أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-10-2014
![]()
التاريخ: 3-07-2015
![]()
التاريخ: 24-10-2014
![]()
التاريخ: 2025-02-15
![]() |
___________________________________________________
أنّ صفاته إمّا ذاتية وإمّا مدحية وإمّا فعلية ، وهي نفس أفعاله تعالى ، والمقصود هنا أنّ فعله بتمامه هل هو حادث أم لا ؟ بل منه ما هو قديم ومنه ما هو حادث ؟ وهذا هو النزاع المعروف بحدوث العالَم وقِدمه .
والمراد بالحدوث هو المسبوقية بالعدم لا بالغير فقط وإن لم يكن مسبوقاً بالعدم ، فإنّه ليس من الحدوث في شيء ، نعم اصطلح الفلاسفة على ذلك ، ولا مشاحّة في الاصطلاح ، فالحدوث عندهم مرادف للإمكان الذاتي ، والحاصل أنّ مرادنا بالحدوث هو معناه الواقعي، وهو المسبوق بالعدم ، والكلام فيه يقع في مقامات :
المقام الأَوّل : في نقل الأقوال:
1 ـ حدوث ما سوى الله وصفاته ، فالأشياء صادرة عنه تعالى بعد أن لم تكن أصلاً ، هذا هو مذهب المتكلّمين قاطبةً ، بل ادّعى غير واحد اتّفاق الملّيين عليه ، بل نُسب إلى جمع من أساطين الحكمة وقدماء الفلاسفة ، وقيل : إنّ القول بقِدم العالَم وأزلية الحركات ظهر بعد أرسطو (1) ، و ... أنّ حدوث العالَم بمعناه الواقعي ممّا لم يلتزم به فِرقة غير الشيعة الإمامية ، فيما أعلم .
2 ـ قِدم السماوات بذواتها وصفاتها إلاّ الحركات والأوضاع ، فإنّهما قديمتان بالنوع فقالوا : إنّ الفَلكيات قديمة بموادّها ، وصورها الجسمية والنوعية ، وبمقاديرها وأشكالها ، وغيرهما من الأعراض ، وأمّا العنصريات فقديمة بموادّها وبصورها الجسمية بنوعها ، وبصورها النوعية بجنسها ، وأمّا الصور المشخّصة في هذه الصور الجسمية ، والنوعية ، والأعراض المختصة ، فهي حادثة ، حكي عن أرسطو ، ومَن وافقه ومنهم الفارابي ، وابن سينا وغيرهما .
أقول : ولا شك في أنّهم قائلون بقِدم العقول أيضاً ، بل مرّ التزامهم بقِدم الصور المرتسمة في ذاته تعالى ، التي جعلوها مناط علمه بالأشياء ، وسمّوها بالعلم التفصيلي .
3 ـ قِدم العالم ذاتاً وحدوثه صفةً ، نسب إلى جماعة ، لكن اختلفوا في هذه الذات القديمة فقيل : إنّه ماء ، وقيل : إنّه بخار ، وقيل غير ذلك .
4 ـ ما ذهب إليه صاحب الأسفار ومَن تبعه ، من قِدم العقول وحدوث الطبائع من جهة الحركة الجوهرية ، لكن هذا الحدوث حدوث فردي وليس بنوعي ؛ لئلاّ يلزم انقطاع الفيض وإمساك الجود ، كما صرّح به نفسه والسبزواري في شرح المنظومة ، وعلى هذا القول يتمّ القياس المعروف : إنّ العالم متغيّر ، وكل متغيّر حادث ، ولا يرد عليه حينئذٍ منع الصغرى في الذوات واختصاصها بالصفات .
5 ـ ما ذكره السيد الداماد من حدوث العالّم بأجمعه ، لكنّه حدوث دهري ، وأوضحه السبزواري في شرح منظومته وإليك ملخّصه : إنّ كل موجود فلوجوده وعاء ، أو ما يجري مجراه ، فوعاء السيّالات كالحركات والمتحرّكات هو الزمان سواء كان بنفسه أو بأطرافه ، وما يجري مجرى الوعاء للمفارقات النورية هو الدهر ، وهو كنفسها بسيط مجرّد عن الكمية والاتّصال ونحوها ، وما يجري مجرى الوعاء للحق وصفاته وأسمائه هو السرمد ، فمعنى الحدوث الدهري : أنّ عالَم المُلك (2) مسبوق بالعدم الدهري ؛ لأنّه مسبوق بوجود الملكوت الذي وعاؤه الدهر سبقاً دهرياً .
