أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-10-2014
795
التاريخ: 25-10-2014
829
التاريخ: 25-10-2014
825
التاريخ: 25-10-2014
684
|
أجمع المسلمون تبعاً للكتاب والسنَّة على كونه سبحانه متكلماً و يبدو أنَّ البحث في هذا الوصف هو أوّل مسألة طرحت على بساط المناقشات في تاريخ علم الكلام و إن لم يكن أمراً قطعياً. و قد شغلت مسألة الكلام الإِلهي ، و أنه ما هو ، و هل هو حادث أو قديم ، بالُ العلماء و المفكّرين الإِسلاميين في عصر الخلفاء ، و حدثت بسببه مشاجرات بل صدامات دامية ذكرها التاريخ و سجل تفاصيلها و عرفت ب ـ « محنة خلق القرآن » ويمكننا أن نلاحظ لذلك عاملين رئيسيين :
الأول : الفتوحات الإِسلامية التي أوجبت اختلاط المسلمين بغيرهم و صارت مبدأً لاحتكاك الثقافتين الإِسلامية و الأجنبية. وفي ذلك الخضمّ المشحون بتضارب الأفكار طرحت مسألة تكلمه سبحانه في الأوساط الإِسلامية.
الثاني : ترويج الخلفاء البحث عن هذه المسألة و نظائرها حتى ينصرف المفكرون عن نقد أفعالهم و انحرافاتهم.
ولا بدّ من التنبيه على مصدر بث هذه الفكرة بالخصوص فنقول : إِنَّ البحث في حقيقة كلامه سبحانه أولا ، و كونه مخلوقاً أو غير مخلوق ، حادثاً أو قديماً ثانياً ، مما أثاره النصارى الذين كانوا في حاشية البيت الأموي و على رأسهم يوحنا الدمشقي الذي كان يشكّك المسلمين في دينهم. فبما أن القرآن نصّ على أنَّ عيسى بن مريم كلمة الله ألقاها إلى مريم ، صار ذلك وسيلة لأن يبث هذا الرجل بين المسلمين قِدَم كلمة الله عن طريق خاص ، و هو أنه كان يسألهم : أكلمة الله قديمة أو لا؟.
فإنْ قالوا : قديمة.
قال : ثبت دعوى النصارى بأنَّ عيسى قديم.
وإن قالوا : لا.
قال : زعمتم أنَّ كلامه مخلوق.
فلأجل ذلك قامت المعتزلة لحسم مادة النزاع ، فقالوا : إِنَّ القرآن حادث لا قديم ، مخلوق لله سبحانه.
ولمَّا لم تكن هذه المسألة مطروحة في العصور السابقة بين المسلمين تشعبت فيها الآراء و تضاربت الأقوال ، حتى لقد صدرت بعض النظريات الموهونة جداً كما سيأتي. لكن نظرية المعتزلة لاقت القبول في عصر الخليفة المأمون إلى عصر المتوكل ، إلاّ أنَّ الأمر انقلب من عصر المتوكل إلى زمن انقضاء المعتزلة لصالح أهل الحديث و الحنابلة.
وفي الفترتين وقعت حوادث مؤسفة و أريقت دماء بريئة ، شغلت بالُ المسلمين عن التفكر فيما يهمهم من أمر الدّين و الدّنيا ، وكم لهذه المسألة من نظير في تاريخ المسلمين!!.
وقبل الخوض في المقصود نقدم أُموراً :
الأول ـ إِنَّ وصف الكلام عند الأشاعرة و الكلابيّة ـ الذين أثبتوا لله كلاماً قديماً ـ من صفات الذات ، بخلاف المعتزلة و الإِمامية فهو عندهم من صفات فعله و سيوافيك الحق في ذلك. و قد حدث ذلك الاختلاف من ملاحظة قياسين متعارضين ، فالأشاعرة تبعوا القياس التالي :
كلامه تعالى وصف له ، و كل ما هو وصف له فهو قديم ، فكلامه تعالى قديم. و أما غيرهم فقد تبعوا قياساً غيره ، و هو : كلامه تعالى مؤلف من أجزاء مترتبة متفاوتة متعاقبة في الوجود ، و كل ما هو كذلك فهو حادث ، فكلامه تعالى حادث.
والأشاعرة : ـ لأجل تصحيح كونه قديماً ـ فسَّروه بأنَّه معنى قائم بذاته يسمى الكلام النفسي. و المعتزلة و الإِمامية أخذوا بالقياس الثاني و قالوا إِنَّ معنى كلامه أنَّه موجد للحروف و أصوات في الخارج ، فهو حادث.
ولبعض الحنابلة هنا قول آخذ بكلا القياسين المتناقضين حيث قالوا إنَّ كلامه حروف و الأصوات قائمة بذاته و في الوقت نفسه هي قديمة ، و هذا من غرائب الأقوال و الأفكار.
الثاني : إِنَّ تفسير كونه سبحانه متكلماً لا ينحصر في الآراء الثلاثة المنقولة عن الأشاعرة و العدلية (المعتزلة و الإِمامية) و الحنابلة ، بل هناك رأي رابع أيدّته البراهين الفلسفية و أوضحته النصوص القرآنية وورد في أحاديث أئمة أهل البيت ، و حاصله : إِنَّ العالم بجواهره و أعراضه ، فعلُه و في الوقت نفسه كلامُه ...
الثالث : إِنَّ الطريق إلى ثبوت هذه الصفة عند الأشاعرة هو العقل و عند العدلية هو السمع ... و أمَّا النقل فقد تضافرت الآيات على توصيفه به ، قال تعالى : {مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ} [البقرة: 253]. و قال تعالى : { وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا } [النساء: 164]. و قال سبحانه : {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف: 143]. و قال تعالى : {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ } [الشورى: 51].
وقد بَيَّن تعالى أن تكليمه الإنبياء لا يعدو عن الأقسام التالية :
1 ـ « إلاّ وحياً ».
2 ـ « أو من وراء حجاب ».
3 ـ « أو يرسل رسولا ».
فقد أشار بقوله : { إلاَّ وحياً } إلى الكلام المُلقى في روْع الإنبياء بسرعة و خفاء.
كما أشار بقوله : { أو من وراء حجاب } إلى الكلام المسموع لموسى ( عليه السَّلام ) في البقعة المباركة. قال تعالى : {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } [القصص: 30].
وأشار بقوله : { أو يرسل رسولا } إلى الإِلقاء الذي يتوسط فيه ملك الوحي ، قال سبحانه :{نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ} [الشعراء: 193، 194] ففي الحقيقة الموحي في الأقسام الثلاثة هو الله سبحانه تارة بلا واسطَة بالإِلقاء في الرَّوْع ، أو بالتكلم من وراء حجاب بحيث يُسمع الصوت و لا يُرى المتكلم ، و أُخرى بواسطة الرسول. فهذه الأقسام الثلاثة هي الواردة في الآية المباركة.
الرابع : في حقيقة كلامه سبحانه:
قد عرفت أنه لا خلاف بين المسلمين في توصيفه سبحانه بالتكلم و إنما الخلاف في حقيقته أولا، و يتفرع عليه حدوثه و قدمه ثانياً ، فيجب البحث في مقامين:
المقام الأول ـ حقيقة كلامه تعالى :
إليك فيما يلي الآراء المطروحة في حقيقة كلامه تعالى :
أ ـ نظرية المعتزلة :
قالت المعتزلة ، كلامه تعالى أصوات و حروف ليست قائمة بذاته تعالى بل يخلقها في غيره كاللوح المحفوظ أو جبرائيل أو النبي. و قد صرح بذلك القاضي عبدالجبار فقال : « حقيقة الكلام ، الحروف المنظومة ، و الأصوات المقطّعة ، و هذا كما يكون مُنْعِماً بِنعْمَة توجَد في غيره ، ورازقاً بِرزْق يُوجد في غيره ، فهكذا يكون متكلماً بإِيجاد الكلام في غيره و ليس من شرط الفاعل أن يَحِلّ عليه الفعل » (1).
