أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-9-2016
1861
التاريخ: 22-9-2016
1756
التاريخ: 22-9-2016
1093
التاريخ: 26-9-2020
3764
|
أن أعظم المخاوف خوف سوء الخاتمة ، و له أسباب مختلفة ترجع إلى ثلاثة :
(الأول) و هو الأعظم ، و هو أن يغلب على القلب عند سكرات الموت و ظهور أهواله ، إما الجحود أو الشك ، فتقبض الروح في تلك الحالة ، و تصير عقدة الجحود أو الشك حجابا بينه و بين اللّه تعالى ، و ذلك يقتضى البعد الدائم ، و الحرمان اللازم ، و خسران الأبد ، والعذاب المخلد.
ثم هذا الجحود أو الشك إما يتعلق ببعض العقائد الأصولية ، كالتوحيد وعلمه تعالى أو غير ذلك من صفاته الكمالية ، أو بضروريات أمر الآخرة و النبوة.
وكل واحد من ذلك كاف في الهلاك و زهوق النفس على الزندقة , أو يتعلق بجميعها إما إصالة أو سراية ، و المراد بالسراية أن الرجل ربما اعتقد في ذات اللّه و صفاته و أفعاله خلاف ما هو الحق و الواقع ، إما برأيه و معقوله ، أو بالتقليد ، فإذا قرب الموت و ظهرت سكراته و اضطرب القلب بما فيه ، ربما انكشف بطلان ما اعتقده جهلا ، إذ حال الموت حال كشف الغطاء ، و يكون ذلك سببا لبطلان بقية اعتقاداته أو الشك فيها ، و إن كانت صحيحة مطابقة للواقع ، إذ لم يكن عنده أولا فرق بين هذا الاعتقاد الفاسد الذي انكشف فساده و بين سائر عقائده الصحيحة ، فإذا علم خطأه في البعض لم يبق له اليقين و الاطمئنان في البواقي.
كما نقل أن (الفخر الرازي) بكى يوما ، فسألوه عن سبب بكائه ، قال : « اعتقدت في مسألة منذ سبعين سنة على نحو انكشف اليوم لي بطلانه ، فما أدراني أن لا تكون سائر عقائدي كذلك » و بالجملة : إن اتفق زهوق روحه في هذه الخطرة قبل أن ينيب و يعود إلى أصل الإيمان ، فقد ختم له بالسوء و خرجت روحه على الشرك ، أعاذنا اللّه منه ، و ثبتنا على الاعتقاد الحق لديه و هم المقصودون من قوله : {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر : 47] .
ومن قوله : {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعً} [الكهف : 103، 104].
والبله : أعنى الذين آمنوا باللّه و رسوله و اليوم الآخر إيمانا مجملا راسخا ، بمعزل عن هذا الخطر ، و لذلك ورد : أن أكثر أهل الجنة البله.
وورد المنع من البحث و النظر و الخوض في الكلام ، و الأخذ بظواهر الشرع ، مع اعتقاد كونه تعالى منزها عن النقص متصفا بما هو الغاية و النهاية من صفات الكمال و السر في ذلك : أن البله إذا أخذوا بما ورد من الشرع واعتقدوا به ، يثبتون عليه لقصور أذهانهم عن درك الشبهات و عدم اعتيادهم بالتشكيك ، فلا يختلج ببالهم شك و شبهة و لو عند الموت.
وأما الخائضون في غمرات البحث و النظر، و الآخذون عقائدهم من عقولهم المزجاة ، فليس لهم تثبت على عقائدهم ، إذ العقول عن درك صفات اللّه و سائر العقائد الأصولية على ما هي عليه قاصرة ، والأدلة التي يستخرجها مضطربة متعارضة , وأبواب الشكوك و الشبهات بالخوض و البحث تصير مفتوحة.
فأذهانهم دائما محل تعارض العقائد و الشكوك ، فربما ثبتت لهم عقيدة بملاحظة بعض دلائله فيحصل لهم فيها طمأنينة ، ثم يعرض لهم شك يرفعها أو يضعفها ، فهم دائما في غمرات الحيرة والاضطراب.