وإن شئت فقل : إنّ وجود عالم المُلك مسبوق بعدمه الواقعي الفَلكي الواقع في عالم الدهر، بمعنى أنّه ليس بموجود بالوجود الدهري ، فهو حينئذٍ معدوم بذلك الوجود ، بل هو موجود بوجود عالَم المُلك كما قيل ، وهكذا حال الدهر بالنسبة إلى السرمد .
والحاصل : أنّ العالم عنده مسبوق الوجود بالعدم الواقعي الدهري ، لا الزماني الموهوم كما يقول المتكلّم ، ولا العدم المجامع الذي في مرتبة الماهية فقط ، كما ينسب إلى بعض الفلاسفة .
6 ـ ما ذكره السبزواري في شرح المنظومة من الحدوث الأسمى ، وهو غير واضح ، وشرحه بعض الأفاضل بما يرجع إلى نفي العالَم رأساً .
المقام الثاني : فيما استدلّ به لقِدم العالَم :
وهو وجوه لكنّا نذكر أهمّها ، وهو أنّه إذا لاحظنا الواجب أَزلاً في طرف وجميع ما عداه ـ بحيث لا يشذّ عنه شيء ـ في طرف آخر ، فحينئذ إمّا أن يكون الواجب سبحانه علّةً تامة لشيء ما أم لا ، وعلى الأَوّل يلزم قِدم ذلك الشيء المعلول ؛ ضرورة استحالة تخلّف المعلول عن علّته التامة ، وعلى الثاني توقّف وجود الأثر ـ وهو العالَم ـ على شيء آخر ، فهذا مع كونه خُلفاً يرد عليه أنّ هذا الشيء إن كان قديماً فقد ثبت أيضاً قِدم العالَم ، وإن كان حادثاً فلابدّ له من مرجّح حادث ، وإلاّ لكان الحادث غير حادث ، ثمّ ننقل الكلام إلى ذلك المرجّح الحادث في احتياجه إلى مرجّح آخر حادث ، وهكذا إلى غير النهاية ، فيلزم قِدم العالَم من وجود حوادث لا أَوّل لها .
وإن شئت فقل : إنّ العالَم بماله من الشروط الحادثة المذكورة بحيث لا يشذّ عنها شيء ، إذا لاحظنا الواجب إليه فهو إمّا علة تامة له أم لا ، الأَوّل يُثبت المطلوب ، والثاني يوجب نفي وجود العالَم أزلاً وأبداً .
أقول : وهذا أقوى دليلهم في هذا المقام ، وقد أجاب عنه المتكلّمون بوجوه عديدة ، وبجوابات مختلفة ، وإليك بيان بعضها :
الجواب الأَوّل : ما هو المشهور بين المتكلّمين (3) ، من أنّ الفلاسفة إنّما يقولون بقِدم العالَم ؛ لزعمهم لزوم توسّط أمر ذي جهتي استمرار وتجدّد بين الحادث اليومي والقديم ؛ لئلا يلزم التخلّف عن العلة التامّة .
ونحن نقول : إنّه الزمان ولا يلزم القِدم ؛ لكونه أمراً اعتبارياً انتزاعياً ، وأدلة وجوده مدخولة، ولا نقول بانتزاعه من موجود ممكن حتى يلزم القِدم أيضاً ، بل هو منتزع من بقائه تعالى (4) ، فكما أنّهم يصحّحون ربط الحادث بالقديم بالحركة والزمان ، كذلك نصحّحه أيضاً بالزمان ، وكون الزمان مقدار حركة الفًلك ممنوع ، بل نعلم بديهة أنّه إذا لم يتحرّك الفَلك مثلاً ، يتوهّم هذا الامتداد المسمّى بالزمان ، والقول بأنّه لعلّه من بديهة الوهم لا يصغى إليه .
ثمّ إنّ الزمان وإن كان وهمياً إلاّ أنّه ليس باختراعي ، بل هو نفس أمري ؛ ومثل هذا الوهمي يصحّ أن يكون منشأ للأمور الموجودة ، لا بأن يكون فاعلاً لها بل دخيلاً فيها .
وحاصل هذا الجواب : أنّا نختار أنّه ليس في الأزل مستجمعاً لشرائط التأثير .
قولهم : فلابدّ له من مرجّح حادث .
قلنا : هو تمام قطعة من الزمان يتوقّف عليها وجود العالم ، ويرتبط به الحادث بالقديم ، على نحو ما التزمه الفلاسفة في الحركة .