والظاهر أنَّ كونه سبحانه متكلماً بهذا المعنى لا خلاف فيه ، إِنَّما الكلام في حصر التكلم بهذا المعنى. قال في شرح المواقف : « هذا الذي قالته المعتزلة لا ننكره بل نحن نقوله و نسميه كلاماً لفظياً و نعترف بحدوثه و عدم قيامه بذاته تعالى ولكن نثبت أمراً وراء ذلك » (2).
يلاحظ على هذه النظرية أنَّ ما ذكره من تفسير كلامه سبحانه بإِيجاد الحروف و الأصوات في الأَشياء ، إنَّما يصح في الكلام الذي يخاطب به سبحانه شخصاً أو أمة. فطريقه هو ما ذكره المعتزلة ، و إليه ينظر ما ذكرنا من الآيات حول تكليمه سبحانه موسى أو غيره (3). و امَّا إذا لم يكن هناك مخاطب خاص لجهة الخطاب فلا بدّ أن يكون كلامه سبحانه على وجه الإِطلاق هو فعله المُنْبِئ عن جماله ، المظهر لكماله. فاكتفاء المعتزلة بما ذكَروا من التفسير إنَّما يناسب القسم الأول ، و أمَّا القسم الثاني فلا ينطبق عليه. إذ فعله على وجه الإِطلاق ليس من قبيل الأصوات و الألفاظ ، بل عبارة عن الأعيان الخارجية و الجواهر و الأعراض. و قد سَمَّى سبحانه فعلَه كلاماً في غير واحد من الآيات و هذه هي النظرية التي نذكرها فيما يلي :
ب ـ نظرية الحكماء :
لا شك أنَّ الكلام في أنظار عامة الناس هو الحروف و الأصوات الصادرة من المتكلم ، القائمة به. و هو يحصل من تَمَوُّج الهواء و اهتزازه بحيث إذا زالت الأمواج زال الكلام معه. ولكن الإِنسان الاجتماعي يتوسَّع في إطلاقه فيطلق الكلام على الخطبة المنقولة أو الشعر المروي عن شخص ، و يقول هذا كلام النبي أو إلقاء امرئ القيس ، مع أنَّ كلامهما قد زال بزوال الموجات و الاهتزازات. و ما هذا إلاّ من باب التوسُّع في الإِطلاق و مشاهدة ترتّب الأثر على المروي و المنقول.
وعلى هذا فكل فعل من المتكلم أفاد نفس الأثر الذي يفيده كلامه من إبراز ما يكتنفه الفاعل في سريرته من المعاني و الحقائق ، يصح تسميته كلاماً من باب التوسّع و التَّطوير. و قد عرفت أنَّ المصباح وضع حينما وضع على مصداق بسيط لا يعدو الغصن المشتعل. ولكن لما كان أثره و هو الإِنارة ـ موجوداً في الجهاز الزيتي و الغازي و الكهربائي أطلق على الجميع ، و مثل ذلك الحياة على النحو الذي أوضحناه. فإذا صحت تلك التسمية و جاز ذلك التوسع في ذينك اللفظين ، يجوز في لفظ « الكلام » فهو و إنْ وُضع يوم وضع للأصوات والحروف المتتابعة الكاشفة عما يقوم في ضمير المتكلم من المعاني ، إلاّ أنَّه لو وجد هناك شيء يفيد ما تفيده الأصوات و الحروف المتتابعة بنحو أعلى و أتم لصحت تسميته كلاماً أو كلمة. و هذا الشيء الذي يمكن أن يقوم مقام الكلام اللفظي هو فعل الفاعل الذي يليق أن يسمى بالكلام الفعلي ، ففعل كل فاعل يكشف عن مدى ما يكتنفه الفاعل من العلم و القدرة و العظمة و الكمال. غير أنَّ دلالة الألفاظ على السرائر و الضمائر اعتبارية و دلالة الأفعال و الآثار على ما عليه الفاعل و المؤثر من العظمة تكوينية.
ولأجل ذلك نرى أنَّه سبحانه يصف عيسى بن مريم بأنَّه كلمة الله التي ألقاها إلى مريم العذراء و يقول : {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء: 171].
وكيف لا يكون سيدنا المسيح كلمة الله مع أنه يكشف عن قدرةِ الله سبحانه على خلق الإِنسان في الرحم من دون لقاء بين أُنثى وذكر ، ولأجل ذلك عدّ وجوده آية و معجزة.
وفي ضوء هذا الأصل يَعُدّ سبحانه كل ما في الكون من كلماته و يقول : {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف: 109].
ويقول سبحانه : {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} [لقمان: 27].
يقول علي ( عليه السَّلام ) : « يَقُول لِما أَرادَ كَوْنَهُ : كُنْ ، فَيَكُونْ. لا بِصَوْت يَقْرَع ، و لا بِنداء يُسْمع ، و إِنَّما كلامُه سبحانَهُ فِعْلٌ منه ، أَنشأه و مثّلهُ ، لم يكن من قبل ذلك كائناً ، و لو كان قديماً لكان إِلهاً ثانياً » (4).
... فكل ما في صحيفة الكون من الموجودات الإِمكانية كلماته ، و تخبر عمّا في المبدأ من كمال و جمال و علم و قدرة.
وهناك كلام للعلامة الطباطبائي ( قدس سره ) نأتي بخلاصته :
ما يُسمى عند الناس قولا و كلاماً عبارةٌ عن إبراز الإنسان المتكلم ما في ذهنه من المعنى بواسطة أصوات مؤلفة موضوعة لمعنى ، فإذا قرع سمعُ المخاطب أو السامع انتقل المعنى الموجود في ذهن المتكلم إلى ذهنهما فحصل بذلك الغرض من الكلام وهو التفهيم و التَفَهّم. و هناك نكتة نبه عليها الحكماء فقالوا : حقيقة الكلام متقوّمة بما يدل على معنى خفي مُضمر ، و أما بقية الخصوصيات ككونه بالصوت الحادث في صدر الإِنسان ، و مروره من طريق الحنجرة و اعتماده على مقاطع الفم و كونه بحيث يقبل أنْ يقع مسموعاً ، فهذه خصوصيات تابعة للمصاديق و ليست دخيلة في حقيقة المعنى الذي يَتَقَوّم به الكلام.
فالكلام اللفظي الموضوع ، الدال على ما في الضمير ، كلام. و كذا الإِشارة الوافية لإِراءة المعنى ، كلام ، كما أنَّ إشاراتك بيدك إلى القعود و القيام ، أمر وقول. و كذا الوجودات الخارجية فإنها لمَّا كانت حاكية بوجودها عن وجود علّتها ، و بخصوصياتها عن الخصوصيات الكامنة فيها ، صارت الوجودات الخارجية ـ بما أنَّ وجودها مثال لكمال علّتها ـ كلاماً. و عليه فمجموع العالم الإِمكاني كلام الله سبحانه ، يتكلم به بإِيجاده و إنشائه ، فيظهر المكنون من كمال أسمائه و صفاته. و كما أنَّه تعالى خالق العالَم و العالَم مخلوقه ، كذلك هو تعالى متكلم بالعالم ، مظهر به خبايا الأسماء و الصفات ، و العالم كلامه (5).
قال أمير المؤمنين و سيد الموحدين ( عليه السَّلام ) في نهج البلاغة : « يُخْبِر لا بلسان و لَهَوات ، ويَسْمَعُ لا بخرُوق وادوات ، يقول و لا يَلفِظُ ، و يَحْفَظُ و لا يَتَحَفَّظُ ، و يُريد و لا يُضْمِر ، يُحِبّ و يرضى من غير رِقَّة ، و يُبْغِضُ و يغضب من غير مشقّة ، يقول لمن أراد كونه : كن. فيكون ، لا بصوت يَقْرَع ، و لا بِنداء يُسْمَع ، و إنما كلامه سبحانه فِعْلٌ منه أنشأه وَ مَثَّلَهُ ، لم يكن من قبل ذلك كائناً ، و لو كان قديماً لكان إلهاً ثانياً » (6).
وإلى ذلك يشير المحقق السبزواري في منظومته بقوله :
لسالك نهج البلاغة انتَهَج إِنْ تَدْرِ هذا ، حمدَ الأشيا تعرِف ... كلامه سبحانه الفعل خَرَج إِنْ كلماتُه إِليها تُضف (7)
إلى هنا وقفت على نظرية الحكماء في كلامه سبحانه و قد حان وقت البحث عن نظرية الأشاعرة في هذا المقام.
