المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8200 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

إسماعيل بن أبي زياد السلمي الكوفي.
7-10-2020
تأثير التعليب على الاسماك
12-2-2016
عِدّة أخبار في شدّة عذاب جهنّم
11-12-2018
مبردات الهواء
28-11-2021
مراحل تطور الانسان البشري
15-10-2016
حكم شمّ الطيب حال الاعتكاف.
4-1-2016


قاعدة « لا شك لكثير الشك » (*)  
  
438   08:02 صباحاً   التاريخ: 20-9-2016
المؤلف : آية الله العظمى السيد محمد حسن البجنوردي
الكتاب أو المصدر : القواعد الفقهية
الجزء والصفحة : ج2 ص345 - 379.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / القواعد الفقهية / لا شك لكثير الشك /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-9-2016 370
التاريخ: 20-9-2016 439
التاريخ: 20-9-2016 347

من جملة القواعد الفقهيّة قاعدة « نفي الشكّ وعدم اعتباره من كثير الشكّ في الصلاة » : أي حكمه ، ولذلك قد يعبّر عن هذه القاعدة بأنّه : « لا حكم للسهو مع كثرته ».

وفيها جهات من البحث :

[ الجهة ] الأولى

في مدركها‌ :

وهو الأخبار والإجماع.

أمّا الإجماع : فقد تكرّر منّا في هذا الكتاب أنّه لا اعتبار بها في مثل هذا الموارد التي وردت فيها أخبار معتبرة ، للظنّ بل العلم بأنّ مدرك المجمعين هو هذه الأخبار ، فلا بدّ من الرجوع إليها وأنّها هل تدلّ على هذه القاعدة أم لا؟

وأمّا الأخبار : فمنها : صحيحة محمد بن مسلّم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : « إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك فإنّه يوشك أن يدعك ، إنّما هو من الشيطان » (1).

ومنها : صحيحة زرارة وأبي بصير ـ أو حسنتهما ـ قالا : قلنا له : الرجل يشكّ كثيرا في صلاته حتّى لا يدري كم صلّى ولا ما بقي عليه؟ قال عليه السلام : « يعيد ». قلنا : فإنّه يكثر عليه ذلك كلّما أعاد شكّه؟ قال عليه السلام : « يمضي في شكّه » ، ثمَّ قال عليه السلام : « لا تعودوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه فإنّ الشيطان خبيث معتاد لما عود ، فليمض أحدكم في الوهم ، ولا يكثرن نقض الصلاة ، فإنّه إذا فعل ذلك مرّات لم يعد إليه الشكّ ». قال زرارة : ثمَّ قال عليه السلام : « إنّما يريد الخبيث أن يطاع ، فإذا عصي لم يعد إلى أحدكم » (2).

محمّد بن الحسن بإسناده عن محمّد بن يعقوب مثله (3).

ومنها : بإسناده عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن ابن سنان ، عن غير واحد ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك » (4).

ومنها : موثّق عمّار عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يكثر عليه الوهم في الصلاة ، فيشكّ في الركوع فلا يدري أركع أم لا. ويشكّ في السجود فلا يدري أسجد أم لا؟

فقال عليه السلام : « لا يسجد ولا يركع ويمضي في صلاته حتّى يستيقن يقينا » الحديث (5).

ومنها : مرسلة الصدوق محمّد بن عليّ بن الحسين ، قال : قال الرضا عليه السلام : « إذا كثر عليك السهو في الصلاة فامض على صلاتك ولا تعد » (6).

ومنها : ما رواه محمّد بن أبي حمزة عن الصادق عليه السلام قال : « إذا كان الرجل ممّن يسهو في كلّ ثلاث فهو ممّن كثر عليه السهو » (7).

ومنها : ما روى ابن إدريس في آخر السرائر منتهيا إلى أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « لا سهو على من أقرّ على نفسه بسهو » (8).

هذه هي الأخبار الواردة في هذا الباب.

فنقول : أمّا دلالة صحيحة محمّد بن مسلم على عدم اعتناء كثير الشكّ بشكّه واضح بناء على أن يكون المراد من السهو هو الشكّ في قوله عليه السلام : « إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك » وهو كذلك إذ لو كان المراد منه النسيان ـ بمعنى أنّه يعلم بنسيان الجزء الفلاني كالركوع أو السجود ـ فلا يمكن ردعه ، لأنّ حجّية العلم ذاتيّة ليس قابلا للردع ، فلا بدّ وأن يكون المراد منه الشكّ واحتمال عدم الإتيان لا القطع بعدمه ، فالمراد من قوله عليه السلام : « إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك » هو أنّه إذا كنت شكّاكا فلا تعتن بشكّك ، واحتمال النقيصة فيما إذا كان شكّك بالنسبة إلى عدم الإتيان بجزء أو شرط ، ولا تعتن باحتمال الزيادة إذا كان شكّك بالنسبة إلى وجود مانع ، وامض في صلاتك والق احتمال عدم وجود شرط أو جزء ، أو احتمال وجود مانع في صلاتك ، أي ابن على تماميّة ما أتيت به ، وعدم خلل فيه من حيث الزيادة والنقيصة.

والفرق بينها وبين أصالة الصحّة أنّ الثانية تجري بعد الفراغ عن العمل وهذه القاعدة في الأثناء ، وبينها وبين قاعدة التجاوز هو أنّ الثانية تجري بعد التجاوز عن المحلّ وهذه تجري ولو كان في المحلّ.

وأمّا صحيحة زرارة وأبي بصير : فصدر الرواية ربما يوهم خلاف المقصود ، لأنّ جوابه عليه السلام بقوله « يعيد » ـ عن قولهما : الرجل يشكّ كثيرا في صلاته ـ يدلّ على‌ الاعتناء بالشكّ ولو كان كثير الشكّ ، بل الحكم بالاعتناء والإعادة في نفس مورد كثير الشكّ.

لكنّه ليس كذلك ، إذ المراد بهذه الجملة يمكن أن يكون أنّ الرجل ليس ممن يحفظ عدد الركعات دائما ، بل يشكّ كثيرا باعتبار الوقائع المتعدّدة ، مثلا في كلّ أسبوع يشكّ في عدد ركعات صلاته مرّتين وإن كان لا يصل إلى حدّ يتّصف بعنوان أنّه كثير الشك عرفا ، وأنّه يشكّ في صلاة واحدة ثلاث مرّات ، أو يشكّ في ثلاث صلوات متواليات في كلّ واحد منها مرّة واحدة.

فإذا كانت الكثرة في صدر الرواية بهذا المعنى فلا تنافي بين صدر الصحيحة وذيلها حيث يحكم عليه السلام في الصدر بوجوب الإعادة في موضوع كثير الشكّ ، ويحكم في الذيل بعدم الاعتناء بالشكّ والمضيّ في صلاته أيضا في هذا الموضوع ، أي موضوع كثير الشكّ ، لأنّه كما عرفت ليس كثرة الشكّ في المقامين بمعنى واحد.

واحتمل بعضهم أن يكون المراد بكثرة الشكّ في الصدر باعتبار تعدّد المتعلّق في تلك الواقعة الواحدة ، أي تعدّد احتمالاته ، مثلا يحتمل أن يكون ما بيده هي الركعة الأولى وبعد لم يتمها ، ويحتمل أن تكون هي الثانية ، ويحتمل أن تكون هي الثالثة وهكذا كثرة الاحتمالات بواسطة كثرة المحتمل ، مع أنّه شكّ واحد في واقعة واحدة.

ولكن الإنصاف أنّ هذا الاحتمال بعيد عن ظاهر قوله : « الرجل يشكّ كثيرا ».

واستظهر المقدّس الأردبيلي من هذه الصحيحة التخيير (9) ، بمعنى أنّ كثير الشكّ مخيّر بين أن يعتني بشكّه ويبني على عدم إيجاد المشكوك ويعيد الصلاة ، وبين أن لا يعتني بشكّه ويبني على وجود المشكوك ويمضي في صلاته. فمفاد الصدر هو الشقّ الأوّل من شقّي التخيير ، ومفاد الذيل هو الشقّ الثاني.

وحكى في الجواهر عن المحقّق الثاني أيضا التخيير بين البناء على وجود المشكوك‌ ووقوعه ، والبناء على الأقلّ بمعنى عدم الإتيان بالمشكوك (10).

وحكى عن الشهيد في ذكري أيضا أنّ عدم اعتناء كثير الشكّ بشكّه رخصة فيجوز أن يعمل على مقتضى الشكّ فيتلافى إن كان في المحلّ مثلا (11).

ولكن أنت خبير بأنّ التخيير ينافي ظاهر هذه الروايات ، حيث أنّه عليه السلام أمر بالمضي في صلاته ، والأمر ظاهر في الوجوب ، خصوصا مع هذا التعليل وأنّ المضي وعدم الاعتناء بالشكّ رغما لأنف الشيطان وعصيان له وإذا عصى لا يعود ، ونهيه عليه السلام عن تعويده بالاعتناء بالشكّ وأنّه إذا عصى لا يعود لأنّ الخبيث يريد أن يطاع فلا يعود إذا عصى ، ونهيه عليه السلام عن الإتيان بالمشكوك بقوله : « لا يسجد ولا يركع ويمضي في صلاته حتّى يستيقن يقينا » في خبر ابن سنان.

والحاصل : أنّ هذه الروايات لها ظهور تامّ في تعيّن المضي ووجوب عدم الاعتناء بالشكّ ، وآبية عن التخيير بأيّ معنى كان ممّا ذكرنا ، فما أفاده المقدّس الأردبيلي ـ ونسب إلى الشهيد في ذكري وإلى المحقّق الثاني في رسالته السهويّة ـ ممّا لا يمكن الموافقة معهم ، وليس كما ينبغي. والإنصاف أنّه لا إشكال ولا غبار في دلالة هذه الروايات على هذه القاعدة ، أي عدم الاعتناء بشكّ كثير الشكّ.

ثمَّ إنّه بناء على وجوب المضي وعدم الاعتناء بالشكّ إذا كان كثير الشكّ لو أراد أن يتلافى المشكوك المحتمل العدم وأتى به ، فالظاهر بطلان صلاته ، لأنّه زيادة منهيّة عنها في الصلاة ، إلاّ أن يكون المشكوك المحتمل العدم من الأشياء التي يجوز فعله في الصلاة لكن لا بقصد الجزئيّة ، بل يأتي بها بقصد القربة المطلقة ، فالمتعيّن هو عدم الاعتناء بالشكّ والمضي في الصلاة بأن يبني على وجود المشكوك إن كان من الأجزاء والشرائط ، وعلى عدمه إنّ كان من الموانع ، لأنّ هذا المعنى هو المتفاهم العرفي وما هو‌ الظاهر من كلمة « يمضي » سواء كان بصورة الجملة الخبريّة ، أو بصورة الإنشاء كقوله امض.