فإذا كان حالهم هذا فأخذتهم سكرات الموت ، فأي استبعاد في أن يختلج لهم حينئذ شك في بعض عقائدهم.
ومثله مثل من انكسرت سفينته وهو في ملتطم الأمواج يرميه موج إلى موج ، والغالب في مثله الهلاك ، و إن اتفق نادرا أن يرميه موج إلى الساحل.
وقد نقل عن (نصير الدين الحلي) - و هو من أعاظم المتكلمين - أنه قال : « إني تفكرت في العلوم العقلية سبعين سنة ، و صنفت فيها من الكتب ما لا يحصى ، لم يظهر لي منها شيء سوى أن لهذا المصنوع صانعا ، و مع ذلك عجائز القوم في ذلك أشد يقينا مني ».
فالصواب تلقى أصل الإيمان والعقائد من صاحب الوحي ، مع تطهير الباطن عن خبائث الأخلاق ، و الاشتغال بالطاعات و صوالح الأعمال ، و عدم التعرض لما هو خارج عن طاقتهم من التفكر في حقائق المعارف ، إلا من أيده اللّه بالقوة القدسية و القريحة المستقيمة ، و أشرق نور الحكمة في قلبه.
وشمله خفى الألطاف من ربه ، فله الخوض في غمرات العلوم , و أما غيره فينبغي أن يأخذ منه أصول عقائده الواردة من الشرع ، و يشتغل بخدمته حتى تشمله بركات أنفاسه ، فإن العاجز عن المجاهدة في صف القتال ينبغي أن يسقي القوم و يتعهد دوابهم ، ليحشر يوم القيامة في زمرتهم وإن كان فاقدا لدرجتهم.
(الثاني) ضعف الإيمان في الأصل ، ومهما ضعف الإيمان ضعف حب اللّه و قوى حب الدنيا في القلب ، و استولى عليه بحيث لا يبقى في القلب موضع لحب اللّه إلا من حيث حديث النفس فلا يظهر له أثر في مخالفة النفس و الشيطان ، فيورث ذلك الانهماك في اتباع الشهوات ، حتى يظلم القلب و يسود ، و تتراكم ظلمة الذنوب عليه ، و لا يزال يطفئ ما فيه من نور الإيمان حتى ينطفئ بالكلية ، فإذا جاءت سكرة الموت ازداد حب اللّه ضعفا ، و ربما عدم بالمرة ، لما يستشعر من فراقه محبوبه الغالب على قلبه و هو الدنيا ، فيتألم و يرى ذلك من اللّه ، فيختلج ضميره بإنكاره ما قدره اللّه من الموت ، و ربما يحدث في باطنه بغض اللّه بدل الحب ، لما يرى أن موته من اللّه ، كما أن من يحب ولده حبا ضعيفا ، إذا أخذ مالا له هو أحب إليه منه و أتلفه انقلب حبه بغضا.
فإن اتفق زهوق روحه في تلك اللحظة التي خطر فيها هذه الخطرة فقد ختم له بالسوء , نعوذ باللّه من ذلك.
وقد ظهر أن السبب المفضي إلى ذلك غلبة حب الدنيا مع ضعف الإيمان الموجب لضعف حب اللّه ، فمن وجد في قلبه حب اللّه أغلب من حب الدنيا فهو أبعد من هذا الخطر، و إن أحب الدنيا أيضا ، و من وجد في قلبه عكس ذلك فهو قريب من هذا الخطر , و السبب في قلة حب اللّه قلة المعرفة به ، إذ لا يحب اللّه إلا من عرفه ، و إلى هذا القسم من سوء الخاتمة أشير في الكتاب الإلهي بقوله : {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ } [التوبة : 24].
فمن فارقته روحه في حالة كراهة فعل اللّه و بغضه له في تفريقه بينه و بين أهله و ماله و سائر محابة ، فيكون موته قدوما على ما أبغضه و فراقا لما أحبه فيقدم على اللّه قدوم العبد المبغض الآبق إذا قدم به على مولاه قهرا ، و لا يخفى ما يستحق مثله من الخزي و النكال و أما الذي يموت على حب اللّه و الرضا بفعله كان قدومه قدوم العبد المحسن المشتاق إلى مولاه و لا يخفى ما يلقاه من الفرح و السرور.