ج ـ نظرية الأشاعرة :
جعلت الأشاعرة التكلم من الصفات الذاتيّة ، ووصفوا كلامه سبحانه بالكلام النفسي ، و قالوا : إنَّ الكلام النفسي غير العلم و غير الإِرادة و الكراهة. و قد تفننوا في تقريب ما ادّعوه بفنون مختلفة ، و قبل أن نقوم بنقل نصوصهم نرسم مقدمة مفيدة في المقام فنقول : لا شك أَنَّ المتكلم عندما يخبر عن شيء ففيه عدة تصورات و تصديق ، كلها من مقولة العلم ، أما التصور فهو عبارة عن إحضار الموضوع و المحمول و النسبة بينهما في الذهن. و أما التصديق فهو الإِذعان بنفس النسبة على المشهور.
ولا شك أنَّ التصور و التصديق شعبتا العلم. و العلم ينقسم إليهما. و قد قالوا : العلم إن كان إذعاناً بالنسبة فتصديق و إلاَّ فتصور. هذا في الإِخبار عن الشيء.
وأما الإِنشاء ، ففي مورد الأمر ، إرادة في الذهن ، و في مورد النهي ، كراهة فيه. وفي الاستفهام والتمني و الترجيّ ما يناسبها.
فالأشاعرة قائلون بأنَّ في الجمل الإِخبارية ـ وراء العلم ـ و في الإِنشائية ، كالأمر و النهي مثلا، وراء الإِرادة و الكراهة ، شيء في ذهن المتكلم يسمى بالكلام النفسي و هو الكلام حقيقة ، و أما الكلام اللفظي فهو تعبير عنه ، و هذا الكلام (النفسي) في الإِنسان حادث يتبع حدوث ذاته ، و فيه سبحانه قديم لقدم ذاته ، ولأجل إيضاح الحال نأتي بنصوص أقطاب الأشاعرة في المقام.
1 ـ قال الفاضل القوشجي في شرح التجريد : « إنَّ من يورد صيغة أمر أو نهي أو نداء أو إخبار أو إستخبار أو غير ذلك يجد في نفسه معاني يعبّر عنها ، نسمّيها بالكلام الحسيّ. و المعنى الذي يجده في نفسه ويدور في خِلْده ، لا يختلف باختلاف العبارات بحسب الأوضاع و الاصطلاحات ، و يقصد المتكلم حصوله في نفس السامع على موجبه ، هو الذي نسمّيه الكلام » (8).
ولا يخفى أن ما ذكره مجمل لا يعرب عن شيء واضح ، ولكن الفضل بن روزبهان ذكر كلاماً أوضح من كلامه.
2 ـ قال الفضل في نهج الحق : « إِنَّ الكلام عندهم لفظ مشترك يطلقونه على المؤلف من الحروف المسموعة ، و تارة يطلقونه على المعنى القائم بالنفس الذي يعبر عنه بالألفاظ و يقولون هو الكلام حقيقة ، و هو قديم قائم بذاته. و لا بد من إِثبات هذا الكلام ، فإنَّ العرف لا يفهمون من الكلام إلاّ المؤلف من الحروف و الأصوات فنقول :
ليرجع الشخص إلى نفسه أنَّه إذا أراد التكلّم بالكلام فهل يفهم من ذاته أنَّه يزوّر و يرتب معاني فيعزِم على التكلّم بها ، كما أنَّ من أراد الدخول على السلطان أو العالم فإنه يرتب في نفسه معاني و أشياء و يقول في نفسه سأتكلم بهذا. فالمنصف يجد من نفسه هذا البتَّة. فها هو الكلام النفسي. (9)
ثم نقول على طريقة الدليل إِنَّ الألفاظ التي نتكلم بها لها مدلولات قائمة بالنفس فنقول هذه المدلولات هي الكلام النفسي.
يلاحظ عليه : إِنَّ ما ذكره صحيح ولكن المهم إِثبات أنَّ هذه المعاني في الإِخبار غير العلم ، و هو غير ثابت بل الثابت خلافه ، وأنَّ المعاني التي تدور في خِلْد المتكلم ليست إلاّ تصور المعاني المفردة ، أو المركبة ، أو الإِذعان بالنسبة ، فيرجع الكلام النفسي إلى التصورات و التصديقات ، فأي شيء هنا وراء العلم حتى نسمّيه بالكلام النفسي. كما أنَّه عندما يرتب المتكلم المعاني الإِنشائية ، فلا يرتب إلا إرادته و كراهته أو ما يكون مقدمة لهما ، كتصور الشيء و التصديق بالفائدة. فيرجع الكلام النفسي في الإِنشاء إلى الإِرادة و الكراهة ، فأي شيء هنا غيرهما و غير التصوّر حتى نسميه بالكلام النفسي. و عند ذلك لا يكون التكلم و صفاً وراء العلم في الإِخبار ووراءه مع الإِرادة في الإِنشاء. مع أنَّ الأشاعرة يصرّون على إثبات وصف للمتكلم وراء العلم و الإِرادة ، و لأجل ذلك يقولون : كونه متكلماً بالذات ، غير كونه عالماً و مريداً بالذات. و الأوْلى أن نستعرض ما استدلوا به على أنَّ الكلام النفسي شيء وراء العلم. و هذا بيانه :
الأول : إنَّ الكلام النفسي غير العلم لأن الرجل قد يخبر عمّا لا يعلمه بل يعلم خلافه أو يشكّ فيه، فالإِخبار عن الشيء غير العلم به. قال السيد الشريف في شرح المواقف : « والكلام النفسي في الإِخبار معنى قائم بالنفس لا يتغير بتغير العبارات و هو غير العلم إذ قد يخبر الرجل عمّا لا يعلمه ، بل يعلم خلافه ، أو يشكّ فيه » (10).
يلاحظ عليه : إنَّ المراد من رجوع كل ما في الذهن في ظرف الإِخبار إلى العلم ، هو الرجوع إلى العلم الجامع بين التصور و التصديق. فالمخبر الشاك أو العالم بالخلاف يتصور الموضوع و المحمول و النسبة الحُكميّة ثم يخبر. فما في ذهنه من هذه التصورات الثلاثة لا يخرج عن إطار العلم ، و هو التصور. نعم ليس في ذهنه الشق الآخر من العلم و هو التصديق. و منشأ الإِشتباه تفسير العلم بالتصديق فزعموا أنَّه غير موجود عند الإِخبار في ذهن المُخبر الشاك أو العالِم بالخلاف ، و الغفلةُ عن أنَّ عدم وجود العلم بمعنى التصديق لا يدُلّ على عدم وجود القسم الآخر من العلم و هو التصوّر.
الثاني : ما استدلوا به في مجال الإِنشاء قائلين بأنه يوجد في ظرف الإِنشاء شيء غير الإِرادة و الكراهة ، و هو الكلام النفسي ، لأنه قد يأمر الرجُل بما لا يريده ، كالمُخْتَبِر لعبده هل يطيعُه أولا ، فالمقصود هو الإِختبار دون الإِتيان (11).
يلاحظ عليه : أولا : إِنَّ الأَوامر الإِختبارية على قسمين :
قسم تتعلق الإِرادة فيه بنفس المقدِّمة و لا تتعلق بنفس الفعل ، كما في أمره سبحانه « الخليل » (عليه السَّلام ) بذبح اسماعيل. ولأجل ذلك لما أتى « الخليل » بالمقدمات نودي {أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا...} [الصافات: 104، 105].
وقسم تتعلق الإِرادة فيه بالمقدمة و ذيها غاية الأمر أنَّ الداعي إلى الأمر مصلحة مترتبة على نفس القيام بالفعل ، لا على ذات الفعل ، كما إذا أمر الأميرُ أحدَ وزرائه في الملأ العام بإحضار الماء لتفهيم الحاضرين بأنَّه مطيع غير متمرّد. و في هذه الحالة ـ كالحالة السابقة ـ لا يخلو المقام من إرادة ، غاية الأمر أنَّ القسم الأول تتعلق الإِرادة فيه بالمقدمة فقط ، و هنا بالمقدمة مع ذيها. فما صحّ قولُهم إنَّه لا توجد الإِرادةُ في الأوامر الإِختبارية.