الجهة الثانية

في مفاد هذه القاعدة على تقدير اعتبارها‌ :

فنقول : إنّ بيان هذه الجهة منوط بذكر أمور :

الأوّل : أنّه قد تقدّم أنّه المراد من السهو ـ في الروايات أو في كلامهم في مقام التعبير عن هذه القاعدة ، كما في عبارة الشرائع « لا حكم للسهو مع كثرته » (12) ـ هو الشكّ لا خصوص معناه الحقيقي أي النسيان ، ولا الأعمّ منه ومن الشكّ ، إذ لو كان المراد منه أحد هذين المعنيين يلزم أن لا يكون اعتبار بنسيان كثير النسيان ، بمعنى أنّه مثلا لو سها في صلاة واحدة ـ أي نسي الركوع والسجود كلّ واحد من ركعة ونسي أيضا الركعة الأخيرة من تلك الصلاة بعينها ـ لا يكون عليه بأس وتكون تلك الصلاة صحيحة مع العلم بفقدان المذكورات ، ولا يمكن الفقيه أن يتفوّه بمثل هذا ، بل ينبغي أن يعدّ مثل هذا الكلام من الأعاجيب.

والحاصل : أنّه فرق كثير بين الحكم بعدم الاعتناء باحتمال عدم الإتيان بالجزء أو الشرط ، أو الحكم بعدم الاعتناء باحتمال وجود المانع الذي هو عبارة عن الحكم بعدم الاعتناء بالشكّ إذا كان كثير الشكّ ، وبين الحكم بعدم الاعتناء بالعلم بعدم وجود الجزء أو الشرط أو العلم بوجود المانع ، ولو كان ترك ذلك الجزء أو الشرط أو إيجاد ذلك المانع سهوا ، لرجوع الأوّل إلى كفاية الامتثال الاحتمالي لمثل هذا الشخص ـ أي كثير الشكّ ـ والثاني إلى كفاية الإتيان بما أتى مع العلم بعدم الإتيان بالمأمور به بتمامه.

إن قلت : أيّ إشكال في هذا ، أليس مفاد « لا تعاد » هو هذا في سهو غير الأركان‌ ونسيانها ، فإنّ مفاد صحيحة « لا تعاد » هو صحّة الصلاة مع القطع بعدم الإتيان بتمام الأجزاء والشرائط ومع القطع بإيجاد الموانع ، ولكن كلّ ذلك في غير الأركان ، لدلالة عقد المستثنى على ذلك.

قلنا : إنّ صحيحة « لا تعاد » كما تقول توسعة في مقام الامتثال ، بمعنى أنّ ما وقع فيه الخلل ـ من عدم جزء أو شرط أو وجود مانع ـ يقبل بدل التامّ ، أو مفادها نفي الجزئيّة والشرطيّة والمانعيّة في حال السهو والنسيان ، ولكن كلّ ذلك في غير الأركان كما هو مفاد عقد المستثنى.  

ولكن في موضوع كثير الشكّ لو قلنا بأنّ المراد من السهو خصوص معناه الحقيقي ـ وهو النسيان أو المراد أعمّ منه ومن الشكّ ـ فيشمل الأركان وغيرها لا استثناء هاهنا ، والالتزام بهذا للفقيه ممّا لا يمكن.

ان قلت : تقع المعارضة بين قوله عليه السلام : « إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك » وبين عقد المستثنى في صحيحة « لا تعاد » حيث أنّ عقد المستثنى في تلك الصحيحة أخصّ من هذه الروايات ، فتخصّص هذه الروايات به ، فيصير مفادها مفاد صحيحة « لا تعاد » بعينه ، فلا يبقى إشكال ، لأنّ الصحيحة معمول بها عند كلّ الفقهاء.

قلنا : مرجع هذا الكلام إلى إلقاء خصوصيّة كثير الشكّ ، لأنّ مفاد الصحيحة حكم مشترك بين كثير الشكّ وغيره ، وهذا لا يلائم مع ظاهر هذه الأخبار مع هذا التعليل الوارد فيها لعدم الاعتناء بالسهو ، وهو أنّه لا تعودوا الخبيث ، أي الشيطان وهو يريد أن يطاع ، فإذا عصى لا يعود ، وأمثال هذه العبارات ، والإنصاف : أنّ الالتزام بأنّ السهو في هذه الأخبار هو خصوص النسيان ، أو الأعمّ منه ومن الشكّ ممّا هو مردود عند الذوق الفقهي.

وأمّا احتمال أن يكون المراد من نفي السهو في هذه الأخبار هو نفي الأثر الشرعي الذي جعله الشارع لنفس السهو أعني سجدتي السهو ـ حتّى يرجع معنى قوله عليه السلام « إذا كثر عليك السهو فليس عليك سجدتا السهو » وجوب سجدتي السهو على غير‌ كثير السهو ، لا أن يكون المراد من نفي السهو هو عدم الاعتناء باحتمال عدم السهو أو باليقين بعدمه.

فيدفعه أنّ هذا الاحتمال خلاف ظاهر هذه الأخبار ، لأنّ قوله عليه السلام « إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك » ظاهره أنّ كثرة السهو علّة لعدم الاعتناء بعدم وجود المسهو ، وأنّه يجب عليه المضي ، لا أنّ حكم نفس السهو والأثر المترتّب عليه ساقط عنه ، وهذا واضح جدا.

الثاني : الظاهر أنّ المراد من المضيّ في صلاته ـ بعد أن التفت إلى أنّه كثير الشكّ ـ عدم الاعتناء بالخلل الوارد على صلاته من ناحية هذا الشكّ ، سواء كان احتمال الخلل من جهة احتمال عدم وجود ما يكون عدمه مضرّا كالجزء والشرط ، أو احتمال وجود ما يكون وجوده مضرّا كالمانع ، فإنّ هذا المعنى هو المناسب للتعليل بالنهي عن تعويد الشيطان.

وحاصل معنى هذه الروايات أنّ كثير الشكّ يجب عليه أن لا يعتني باحتمال الخلل مطلقا ، سواء كان ترك ركن أو الأجزاء والشرائط غير الركنيّة ، أو كان احتمال الخلل لاحتمال وجود مانع حتّى يصير الشيطان مأيوسا ، ويرى أنّ وسوسته لغو لا أثر له فلا يعود ، وإلاّ لو رأى أنّ الشاكّ يرتّب الأثر على شكّه واحتماله ـ أي إذا كان احتمال عدم وجود جزء أو شرط ولم يتجاوز المحلّ يأتي به ، وإذا كان بعد تجاوز المحلّ ، أو كان شكّه واحتماله احتمال وجود المانع يعيد الصلاة ـ فيطمع عدو الله فيه ويصرّ على الوسوسة كي يوقعه في التعب الكثير حتّى ينتهي بالآخرة إلى ترك الصلاة ، أو الاستخفاف بها لعجزه عن العمل بكلّ ما يحتمل.

الثالث : أنّ هذا الحكم تعييني لا تخييري ، كما نسب إلى المقدّس الأردبيلي (13) ، والشهيد (14) ، والمحقّق الثاني (15) ـ قدّس أسرارهم ـ لكمال منافرة التعليل لوجوب المضيّ ـ بأنّه من باب إرغام أنف الشيطان كي لا يعود إلى وسوسته وإيقاعه في الشكّ ـ مع التخيير فإنّ مناسبة الوجوب التعييني مع هذا التعليل في كمال الوضوح ، مضافا إلى أنّ ظاهر الوجوب المستفاد من قوله : « يمضي في صلاته » هو الوجوب التعييني ، لأنّه مقتضى إطلاق الوجوب.

وقد تقدّم منشأ قول هؤلاء الأكابر بالتخيير والجواب عنه فلا نعيد. والإنصاف أنّ ذهاب هؤلاء الأعاظم إلى التخيير عجيب.

الرابع : أنّ هذا الحكم ـ أي عدم اعتناء كثير الشكّ بشكّه ـ هل مختصّ بالصلاة أم يجري في سائر العبادات أيضا؟ وعلى تقدير اختصاصه بالصلاة هل يجري في مقدّماتها الخارجيّة أم يختصّ بنفس الصلاة؟

ربما يقال بعدم اختصاصه بنفس الصلاة ، بل يجري في مقدّماتها الخارجيّة كالوضوء والغسل والتيمم ، بل يجري في سائر العبادات المركبة كالحجّ وأمثاله لوجوه :

[ الوجه ] الأوّل : لدليل نفي العسر والحرج الثابت بالكتاب والسنّة ، إذ ترتيب كثير الشكّ أثر الشكّ على شكّه والاعتناء به حرج شديد عليه ، سواء كان في الصلاة أو في غيرها من العبادات خصوصا في مثل الحجّ ، مثلا لو شكّ في رمي الجمرات أو في السعي أو في الطواف وكان كثير الشكّ ، فترتيب أثر الشكّ وتكرار هذه الأفعال ثانيا وثالثا ورابعا مثلا في غاية الصعوبة ، وخصوصا إذا كان شكّه ممّا يوجب إعادة العمل في السنة المقبلة مع بعد بلد الشاكّ ، فهو يقينا من الحرج المنفي في الشريعة.

وفيه : أنّ الحرج ليس مختصّا بكثير الشكّ ، بل يمكن أن يتحقّق في غير كثير الشكّ أيضا ، وعلى كلّ الحرج الشخصي الرافع للحكم الإلزامي إذا وجد وتحقّق يرفع الحكم ، سواء كان كثير الشكّ أو قليله ، وسواء كان في الصلاة أو في غيرها من العبادات ، وسواء كان في أجزاء الصلاة أو في مقدّماتها الخارجيّة.

وأمّا إذا كان الحرج النوعي الذي هو حكمة التشريع للتسهيل على المكلفين ـ كما هو كذلك في جعل وجوب الإفطار ، والتقصير على المسافر ، والطهارة الترابيّة على فاقد الماء وأمثال ذلك ـ فلا يطّرد اطّراد علّة الحكم بحيث يستدلّ بوجوده لثبوت الحكم في موضوع آخر ، بل يكون من قبيل القياس المنهي عنه في الدين ، وأنّه يوجب محقة.