وما قيل : من امتناع انتزاع الزمان من بقاء الواجب ؛ لعدم المناسبة بين الأمر التدريجي وما لا تدريج فيه أصلاً ، وإنّما هو منتزع من الحركة القطعية التي هي أمر تدريجي غير قارّ .
فجوابه : أنّ اعتبار المناسبة المذكورة غير بيّن ولا بمبيّن على نحو الإطلاق ، وعلى فرض تسليمه فهو غير منحصر فيما نفهمه ؛ لاحتمال وجود مناسبة خفيّة علينا ، أَلا ترى أنّ أكثر الانتزاعيات ـ كالزوجية والفردية والفوقية والتحتية وغيرها ـ يُنتزع من محالّها ، ولا يحكم وجداننا بتحقّق مناسبات تفصيلية بين كلّ منتزع وما يُنتزع منه ؟
لا يقال : البقاء ينتزع من الزمان فلو عُكس لدار .
فإنّه يقال : إنّ الزمان المزبور يُنتزع من نفس وجود الواجب الذي لا يعرضه العدم ، فتوقّف البقاء عليه لا يستلزم محذوراً .
فإن قلت : لو انتزع الزمان منه لكان صفةً له ، كما هو شأن سائر ما يُنتزع منه ، مثل العلم والإرادة والقدرة والخلق وغيرها ، مع أنّه لا يتّصف به لا بالحمل مواطاةً وهو ظاهر ، ولا اشتقاقاً فإنّه ليس بزماني .
قلنا : لا نسلّم أنّ كلّ ما يُنتزع من شيء يجب أن يكون صفةً له ؛ لأنّ مناط الوصفية هو وجود العلاقة الناعتية بينهما ، واستلزام الانتزاع لهذه العلاقة غير بيّن ولا بمبيّن ، ولو سلّم فنقول : إنّ ما ورد من أنّه تعالى ليس بزماني ولا بمكاني معناه : أنّه كما لا يحيط به مكان حتى يكون ظرفاً له مشتملاً عليه ، كذلك لا يحيط به زمان حتى يتقدّم عليه جزء من ذلك الزمان ، ويتأخّر عنه جزء آخر منه ، فيكون وجوده مقارناً لحدّ خاصّ من الزمان مسبوقاً بحدّ آخر منه خالٍ عن وجوده .
وأمّا مقارنة الحقّ القديم للزمان ، وتحقّقه معه في نفس الأمر من الأزل إلى الأبد ، فلا شكّ في صحّته ووقوعه ، وهذا المقدار كافٍ فيما نحن بصدده .
وأمّا عدم اتّصافه بالمكان ؛ فلعدم تحقّق كلا المعنيين المفروضين في الزمان هناك ، فليس المكان محيطاً به ولا مقارناً له ، ثمّ إنّ ما ورد شرعاً ، من أنّه قديم أزلي سرمدي أبدي دائم وغيرها ، يشهد بأنّه تعالى زماني بالمعنى الثاني ، وليس فيه مانع .
الجواب الثاني : ما استظهره المجلسي قدّس سره من أكثر قدماء الإمامية واختاره هو أيضاً وقال : إنّه في غاية المتانة ، وهو مبني على عدم صحّة انتزاع الزمان منه تعالى ، وعلى أنّه ليس بزماني مطلقاً .
ومحصّله : أنّا لا نسلّم تخلّف المعلول عن العلّة في فرض حدوث العالَم ، فإنّ التخلّف إنّما يتصوّر لو كان العلّة زمانيةً ، ووجدت العلّة في زمان ولم يوجد المعلول معه في ذلك الزمان ، وهنا لعلّ العلّة والمعلول كليهما لم يكونا زمانيين ، أمّا العلّة فانتفاء الزمان عنها واضح ، وأمّا المعلول فالكلام في الصادر الأَوّل ، وهناك لم يوجد زمان ولا زماني أصلاً .
وبالجملة : إذا كانت العلّة والمعلول كلاهما زمانيين يجب أن يجمعها آن أو زمان ، وإلاّ فلا ، ونظيره التخلّف المكاني ، فإنّه لو كانا مكانيين يتصوّر الاجتماع والافتراق والمماسة واللامماسة، وأمّا إذا لم يكن أحدهما أو كلاهما مكانيين لم يتصوّر أمثال هذه الأُمور ، وكذا إنّما يتصوّر الترجيح بلا مرجّح ، إذا تحقّق زمان وقع أمر في جزء منه دون جزء ، وصدر المعلول عن العلّة مرّة ولم يصدر مرة أُخرى ، فإذا فرضنا الزمان معدوماً ، فلا يجري فيه أمثال هذه الأوهام الكاذبة الحاصلة من الأُلفة بالزمان والمكان .
