أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-09-2014
2332
التاريخ: 5-11-2014
3097
التاريخ: 2024-05-09
695
التاريخ: 5-11-2014
3761
|
قال ابن أبي الإصبع : يجب على المتكلم أن يختم كلامه بأحسن خاتمة ، فإنّها آخر ما يبقى في الأسماع ، ولأنّها ربّما حفظت من دون سائر الكلام في غالب الأحوال ، فيجب أن يجتهد في رشاقتها ونضجها وحلاوتها وجزالتها (1) .
وقال غيره : ينبغي أن يكون آخر الكلام الذي يقف عليه الخطيب أو المترسّل أو الشاعر مستعذباً حسناً ، وأحسنه ما أذن بانتهاء الكلام ، حتى لا يبقى للنفس تشوّفٌ إلى ما وراءه .
قال ابن معصوم : وهذا رابع المواضع التي نصّ أئمة البلاغة على التأنّق فيه ؛ لأنّه آخر ما يقرع السمع ويرتسم في النفس ، وربّما حفظ لقرب العهدية ، فإن كان
مختاراً حسناً تلقّاه السمع واستلذّه ، ولربّما جَبر ما وقع فيما سبق من التقصير ، كالطعام الشهيّ يُتناول بعد الأطعمة التَفِهة . فإن كان بخلاف ذلك كان على العكس ، حتى ربّما أنسى المحاسن قبله (2) .
وقد اتّفقت كلمة أعلام البيان على أنّ خواتيم السور كلّها كفواتحها في غاية الجودة ونهاية الكمال ، إذ اختُتمت على أحسن وجوه البلاغة وأفضل أنحاء البراعة ، ما بين أدعية خالصة ، وتحميد وتهليل وتسبيح ، أو إيجاز لِما اقتضته السورة من تفصيل ، ممّا يناسبه الاختتام ، والإيذان للسامع بختم المقال وتوفّيه المرام ، فلا يبقى مع تشوّف إلى إدامةٍ وتكميلٍ أو إتمام (3) .
قال ابن معصوم : خواتيم السور كفواتحها واردة على أحسن وجوه البلاغة وأكملها ممّا يناسب الاختتام ، كتلخيص جملة المطلوب ثمّ تفصيلها بأوجز بيان في خاتمة سورة الفاتحة ؛ إذ المطلوب الأعلى من هداية الأنام هو الإيمان بالله واتّباع طريقة مصونة عن الزيغ والانحراف ، ممّا يوجب سخطه تعالى والتيه في وادي الضلال ، فهذا قد لخّص أولاً في قوله : ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) ثمّ فصل : {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة : 7] ، يعني أنّهم جمعوا بين النعم المطلقة ، وهي : نعمة الإيمان ، ونعمة السلامة عن غضب الرحمن ، ونعمة التجنّب عن أسباب الضلال ، التي هي المعاصي وتجاوز الحدود .
وهكذا ختُمت سورة البقرة بالدعاء والاستغفار والابتهال إلى الله في طلب النصر والتوفيق ، وهو من أجمل الخواتيم وأفضلها .
قال : وتأمّل سائر خواتيم السور تجدها كذلك في غاية الجودة ونهاية اللطافة ، هذه خاتمة سورة إبراهيم ( عليه السلام ) هي من أوضح ما أذن بالختام ، وهو قوله تعالى : {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [إبراهيم : 52].
وهكذا خاتمة الحجر بقوله تعالى : {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } [الحجر : 99] فإنّها في غاية البراعة .
ومثلها خاتمة الزمر بقوله سبحانه : {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [الزمر : 75] .
وأمّا خاتمة الصافّات فإنّها العلم في براعة الختام ، حتى صارت يختم بها كل كلام ـ دار بين أرباب الفضيلة وأصحاب البيان ـ وهو قوله تعالى : {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [الصافات : 180 - 182] (4).
ولابن أبي الإصبع عرض لطيف عن براعة خواتيم السور ، يذكرها سورة سورة حتى نهاية الكتاب العزيز ، ويُشير إلى ما في كل خاتمة من جودة تعبير وحسن أداء إشارات إجمالية عابرة ؛ إذ لا يسعه المجال للتفصيل والإيفاء ؛ ومِن ثَمّ قد يبدو عليه أثر التكلّف أو التعسّف لولا جانب الاختصار ، أمّا التعمّق فيقضي بالتحسين والإكبار ، فإنّه ( رحمه الله ) أفاد وأشاد ، وفتح باباً كان لم يستطرقه أحدٌ قبله ، وأتى بما فوق المراد وأجاد .
قال ـ مبتدئاً ـ : وجميع خواتيم السور الفرقانية في غاية الحسن ونهاية الكمال ؛ لأنّها بين أدعية ووصايا ، وتحميد وتهليل ، ومواعظ ومواعد ، إلى غير ذلك من الخواتيم التي لا يبقى للنفوس بعدها تشوّف إلى ما يقال .
ثمّ ذَكر الخواتيم على الترتيب ، وأخيراً قال : هذه خواتيم السور الفرقانية على الإجمال ، ولو ذهبت إلى ذكر تفاصيل ما انطوت عليه من المحاسن والفنون ، وما يُبرهن عن تمكينها ورشاقة مقاطعها ، وانتهاء البلاغة إلى كل مقطع منها ، لاحتجت في ذلك إلى تدوين كتابه بذاته (5) .
قلت : والمُراجع اللبيب يجد صدق مقاله إذا أمعن التدبّر في دلائله ، وفي كلام الشريف صدر الدين ابن معصوم المدني ـ آنفاً ـ مقتبسات من تلك الإشارات .
________________
(2) بديع القرآن : ص343 .
(2) أنوار الربيع : ج6 ص324 .
(3) راجع معترك الأقران : ج1 ص75 .
(4) أنوار الربيع : ج6 ص325 بتصرّف وتلخيص .
(5) بديع القرآن : ص346 ـ 353 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|