وثانياً : إِنَّ الظاهر من المستدل هو تصور أنَّ إرادة الآمر تتعلق بفعل الغير ، أي المأمور ، فلأجل ذلك يحكم بأنَّه لا إرادة متعلّقة بفعل الغير في الأوامر الإِمتحانية ، و يستنتج أنَّ فيها شيئاً غير الإِرادة ربما يسمى بالطلب عندهم أو بالكلام النفسي. ولكن الحق غير ذلك فإنَّ إرادة الآمر لا تتعلق بفعل الغير لأنَّ فعله خارج عن إطار اختيار الآمر ، و ما هو كذلك لا يقع متعلقاً للإِرادة. فلأجل ذلك ، إِنَّ ما اشتهر من القاعدة من تعلّق إرادة الآمر و الناهي بفعل المأمور به ، كلامُ صوري ، إذْ هي لا تتعلق إلاّ بالفعل الإِختياري و ليس فعل الغير من أفعال الآمر الإِختيارية ، فلا محيص من القول بأن إرادة الآمر متعلقة بفعل نفسه و هو الأمر و النهي ، و إن شئت قلت إنشاء البعث إلى الفعل أو الزجر عنه ، و كلاهما واقع في إطار اختيار الآمر و يعدان من أفعاله الإِختيارية.
نعم ، الغاية من البعث و الزجر هو انبعاث المأمور إلى ما بُعث إليه ، أو انتهاؤه عمّا زُجر عنه لعلم المكلِّف بأنَّ في التخلف مضاعفات دنيوية أو أُخروية.
وعلى ذلك يكون تعلق إرادة الآمر في الأوامر الجدّية و الإِختبارية على وزان و هو تعلق إرادته ببعث المأمور و زجره ، لا فعل المأمور ولا انزجاره فإنه غاية للآمر لا مراد له. فالقائل خلط بين متعلَّق الإِرادة ، و ما هو غاية الأمر و النهي.
وربما يبدو في الذهن أن يُعترض على ما ذكرنا بأنَّ الآمر إذا كان إنساناً لا تتعلق إرادته بفعل الغير لخروجه عن اختياره و أما الواجب سبحانه فهو آمر قاهر ، إرادته نافذة في كل شيء ، {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا } [مريم: 93].
ولكنَّ الإِجابة عن هذا الإِعتراض واضحة ، فإنَّ المقصود من الإِرادة هنا هو الإِرادة التشريعية لا الإِرادة التكوينية القاهرة على العباد المُخرجة لهم عن وصف الإِختيار الجاعلة لهم كآلة بلا إرادة ، فهي خارجة عن مورد البحث.
قال سبحانه : {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} [يونس: 99].
فهذه الآية تعرب عن عدم تعلق مشيئته سبحانه بإيمان من في الأرض ، ولكن من جانب آخر تعلقت مشيئته بإيمان كل مكلف واع. قال سبحانه : { وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} [الأحزاب: 4]. فقوله : « الحقّ » عام ، كما أنَّ هدايته السبيل عامة مثله لكل الناس.
وقال سبحانه : {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [النساء: 26] ، إلى غير ذلك من الآيات الناصَّة على عموم هدايته التشريعية .
الثالث : إِنَّ العصاة والكفار مكلّفون بما كُلّف به أهل الطاعة و الإيمان بنصّ القرآن الكريم ، و التكليف عليهم لا يكون ناشئاً من إرادة الله سبحانه و إلاّ لزم تفكيك إرادته عن مراده ، و لا بدّ أن يكون هناك منشأ آخر للتكليف و هو الذي نسميه بالكلام النفسي تارة ، والطلب أُخرى ، فيستنتج من ذلك أنَّه يوجد في الإِنشاء شيء غير الإِرادة.
وقد أجابت عنه المعتزلة بأن إرادته سبحانه لو تعلقت بفعل نفسه فلا تنفك عن المراد ، و أمَّا إذا تعلَّقتْ بفعل الغير ، فبما أنَّها تعلقت بالفعل الصادر من العبد عن حرية و اختيار فلا محالة يكون الفعل مسبوقاً باختيار العبد ، فإن أراد و اختار العبد يتحقق الفعل ، و إن لم يرد فلا يتحقق.
وبعبارة أخرى لم تتعلق مشيئته سبحانه على صدوره الفعل من العبد على كل تقدير ، أيْ سواء أراده أمْ لم يرده ، و إنَّما تعلقت على صدور منه بشرط سبق الإِرادة ، فإنْ سبقت يتحقق الفعل و إلاَّ فلا.
والأوْلى أنْ يقال : إِنَّ إرادته سبحانه لا تتخلف عن مراده مطلقاً من غير فرق بين الإِرادة التكوينية و الإرادة التشريعيَّة. أمَّا الأُولى ، فلأنَّه لو تعلقت إرادته التكوينية على إيجاد الشيء مباشرة أوْ عن طريق الأسباب فيتحقق لا محالة ، قال سبحانه : {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82].
وأمَّا الثَانية ، فلأن متعلّقها هو نفس الإنشاء و البعث ، أو نفس الزجر و التنفير ، و هو متحقق بلا شك في جميع أوامره و نواهيه ، سواء امتثل العبد أمْ خالف.
وأمَّا فعل العبد و انتهاؤه فليسا متعلقين للإِرادة التشريعية في أوامره و نواهيه ، فتخلُّفُهما لا يُعَدّ نقضاً للقاعدة ، لأنَّ فعل الغير لا يكون متعلقاً لإِرادة أحد ، لعدم كون فعل الغير في اختيار المريد (12) ; و لأجل ذلك قلنا في محله إِنَّ الإِرادة التشريعية إنما تتعلق بفعل النفس ، أيْ إنشاء البعث و الزجر ، لا فعل الغير.
فخرجنا بهذه النتيجة و هي أنَّ الإِرادة التشريعيَّة موجودة في مورد العُصاة و الكُفّار ، و المتعلَّق متحقق ، و إِنْ لم يمتثل العبد.
الرابع ـ ما ذكره الفَضْل بن رُوزبَهان من أنَّ كلّ عاقل يعلم أنَّ المتكلم من قامت به صفة التكلّم ، ولو كان معنى كونه سبحانه متكلماً هو خَلْقُه الكلام ، فلا يكون ذلك الوصف قائماً به ، فلا يقال لخالق الكلام متكلم ، كما لا يقال لخالق الذَوْق أنَّه ذائق (13).
يلاحظ عليه : إِنَّ قيام المبدأ بالفاعل ليس قسماً واحداً و هو القسم الحلولي ، بل له أقسام ، فإنَّ القيام منه ما هو صدوري ، كالقتل و الضرب في القاتل و الضَّارب ، و منه حُلولي كالعلم و القدرة في العالِم والقادر.
والتَّكَلُّم كالضرب ليس من المبادئ الحُلولية في الفاعل بل من المبادئ الصدوريّة ، فلأجل أنَّه سبحانه موجِد الكلام يطلق عليه أنَّه متكلم وزان إطلاق القاتل عليه سبحانه. بل ربما يصح الإِطلاق و إنْ لم يكن المبدأ قائماً بالفاعل أبداً لا صدورياً و لا حُلوليّاً بل يكفي نوع ملابسة بالمبدأ ، كالتَّمار و اللبّان لبائع التمر و اللبن. و أما عدم إطلاق الذائق على خالق الذوق فلأجل أنَّ صِدْق المشتقات بإحدى أنواع القيام ليست قياسية حتى يطلق عليه سبحانه الذائق و الشامّ بسبب إيجاده الذوق و الشم. و ربما احترز الإِلهيون عن توصيفه بهما لأجل الإِبتعاد عمّا يوهم التجسيم و لوازمه.
الخامس ـ إِنَّ لفظ الكلام كما يطلق على الكلام اللفظي ، يطلق على الموجود في النفس. قال سبحانه : {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [الملك: 13].
يلاحظ عليه : إِنَّ إطلاق « القول » على الموجود في الضمير من باب العناية و المشاكلة. فإنَّ « القول » من التقوّل باللسان فلا يطلق على الموجود في الذهن الذي لا واقعية له إلاَّ الصورة العلميَّة إلاّ من باب العناية.