فصاحب هذا القول يقول : بأنّ الزمان والحركات وسلسلة الحوادث كلّها متناهية في طرف الماضي ، وأنّ جميع الممكنات ينتهي في جهة الماضي في الخارج إلى عدم مطلق ولا شيء بحت ، لا امتداد فيه ، ولا تكمّم ، ولا تدريج ، ولا قارية ، ولا سيلان .
ويقرب من هذا القول أو يرجع إليه ، ما أفاده المحقّق الطوسي قدّس سره في تجريده .
ومحصّله : أنّ الحدوث اختصّ بوقت الإحداث ؛ لانتفاء وقت قبله ، فلا معنى لطلب الترجيح فيه.
أقول : لكنّ السؤال يتوجّه إلى نفس الوقت المذكور ، وأنّه لِمَ وجد في هذا الحدّ دون سابقه؟ إلاّ أن يقال : لا تدرّج ولا امتداد قبل الوقت المذكور حتى يُسأل عن الترجيح ، فتأمل .
الجواب الثالث : ما قيل من عدم تحقّق جميع ما لابدّ منه في وجود العالم في الأزل ، إذ من جملته تعلّق الإرادة بوجوده في الأزل ، ولم تتعلّق الإرادة بوجوده في الأزل ، بل وجوده فيما لا يزال من الأوقات الآتية ؛ لحكمة ومصلحة .
الجواب الرابع : النقض بالحادث اليومي ، فإنّ هذا الوجه لو تمّ لأبطل الحادث مطلقاً ، إذ نقول حينئذٍ : هل الواجب علّة تامّة لشيء ما أم لا ؟ فعلى الثاني ينتفي العالَم ، وعلى الأَوّل نأخذ الصادر الأَوّل ، ونقول : الواجب مع هذا الصادر إمّا أن يكون علّةً تامّة لشيءٍ ما ممّا عداهما أم لا ، ويلزم قِدم الصادر الثاني ، وهكذا ينتهي إلى الحادث اليومي فيدخل في سلسلة القدماء ، وهذا خلف .
الجواب الخامس : ما ذكره المستحلّون للترجيح بلا مرجّح ، من أنّ الفاعل المختار يتمكّن من إيجاد فعل بلا مرجّح وداعٍ .
إلى غير ذلك من الأجوبة التي لا حاجة إلى نقلها .
لكنّ الخامس باطل كما ... في مبحث الترجيح بلا مرجّح ، وقد عرفت أنّ الحقّ هو التفصيل الثاني .
والرابع فيه بحث طويل الذيل .
والثالث ممنوع ؛ إذ الامتداد الوهمي المذكور عدم بحت ، لا تأثير له في توليد المصلحة في طرف المفعول ، فإن كان أصلح فهو كذلك أزلاً ، فلا يُقاس بالحوادث الزمانية التي يختلف صلاحها وفسادها باختلاف الزمان .
والثاني يصعب قبوله ؛ إذ بعد تمامية فاعلية الواجب ، وكونه علّةً تامّة ، لا يتصوّر تخلّف المعلول عنه ، وقدماء الإمامية لم يثبت منهم تجويز هذا المعنى ، وعبارة المجلسي المتقدّمة أيضاً غير ظاهرة حقّ الظهور في هذه النسبة إليهم ، بل الظاهر منها هو نفي الزمان الموهوم عنه تعالى ، فلاحظ .
والأَوّل أُورد عليه ، بامتناع انتزاع الأمر التدريجي عن مَن هو بريء من التدرّج والسيلان ، اللهم إلاّ أن يقال : إنّ الوجهين المذكورين ـ الأَوّل والثاني ـ وإن لم يكونا بثابتين، لكنّهما يوجبان الاحتمال المنافي للدليل... فإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال .
تحقيق وتفنيد :
هذا الذي ذكره الفلاسفة ، وتشعّب المتكلّمون في جوابه إلى شعب ، مجرّد تلفيق لا واقع له أصلاً ، بل السؤال المذكور فيه غلط لا مسرح له في المقام .
