أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-8-2016
1289
التاريخ: 18-8-2016
933
التاريخ: 16-10-2016
941
التاريخ: 18-8-2016
927
|
السنّة بمعنى قول المعصوم أو فعله أو تقريره حجّة بلا كلام، كما أنّه لا شكّ في حجّية الخبر الحاكي للسنّة إذا كان خبراً متواتراً أو محفوفاً بالقرينة لإفادتهما العلم، إنّما الكلام في حجّية الحاكي إذا كان خبراً مجرّداً عن القرينة وكان الراوي ثقة، فقد ذهب معظم الأُصوليين إلى حجّيته واستدلّوا عليه بالكتاب والسنّة والإجماع، وقد ذكرنا دلائلهم في كتاب «الموجز» فلا حاجة إلى الإعادة.
لكن الأولى الاستدلال عليها بالسيرة العقلائية المنتشرة بينهم، فقد جرت سيرتهم على العمل بخبر الثقة المفيد للاطمئنان الذي هو علم عرفي وإن لم يكن علماً عقلياً، وما هذا إلاّ لأجل انّ تحصيل العلم في أغلب الموارد موجب للعسر والحرج، هذا من جانب، ومن جانب آخر انّ القلب يسكن إلى قول الثقة، ويطمئن به، ولأجل ذلك يعد عند العرف علماً لا ظنّاً، لما له من ملكة رادعة عن الاقتحام في الكذب، فبملاحظة هذين الأمرين جرت سيرتهم على الأخذ بقول الثقة.
ولو كانت السيرة أمراً غير مرضي للشارع، كان عليه الردع عنها كما ردع عن العمل بقول الفاسق.
وبعبارة أُخرى: انّك إذا سبرت أحوال الأُمم في العصور الغابرة، تقف على أنّ سيرتهم جرت على العمل بخبر الثقة، وانّ عمل المسلمين به لم يكن إلاّ استلهاماً من تلك السيرة العقلائية التي ارتكزت في نفوسهم.
ولو كان العمل بأخبار الآحاد الثقات أمراً مرفوضاً لكان للنبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ والأئمّة المعصومين، الردع القارع والطرد الصارم حتى يتنبه الغافل ويفهم الجاهل. كما تضافرت الروايات على ردّ القياس وسائر المقاييس الظنّية الدارجة بين أهل السنّة. فلو كان العمل بخبر الواحد على غرار العمل بالقياس لعمّه الردع من قبل أئمّة أهل البيت ـ عليهم السَّلام ـ، ولوصلت إلينا رواياتهم الناهية عن العمل بخبر الواحد، وحيث إنّه لم يرد شيء من هذا القبيل، دلّ ذلك على إمضائهم العمل بخبر الواحد.
وثمة نكتة أُخرى وهي انّ ما استدلّ به الأُصوليّون من الكتاب والسنّة على حجّية قول الثقة ليس في مقام تأسيس القاعدة واضفاء الحجية على قول الثقة، بل الكلّ عند الدقة والإمعان ناظر إلى هذه السيرة العقلائية، فلاحظ قول الراوي (عبد العزيز بن المهتدي، والحسن بن علي بن يقطين) للإمام الرضا ـ عليه السَّلام ـ أفيونس بن عبد الرحمن ثقة، آخذ عنه ما أحتاج إليه من معالم ديني؟ فقال: «نعم».(1)
كما يشير إليه قول أبي الحسن الثالث لأحمد بن إسحاق عندما سأله بقوله من أُعامل؟ وعمّن آخذ؟ وقول من أقبل؟ فقال الإمام: «العمري ثقتي، فما أدّى إليك عنّي فعنّي يؤدّي، وما قال لك عنّي، فعنّي يقول، فاسمع له، وأطع فإنّه الثقة المأمون».(2)
فإنّ الحوار الدائر بين الراوي والإمام حاك عن أنّ الكبرى(حجّية قول الثقة) كان أمراً مسلّماً بينهما، وإنّما الكلام في الموارد والمصاديق، فقال الإمام انّ العمري ثقة.