ففي هذا القسم ، أي فيما هو من قبيل حكمة التشريع لا بدّ من إتيان الدليل على الحكم ، وأنّ حكمته التسهيل وعدم لزوم الحرج ، وهذا هو الفرق بين أن يكون الحرج علّة للحكم أو يكون من قبيل حكمة التشريع.

ففي القسم الأوّل : يكون هو مناط الحكم أين ما وجد ، ويكون من قبيل منصوص العلّة أو تنقيح المناط القطعي.

وفي القسم الثاني : إسراء الحكم إلى موضوع آخر لأجل وجود ذلك الحرج النوعي من قبيل القياس المردود غير المقبول.

ولا شكّ أنّ ما نحن فيه من القسم الثاني ، فلا يصحّ إثبات الحكم بالحرج النوعي في غير الصلاة من سائر العبادات.

الوجه الثاني : هو التعليل الذي في صحيحة زرارة وأبي بصير بعدم الاعتناء بالشكّ بقوله عليه السلام : « لا تعودوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه » إلى آخر ما قال عليه السلام لعدم اختصاص هذه العلّة بالصلاة ، بل تجري في جميع العبادات المركّبة بل في المعاملات أيضا.

ويؤيّد ما ذكرنا من عموم التعليل ، وعدم اختصاصه بالصلاة وأجزائها ومقدّماتها‌ الداخلية ـ صحيح ابن سنان عن الصادق عليه السلام قال : قلت له : رجل مبتلى بالوضوء والصلاة وقلت هو رجل عاقل؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام : « وأيّ عقل له وهو يطيع الشيطان؟ » فقلت له : وكيف يطيع الشيطان؟ فقال عليه السلام : « سله هذا الذي يأتيه من أيّ شي‌ء هو؟ فإنّه يقول لك : من عمل الشيطان » (16).

والظاهر أنّ قول القائل « رجل مبتلى بالوضوء » أي كثير الشكّ وشبيه بالوسواسي ، فقول الإمام عليه السلام : « إنّه يطيع الشيطان » تعليل لعدم عقله بالاعتناء بشكّه وسمّاه بإطاعة الشيطان ، فهو عليه السلام يشنع عليه الاعتناء بشكّه وترتيب الأثر عليه ، فيستفاد لزوم عدم الاعتناء بشكّه ، مع أنّه في الوضوء وهو من مقدّمات الخارجيّة للصلاة لا نفس الصلاة ، فالحكم بعدم الاعتناء بالشكّ إذا كان كثير الشكّ ليس مختصّا بالصلاة وأجزائها ومقدّماتها الداخليّة.

وفيه : أيضا أنّ هذا التعليل من قبيل حكمة التشريع ، فلا يكون مطّردا اطرّاد العلّة.

[ الوجه ] الثالث : الإجماع على جريان حكم كثير الشكّ أي عدم الاعتناء بشكّه في الوضوء.

وفيه : أوّلا : عدم تسليم اتّفاق الكلّ. وثانيا : لو كان فليس هو الإجماع المصطلح الذي قلنا بحجيته في الأصول ، لأنّ المظنون استناد المتفقين إلى الوجوه المذكورة فلا أثر لهذا الاتّفاق ، ولا بدّ من الرجوع إلى نفس المدارك ، وقد عرفت حالها فلا نعيد.

فظهر أنّ جريان هذه القاعدة في غير الصلاة في غاية الإشكال ، لورود الروايات في مورد الصلاة فقوله عليه السلام : « إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك » لا يشمل غير الصلاة وأجزاء وشرائطها الداخليّة ، كالقبلة والستر والطمأنينة وأمثال ذلك.

وأمّا المقدّمات الخارجيّة كالطهارات الثلاث ، فشمول القاعدة لها ـ مع أنّ موارد‌ الروايات هو عدم الاعتناء بالشكّ والمضي في الصلاة ـ لا يخلو عن إشكال.

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ الاعتناء بالشكّ فيها ـ إذا حصل الشكّ في أثناء الصلاة ـ عدم المضي في الصلاة والشارع أمر بالمضي فيها ، فالمقدّمات الخارجيّة حيث أنّ الشكّ فيها ينتهي إلى الشك في إتيان الصلاة جامعة للأجزاء والشرائط ، فأمره عليه السلام بالمضي في الصلاة وعدم الاعتناء بالشكّ يشملها من هذه الجهة.

ثمَّ إنّه لا فرق في الحكم بعدم الاعتناء بالشكّ إذا كان كثير الشكّ ، وفي شمول هذه القاعدة بين أن يكون شكّه في عدد الركعات أو الأفعال وتشمل الجميع ، وذلك لأنّ قوله عليه السلام : « إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك » مطلق يشمل بإطلاقه الشكّ في الأفعال وفي عدد الركعات.

هذا ، مضافا إلى أنّ موثّق عمّار نصّ في الأفعال ، لقوله عليه السلام في جواب لا يدري أركع أم لا؟ وهكذا في جواب لا يدري أسجد أم لا : « لا يركع ولا يسجد ويمضي في صلاته ».

وصحيحة زرارة وأبي بصير ظاهرة في عدد الركعات ، لأنّ قوله عليه السلام « يمضي في شكّه » في جواب ما سئلا عنه عليه السلام وهو أنّه يشكّ كثيرا الظاهر أنّه في عدد الركعات كلّما أعاد الشكّ ، فالدليل ـ في جريان القاعدة في كلا الموردين ـ موجود ولا يحتاج إلى التمسّك بالإطلاق.

الخامس : في أنّه لو كان كثير الشكّ في بعض أفعال الصلاة ، مثلا كان كثير الشكّ في خصوص الركوع أو السجود أو تكبيرة الإحرام ، فهل إذا شكّ في جزء آخر غير الجزء الذي هو كثير الشكّ فيه ، أو غير كثير الشكّ في ذلك الشرط يجري فيه حكم كثير الشك ـ أي عدم الاعتناء بشكّه والبناء على وقوعه ، إذا كان المشكوك من الأجزاء والشرائط ، والبناء على عدمه إذا كان من الموانع ـ أم لا يلحقه حكم كثير الشكّ؟ وكذلك لو كان كثير الشكّ في خصوص عدد الركعات دون الأجزاء والشرائط‌ والموانع ، أو كان بالعكس كثير الشكّ في الأجزاء والشرائط والموانع دون عدد الركعات فهل يسري حكم كثير الشكّ ممّا هو فيه كثير الشكّ إلى ما ليس فيه كذلك ، فلو كان كثير الشكّ في الأجزاء دون عدد الركعات ، فهل يسري هذا الحكم إلى عدد الركعات أو بالعكس ، أم لا يسري فيه؟

وجهان ، بل قولان :

والأوجه هو عدم السراية ممّا هو كثير الشكّ فيه إلى غيره ممّا ليس فيه كثير الشكّ ، فلو كان كثير الشكّ في خصوص تكبيرة الإحرام ولم يدخل بعد في القراءة أي يكون الشكّ في المحلّ ، فبحكم هذه القاعدة يبني على وقوع تكبيرة الإحرام وإيجاده ، فلو شكّ بعد ذلك قبل أن يركع في أنّه هل قرأ السورة أم لا؟ ولكنه شكّ بدوي غير مسبوق بالشكّ فيه أصلا ، فلا تجري القاعدة في السورة ، بل يجب عليه أن يأتي بها ، لأنّ عمدة ما يمكن أن يتمسّك به للسراية ، صحيح ابن سنان عن الصادق عليه السلام قال : « إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك » ، فإنّه مطلق لم يذكر فيه متعلّقا لكثرة السهو ، بل رتّب حكم المضي في صلاة على كون المصلّي كثير السهو ، فيمكن أن يستفاد منها عدم الاعتناء بشكّه في أيّ جزء من أجزاء الصلاة بمحض كون المصلّي من مصاديق مفهوم كثير الشكّ ، فإذا صحّ أن يقال : إنّ هذا المصلّي كثير الشكّ فلا عبرة بشكّه في أي جزء أو شرط وقع الشك فيه ، بل ولا فرق بين أن يكون شكّه في عدد الركعات أو في أفعال الصلاة.

ولكن أنت خبير بأنّ هذه الاستفادة خلاف ظاهر الرواية ، لأنّه ليس المراد من قوله عليه السلام « إذا كثر عليك السهو » أنّ كثرة السهو في أيّ شي‌ء كان ، سواء أكان ممّا هو متعلّق بالصلاة كالأفعال وعدد الركعات ، أو كان متعلّقا بشي‌ء آخر ممّا هو أجنبي عن الصلاة فامض في صلاتك ، يقينا وخصوصا مع ذلك التعليل المذكور في سائر الروايات‌ من النهي عن تعويد الشيطان ، فلا بدّ وأن يكون المراد أنّه إذا كثر عليك السهو في شي‌ء من صلاتك فامض في صلاتك ولا تعتن بشكك في ذلك الشي‌ء.

فالظاهر من هذه العبارة حسب المتفاهم العرفي أنّ متعلّق الشكّ الذي حكم الشارع بإلقائه وعدم الاعتناء به مع متعلّق الشكّ الذي في « كثر عليك الوهم » شي‌ء واحد ، فيكون ظاهر صحيح ابن سنان كظاهر سائر الروايات إذا كثر شكّك في شي‌ء من صلاتك سواء كان هو من الأفعال أو كان عدد الركعات فلا تعتني بذلك الشي‌ء.

ويؤيّد هذا الاستظهار تعليل هذا الحكم بعدم تعويد الشيطان على العود إلى الوسوسة ، وإرغام أنفه بعصيانه وعدم اطاعته.

فظهر ممّا ذكرنا أنّه لا يسري الحكم ممّا هو كثير الشكّ فيه إلى غيره ، سواء كان ذلك الغير هو أحد الأفعال من الأجزاء والشرائط أو عدد الركعات.

السادس : في أنّه ما المراد من كثير الشكّ وكثير السهو؟

أقول : لا شكّ في أنّ الألفاظ المستعملة في كلام الشارع تحمل على المعاني العرفيّة ، إلاّ أن يرد تصرّف من قبل الشارع من نقل أو تحديد ، أمّا النقل فكالصلاة والصوم والحجّ وأمثالها ، وأمّا التحديد فكالإقامة والسفر فإنّ الشارع أو المتشرّعة نقلوا ألفاظ القسم الأوّل من المعاني العرفيّة إلى ماهيّات مخترعة شرعيّة تعيينا أو تعيّنا ، وفي القسم الثاني حدّد السفر بثمانية فراسخ والإقامة بعشرة أيّام.