(والثالث) كثرة المعاصي و غلبة الشهوات ، و إن قوى الإيمان.
وبيان ذلك : أن مفارقة المعاصي سببها غلبة الشهوات ورسوخها في القلب بكثرة الألف و العادة وجميع ما ألفه الإنسان في عمره يعود ذكره في قلبه عند موته ، فإن كان أكثر ميله إلى الطاعات كان أكثر ما يحضره عند الموت طاعة اللّه ، و إن كان أكثر ميله إلى المعاصي غلب ذكرها على قلبه عنده ، و إن كان أكثر شغله السخرية و الاستهزاء و المزاح و أمثال ذلك كان الغالب عند الموت ذلك ، و هكذا الحال في جميع الأشغال و الأعمال الغالبة في عمره ، فإنها تغلب على قلبه عند موته ، فربما يقبض روحه عند غلبة شهوة من شهوات الدنيا و معصية من المعاصي ، فيعتقد بها قلبه ، و يصير محجوبا عن اللّه تعالى.
وهو المراد بالختم على السوء , فالذي غلبت عليه المعاصي و الشهوات ، و كان قلبه أميل إليها منه إلى الطاعة ، فهذا الخطر قريب في حقه و لا يميل إليها أصلا ، فهو بعيد منه جدا , و من غلبت عليه الطاعات و لم يقارف المعاصي إلا نادرا ، فلعل الراجح في حقه النجاة منه ، و إن أمكن حصوله , و من لم يغلب شيء من طاعاته و معاصيه على الآخر فأمره في هذا الخطر إلى اللّه ، و لا يمكن لنا الحكم بشيء من القرب و البعد في حقه.
والسر في ذلك : أن الغشية المتقدمة على الموت شبيهة بالنوم ، فكما أن الإنسان يرى في منامه جملة من الأحوال التي عهدها طول عمره و ألفها ، حتى أنه لا يرى في منامه إلا ما يماثل مشاهداته في اليقظة ، و حتى أن المراهق الذي يحتلم لا يرى صورة الوقاع ، فكذلك حاله عند سكرات الموت و ما يتقدمه من الغشية ، لكونه شبيها بالنوم و إن كان فوقه ، فيقتضي ذلك تذكر المألوفات و عودها إلى القلب ، فربما يكون غلبة الألف سببا لأن تتمثل صورة فاحشة في قلبه و تميل نفسه إليها و تقبض عليها روحه ، و يكون ذلك سبب سوء خاتمته ، و إن كان أصل الإيمان باقيا بحيث يرجى له الخلاص منها بعناية اللّه و فضله.
وكما أن ما يخطر بالبال في اليقظة إنما يخطر بسبب خاص لا يعلمه بحقيقته أحد إلا اللّه ، فكذلك ما يرى في آحاد المنامات و ما يختلج في القلب عند سكرات الموت له أسباب عند اللّه لا نعرف بعضها ، و ربما نتمكن من معرفة بعضه ، فإنا نعلم أن الخاطر ينتقل من الشيء إلى ما يناسبه إما بالمشابهة بأن ينظر إلى جميل فيتذكر جميلا آخر، و إما بالمضادة ، بأن ينظر إلى جميل فيتذكر قبيحا ، و إما بالمقارنة ، بأن ينظر إلى فرس قد رآه من قبل مع إنسان فيتذكر ذلك الإنسان ، و قد ينتقل الخاطر من شيء إلى شيء ، و لا يدري وجه المناسبة له ، و ربما ينتقل إلى شيء لا يعرف سببه أصلا.
وكذلك انتقالات الخواطر بالمنام و عند سكرات الموت لها أسباب لا نعرف بعضها و نعرف بعضها بالنحو المذكور.
ومن أراد أن يكف خاطره عن الانتقال إلى المعاصي و الشهوات ، فلا طريق له إلا المجاهدة طول عمره في فطام نفسه عنها ، و في قمع الشهوات عن قلبه ، فهذا هو القدر الذي يدخل تحت الاختيار، و يكون طول المجاهدة و المواظبة على العلم و تخلية السر عن الشواغل الدنيوية و تقييده بالتوجه إلى اللّه و حبه و أنسه عدة و ذخيرة لحالة سكرات الموت ، إذ المرء يموت على ما عاش عليه ، و يحشر على ما مات عليه ، كما ورد في الخبر .