حصيلة البحث :
إِنَّ الأشاعرة زعموا أنَّ في ذهن المتكلم في الجملة الخبرية و الإِنشائية وراء التصورات و التصديقات في الأولى ، ووراء الإِرادة في الثانية شيئاً يسمونه « الكلام النفسي » ، و ربما خصوا لفظ « الطلب » بالكلام النفسي في القسم الإِنشائي. و بذلك صححوا كونه سبحانه متكلماً، ككونه عالماً و قادراً و أنَّ الكُلّ من الصفات الذاتية.
ولكنَّ البحث والتحليل ـ كما مرّ عليك ـ أوقَفَنا على خلاف ما ذهبوا إليه ، لِما عرفت من أنه ليس وراء العلم في الجُمَل الخبرية ، ولا وراء الإِرادة والكراهة في الجمل الإِنشائية شيء نسميه كلاماً نفسيّاً ، كما عرفت أنَّ الطلب أيضاً هو نفس الإِرادة. و لو أرادوا بالكلام النفسي معنى الكلام اللفظي أو صورته العلمية التي تنطبق على لفظه ، يرجع لبه إلى العلم و لا يزيد عليه ، و إِنْ أرادوا به معنى وراء ذلك فلسنا نعرفه في نفوسنا إِذا راجعناه.
وأما التجاء الأشعري فيما ذهب إليه إلى انشاد قول الشاعر :
إنَّ الكلام لفي الفؤاد و إنما ... جعل اللسان على الفؤاد دليلا.
فالأبحاث العقلية أرفع مكانة من أَنّْ يستدل عليها بأشعار الشعراء (14).
وبذلك تقف على أنَّ ما يقوله المحقق الطوسي من أَنَّ « الكلام النفسي غيرُ معقول » ، أمر متين لا غبار عليه.
إلى هنا تم بيان النظريات الثَّلاث : المعتزلة و الحكماء و الأشاعرة (15).
وبه تم الكلام في المقام الأول ، و حان أَوان البحث في المقام الثاني و هو حدوث كلامه تعالى أو قدمه.
المقام الثاني ـ في حدوثه و قدمه :
لما ظهرت الفلسفة و أثيرت مسائل صفات الله تعالى بين المتكلمين ، كانت أهمّ مسألة طُرحت على بساط البحث مسألة كلام الله تعالى و خَلْق القرآن. و قد تبنى المعتزلة القول بخَلْق القرآن و انبَرُوا يدافعون عنه بشتى الوسائل. و لما كانت الخلافة العباسية في عصر المأمون و من بعده إلى زمن الواثق بالله ، تؤيد حركة الاعتزال و آراءها ، استفاد المعتزلة من هذا الغطاء ، وقاموا باختبار علماء الأَمصار الإِسلامية في هذه المسألة. و كانت نتيجة هذا الإِمتحان أَنْ أَجاب جميع الفقهاء في ذلك العصر بنظرية الخَلْق و لم يمتنع إلاّ نفر قليل على رأسهم الإِمام أحمد بن حنبل.
ويمكن إرجاع مسألة أنَّ كلام الله تعالى غير مخلوق إلى القرن الثاني.
وبقيت في طي الكتمان إلى زمن المأمون. و مع أنَّ أهل الحديث يلتزمون بعدم التفوه بشيء لم يرد فيه نص عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ أَو عهد من الصحابة ، إلاّ أَنَّهم خالفوا مبدأهم في هذه المسألة ، إلى أَنِ انجرّ بهم الأَمر إِلى إِعلانها على رؤوس الأَشهاد و صَهَوات المنابر. و السبق في ذلك بينهم يرجع إلى أحمد بن حنبل و مواقفه. فقد أَخذ يروج لفكرة عدم خلق القرآن أو قِدَمه، و يدافع عنها بحماس ، متحملا في سبيلها من المشاق ما هو مسطور في زُبُر التاريخ. و قد عرفت امتناعه عن الإِقرار بخلق القرآن عند استجواب الفقهاء فسُجن و عُذّب و جُلِد بالسياط ، و رغم كل ذلك لم يُر منه إلاّ الثبات و الصمود ، و كان هذا هو أَبرز العوامل التي أَدّت إلى اشتهاره و طيران صِيته في البلاد الإِسلامية فيما بعد. و قد سجل التاريخ جملة من المناظرات التي جرت بينه و بين المفكرين من المتكلمين.
و أَجل إيضاح الحال في المقام نأتي بما جاء به أَحمد بن حنبل و أبو الحسن الأشعري في هذا المجال.
قال أحمد بن حنبل : « والقرآن كلام الله ليس بمخلوق ، فمن زعم أَنَّ القرآن مخلوق فهو جَهْمِيّ كافر ، و من زعم أَنَّ القرآن كلام الله عزَّ وجل و وقف ولم يقل مخلوق و لا غير مخلوق ، فهو أَخبث من الأول. و من زعم أَنَّ أَلفاظنا بالقرآن و تلاوتنا له مخلوقة ، و القرآن كلام الله ، فهو جَهْميّ. و من لم يُكَفِّر هؤلاء القوم كلهم فهو مثلهم.
وكلّم الله موسى تكليماً ، من الله سمع موسى يقيناً ، و ناوله التوراة من يده ، و لم يزل الله متكلماً عالماً ، تبارك الله أحسن الخالقين » (16).
وقال أبو الحسن الأشعري : « نقول إِنَّ القرآن كلام الله غير مخلوق و إِنَّ من قال بخلْق القرآن فهو كافر » (17).
وقد نقل عن إِمام الحنابلة أنَّه قيل له : ها هنا قوم يقولون القرآن لا مخلوق و لا غير مخلوق. فقال : هؤلاء أَضرّ من الجَهْمِيّة على الناس ، ويلكم فإنْ لم تقولوا : ليس بمخلوق فقولوا مخلوق. فقال أحمد هؤلاء قوم سوء. فقيل له : ما تقول؟ قال : الذي أَعتقد و أَذهب إليه و لا شكّ فيه أنَّ القرآن غير مخلوق. ثم قال : سبحان الله ، و من شك في هذا؟ (18).
هذا ما لدى المحدّثين و الحنابلة و الأَشاعرة. و أَمَّا المعتزلة فيقول القاضي عبدالجبار : « أما مذهبنا في ذلك إِنَّ القرآن كلام الله تعالى و وحيه و هو مخلوق مُحْدَث أنزله الله على نبيه ليكون علماً و دالا على نبوته ، و جعله دلالة لنا على الأَحكام لنرجع إليه في الحلال و الحرام ، و استوجب منا بذلك الحمد و الشكر ، و إذاً هو الذي نسمعه اليوم و نتلوه و إنْ لم يكن (ما نقرؤه) مُحدَثاً من جهة الله تعالى فهو مضاف إليه على الحقيقة كما يضاف ما نَنْشِدُهُ اليوم من قصيدة امرئ القيس على الحقيقة ، و إنْ لم يكن (أمرؤ القيس) مُحدِثاً لها الآن » (19).
وقبل الخوض في تحليل المسألة نقدم أموراً :
1 ـ إذا كانت مسألة خلق القرآن أو قدمه بمثابة أوجدت طائفتين يكفّر كل منهما عقيدة الآخر ، فإمام الحنابلة يقول : إنَّ من زعم أَنَّ القرآن مخلوق فهو جَهْميّ كافر ، و المعتزلة تقول : إِنَّ القول بكون القرآن غير مخلوق أو قديم شِرْك بالله سبحانه ، فيجب تحليلها على ضوء العقل و الكتاب و السنة باجتناب كل هياج و لَغْط. و مما لا شك فيه أَن المسألة كانت قد طرحت في أجواء خاصة عزّ فيها التفاهم و ساد عليها التناكر. و إلاّ فلا معنى للإِفتراق في أمر تزعم إحدى الطائفتين أنه ملاك الكفر و أنَّ التوحيد في خلافه ، و تزعم الطائفة الأُخرى عكس ذلك.