وأمّا لو لم يكن نقل ولا تحديد في البين فلا بدّ وأن يحمل على ما هو معناه عرفا ، وهذا واضح جدّا.

ومن جملة تلك الألفاظ والجمل التي جعلت موضوعا للحكم الشرعي في لسان الشارع كلمة « كثير الشك » أو « كثير الوهم » وقد تقدّم أنّهما بمعنى واحد في هذا المقام ، فلو لم يكن تصرّف من قبل الشارع لا بدّ من الرجوع إلى العرف في فهم المراد منه وما هو معناه.

وعند العرف يحتمل أن يكون من حالات النفس وخلقا لها ، لا صرف كثرة وجود الشكّ ، فحينئذ تعيينه بثلاث مرّات في صلاة واحدة ، أو في ثلاث صلوات متواليات لا أساس له ، بل لا بدّ من وجود تلك الحالة والخلق في النفس ، سواء أكان حصولها بنفس ذلك العدد المذكور ، أو بأقلّ أو بأكثر منه. وطريق تشخيصه هو حكم العرف من الآثار كالوسواسي والقطّاع.

وأمّا إن كان عبارة عن كثرة وجود الشكّ والسهو بدون أن يكون من حالات النفس ، فلا بدّ من مراجعة العرف في حدّ الكثرة.

هذا كلّه إذا لم يكن تحديد من قبل الشرع ، وإلاّ فيجب الرجوع إلى ذلك الدليل الذي يحدّد موضوع حكمه ، لأنّ تعيين موضوع حكمه بيده ونظره لا بنظر العرف.

وما يمكن أن يكون تحديدا من قبل الشارع هو ما رواه الصدوق بإسناده عن محمّد بن أبي عمير ، عن محمّد بن أبي حمزة عن الصادق عليه السلام أنّه قال : « إذا كان الرجل يسهو في كلّ ثلاث فهو ممّن يكثر عليه السهو » (17).

والاحتمالات في هذه الرواية أربعة :

أحدها : أن يكون ما أضاف إليه لفظة « كلّ » هو لفظة الصلاة مقدّرة ، فيكون المعنى والتقدير أنّه : إذا كان الرجل يسهو في كلّ صلاة ثلاث ، فلو شكّ في كلّ صلاة مرّتين لا يكون كثير الشكّ ، بل لو شكّ في أغلب الصلوات ثلاث ولكن في بعضها القليل لم يشكّ أصلا ، أو كان شكّه أقلّ من ثلاث لا يكون كثير الشكّ.

وهذا الوجه مستبعد جدّا ، ولم يقل به أحد.

ثانيها : أن يكون المحذوف أو المقدّر هو الذي أضاف إليه لفظة « ثلاث » ، لا لفظة « كلّ » كي يكون التقدير هكذا : إذا كان الرجل يسهو في كلّ ثلاث صلوات ، أي يسهو‌ في الثالث والسادس والتاسع وهكذا فهو كثير الوهم. وهذا هو حدّ الأقلّ ، فلو كان يسهو في كلّ اثنين منها فيكون كثير الشكّ بطريق أولى. ولا شكّ أنّ كلّ ثلاث بناء على هذا المعنى من قبيل العامّ الاستغراقي أو الأصولي ، أي الحكم بكونه كثير الشكّ موضوعه هو أن يشكّ في كلّ ثلاث من صلواته ، فلو شكّ في إحدى الصلوات الثلاث الأولى مثلا ـ أي في الصلاة الأولى أو الثانية أو الثالثة ـ فهو كثير الشكّ ولم يشكّ بعد ذلك في الرابعة والخامسة والسادسة ، فيخرج عن كونه كثير الشكّ. وبعد ذلك لو شكّ في أحد الثلاث الآتية يدخل في كثير الشكّ ، وهكذا على هذا النسق خروجا ودخولا.

ثالثها : أن يكون المراد من كلّ أحد ثلاث من الصلوات الخمس ، وذلك بتقدير لفظة « الأحد » المضاف إلى ثلاث ، وبتقدير من الصلوات الخمس اليومية بعد لفظة « ثلاث » كي يكون كلمة « من الصلوات الخمس » متعلّقا بثلاث ، فتكون النتيجة أنّه لو شكّ في إحدى صلوات الثلاث من الخمسة اليوميّة ، أي إمّا في الصبح ، أو في الظهر ، أو في العصر.

هذا إذا جعلنا المبدأ صبحا ، وأمّا إذا جعلنا المبدأ ظهرا فيشكّ إمّا في الظهر ، أو العصر ، أو المغرب. وإن جعلنا المبدأ عصرا فيشك إمّا في العصر ، أو في المغرب ، أو في العشاء.

رابعها : أن يكون المراد أن يشكّ في كلّ ثلاث من الخمسة في كلّ يوم ولو كان الثلاث غير متواليات ، فلو شكّ مثلا في الصبح والعصر والعشاء يكون كثير الشك ، أمّا لو شكّ في الاثنتين منها ولو كانتا متواليتين كالظهر والعصر ، أو العصر والمغرب ، أو المغرب والعشاء فليس بكثير الشكّ. فالمدار في كونه كثير الشكّ بناء على هذا هو أن يشكّ كلّ يوم وليلة في أكثر الفرائض اليوميّة ، سواء كانت الصلوات التي وقع فيها الشكّ متواليات أو منفصلات ، وأوّل مراتب الأكثر في الخمسة هي ثلاث صلوات منها.

والفرق بين هذا المعنى والمعنى الثاني هو أوّلا : أنّ المراد من الثلاث صلوات في الثاني المتواليات ، وهاهنا أعمّ من أن يكون متواليات أو منفصلات.

وثانيا : أنّ المراد من الثلاث ثلاث من جميع الصلوات ، سواء كانت من يوم واحد كالصبح والظهر والعصر من يوم واحد ، أو كانت من يومين كالعشاء من هذا اليوم مع الصبح والظهر من غده ، غاية الأمر متواليات ، وهاهنا الثلاث من الخمسة في يوم واحد وإن لم يكن متواليات كما شرحنا وذكرنا.

والإنصاف أنّ الرواية لا تخلو من هذه الجهة ـ أي من جهة تعدّد الاحتمالات ـ من إجمال ، مضافا إلى أنّه من المحتمل قريبا أن لا يكون قوله عليه السلام « إذا كان الرجل يسهو في كلّ ثلاث فهو ممّن كثر عليه السهو » في مقام تحديد مفهوم كثير السهو ، بل بصدد بيان بعض مصاديقه العرفيّة.

فإذا لم يكن تحديد من قبل الشارع لأحد الوجهين المذكورين ـ أي لإجمال الرواية ، أو من جهة كونه عليه السلام بصدد بيان أحد مصاديقه العرفيّة ـ فلا بدّ من الرجوع إلى فهم العرف من هذه الجملة ، أي جملة « كثر عليك السهو ».

ولا يبعد أن يكون المراد منها حسب المتفاهم العرفي هو كون الشخص له حالة وخلق يوجب شكّه كثيرا ، فكما أنّ الوسواسي هو كونه ذا حالة توجب الوسوسة ، فكذلك كونه كثير الوهم وشكّاكا. بل يمكن أن تكون كثرة الشكّ مرتبة نازلة من الوسوسة وإذا كان هذا معنى كونه كثير الشكّ فلو عرض له حالة فجائيّة أوجب كثرة الشك لاغتشاش حواسّه لمصيبة ، أو لسرور زائد، أو لاشتغال فكره بأمر مهمّ فلا يكون من كثير الشكّ لأنّه ليس خلقا له ، بل عارض يرتفع بسرعة.

والحاصل : أنّك عرفت الاحتمالات وهي أربعة في الرواية.

وأمّا احتمال الخامس : بأن يكون المراد وقوع الشكّ في كلّ صلاة ثلاث مرّات فلا تساعده قواعد النحو ، إذ مقتضاها أن يكتب ثلاثا بالألف كي يكون منصوبا وتمييزا ، ومعلوم أنّه لو كان ثلاثا بالألف كان هذا الاحتمال أظهر الاحتمالات وإن لم يكن على طبقه قول في الفقه ، لأنّ معنى هذه الجملة بناء على هذا الاحتمال هو أن يسهو في كلّ صلاة ثلاث مرّات بنحو العامّ الاستغراقي.

ومثل هذا المعنى إمّا لا يوجد أصلا أو نادر الوجود ، إذ معناه أن يشكّ طول عمره في كلّ صلاة من الصلوات التي يأتي بها ثلاث مرّات ، لأنّ هذا هو المعنى الذي يستفاد من العامّ الاستغراقي. وما ذكرنا هو احتمالات الرواية.

وأمّا الأقوال في الفقه أيضا كالاحتمالات أربعة :

الأوّل : قول المشهور ، وهو إيكاله إلى العرف. وهو الصحيح عندنا ، لما ذكرنا من إجمال الرواية ، أو لكونها بصدد بيان بعض مصاديقها الشائعة والأكثر وجودا.

الثاني : عروض الشكّ عليه ثلاث مرّات متواليات ، سواء أكان في صلاة واحدة ، أو كان في ثلاث صلوات متواليات.

الثالث : تعيّن هذه الثلاثة في صلاة واحدة.

الرابع : أن يسهو في كلّ ثلاث صلوات مرّة واحدة بنحو العامّ الأصولي. وهذا القول هو مختار شيخنا الأستاذ وقد حمل الرواية على هذا المعنى ، وجعله أظهر الاحتمالات فيها.

ثمَّ إنّه بناء على المختار من كونه عبارة عن حالة وخلق نفساني يوجب كثرة وقوع الشكّ ، فلو حصل الشكّ في وجود مثل هذه الحالة في نفسه ، فيجري استصحاب عدم وجودها ، لأنّ هذه الحالة ليست من ذاتيّات الإنسان ، ولا من عوارضه اللازمة غير المفارقة كي لا يكون لعدمها النعتي حالة سابقة. وعدمها المحمولي وإن كان له حالة سابقة ولكن لا أثر له ، لأنّ الأثر ـ أي إلقاء حكم الشكّ وهو البناء على الأكثر إذا كان الشكّ في عدد الركعات ، ولزوم الإتيان بالمشكوك إذا كان الشكّ في الأفعال وقبل تجاوز المحلّ ـ مترتّب على وجودها النعتي لا الوجود المحمولي ، فعدمها النعتي له الأثر ، أي ثبوت هذين الحكمين كلّ في محلّه.