ولو قيل انّه ليس على حجية قول الثقة إلاّ دليل واحد، وهو السيرة العقلائية فقط وسائر الأدلّة إرشاد إليها أو بيان لصغريات القاعدة لم يقل قولاً مجازفاً.
ثمّ إنّ الشيخ الطوسي «جعل سيرة الأصحاب على العمل بخبر الواحد دليلاً على الحجّية، و بما انّ سيرتهم كانت بمرأى ومسمع من الأئمّة، تكشف عن إمضائهم لها»، ولكن الحقّ انّ سيرة أصحابنا لم تكن سيرة منقطعة عن سيرة العقلاء بل كانت متفرعة عنها، وبما انّ دليل الشيخ من أتقن الأدلة على حجّية قول الثقة نذكر عبارته في المقام، حيث يقول: إنّي وجدت الفرقة المحقّة مجمعة على العمل بهذه الأخبار التي رووها في تصانيفهم ودوّنوها في أُصولهم، لا يتناكرون ذلك ولا يتدافعونه حتى أنّ واحداً منهم إذا أفتى بشيء لا يعرفونه، سألوه من أين قلت هذا؟ فإذا أحالهم على كتاب معروف أو أصل مشهور، وكان راويه ثقة لا يُنكر حديثه، سكتوا وسلّموا الأمر في اللّه وقبلوا قوله، وهذه عادتهم وسجيّتهم من عهد النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ومن بعده من الأئمّة ـ عليهم السَّلام ـ ، ومن زمن الصادق جعفر بن محمد عليمها السَّلام الذي انتشر العلم عنه وكثرت الرواية من جهته، فلولا أنّ العمل بهذه الأخبار كان جائزاً لما أجمعوا على ذلك ولأنكروه، لأنّ إجماعهم فيه معصوم لا يجوز عليه الغلط والسهو.(3)
ثمّ إنّ الشيخ وان عبر في المقام بلفظ الإجماع الموهِم انّه استدلّ بالإجماع، ولكنّه في الحقيقة احتجاج بالسيرة العملية للأصحاب، المستمدة من السيرة العقلائية.
الحجّة هي الخبر الموثوق بصدوره:
إذا كانت السيرة هي الدليل الوحيد على حجّية قول الثقة، فاعلم أنّ عمل العقلاء بمفاده لأجل كون وثاقة الراوي مفيداً للاطمئنان بصدق الخبر ومطابقته للواقع، وليست لوثاقته موضوعية في المقام حتى نتوقف عن العمل عند عدم إحراز وثاقة الراوي مع حصول الوثوق بصدور الرواية من قرائن أُخرى، وعليه فمناط الحجّية عند العقلاء هو الخبر الموثوق بصحته وصدوره لا خصوص كون الراوي ثقة، ولذلك لو كان المخبر ثقة لكن دلّت القرائن على عدم صدق الخبر لما عملوا به.
فاتّضح بما ذكرنا انّ موضوع الحجّية هو الخبر الموثوق بصدوره فيشمل الخبر الصحيح والموثق والحسن إذا كانت بمرحلة موروثة للاطمئنان، بل يشمل الضعيف إذا دلّت القرائن على صدقه.
وإلى ما ذكرنا أشار الشيخ الأنصاري بعد بيان الأدلّة العقلية التي أُقيمت على حجّية الخبر الواحد بقوله: والإنصاف انّ الدال فيها لم يدلّ إلاّ على وجوب العمل بما يفيد الوثوق والاطمئنان بمؤدّاه، وهو الذي فسّر به الصحيح في مصطلح القدماء (4)والمعيار فيه أن يكون احتمال مخالفته للواقع بعيداً بحيث لا يعتني به العقلاء، ولا يكون عندهم موجباً للتحيّر والتردّد(5).
____________
1. الوسائل: 18، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 33، 34.
2. الوسائل: 18، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 4.
3. العدة في أُصول الفقه:1/126، ط عام 1376هـ.
4. الصحيح عند القدماء ما يورث الوثوق بالمضمون، والصحيح عند المتأخرين مان يكون آحاد رجال السند عدولاً.
5. الفرائد:106، طبعة رحمة اللّه.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|