ولو كانت مسألة خلق القرآن بهذه المثابة لكان على الوحي التصريح بأحد القولين و رفع الستار عن وجه الحقيقة ، مع أَنَّا نرى أَنَّه ليس في الشريعة الإِسلامية نص في المسألة ، و إنَّما ظهرت في أوائل القرن الثاني. نعم ، استدلت الطائفتان ببعض الآيات ، غير أَنَّ دلالتها خَفيّة ، لا يقف عليها ـ على فرض الدلالة ـ إلاّ الأوحدي. و ما يُعدّ مِلاك التوحيد و الشِّرك يجب أنْ يرِدَ فيه نص لا يقبل التأويل و يقف عليه كل حاضر و باد.
وقد نقل الأشعري في كتابه (الإِبانة) أخباراً في شِرْكِ أبي حنيفة والبراءة منه و استتابة ابن أبي ليلى إياه لقوله بخلق القرآن ، فتاب تقية ، مخافة أنْ يُقدِم عليه ، كما صَرَّح هو نفسه بذلك (20). مع أنَّ الطَحاوي ذكر في عقائده ما يناقض ذلك و قال بعدم خلق القرآن رغم أنَّه حنفيّ ، المشرب والمسلك.
2 ـ كان بعض السلف يتحرّجون من وصف القرآن بأنه قديم و قالوا فقط إِنه غير مخلوق. لكنهم تدرّجوا في هذا القول حتى وصفوا كلام الله بأنه قديم. و من المعلوم أنَّ توصيف شيء بأنه غير مخلوق أو قديم مما لا يتجرَّأُ عليه العارف ، لأن هذين الوصفين من خصائص ذاته فلو كان كلامه سبحانه غير ذاته فكيف يمكن أَنْ يتصف بكونه غير مخلوق أو كونه قديماً. ولو فرضنا صحة تلك العقيدة التي لا ينالها إلاّ الأوحدي في علم الكلام فكيف يمكن أنْ تكون هذه المسألة الغامضة مما يجب الاعتقاد به على كل مسلم مع أَنَّ الإِنسان البسيط بل الفاضل لا يقدر أنْ يحلل و يدرك كون شيء غير الله سبحانه و في الوقت نفسه غير مخلوق.
إنَّ سهولة العقيدة و يسر التكليف من سمات الشريعة الإِسلامية و بها تفارق سائر المذاهب السائدة على العالم ، مع أنَّ تصديق كون كلامه تعالى ـ و هو غير ذاته غير مخلوق أو قديم ، شيء يعسر على الخاصة فكيف على العامة.
3 ـ إِنَّ الظاهر من أهل الحديث هو قدم القرآن « المقروء » و هو أمر تنكره البداهة و العقل و نفس القرآن. و قد صارت تلك العقيدة بمنزلة من البطلان حتى تحامل عليها الشيخ محمد عبده إذْ قال : « والقائل بقدم القرآن المقروء أشنع حالا و أضل اعتقاداً من كل ملة جاء القرآن نفسه بتضليلها و الدعوة إلى مخالفتها » (21).
ولما رأى ابن تيميّة ، الذي نصب نفسه مروجاً لعقيدة أهل الحديث ، أنَّها عقيدة تافهة صرح بحدوث القرآن المقروء و حدوث قوله: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل: 1] و {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ } [المدثر: 1]. و قوله {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة: 1]... إلى غير ذلك من الآيات الدالة على حدوث النداء والسمع من حينه لا من الأزل (22).
والعجب أَنَّه يستدل بدليل المعتزلة على حدوث القرآن المقروء ، و يقول إِنَّ ترتيب حروف الكلمات و الجمل يستلزم الحدوث ، لأنَّ تحقق كلمة « بسم الله » يتوقف على حدوث الباء و انعدامها ثم حدوث السين كذلك إلى آخر الكلمة. فالحدوث والإِنعدام ذاتي لمفردات الحروف لا ينفك عنها ، و إلا لما أمكن أَنْ توجد كلمة ، فإذن كيف يمكن أنْ يكون مثل هذا قديماً أزلياً مع الله تعالى؟.
4 ـ لما كانت فكرة عدم خلق القرآن أو القول بقدمه شعار أهل الحديث و سِمَتهم و من جانب آخر كان القول بقدم القرآن المقروء والملفوظ شيئاً لا يقبله العقل السليم ، جاء الأشاعرة بنظرية جديدة أصلحوا بها القول بعدم خلق القرآن و قدمه و التجأوا إلى أنّ المراد من كلام الله تعالى ليس هو القرآن المقروء بل الكلام النفسي ، و قد عرفت مدى صحة القول بالكلام النفسي (23).
وعلى كل تقدير فالقول بِقدَم الكلام النفسي ليس بمنزلة القول بِقدَم القرآن المقروء.
5 ـ كيف يكون القول بخلق القرآن و حدوثه مِلاكاً للكفر مع أنَّه سبحانه يصفه بأنَّه محدث أَيٌ أَمر جديد؟
قال سبحانه : {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأنبياء: 1، 2]. والمراد من الذكر هو القرآن الكريم لقوله سبحانه : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الحجر: 9] ، و قوله سبحانه : {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} [الزخرف: 44].
والمراد من « مُحْدَث » هو الجديد ، و هو وصف لِلذِكْر. و معنى كونه جديداً أنه أتاهم بعد الإِنجيل. كما أنَّ الإِنجيل جديد لأنه أتاهم بعد التوراة. و كذلك بعضُ سور القرآن و آياته ذكر جديد أتاهم بعد بعض. و ليس المراد كونه مُحْدَثاً من حيث نزوله ، بل المراد كونه مُحْدَثاً بذاته بشهادة أَنَّه وصف ل ـ « ذكر ». فالذكر بذاته مُحْدَث ، لا بنزوله فلا معنى لتوصيف المحدث بالذات بكونه من حيث النزول (24).
وكيف يمكن القول بقدم القرآن مع أنه سبحانه يقول في حقه : {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا} [الإسراء: 86] ، فهل يصح توصيف القديم بالإِذهاب و الإِعدام؟!.
6 ـ العجب أَنَّ مَحَطَّ النزاع لم يُحَدّد بشكل واضح يقدر الإِنسان على القضاء فيه ، فها هنا احتمالات ، يمكن أنْ تكون محط النَّظر لأهل الحديث و الأشاعرة عند توصيف كلامه سبحانه بالقِدَم نطرحها على بساط البحث و نطلب حكمها من العقل و القرآن.
أ ـ الألفاظ و الجمل الفصيحة البليغة التي عجز الإِنسان في جميع القرون عن الإِتيان بمثلها ، و قد جاء بها أمين الوحي إلى النبي الأكرم ، و قرأها الرسول فتلقتها الأَسماع و حرّرتها الأَقلام على الصُحُف المطهرة. فهي ليست بمخلوقة على الإِطلاق لا لله سبحانه ولا لغيره.
ب ـ المعاني السامية و المفاهيم الرفيعة في مجالات التكوين و التشريع و الحوادث و الأَخلاق و الآداب و غيرها.
ج ـ ذاته سبحانه و صفاته من العلم و القدرة و الحياة التي بحث عنها القرآن و أَشار إليها بأَلفاظه و جُمَلِه.
د ـ علمه سبحانه بكل ما ورد في القرآن الكريم.
هـ ـ الكلام النفسي القائم بذاته.
وـ القرآن ليس مخلوقاً للبشر و إن كان مخلوقاً لله.
وهذه المحتملات لا تختص بالقرآن الكريم بل تَطّرد في جميع الصحف السماوية النازلة إلى أنبيائه و رسله.
وإليك بيان حكمها من حيث الحدوث و القدم:
أَما الأَول ـ فلا أَظن أَنَّ إنساناً يملك شيئاً من الدَّرْك و العقل يعتقد بكونها غير مخلوقة أو كونها قديمة ، كيف و هي شيء من الأَشياء ، و موجود من الموجودات ، ممكن غير واجب. فإذا كانت غير مخلوقة وجب أن تكون واجبة بالذات و هو نفس الشِّرك بالله سبحانه و حتى لو فُرض أَنَّه سبحانه يتكلم بهذه الأَلفاظ و الجمل ، فلا يخرج تكلُّمه عن كونه فعله ، فهل يمكن أَنْ يقال إنَّ فعله غير مخلوق أو قديم؟!