والحاصل : حيث أنّ هذه الحالة من العوارض المفارقة فلا مانع من استصحاب عدمها ، فيكون حالها حال سائر الحالات والملكات كالعدالة والاجتهاد يستصحب عدمها عند الشكّ في وجودها.

وأمّا لو كان عبارة عن كثرة وجود الشكّ وكان منشأ الشكّ هي الأمور الخارجيّة فأيضا يجري استصحاب عدم ذلك المقدار.

وأمّا إن كان منشأ الشكّ هو ترديد المفهوم بين الأقلّ والأكثر فلا يجري الاستصحاب ، لعدم الحالة السابقة لذلك المفهوم المردّد، وعلى تقدير وجود الحالة السابقة لا يثبت أنّه الأقلّ أو الأكثر ، فلا بدّ من الرجوع إلى العامّ ، لأنّ المخصّص المنفصل المجمل مفهوما لا يمنع ولا يضرّ بالتمسّك بعموم العامّ.

والمسألة محرّرة مشروحة في الأصول وقد حقّقنا وأوضحناها في كتابنا « منتهى الأصول » (18) وإن شئت فراجع ، والعموم هنا في الشكّ في عدد الركعات هو البناء على الأكثر ، وفي الشكّ في الأفعال هو لزوم الإتيان بالمشكوك إذا كان الشكّ قبل تجاوز المحلّ.

السابع : في أنّ كثير الشكّ لو شكّ بين الأربع والخمس بعد إكمال السجدتين ، فلو لم يكن كثير الشكّ فالحكم هو البناء على الأربع والإتيان بسجدتي السهو ، وأمّا أنّه حيث يكون كثير الشكّ فيبني على الأربع بدون أن يأتي بسجدتي السهو. فإنّ هذا معنى المضيّ وعدم الاعتناء بالشكّ ، وكذلك الحكم لو كان شكّه بين الأربع والخمس قبل إكمال السجدتين لعين الدليل.

وأمّا لو عرض له هذا الشكّ في حال القيام ، فلو لم يكن كثير الشكّ كانت وظيفته هدم القيام حتّى يرجع الشكّ إلى الثلاث والأربع ، فيبني على الأربع فيأتي بصلاة‌ الاحتياط.  

وأمّا لو كان كثير الشكّ ـ كما هو المفروض ـ فهل يجب عليه أن يبني على الأربع ويتمّ وليس عليه صلاة الاحتياط؟ كما هو مقتضى عدم الاعتناء بشكّه بحكم هذه الأخبار ، فإنّ مفادها كما ذكرنا عدم الاعتناء باحتمال العدم إذا كان العدم مضرّا ومفسدا، وباحتمال الوجود أنّ كان الوجود مفسدا ومضرّا. والمقام من الأخير ، لأنّ وجود الخامسة مضرّ ، فإذا احتمل وجودها يبني على العدم ، أو لا بل يجب عليه أن يهدم القيام حتّى يرجع شكّه إلى الشكّ بين الثلاث والأربع.

حكى عن الشيخ الأعظم الأنصاري الثاني ، ولكنّ الأوّل هو الصحيح ، وذلك لما سنذكر من حكومة دليل عدم الاعتناء بشكّ كثير الشكّ على أدلّة البناء على الأكثر إذا كان الشكّ في عدد الركعات ، فإذا شكّ في الركعات بين الأربع والخمس فلا يأتي دليل البناء على الأكثر ، لأنّ دليل البناء على الأكثر إنّما ورد لتصحيح الصلاة لا لإفسادها ، ولذلك لا تشمل هذا الشكّ ، فالحكم بصحّة الصلاة والبناء على الأربع لدليل خاصّ إذا كان بعد إكمال السجدتين.

وأمّا إذا كان في حال القيام فليس دليل خاصّ في البين ، فمقتضى القاعدة ابتداء هو الفساد بالنظر البدوي ، وذلك لعدم شمول دليل البناء على الأكثر له لما ذكرنا ، ولا دليل على عدم الاعتناء بشكّ كثير الشكّ لعدم حكم له كي يكون حاكما عليه ، وليس دليل خاصّ في البين ، كما هو المفروض.

هذا ، ولكنّ عند التأمّل هذا الشكّ مستلزم لشكّ آخر ، وهو أنّ الركعة السابقة مردّدة بين الثلاث والأربع ، وله حكم وهو البناء على الأربع ، وحيث أنّه كثير الشكّ ويجب عليه عدم الاعتناء بشكّه ، أي يلغي احتمال كونها رابعة والبناء على كونها ثالثة ، فإذا بني على كونها ثالثة فيكون ما بيده ـ المحتمل كونها خامسة وجدانا ـ حسب الحكم الشرعي هي الرابعة ، فيتمّها من دون وجوب هدم القيام ، بل لا يجوز ذلك ، لحكم الشارع بأنّها رابعة ، فيتمّها ولا شي‌ء عليه حتّى سجدة السهو ، لأنّها منصوصة في مورد خاصّ.

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ حكم الشارع بالمضي وعدم الاعتناء بالشكّ في نفس المورد الذي وقع الشكّ لا ما يلازم هذا الشكّ ، ففي نفس المورد لا بدّ وأن يكون للشكّ حكم حتّى يرفعه دليل عدم الاعتناء بشكّ كثير الشكّ ووجوب المضي في الصلاة. وهاهنا ليس في نفس المورد حكم في البين كي يكون دليل وجوب عدم اعتناء كثير الشكّ بشكّه حاكما عليه.

فلا بدّ من هدم القيام حتّى يرجع الشكّ إلى الشكّ بين الثلاث والأربع ، فيبني على الأربع ويتمّ الصلاة وليس عليه صلاة الاحتياط ، لأنّ الشارع ألغى احتمال عدم وجود الرابعة ، لأنّه كثير الشكّ.

وفيه : أنّ وجود الشكّ بين الثلاث والأربع في الركعة السابقة على ما بيده وجداني وتكويني ، وحكم ذلك الشكّ مع قطع النظر عن دليل عدم اعتناء كثير الشكّ بشكّه هو أنّ السابقة رابعة ، وهذه التي بيده خامسة فيجب هدمها.

ولكن حيث أنّ المفروض أنّه كثير الشكّ فلا يأتي هذا الحكم ـ أي كون هذه التي بيده خامسة ـ في المقام ، بل يجب عليه المضي في صلاته وإلغاء احتمال الخامسة ، لما ذكرنا أنّ مفاد أدلّة عدم اعتناء كثير الشكّ بشكّه والمضي في صلاته هو عدم الاعتناء باحتمال العدم فيما يكون عدمه مضرّا ، وعدم الاعتناء باحتمال الوجود فيما يكون وجوده مضرّا.

وإن شئت قلت : بأنّ مفاد أخبار الباب هو الحكم بالصرفة وإرغام أنف الشيطان ، ولا شكّ في أنّ الصرفة في المقام تقتضي عدم الاعتناء باحتمال وجود الخامسة ، فلا يجوز الهدم بل يجب البناء على الأربع وإتمام الصلاة بدون أن يكون عليه شي‌ء من صلاة الاحتياط أو غيرها ، فلا يبقى وجه لما حكى عن الشيخ الأعظم قدس سرّه من وجوب هدم ما بيده.

الثامن : في أنّه هل يلحق كثير الظنّ بكثير الشكّ في هذا الحكم أم لا؟ بعد الفراغ‌ عن عدم إلحاق كثير القطع به يقينا ، بل عدم إمكانه ، لعدم إمكان سلب الحجّية عن القطع ولو كان قطّاعا ، أي كثيرا ما يحصل له القطع من أسباب لا توجب القطع عند أهل العرف والمتعارف من الناس ، بخلاف الظنّ فإنّه يمكن تقييد حجّيته بما إذا كان حاصلا من أسباب متعارفة عند أغلب الناس.

فالدليل الذي يدلّ على حجّية الظنّ في عدد الركعات أو في أفعال الصلاة وإن قلنا بأنّه يمكن أن يقيد بالظنّ المتعارف لا مطلق الظنّ ، ولكن صرف الإمكان لا يثبت كونه ـ أي كثير الظنّ ـ مثل كثير الشكّ وأن لا يعتني بظنّه ، مثلا لو كان كثير الظنّ وظنّ بعدم الركوع مع عدم التجاوز عن المحلّ فيحكم بعدم اعتبار هذا الظنّ ويقال بوجود الركوع وصحّة الصلاة ، بل يحتاج اتّحاد كثير الظنّ مع كثير الشكّ في هذا الحكم ـ أي عدم الاعتناء باحتمال العدم إذا كان العدم مضرّا بالصحّة ، وعدم الاعتناء باحتمال الوجود إذا كان الوجود مضرّا بالصحّة ـ إلى دليل على ذلك. والأخبار المتقدّمة ـ التي كانت دالّة على عدم الاعتناء بالشكّ إذا كان كثير الشكّ ـ لا تدلّ على ذلك ، لخروج كثير الظنّ عن موضوع كثير الشكّ.

هذا إذا كان الظنّ حجّة ، وأمّا إذا لم يكن حجّة فهو في حكم الشكّ بل هو هو ، لأنّه ليس المراد من الشكّ تساوي الاحتمالين كي لا يشمل الظنّ ، فإنّه معنى اصطلاحي عند المنطقيين والأصوليين ، وإلاّ ففي العرف الشكّ خلاف اليقين فيشمل الظنّ والوهم.

فبناء على هذا لو قلنا بعدم حجّية الظنّ في أفعال الصلاة ، فلو ظنّ بعدم القراءة مثلا وكان في المحلّ أي كان قبل الدخول في قراءة السورة ظنّ بعدم قراءة فاتحة الكتاب ، أو ظنّ بعدم قراءة السورة قبل الدخول في الركوع ، فلو لم يكن كثير الظنّ فمقتضى الشكّ في المحلّ أن يأتي بالمشكوك ، وأمّا لو كان كثير الظنّ والمفروض عدم حجّية الظن في الأفعال فيجب المضي في الصلاة وعدم الاعتناء بالظنّ بالعدم ، لشمول قوله عليه السلام : « إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك ».

نعم ، إذا قلنا بحجّية الظنّ في أفعال الصلاة ـ كحجّيته في عدد الركعات ـ قامت الحجّة على العدم في المثل المذكور ، فكيف يمكن أن يقال بعدم الاعتناء بمثل هذه الحجّة.