توضيح ذلك : أنّ ما عنه التأثير على قسمين : الفاعل المختار والعلّة الموجبة ، والأَوّل كالحيوان ؛ إذ له أن يفعل وله أن لا يفعل ، والثاني كالأسباب الطبيعية ، والسؤال المذكور في الدليل المزبور إنّما يتمشّى على الثاني ، فإنّ المؤثّر الطبيعي إمّا علّة تامّة ، كالنار بالنسبة إلى الحرارة ، والشمس بالنسبة إلى النهار ، وإمّا ليس كذلك بل مقتضٍ له يتوقّف تنجّز أثره على شرط أو أمر آخر ، كالنار بالقياس إلى الإحراق ، والشمس إلى التسخين ، وأمّا الفاعل المختار فمهما بلغ شوقه إلى إيجاد الفعل الملائم له فهو متمكّن من الفعل والترك ، ولا يجب الفعل عنه أصلاً ، فإنّ الوجوب السابق باطل في أفعاله ، فالفعل موقوف على إعمال قدرته لا على شوقه .
إذا تقرّر ذلك فنقول : إنّا قد قرّرنا سابقاً أنّ الله تعالى ليس بعلّة موجَبة بفتح الجيم ، وحقّقنا أيضاً أنّ إرادته ليست هو علمه بالأصلح ، أو نفس ذاته ابتداءً ، بلا رجوعها إلى العلم ، بل هي حادثة؛ فحينئذٍ له أن فعل وله أن لا يفعل ، والسؤال المذكور لا مجرى له في حقّه تعالى كما عرفت، ولنا أن نختار كلاًّ من الشقين فنقول : إنّه تعالى كان مستجمعاً لجميع شرائط التأثير ، وعلةً تامة ، بمعنى أنّه غير محتاج إلى شيء بحيث إن شاء لفعل ، أو نقول : إنّه ليس مستجمعاً لشرائط التأثير ، وليس بعلّة تامة ، ونعني به أنّ الفعل غير صادر عنه ؛ لأنّه لم يرده ولا يمكن صدوره عنه اضطراراً وإيجاباً .
فهذا السؤال ـ بعد تمهيد الأُصول السالفة الحقّة من اختياره تعالى وحدوث إرادته ـ ممّا لا مجال له أبداً من جهة الحكمة النظرية وأحكام العقل العلمية ، نعم يمكن أن يقرّر الاستدلال من وجهة الحكمة العملية فيقال : الواجب وإن كان مختاراً غير أنّ إهمال الأصلح أو الصالح قبيح منه ، وهو لحكمته البالغة لا يفعله وإن كان قادراً عليه ، بل مرّ أنّ صدور الأكمل أو الكامل لازم عنه، فهذا السؤال له وجه ولا يدفعه الوجوه المتقدّمة ، كما هو مسلّم عند مَن أنصف من نفسه .
ولكن هؤلاء القوم لو تركوا العصبية والعناد ، وامتنعوا من السب والطعن ، وأسكتوا غضبهم لنجيبهم ، بأنّ قِدم الممكن ممتنع ، والممتنع المحال لا يعقل صدوره عن الواجب؛ إذ لا قابلية له لتعلّق القدرة الكاملة العميمة الواجبة به ، فأين ترك الجود وإمساك الفيض؟ وأين البخل ؟ ومع الغض عمّا قلناه آنفاً أين تخلّف المعلول عن العلّة ؟ فإنّ الشيء إذا كان ممتنع الوجود لا يصير معلولاً أبداً ، وهذا ظاهر .
وهذا الجواب يكفي لإبطال جميع الوجوه المستدلّ بها على قِدم العالَم .
_______________________
(1) البحار 14 / 49.
(2) وهو عالَم الناسوت ويقال له : عالم الشهادة أيضاً .
(3) السماء والعالَم / 57.
(4) هذا هو المسمّى بالزمان الموهوم ، وهو الامتداد الموهوم المنتزع من بقاء الواجب ، وأمّا الزمان المتوهّم فهو الامتداد الموهوم غير المنتزع من بقاء الواجب ، فالموهوم ما لا فرد لا يحاذيه ، ولكن له منشأ الانتزاع ، والمتوهّم ما لا فرد له ولا منشأ لانتزاعه ، ويجعلون هذا الزمان وعاءً لعدم العالَم ، فيقولون : إنّ العالَم حادث زماني وليس بقديم .
|
|
التوتر والسرطان.. علماء يحذرون من "صلة خطيرة"
|
|
|
|
|
مرآة السيارة: مدى دقة عكسها للصورة الصحيحة
|
|
|
|
|
نحو شراكة وطنية متكاملة.. الأمين العام للعتبة الحسينية يبحث مع وكيل وزارة الخارجية آفاق التعاون المؤسسي
|
|
|