وأَما الثَّاني ـ فهو قريب من الأَول في البداهة ، فإنَّ القرآن يشتمل ، و كذا سائر الصحف على الحوادث المحقَّقة في زمن النبي من مُحاجّة أهل الكتاب والمشركين وما جرى في غزواته وحروبه من الحوادث المؤلمة أو المُسِرّة ، فهل يمكن أنْ نقول بأَنَّ الحادثة التي يحكيها قوله سبحانه : {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة: 1] ، قديمة.
وقد أخبر الله تبارك و تعالى في القرآن و الصحف السماوية عما جرى على أَنبيائه من الحوادث و ما جرى على سائر الأمم من أَلوان العذاب ، كما أَخبر عما جرى في التكوين من الخلق و التدبير ، فهذه الحقائق الواردة في القرآن الكريم ، حادثة بلا شك ، لا قديمة.
وأَما الثَّالث ـ فلا شك أَنَّ ذاته و صفاته من العلم و القدرة و الحياة و كل ما يرجع اليها كشهادتِه أنَّه لا إله إلاّ هو ، قديم بلا إشكال و ليس بمخلوق بالبداهة ، ولكنه لا يختص بالقرآن بل كل ما يتكلم به البشر و يشير به إِلى هذه الحقائق ، فمعانيه المشار اليها بالألفاظ والأَصوات قديمة ، و في الوقت نفسه ما يشار به من الكلام و الجمل حادث.
وأَما الرَّابع ـ أي عِلْمه سبحانه بما جاء في هذه الكتب و ما ليس فيها ، فلا شك أنَّه قديم نفس ذاته. ولم يقل أَحد من المتكلمين الإِلهيين إلاّ من شذّ من الكرّامية ـ بحدوث علمه.
وأما الخامس ـ أعنى كونه سبحانه متكلماً بكلام قديم أزلي نفساني ليس بحروف الأصوات ، مغاير للعلم و الإِرادة ، فقد عرفت أن ما سمّاه الأشاعرة كلاماً نفسيّاً لا يخرج عن إطار العلم و الإِرادة و لا شك أنّ علمه و إرادته البسيطة قديمان.
وأما السَّادس ـ و هو أنَّ الهدف من نفي كونه غير مخلوق ، كون القرآن غير مخلوق للبشر ، و في الوقت نفسه هو مخلوق لله سبحانه ، فهذا أمر لا ينكره مسلم. فإِنَّ القرآن مخلوق لله سبحانه و الناس بأَجمعهم لا يقدرون على مثله. قال سبحانه : {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88].
وهذا التحليل يُعْرِبُ عن أنّ المسألة كانت مطروحة في أجواء مُشَوّشة و قد اختلط الحابُل فيها بالنابِل و لم يكن محط البحث محرَّراً على وجه الوضوح حتى يعرف المُثْبَت عن المَنْفي ، و يُمخض الحق من الباطل. و مع هذا التشويش في تحرير محل النزاع نرى أنَّ أهلَ الحديث و الأشاعرة يستدلون بآيات من الكتاب على قدم كلامه و كونه غير مخلوق. و إليك هذه الأدلة واحداً بعد واحد:
أَدلة الأَشاعرة على كون القرآن غير مخلوق :
إستدلَّ الأَشعري بوجوه:
الدليل الأول : قوله سبحانه. {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40] قال الأشعري : و مما يدل من كتاب الله على أنَّ كلامه غير مخلوق قوله عز وجل: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [النحل: 40].
فلو كان القرآن مخلوقاً لوجب أنْ يكون مقولا له « كن فيكون ». و لو كان الله عز وجل قائلا للقول « كن » لكان للقول قول. و هذا يوجب أَحد أمرين : إِما أَنْ يؤول الأَمر إلى أَنَّ قول الله غير مخلوق ، أو يكون كل قول واقعاً بقول لا إلى غاية و ذلك محال. و إذا استحال ذلك صحَّ و ثبت أنَّ لله عز وجل قولا غير مخلوق (25).
يلاحظ عليه : أوَّلا ـ إنَّ الإِستدلال مبني على كون الأمر بالكون في الآية و نظائرها أمراً لفظيّاً مؤلفاً من الحروف و الأصوات. و أنَّه سبحانه كالسلطان الآمر ، فكما أنَّه يتوسل عند أمرِهِ وزراءه و أعوانه باللفظ ، فهكذا سبحانه يتوسّل عند خلق السَّموات و الأرض باللفظ و القول ، فيخاطب المعدوم المطلق بلفظة « كن ».
ولا شك أَنَّ هذا الإِحتمال باطل جداً ، إذ لا معنى لخطاب المعدوم.
وما يقال في تصحيحه بأنَّ المعدوم معلوم لله تعالى فهو يعلم الشيء قبل وجوده و أَنَّه سيوجد في وقت كذا ، غير مفيد ، لأن العلم بالشيء لا يصحح الخطاب ، و إنْ كنت في شك من ذلك فلاحظ النّجار الذي يريد صناعة الكرسي بالمعدات و الآلات ، فهل يصح أنْ يخاطبها بهذا اللفظ، هذا و إنْ كان بين المثالِ و المُمَثَّل له فَرْق أو فُروق.
وإِنَّما المراد من الأمر في الآية ، كما فهمه جمهور المسلمين ، هو الأمر التكويني المُعبّر عن تَعَلُّق الإِرادة القطعية بإيجاد الشيء ، و المقصود من الآية أنَّ تعلق إرادته سبحانه يعقبه وجوده، و لا يأبى عنه الشيء ، و أنَّ ما قضاه من الأُمور و أَراد كونه فإنه يتكون و يدخل في حيز الوجود من غير امتناع و لا توقف ، كالمأمور المطيع الذي يؤمر فيمتثل ، لا يتوقف و لا يمتنع و لا يكون منه الإِباء.
وبذلك تقف على الفرق بين الأمر التكليفي التشريعي الوارد في الكتاب و السنَّة ، و الأمر التكويني. فالأَول يخاطَب به الإِنسان العاقل للتكليف و لا يخاطب به غيره فضلا عن المعدوم. و هذا بخلاف الأَمر التكويني فإِنَّه رمز لتعلق الإِرادة القطعية بإيجاد المعدوم.
وهذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يفسّر الأَمر التكويني بقوله « يقول لِمَا أراد كونَه كُنْ ، فَيكونُ. لا بصوت يَقْرَعُ و لا بِنداء يُسمَع ، وإنَّما كلامُهُ سُبْحانَه فعلٌ منه ، أنْشَأهُ وَ مَثَّله ، لَمْ يَكُنْ مِنْ قَبلِ ذلِكَ كائناً ، و لَو كانَ قديماً لَكانَ إِلهاً ثانياً » (26).
وثانياً ـ نحن نَختارُ الشِقّ الثاني ، و لا يلزم التسلسل. و نلتزم بأنَّ هنا قولا سابقاً على القرآن هو غير مخلوق أوجد به سبحانه مجموع القرآن و أَحدثه حتى كلمة « كن » الواردة في تلك الآية و نظائرها. فتكون النتيجة حدوث القرآن و جميع الكتب السماوية و جميع كَلِمِه و كلامه إِلاَّ قولا واحداً سابقاً على الجميع. فينقطع التسلسل بالإِلتزام بعدم مخلوقية لفظ واحد.
ثالثاً ـ كيف يمكن أنْ تكون كلمةُ « كن » الواردة في الآية و أَمثالها قديمةً. مع أنها إخبار عن المستقبل فتكون حادثة. يقول سبحانه مخبراً عن المستقبل: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40]. و لأَجل ذلك التجأ المتأخرون من الأَشاعرة إلى أَنَّ لفظ « كن » حادث و القديم هو المعنى الأَزلي النفساني (27).
الدَّليل الثاني ـ قوله سبحانه : { إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } [الأعراف: 54].
قال الأشعري : ف ـ « الخلق » جميع ما خلق داخل فيه ، و لما قال « والأمر » ذكر أَمراً غير جميع الخلق. فدل ما وصفناه على أنَّ أَمر الله غير مخلوق. و أَما أَمر الله فهو كلامه. و باختصار : إِنَّه سبحانه أَبان الأَمر من الخلق ، و أمرُ الله كلامه ، و هذا يوجب أنْ يكون كلام الله غير مخلوق (28).