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ دليل وجوب المضي في الصلاة وعدم الاعتناء بالشكّ في مورد كثير الشكّ حاكم على دليل اعتبار الظنّ في أفعال الصلاة ، أي يخرج كثير الظنّ عن تحت دليل اعتبار الظنّ وحجّيته تعبّدا ، فكأنّه قيد دليل اعتبار الظنّ بعدم كونه من كثير الظنّ.

وننكر ما اعتذرنا سابقا لعدم الحكومة بخروج كثير الظنّ عن موضوع كثير الشكّ ، وهذا الإنكار في محلّه وصحيح ، لما قلنا من أنّ الشكّ لغة وعرفا يشمل الظنّ والوهم ، لأنّه خلاف اليقين.

التاسع : في أنّه لو كان كثير الشكّ في أصل وجود الصلاة ـ بمعنى أنّه كثيرا يشكّ مثلا في أنّه صلى صلاة الظهر أم لا ، وهكذا في سائر الصلوات ـ فهل تجري هذه القاعدة ، أي يحكم بوجود تلك الصلاة أم لا؟

الظاهر عدم الجريان ، لأنّ قوله عليه السلام « إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك » أنّ كثرة الشكّ تكون في صلاته ، لا في أصل وجود الصلاة. وهذا بقرينة الحكم المترتّب على هذا الموضوع ، لأنّ الحكم قد يضيّق الموضوع مع سعته في حدّ نفسه ، مثل « لا تمش مع أحد » فإنّ لفظ « أحد » بحسب مفهومه اللغوي والعرفي يشمل الأحياء والأموات ، ولكن بقرينة الحكم ـ أي لا تمش ـ يختصّ في المثل المذكور بالأحياء. وهاهنا جملة « إذا كثر عليك السهو » حيث لم يذكر فيها متعلّق السهو ففيه إطلاق يشمل السهو في أفعال الصلاة وعدد ركعاتها وأصل وجود الصلاة ، ولكن حكمه عليه السلام بقوله : « فامض في صلاتك » يخصّصه بأفعال الصلاة وركعاتها ، لأنّه إذا شكّ في أصل الصلاة فلا يبقى مورد لقوله عليه السلام : « امض في صلاتك » وهذا واضح جدا.

وأمّا مسألة عموم التعليل فالتمسّك به لا مجال له ، لما ذكرنا من أنّه حكمة التشريع وليس من قبيل علّة الحكم ، وإلاّ فكان الواجب إجراءها في كلّ مركّب ، عبادة كانت أو معاملة ، في أجزائها وشرائطها ومقدّماتها الخارجيّة. وأصل وجود كلّ شي‌ء يكون للحكم بوجوده أثر شرعي مركّبا كان أو بسيطا ، وليس الأمر كذلك قطعا.

وتقدّم الكلام في هذا الموضوع عند ما تكلّمنا في جريان هذه القاعدة وعدمه في سائر المركّبات غير الصلاة والمقدّمات الخارجيّة للصلاة ، واخترنا عدم الجريان.

العاشر : في أنّه وردت روايات فيها الأمر بالإدراج ، أي التخفيف في الصلاة كي لا يقع في الشكّ كثيرا ، وكذلك الأمر بالإحصاء بالحصى لأجل هذه الجهة ، وكذلك استحسان التخفيف في الصلاة من أجل السهو ، فهل هذه الأمور واجبة أم لا؟

فالأوّل : أي الأمر بالإدراج كما في خبر الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن السهو؟ قلت : فإنّه يكثر عليّ ، فقال عليه السلام : « أدرج صلاتك إدراجا » قلت : وأي شي‌ء الإدراج؟ قال : « ثلاث تسبيحات في الركوع والسجود » (19).

وأمّا الثاني : فكما في خبر حبيب الخثعمي قال : شكوت إلى أبي عبد الله عليه السلام كثرة السهو في الصلاة ، فقال : « أحص صلاتك بالحصى » أو قال : « احفظها بالحصى » (20).

والثالث : كما عن الحلبي أيضا في خبره الآخر عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « ينبغي تخفيف الصلاة من أجل السهو » (21).

والاحتمالات في هذه الروايات إمّا الحمل على الإرشاد من دون أن يكون أمر‌ مولوي في البين ولو استحبابيّا ، أو الحمل على الاستحباب ، أو الحمل على بعض مراتب الشكّ النازلة عن مرتبة كثير الشكّ المأمور بعدم الاعتناء بذلك الشك ، وذلك لأنّ الإحصاء والتخفيف نوع اعتناء.

أمّا الحمل على الوجوب المولوي فلا يلائم مع قوله عليه السلام في رواية الحلبي الثانية « ينبغي » ، لأنّ كلمة « ينبغي » ظاهرة في عدم الوجوب ، بل وكذلك كلمة « لا بأس » في خبر المعلى ، سأل أبا عبد الله عليه السلام فقال له : إنّي رجل كثير السهو ، فما أحفظ صلاتي إلاّ بخاتمي أحوّله من مكان إلى مكان؟ فقال عليه السلام : « لا بأس » (22).

والظاهر من هذه الاحتمالات هو الإرشاد إلى طريق تسلّم صلاته من وقوع الخلل والنقصان فيها.

الجهة الثالثة

في بيان نسبة هذه القاعدة مع الأدلّة الأوليّة ، وموارد تطبيقها‌ :

فنقول‌ : أمّا نسبتها مع الأدلّة الأوليّة فهي الحكومة ، من جهة أنّ المراد من الأدلّة الأوّليّة في المقام هي الأدلّة التي مفادها ترتّب حكم على الشكّ ، ففي الشكّ في عدد الركعات عبارة عن الأدلّة التي مفادها البناء على الأكثر ثمَّ تدارك ما احتمل نقصه بصلاة الاحتياط ، وفي الشكّ في أفعال الصلاة من الأجزاء والشرائط عبارة عن الأدلّة التي مفادها إتيان المشكوك إذا كان الشكّ في المحلّ.

ودليل القاعدة لو كان نفي الشكّ عن كثير الشكّ كما هو المشهور والمتداول في الألسنة لكانت حكومته على الأدلّة الأوّليّة في جانب الموضوع واضحة ، لأنّ موضوع الأدلّة الواقعيّة هو الشكّ ، إمّا الشكّ في عدد الركعات ، أو الشكّ في الأفعال لكن قبل‌ تجاوز المحلّ ، ودليل القاعدة يرفع الشكّ تعبّدا ، وهو معنى الحكومة بالتضييق في جانب الموضوع من الأقسام الثمانية للحكومة.

وقد شرحنا الحكومة وأقسامها في كتابنا « منتهى الأصول » (23) ومن أراد فيراجع.

ولكن لم نجد في أدلّة القاعدة وأخبار الباب ما يكون لسانه نفي الشكّ عن كثير الشكّ صريحا ، وإنّما الموجود في أخبار الباب التي هي أدلّة عدم الاعتناء بشكّ كثير الشكّ ثلاث عبارات : أحدها : « يمضي في شكّه ». ثانيهما : « امض في صلاتك » أو « فليمض في صلاته » بصورة أمر الحاضر تارة ، وأمر الغائب أخرى. ثالثها : « يمضي في صلاته » بصورة الجملة الخبريّة.

والفرق بين الثالث والأوّل هو أنّ الأوّل كانت العبارة « يمضي في شكّه » والثالث « يمضي في صلاته » وإلاّ فالاثنان بصورة الجملة الخبريّة ، والمستفاد من العبارات الثلاث هو المضي وعدم الاعتناء بالشكّ إذا كان كثير الشكّ ، فإذا كان معنى المضي وعدم الاعتناء بالشكّ هو نفي الشكّ ورفعه في عالم التشريع فتكون هذه الأخبار ـ التي هي أدلّة القاعدة ـ حاكمة على الأدلّة الأوّليّة.

وأمّا إذا كان معناه رفع حكم الشكّ عن كثير الشكّ بدون تصرّف في كونه شاكّا ولو تعبّدا فيكون تخصيصا لا حكومة. والظاهر هو الأوّل.

وأمّا موارد تطبيقها : أمّا بطور الإجمال : ففي كلّ مورد شكّ في أيّ جزء من أجزاء الصلاة ، أو شرائطها ، أو أيّ مقدّمة من مقدّماتها الداخليّة وكان الشكّ قبل تجاوز المحلّ الذي مقتضي القواعد الأوّليّة لزوم تداركها ، فإذن كان كثير الشكّ لا يعتني بشكّه ويمضي في شكّه. وكذلك في عدد الركعات لا يعتني بشكّه ويمضي في صلاته ، بمعنى ما ذكرنا من أنّه يبني على عدم ما يضرّ وجوده بالصحّة ، وعلى وجود ما يضرّ عدمه بها ، فهذا هو معنى المضي في صلاته ، وهذا هو البناء على الصرفة.

وأمّا بطور التفصيل : فقد يكون الشكّ في عدد الركعات ، وقد يكون في الأفعال.

أمّا الأوّل [ أي الشك في عدد الركعات ] فلو شكّ في صلاة الصبح مثلا بين الواحد والاثنين بمعنى أنّ ما بيده هل هي الركعة الأولى أو الثانية ، وحيث أنّ مرجع هذا الشكّ إلى احتمال عدم الإتيان بالثانية ، وأيضا حكم الشكّ في الثنائيّة والثلاثيّة كالصبح والمغرب هو البطلان ، فمعنى عدم اعتنائه بشكّه لأنّه كثير الشكّ فرض الشكّ كالعدم ، فبطلان الصلاة الذي كان حكم الشكّ يرتفع بارتفاع موضوعه في عالم التشريع.

وأيضا معنى رفع هذا الشكّ تعبّدا وفي عالم التشريع يرجع إلى رفع احتمال عدم الثانيّة ، وهذا معناه وجود الثانيّة تعبّدا ، فلو شكّ في صلاة الصبح بين الواحد والاثنين فالصلاة ليست باطلة ، بل يجب عليه أن يبني على الاثنتين ويتمّ الصلاة.

ولا فرق في كون حدوث هذا الشكّ في حال الجلوس ، أي بعد رفع الرأس عن السجدة الثانية ، أو كان في حال القيام.

ولو كان هذا الشكّ ـ أي الشكّ بين الواحد والاثنتين ـ في صلاة المغرب أيضا يكون الأمر كما ذكرنا في صلاة الصبح ، أي هذه القاعدة ترفع البطلان واحتمال عدم الثانية ، فيجب عليه البناء على صحّة الصلاة والاثنتين.