وقد دلت المشاهدة على أن كل أحد يكون عند موته مشغول القلب بما هو الغالب عليه طول عمره ، حيث يظهر منه عند ذلك ، و إنما المخوف الموجب لسوء الخاتمة هو خاطر سوء يخطر، و منه عظم خوف العارفين ، إذ اختلاج الخواطر و الاتفاقات المقتضية لكونها مذمومة أو ممدوحة لا يدخل تحت الاختيار دخولا كليا ، و إن كان لطول الألف و العادة تأثير و مدخلية ولذا إذا أراد الإنسان ألا يرى في المنام إلا الأنبياء و الأئمة (عليهم السلام) و أحوال الصالحين والعبادات لم يتيسر له ، و إن كانت كثرة الحب و المواظبة على الصلاح و الطاعة مؤثرة فيه. وبالجملة : اضطرابات الخيال لا تدخل بالكلية تحت الضبط ، و إن كان الغالب مناسبة ما يظهر في النوم لما غلب في اليقظة , و بذلك يعلم أن أعمال العبد كلها ضائعة إن لم يسلم في النفس الأخير الذي عليه خروج الروح ، و أن السلامة مع اضطراب أمواج الخواطر مشكلة و لذلك
قال رسول اللّه ( صلى اللّه عليه و آله و سلم ) : «إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة خمسين سنة حتى لا يبقى بينه و بين الجنة إلا فواق ناقة ، فيختم له بما سبق به الكتاب»
ومعلوم أن فواق الناقة لا يتسع لأعمال توجب الشقاوة ، بل هي الخواطر التي تضطرب و تخطر خطور البرق الخاطف , و من هنا قيل : « إني لا أعجب ممن هلك ، كيف هلك ، و لكني أعجب ممن نجا كيف نجا»،
وورد : « أن الملائكة إذا صعدت بروح المؤمن ، و قد مات على الخير و الإسلام ، تعجبت الملائكة منه ، و قالوا : كيف نجا من دنيا فسد فيها خيارنا».
ولذلك قيل : من وقعت سفينته في لجة البحر، و هجمت عليه الرياح العاصفة ، و اضطربت الأمواج ، كانت النجاة في حقه أبعد من الهلاك ، و قلب المؤمن أشد اضطرابا من السفينة ، و أمواج الخواطر أعظم التطاما من أمواج البحر، و مقلب القلوب هو اللّه.
ومن هنا يظهر سر قوله : «الناس كلهم هلكى إلا العالمون ، و العالمون كلهم هلكى إلا العاملون والعاملون كلهم هلكى إلا المخلصون ، والمخلصون على خطر عظيم» .
ولأجل هذا الخطر العظيم كانت الشهادة مطلوبة وموت الفجأة مكروها ، إذ موت الفجأة ربما يتفق عند غلبة خاطر سوء و استيلائه على القلب.
وأما الشهادة في سبيل اللّه فإنها عبارة عن قبض الروح في حالة لم يبق في القلب غير حب اللّه و خرج حب الدنيا و المال و الولد ، فإن من هجوم على صف القتال بأمر اللّه و أمر رسوله يكون موطنا نفسه على الموت لرضا اللّه و حبه ، بائعا دنياه بآخرته ، راضيا بالبيع الذي بايعه اللّه به في قوله : { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ } [التوبة : 111].
وبذلك يظهر أن القتل لا بسبب الشهادة التي حقيقتها ما فسر ، لا يفيد الاطمئنان من هذا الخطر وإن كان ظلما ، و إن كان في الجهاد ، إذا لم تكن هجرته فيه إلى اللّه و رسوله ، بل إلى دنيا يصيبها أو امرأة يأخذها.
