحار و الشطوط الغامرة من دون علم بالسباحة من أمارات القحة و الحماقة.
ثم الشجاع الحقيقي من كان حذره من العار و الفضيحة أكثر من خوفه من الموت و الهلاك فمن لا يبالي بذهاب شرفه ، و فضيحة أهله و حرمه ، فهو من أهل الجنون و الحماقة ، و لا يستحق اسم العقل و الشجاعة ، كيف و الموت عند الشجاع مع بقاء الفضيلة أحسن من الحياة بدونها ، و لذا يختار الموت الجميل على الحياة القبيحة.
على أن الشجاعة في المبادئ ربما كانت مؤذية ، و إنما تظهر لذتها في العاقبة (لا) سيما إذا حصلت بها الحماية عن الدين و الملة ، و الذب عن العقائد الحقة ، فإن الشجاع لحبه الجميل و ثباته على الرأي الصحيح إذا علم أن عمره في معرض الزوال و الثور، و أثر الفعل الجميل يبقى على مر الدهور، يختار الجميل الباقي على الرذيل الفاني ، فيحامي عن دينه و شريعته ، و لا يبالى بما يحذر عنه غيره من أبناء طبيعته ، لعلمه بأن الجبان المقصر في حماية الدين ، و مقاومة جنود الشياطين إن بقي أياما معدودة ، فمع تكدرها بالذل و الصغار تكون زائلة ، و لا ترضى نفسه بالحرمان عن السعادة الباقية ، ولذا قال فخر الشجعان و سيد ولد عدنان عليه صلوات اللّه الملك الرحمن لأصحابه : «أيها الناس إنكم إن لم تقتلوا تموتوا و الذي نفس ابن أبي طالب بيده لألف ضربة بالسيف على الرأس أهون من ميتة على الفراش».
و بالجملة : كل فعل يصدر عن الشجاع في أي وقت يكون مقتضى للعقل مناسبا لهذا الوقت واقعا في موقعه ، و له قوة التحمل على المصائب ، و ملكة الصبر على الشدائد و النوائب ، و لا يضطرب من شدائد الأمور، و يستخف بما يستعظمه الجمهور، و إذا غضب كان غضبه بمقتضى العقل ، و كان انتقامه مقصورا على ما يستحسن عقلا و شرعا ، و لا يتعدى إلى ما لا ينبغي.
وليس مطلق الانتقام مذموما ، فربما كان في بعض المواضع مستحسنا عند العقل و الشرع ، و قد صرح الحكماء بأن عدم الانتقام ممن يستحقه يحدث في النفس ذبولا لا يرتفع إلا بالانتقام ، و ربما أدى هذا الذبول إلى بعض الرذائل المهلكة.
وأما العدالة فقد عرفت أنها عبارة عن انقياد القوة العملية للعاقلة ، أو امتزاج القوى و تسالمها و انقهار الجميع تحت العاقلة ، بحيث يرتفع بينها التنازع و التجاذب ، و لا يغلب بعضها على بعض ، و لا يقدم على شيء غير ما تسقط له العاقلة.
وإنما يتم ذلك إذا حصلت للإنسان ملكة راسخة تصدر لأجلها جميع الأفعال على نهج الاعتدال بسهولة ، و لا يكون له غاية في ذلك سوى كونها فضيلة و كما لا ، فمن يتكلف أعمال العدول رياء و سمعة أو لجلب القلوب ، أو تحصيل الجاه و المال ليس عادلا.
وقس على ذلك جميع أنواع الفضائل المندرجة تحت الأجناس المذكورة فإنه بإزاء كل منها رذيلة شبيهة بها ، فينبغي لطالب السعادة أن يعرفها و يجتنب عنها ، مثلا السخاء عبارة عن ملكة سهولة بذل المال على المستحق مع كون الغاية الباعثة له عليه مجرد كونه فضيلة و كمالا دون الأغراض الأخر، فبذل المال لتحصيل الأزيد ، أو لدفع الضرر، أو نيل الجاه ، أو للوصول إلى شيء من اللذات الحيوانية ليس سخاء.
وكذا بذله لغير المستحق و الإسراف في إنفاقه , فإن المبذر جاهل بعظم قدر المال , و الاحتياج إليه في مواقع لولاه لأدى إلى تضييع الأهل و العيال و العجز عن كسب المعارف و فضائل الأعمال ، و له دخل عظيم في تزويج احكام الملة و نشر الفضيلة و الحكمة ، و لذا ورد في الصحيفة السليمانية (أن الحكمة مع الثروة يقظان ، و مع الفقر نائم) .
وربما كان منشأ التبذير عدم العلم بصعوبة تحصيل الحلال منه ، و هذا يكون في الأغلب لمن يظفر بمال بغتة من ميراث أو غيره مما لا يحتاج إلى كد و عمل ، فإن مثله غافل عن صعوبة كسب الحلال منه ، إذ المكاسب الطيبة قليلة جدا ، و ارتكابها للأحرار مشكل ، و لذا ترى أفاضل الأحرار ناقصي الحظوظ منه شاكين عن بختهم ، و أضدادهم على خلاف ذلك ، لعدم مبالاتهم من تحصيله بأي نحو كان.
وقد قال بعض الحكماء : «إن تحصيل المال بمنزلة نقل الحجر إلى قلة الجبل و إنفاقه كإطلاقه».
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|