وأمّا لو كان هذا الشكّ في غير صلاة الصبح وغير المغرب ، أي كان في الرباعيّات وحيث أنّ حكم الشكّ أيضا فيها البطلان ـ لأنّ الشكوك الصحيحة في الرباعيّات بعد إحراز الاثنتين وبعد إكمال السجدتين ـ فالأمر كما في صلاة الصبح والمغرب ، أي ترفع هذه القاعدة كلا الأمرين من البطلان واحتمال عدم الثانية ، فالصلاة صحيحة ويبني على الاثنتين.

هذا كلّه فيما إذا كان شكّ كثير الشكّ بين الواحد والاثنين.

وأمّا لو كان بين الاثنين والثلاثة فإن كان في صلاة الصبح فيبني على الاثنين ، بناء على ما ذكرنا من أنّ مفاد القاعدة رفع احتمال العدم إذا كان العدم مضرّا ، ورفع احتمال‌ الوجود إذا كان الوجود مضرّا لأنّ هذا معنى المضي وعدم الاعتناء بالشكّ، وحيث أنّ في صلاة الصبح وجود الثالثة مضرّ فهذا الاحتمال ملغا فيبني على الاثنين والصحة ، أمّا الاثنين لما ذكرنا من أنّ احتمال وجود الثالثة حيث أنّه مضر فملغى. وأمّا الصحّة فلأنّ حكم الشكّ في الثنائيّة ـ أي صلاة الصبح ـ والثلاثيّة ـ أي صلاة المغرب ـ هو البطلان ، فهذه القاعدة ترفع هذا الحكم برفع موضوعه تعبّدا وفي عالم التشريع.

وأمّا إن كان هذا الشكّ ـ أي بين الاثنين والثلاث ـ في صلاة المغرب فيبني على الثلاث والصحّة ، أمّا الصحّة فلما ذكرنا في صلاة الصبح عينا. وأمّا البناء على الثلاث فلأنّ هاهنا احتمال العدم مضرّ فيبني على وجودها ، فهذا الشكّ في صلاة المغرب يكون بعكس صلاة الصبح ، لأنّه كان في الصبح يبني على الاثنين ، وفي المغرب يجب البناء على الثلاث ، لما ذكرنا من أنّه يجب البناء على الصرفة لأنّ المتفاهم العرفي من « يمضي في صلاته » أو « يمضي في شكّه » هو هذا المعنى.

وأمّا لو كان هذا الشكّ ـ أي بين الاثنتين والثلاث ـ بعد إكمال السجدتين في الرباعيّات كالظهر والعصر والعشاء ، فحيث أنّ حكم الشك ليس فيها البطلان فهذه القاعدة لا تثبت الصحّة ، لأنّها صحيحة مع قطع النظر عن هذه القاعدة ، وأيضا ليس أثر هذه القاعدة في هذه الصورة هو البناء على الثلاث فقط ، لأنّ هذا أيضا كان مع قطع النظر عن هذه القاعدة ، فالمرفوع بهذه القاعدة في هذه الصورة هو وجوب صلاة الاحتياط ، لأنّه كان أثر هذا الشكّ لو لم يكن كثير الشكّ فيرتفع هذا الأثر بهذه القاعدة.

وأمّا إذا شكّ بين الثلاث والأربع ، فإن كان في صلاة الصبح وكان بعد الدخول في الركوع فهي باطلة ، لزيادة الركوع بل الركعة يقينا. وأمّا إنّ كان قبل الدخول في الركوع ، فيجب عليه هدم القيام ، لعدم كون هذا القيام من الصلاة قطعا ، وإنّما هو زيادة سهويّة فلا يضرّ من هذه الجهة ، وبعد هدمه القيام يرجع شكّه إلى ما بين الاثنتين والثلاث بعد إكمال السجدتين ، وحكم هذا الشكّ وإن كان في حدّ نفسه هو البطلان ، لأنّه شكّ في الثنائيّة ـ أي صلاة الصبح ـ ولكن حيث أنّه كثير الشكّ فيرتفع الحكم ببطلان هذه الصلاة لحكومة هذا القاعدة على ذلك الدليل.

ولمّا ارتفع الحكم بالبطلان فاحتمال الثلاثة أيضا يرتفع بهذه القاعدة ، لأنّ وجودها مضرّ لصلاة الصبح ، فإذا ارتفع احتمال الثلاثة بحكم الشارع فالنتيجة صحّة الصلاة والبناء على الاثنتين.

وأمّا إذا كان هذا الشكّ في صلاة المغرب ، ولمّا كان حكم الشكّ فيها هو البطلان كصلاة الصبح فيرتفع بهذه القاعدة ، ولمّا كان احتمال الأربعة مضرّا فهو أيضا يرتفع ، فالنتيجة صحّة الصلاة والبناء على الثلاث.

وأمّا لو كان هذا الشكّ في الرباعيّات ـ أي صلاة الظهر أو العصر أو العشاء ـ فحيث أنّ حكم الشكّ في نفسه مع قطع النظر عن كونه كثير الشكّ هي الصحّة فمن هذه الجهة لا أثر لكونه كثير الشكّ ، كما أنّ حكم الشكّ في هذه الصورة هو البناء على الأربع ، فمن هذه الجهة أيضا غير كثير الشكّ وكثير الشكّ متوافقان ، لما قلنا أنّ معنى عدم الاعتناء بالشكّ والمضي فيه هو البناء على وجود ما يكون عدمه مضرّا ، فاللازم البناء على وجود الرابعة ، فمن هاتين الجهتين لا فرق بينهما ، وهما متوافقان.

نعم الفرق بينهما أنّ في الشكّ المتعارف يجب أن يأتي بصلاة الاحتياط منفصلا ومستقلاّ لتدارك ما احتمل فوته ، وهذا كمال الاعتناء بالشكّ ، ففي كثير الشكّ الذي حكم الشارع بعدم الاعتناء بالشكّ لا يجب عليه شي‌ء أصلا ، وهذا الحكم ـ أي وجوب صلاة الاحتياط ـ مرفوع عنه.

وأمّا الشكّ بين الأربع والخمس ، ففي صلاة الصبح والمغرب موجب للبطلان قطعا ، ووجهه واضح في الشكّ المتعارف وكثير الشكّ. نعم لو كان في حال القيام يمكن أن يقال بوجوب هدم القيام في صلاة المغرب ، لأنّ هذا القيام ليس من الصلاة قطعا ، فإذا هدم يرجع الشكّ إلى ما بين الثلاث والأربع ، فيبني في كثير الشكّ على الثلاث ويلغا‌ احتمال الرابعة ، لأنّ وجودها مضرّ كما تقدّم شرحه. وأمّا في الشكّ المتعارف فالصلاة باطلة ووجهه معلوم.

وممّا ذكرنا عرفت أنّه لو كان أحد طرفي الشكّ ، أو أحد أطرافه هو الأربع والطرف الآخر أيّ عدد كان زائدا على الأربع وكان في حال القيام ، فالعلاج هدم القيام وتصحيح الصلاة إذا كان كثير الشكّ في صلاة المغرب ، وأمّا في الرباعيّات فيبني على الأربع في أيّ حال كان إذا كان كثير الشكّ. وأمّا في الشك المتعارف فقد تقدّم الكلام فيه في قاعدة البناء على الأكثر.

هذا كلّه في الشكّ في عدد الركعات.

وأمّا الثاني : أي الشكّ في الأفعال : فكذلك أيضا يجب عليه عدم الاعتناء بشكّه والبناء على وجود المشكوك إن كان عدمه مضرّا ، والبناء على عدمه إن كان وجوده مضرّا ، فلو شكّ في أنّه كبّر وكان كثير الشكّ يبني على أنّه كبّر تكبيرة الإحرام ، ولا يجوز له أن يكبّر ثانيا بقصد تكبيرة الإحرام ، لأنّها زيادة عمديّة مبطلة. نعم لو أتى بها من باب الاحتياط وبرجاء إدراك الواقع ثمَّ تبيّن أنّه لم يأت بها ، فالظاهر أنّ صلاته صحيحة ، ولا تجب الإعادة.

ولو شكّ في أنّه قرأ فاتحة الكتاب أو السورة ، فإن كان الشكّ في فاتحة الكتاب قبل الدخول في السورة ، والشكّ في السورة كان قبل الدخول في الركوع في الركعة الأولى أو قبل الدخول في القنوت في الركعة الثانية ـ وبعبارة أخرى كان قبل تجاوز المحلّ ـ فيبني على وجود المشكوك ، إذ عدمه مضرّ بالصحّة ، فيبني على وجوده وإن كان الشكّ في المحلّ.

ولو شكّ في الركوع فيبني على إتيانه وإن كان في المحلّ ، لعين ما ذكرنا من وجوب عدم اعتناء كثير الشكّ بشكّه ، مضافا إلى ورود النصّ في المقام وفي الشكّ في السجود بقوله عليه السلام في موثّق عمّار عن الصادق عليه السلام : « لا يسجد ولا يركع ويمضي في صلاته حتى‌ يستيقن يقينا » (24).

ولو شكّ في السجود سواء أكان المشكوك سجدة واحدة أو سجدتين يبني على الإتيان. وقد عرفت آنفا النهي عن الإتيان بها أو بهما ثانيا في خبر عمّار ، وهكذا الحال لو شكّ في التشهّد والتسليم أو في جزء منهما بعين ذلك الدليل.

ولو شكّ في وجود مانع كالتكلّم بكلام الآدمي ، أو تنجّس بدنه أو لباسه مثلا ، أو وجود حدث أو استدبار مثلا وكان كثير الشكّ فيبني على عدمه ، لأنّ هذا معنى عدم الاعتناء بالشكّ والمضيّ فيه حسب المتفاهم العرفي ، لأنّ العرف يفهم من عدم الاعتناء بالشكّ والمضي فيه أنّ ما هو مشكوك الوجود إذا كان شي‌ء مضرّ وجوده ، يبنى على عدمه ، وإذا كان مضرّا عدمه يبنى على وجوده ، وبعبارة أخرى : معنى عدم الاعتناء إلغاء احتمال المضرّ.

هذا في الأجزاء والموانع والقواطع.