وقد ظهر مما ذكر : أن سوء الخاتمة باختلاف أسبابه راجع إلى أحوال القلب ، و حالة القلب إما خاطر خير أو خاطر سوء أو خاطر مباح ، فمن زهق روحه على خاطر مباح لم يمكن الحكم بأنه ختم على خير أو سوء ، بل أمره إلى اللّه ، و إن كانت النجاة له أقرب بعد غلبة صالحات أعماله على فاسداتها ، و من زهق روحه على خاطر سوء و هو أحد الخواطر المتقدمة : {فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء : 116] ، و خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً و من زهق روحه على خاطر خير و هو أن يكون قلبه في حالة الموت متوجها إلى اللّه ممتلئا من حبه و أنسه « فقد فاز فوزا عظيما».
وهذا موقوف على المجاهدة في فطام النفس عن الشهوات الحيوانية ، و إخراج حب الدنيا عنها رأسا ، و الاحتراز عن فعل المعاصي و مشاهداتها و التفكر فيها ، و عن مجالسة أهلها و استماع حكاياتهم ، بل عن مباحات الدنيا بالكلية ، وتخلية السر عما سوى اللّه ، والانقطاع بشراشره إليه ، و إخراج محبة كل شيء سوى محبته عن قلبه ، حتى يصير حبه سبحانه و الأنس به ملكة راسخة ، ليغلب على القلب عند سكرة الموت ، و بدون ذلك لا يمكن القطع بذلك كيف و قد علمت أن الغشية المتقدمة على الموت شبه النوم ، و أنت في غالب الرؤيا الظاهرة عليك في المنام لا تجد في قلبك حبا للّه و أنسا به و توجها إليه ، بل لا يخطر ببالك أن لك ربا متصفا بالصفات الكمالية ، بل ترى ما كنت تألفه و تعتاده من الأمور الباطلة و الخيالات الفاسدة فإن زهق روحك عند اشتغال خاطرك بشيء من الأمور الدنيوية ، و لم يكن متوجها إلى اللّه و مستحضرا معرفته و مبتهجا بحبه و أنسه ، لبقيت على تلك الحالة أبدا ، و هو الشقاوة العظمى والخيبة الكبرى.
فتيقظ - يا حبيبي - من سنة الغفلة ، و تنبه عن سكر الطبيعة ، و اخرج حب الدنيا عن قلبك ، و توجه بشراشرك إلى جناب ربك ، و اكتف من الدنيا بقدر ضرورتك و لا تطلب منها فوق حاجتك ، و اقنع من الطعام ما يقيم صلبك و لا تكثر التناول منه ليزيل من ربك قربك ، و ارض من اللباس بما يستر عورتك و لا يظهر للناس سوءتك ، و اكتف من المسكن بما يحول بينك و بين الأبصار و يدفع عنك حر الشمس و برد الأمطار، فإن جاوزت عن ذلك تشعبت همومك و تكثرت غمومك ، و أحاط بك الشغل الدائم و العناء اللازم و ذهب عنك جل خيراتك و ضاعت بركات أوقاتك.
و بعد ذلك راقب قلبك في جميع الأوقات ، و إياك أن تهمله لحظة من اللحظات ، و احفظه من أن يكون محلا لغير معرفة اللّه و حبه ، و ليكن القرب إلى اللّه و الأنس به غاية همك ، إذ العاقل إنما يميل و يشتاق إلى ما هو الأشرف و الأكمل ، و يسر و يرتاح بما له أحسن و أنفع ، و لا ريب في أن أشرف الموجودات و أكملها هو سبحانه ، بل هو الموجود الحقيقي و الكمال الواقعي ، و غيره من الموجودات و الكمالات من لوازم فيضه و رشحات وجوده و فضله ، و له غاية ما يتصور من العلو و الكمال و البهاء و الجلال ، و إن معرفته و حبه أحسن الأشياء و أنفعها لكل أحد ، لأنه الباعث للسعادة الأبدية و البهجة الدائمية ، فلا ينبغي للعاقل أن يترك ذلك اشتغالا بفضول الدنيا و خسائسها ، بل يلزم عليها أن يترك حبلها على غاربها ، و يخلص نفسه الشريفة عن مخالبها ، و يتوجه بكليته إلى جناب ربه ، و لم يكن فرحه و ابتهاجه إلا بحبه و أنسه.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|