أمّا الشرائط : فالداخلية منها حالها حال الأجزاء ، فلو شكّ كثير الشكّ في الستر ، أو طهارة البدن ، أو اللباس ، أو الاستقبال ، أو الجهر في الجهرية ، أو الإخفات في الإخفاتيّة ، أو الموالاة ، أو الترتيب ، أو غير ذلك من الشرائط الداخلية ، فيبني على وجودها ، فإنّ هذا معنى المضي في الصلاة وعدم اعتنائه بشكّه.

وأمّا الشرائط الخارجيّة : والمراد بها ما يكون لها وجود مستقلّ في خارج الصلاة كالوضوء والغسل والتيمم ، مقابل الشرائط الداخليّة التي ليس لها وجود مستقلّ خارج الصلاة ، مثلا الوقت الذي من شرائط الصلاة عبارة عن كون صلاة الظهر والعصر بين الحدّين ، أي بين زوال الشمس عن دائرة نصف النهار وبين استتارها في الأفق أو ارتفاع الحمرة المشرقيّة إلى ما فوق الرأس ، وهذا المعنى لا يمكن أن يوجد‌ إلاّ في نفس الصلاة.

فإن قلنا بعدم شمول هذه القاعدة لها فلا كلام ، وإن قلنا بشمولها لها إذا كان الشكّ فيها في حال الصلاة ، مثلا إذا شكّ أنّه تطهّر عن الحدث الأكبر بالغسل أو التيمّم ، كلّ واحد منهما في محلّه ، أو تطهّر عن الحدث الأصغر بالوضوء أو التيمّم ، كلّ في محلّه أيضا وكان شكّه هذا في حال اشتغاله بالصلاة فيبني على وجودها ، لشمول قوله عليه السلام : « يمضي في صلاته » أو « يمضي في شكّه » لمثل هذه الشروط الخارجيّة ، لكن في حال الصلاة ، لأنّه في ذلك الحال يشبه الشروط والمقدّمات الداخليّة ، ولها بالنسبة إلى الصلاة وجود تبعي.

وبعبارة أخرى : الشروط الخارجيّة بالمعنى الذي ذكرنا لها في حال الصلاة ترجع تقريبا إلى الشروط الداخليّة فيلحقها حكمها تبعا ، لأنّ معنى شكّه في الوضوء في حال الصلاة هو أنّ صلاته مع الطهارة أم لا ، غاية الأمر أنّه من أوصاف المصلّي مثل ستر العورة والاستقبال. نعم لو شكّ قبل الصلاة في أنّه تطهّر من الحدث الأكبر أو الأصغر فلا تشمله القاعدة ، كما تقدّم الكلام فيها فلا نعيد.

تنبيهان‌ :

[ التنبيه ] الأوّل : هو أنّ هذا الحكم ـ أي حكم الشارع بوجوب عدم اعتناء كثير الشكّ بشكّه والمضي في صلاته بمعنى أنّه لو شك في وجود جزء أو شرط يبني على وجوده ولا يعتني باحتمال عدمه ، وأنّه لو شكّ في وجود مانع أو قاطع يبني على عدمه ولا يعتني باحتمال وجوده ـ حكم ظاهري ، فإذا بنى على الوجود فظهر وتبيّن عدم وجوده ، أو بنى على العدم فتبيّن وجوده ، فيعمل بمقتضى ما ظهر وتبيّن.

فإن كان ما بنى على وجوده وظهر خلافه ركنا من الأركان ولم يبق محلّ تداركه ، فصلاته باطلة ، لأنّ نقيصة الركن عمدا وسهوا موجبة للبطلان.

وأمّا إن لم يكن ركنا ، فإن كان محلّ تداركه باقيا يجب عليه إن يتدارك ما فات ، وإن لم يكن باقيا فإن كان ممّا فيه القضاء فيجب عليه القضاء ، وإن كان ممّا فيه سجدة السهو فيجب عليه سجدتا السهو ، وإلاّ فلا شي‌ء عليه ، ولا إعادة لحديث « لا تعاد الصلاة إلا من خمسة » .

وأمّا إن بنى على العدم فبان وجوده يعمل بمقتضى وجوده ، كلّ ذلك من جهة أنّ مفاد هذه القاعدة حكم ظاهري ، والحكم الظاهري ـ كما حقّقناه في كتابنا « منتهى الأصول » في الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي (25) ـ حكم إثباتي ، لا ثبوت ولا واقع له ، وهو كسراب يحسبه الجاهل حكما ، ولذلك قلنا في مبحث الإجزاء أنّه لا يفيد الإجزاء.

والحقّ ما أفاده الشيخ الشهيد أنّ القول بالإجزاء ملازم مع القول بالتصويب.

التنبيه الثاني : إذا كان كثير الشكّ في شي‌ء لا حكم له ، إمّا من جهة كون الشكّ فيه بعد تجاوز المحلّ ، وإمّا من جهة قيام أمارة على لزوم عدم الاعتناء بذلك الشكّ ، فالأوّل : كما إذا كان شكّه وكثرته في السجدة الثانية دائما بعد الدخول في التشهّد. والثاني : كما لو كانت كثرة شكّ الإمام أو المأموم في جزء مثلا مع حفظ الآخر ، فاتّفق في الأوّل وقوع شكّه في ذلك الشي‌ء ـ أي السجدة الثانية مثلا قبل التشهّد ـ وفي الثاني لو شكّ الإمام مثلا من باب الاتّفاق في جزء مع عدم حفظ من خلفه عليه فهل يجب الاعتناء بهذا الشكّ ـ لعدم كونه كثير الشكّ في هذا الشكّ بالخصوص ، وما كان فيه كثير الشكّ لم يكن له حكم ـ أم لا يجب الالتفات والاعتناء بهذا الشكّ؟ لكونه كثير الشك في هذا الجزء ولو في غير هذا الحال ، أي في غير حال عدم التجاوز في الأوّل ، وفي حال عدم الحفظ في الثاني وجوه وأقوال.

قول بالالتفات مطلقا ، وقول بالعدم مطلقا ، وقول بالتفصيل بين القسمين ، ففيما كان‌ من قبيل القسم الأوّل ، أي لا حكم له في حدّ نفسه يجب الالتفات ، فإذا اتّفق وقوع الشكّ لكثير الشكّ في ذلك الجزء قبل تجاوز المحلّ يجب عليه أن يأتي به.

وأمّا فيما إذا كان من القسم الثاني ، أي فيما إذا كانت أمارة على إلغاء الشكّ وعدم الاعتناء به فلا يجب الالتفات إليه.

واختار شيخنا الأستاذ هذا التفصيل ـ معلّلا بأنّ الشكّ في القسم الأوّل نوعان بخلاف القسم الثاني ـ وهو عجيب ، والظاهر هو عدم الاعتناء مطلقا لكونه كثير الشكّ.

والحمد لله أوّلاً وآخراً وظاهراً وباطناً.

_____________

(*) « القواعد » ص 243 ، « المبادي العامة للفقه الجعفري » ص 251.

(1) « الكافي » ج 3 ، ص 359 ، باب من شكّ في صلاته كلّها ... ، ح 8 ، « الفقيه » ج 1 ، ص 339 ، باب أحكام السهو في الصلاة ، ح 989 ، « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 343 ، ح 1422 ، باب أحكام السهو ، ح 12 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 329 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 16 ، ح 1.

(2) « الكافي » ج 3 ، ص 358 ، باب من شكّ في صلاته ولم يدر زاد أو نقص ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 329 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 16 ، ح 2.

(3) « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 188 ، ح 747 ، باب أحكام السهو في الصلاة ... ، ح 48 ، « الاستبصار » ج 1 ، ص 374 ، ح 1422 ، باب من شكّ فلم يدر صلّى ركعة ... ، ح 5.

(4) « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 343 ، ح 1423 ، باب أحكام السهو ، ح 11 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 329 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 16 ، ح 3.

(5) « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 153 ، ح 604 ، باب تفصيل ما تقدّم ذكره في الصلاة ... ، ح 62 ، « الاستبصار » ج 1 ، ص 362 ، ح 1372 ، باب من شكّ فلم يدر واحدة سجد أم اثنتين ، ح 5 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 330 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 16 ، ح 5.

(6) « الفقيه » ج 1 ، ص 339 ، باب أحكام السهو في الصلاة ، ح 998 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 330 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 16 ، ح 6.

(7) « الفقيه » ج 1 ، ص 339 ، باب أحكام السهو في الصلاة ، ح 990 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 330 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 16 ، ح 7.

(8) « كتاب السرائر » ج 3 ، ص 614.

(9) « مجمع الفائدة والبرهان » ج 3 ، ص 142.

(10) « جواهر الكلام » ج 12 ، ص 417.

(11) « ذكري الشيعة » ص 223.

(12) « الشرائع » ج 1 ، ص 118.

(13) « مجمع الفائدة والبرهان » ج 3 ، ص 142.

(14) « ذكري الشيعة » ص 223.

(15) « وسائل المحقق الكركي » ج 2 ، ص 142.

(16) « الكافي » ج 1 ، ص 12 ، كتاب العقل والجهل ، ح 10 ، « وسائل الشيعة » ج 1 ، ص 46 ، أبواب مقدمة العبادات ، باب 10 ، ح 9.

(17) « الفقيه » ج 1 ، ص 339 ، باب أحكام السهو في الصلاة ، ح 990 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 330 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 16 ، ح 7.

(18) « منتهى الأصول » ج 1 ، ص 449 ـ 457.

(19) « الكافي » ج 3 ، ص 359 ، باب من شكّ في صلاته كلّها ... ، ح 9 ، « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 344 ، ح 1425 ، باب أحكام السهو ، ح 13 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 335 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 22 ، ح 3.

(20) « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 348 ، ح 1444 ، باب أحكام السهو ، ح 32 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 343 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 28 ، ح 1.

(21) « الفقيه » ج 1 ، ص 567 ، باب نوادر الصلوات ، ح 1566 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 335 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 22 ، ح 2.

(22) « الفقيه » ج 1 ، ص 255 ، باب ما يصلّى فيه وما لا يصلّي فيه من الثياب ... ، ح 781 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 343 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 28 ، ح 2.

(23) « منتهى الأصول » ج 2 ، ص 535.

(24) « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 153 ، ح 604 ، باب تفصيل ما تقدّم ذكره في الصلاة ... ، ح 62 ، « الاستبصار » ج 1 ، ص 362 ، ح 1372 ، باب من شكّ فلم يدر واحدة سجد أم اثنتين ، ح 5 ، « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 330 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، باب 16 ، ح 5.

(25) « منتهى الأصول » ج 2 ، ص 535.

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.