يلاحَظُ عليه : إِنَّ الإِستدلال مبني على أَنَّ « الأَمر » في الآية بمعنى كلام الله و هو غير ثابت بل القرينة تدل على أَنَّ المراد منه غيره ، كيف و قد قال سبحانه في نفس الآية : { و النُّجومَ مُسَخَّرات بِأمْرِهِ ألا لَهُ الخَلْقُ والأَمْرُ } و المراد من اللفظين واحد ، و الأول قرينة على الثاني. و هدف الآية هو أنّ الخلقَ ـ بمعنى الإِيجاد ـ و تدبيرَه كلاهما من الله سبحانه و ليس شأنه سبحانه خلق العالم و الأَشياء ثم الإِنصراف عنها و تفويض تدبيرها إلى غيره حتى يكون الخلق منه و التدبير على وجه الإِستقلال من غيره ، بل الكل من جانبه سبحانه.
فالمراد من الخلق إِيجاد ذوات الأَشياء ، والمراد من الأَمر النظام السَّائد عليها ، فكأَنَّ الخلق يتعلق بذواتها و الأَمر بالأوضاع الحاصلة فيها و النظام الجاري بينها. و يدل على ذلك بعض الآيات التي تذكر « تدبير الأمر » بعد الخلق.
يقول سبحانه : {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ} [يونس: 3].
وقال تعالى : {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ } [الرعد: 2].
فليس المراد من الأَمر ما يقابل النهي ، بل المراد الشؤون الراجعة إِلى التكوين ، فيكون المقصود أَنَّ الإِيجاد أَوّلا ، و التصرف و التدبير ثانياً منه سبحانه فهو الخالق المالك لا شريك له في الخلق و الإِيجاد و لا في الإِرادة و التدبير.
الدليل الثَّالث ـ قوله سبحانه : { إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر: 25] .
قال الاشعري : « فمن زعم أَنَّ القرآن مخلوق فقد جعله قولا للبشر ،
وهذا ما أَنكره الله على المشركين » (29).
يلاحظ عليه : إِنَّ من يقول بأَنَّ القرآن مخلوق لا يريد إِلاّ كونه مخلوقاً لله سبحانه. فالله سبحانه خلقه و أَوحى به إلى النبي و نزّله عليه مُنِّجماً على مدى ثلاث و عشرين سنة و جعله فوق قدرة البشر فلن يأتوا بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيراً.
نعم ، كون القرآن مخلوقاً لله سبحانه لا ينافي أَنْ يكون ما يقرؤه الإِنسان مخلوقاً له لبداهة أنَّ الحروف و الأصوات التي ينطق بها الناس مخلوقة لهم و هذا كمعلقة امرئ القيس و غيرها ، فأصلها مخلوق لنفس الشاعر ، ولكن المقروء مثال له ، و مخلوق للقارئ.
والعجب أَنَّ الأشعري و من قبله و من بعدَه لم ينقّحوا موضع النزاع فزعموا أنَّه إذ قيل « القرآن مخلوق » فإنما يراد منه كون القرآن مصنوعاً للبشر ، مع أَنَّ الضرورة قاضية بخلافه ، فكيف يمكن لمسلم يعتنق القرآن و يقراً قول البارئ سبحانه فيه : {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} [الأنعام: 92] (30) ، أن يَتَفَوّه بأنَّ القرآن مخلوق للبشر. بل المسلمون جميعاً يقولون في القرآن نفس ما قاله سبحانه في حقّه. غير أَنَّ المقروء على ألسنتهم مخلوق لأنفسهم ، فيكون مثال ما نزله سبحانه مخلوقاً للإِنسان ، و كون المثال مخلوقاً لهم ليس دليلا على أَنَّ المُمَثَّل مخلوقاً لهم. و الناس بأجمعهم عاجزون عن إيجاد مثل القرآن ولكنهم قادرون على إيجاد مثاله. فلاحظ و تدبر.
وبذلك تقف على أنَّ أكثر ما استدل به الأشعري في كتاب « الإِبانة » غير تام من جهة الدلالة، و لا نطيل المقام بإِيراده و نقده. و فيما ذكرنا كفاية.
بقي هنا نكتة ننبه عليها و هي : إِنَّ المعروف من إِمام الحنابلة أنَّه ما كان يرى الخوض في المسائل التي لم يخض فيها السَلَف الصالح لأَنه ما كان يرى علماً إِلاّ علْمَ السَلَف ، فما يخوضون فيه يخوض فيه ، و ما لا يخوضون فيه من أمور الدّين يراه ابتداعاً يجب الإِعتراض عنه. و هذه المسألة لم يتكلم فيها السلف فلم يكن له أن يتكلم فيها. و المبتدعون هم الذين يتكلمون ، فما كان له أن يسير وراءهم و كان من واجبه حسب أصوله أن يتوقف و لا يَنْبُس بِبِنْتِ شَفَةـ نعم نقل عنه ما يوافق التوقف ـ رغم ما نقلنا عنه من خلافه و أنَّه قال : من زعم أنَّ القرآن مخلوق فهو جهمي ، و من زعم أنَّه غير مخلوق فهو مبتدع.
ويرى المحققون أنَّ إِمام الحنابلة كان في أوليات حياته يرى البحث حول القرآن ، بأنَّه مخلوق أَوْ غير مخلوق ، بدعة. ولكنه بعدما زالت المحنة و طلب منه الخليفة العباسي المتوكل ، المؤيد له ، الإِدلاء برأيه ، إِختار كون القرآن ليس بمخلوق. و مع ذلك لم يؤثر عنه أنَّه قال : إِنَّه قديم (31).
موقف أَهل البيت ( عليهم السَّلام ) :
إِنَّ تاريخ البحث و ما جرى على الفريقين من المحن ، يشهد بأَنَّ التشدّد فيه لم يكن لإحقاق الحق و إِزاحة الشكوك ، بل استغلت كل طائفة تلك المسألة للتنكيل بخصومها. فلأجل ذلك نرى أَنَّ أَئمة أَهل البيت ( عليهم السَّلام )منعوا أَصحابهم من الخوض في تلك المسألة ، فقد سأل الرّيّانُ بن الصَّلْت الإِمام الرضا ( عليه السَّلام ) و قال له : ما تقول في القرآن ؟
فقال ( عليه السَّلام ) : « كلامُ الله لا تَتَجاوَزُهُ و لا تَطْلُبوا الهُدى في غَيرِه ، فَتَضِلّوا » (32).
ورَوى علي بن سالم عن أبيه قال : سألت الصادق جعفر بن محمد
فقلت له : يابن رسول الله ما تقول في القرآن؟
فقال : « هو كلامُ اللهِ وقَوْلُ اللهِ ، و كتابُ اللهِ و وَحْيُ اللهِ ، و تنزيلُه ، و هو الكتاب العزيز لا يأتيه الباطل من بين يَدَيْهِ و لا مِن خلفه ، تنزيلٌ من حكيم حميد » (33).
وحدّث سليمان بن جعفر الجعفري قال ، قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر ( عليه السَّلام ) : يا ابن رسول الله ، ما تقول في القرآن؟ فقد اختلف فيه مَنْ قَبْلَنا ، فقال قوم إنه مخلوق ، و قال قوم إنه غير مخلوق.
فقال ( عليه السَّلام ) : أما إني لا أقول في ذلك ما يقولون ، ولكنّي أقولُ : إنه كلامُ الله (34).
فإنا نرى أَنَّ الإِمام ( عليه السَّلام ) يبتعد عن الخوض في هذه المسألة لِمَا رأى من أَنَّ الخوض فيها ليس لصالح الإِسلام ، و أنَّ الإِكتفاء بأنَّه كلام الله أَحسم لمادة الخلاف. ولكنهم ( عليهم السَّلام ) عندما أحسوا بسلامة الموقف ، أَدلوا برأْيهم في الموضوع ، وصرّحوا بأَنَّ الخالق هو الله و غيره مخلوق و القرآن ليس نفسه سبحانه ، و إلاّ يلزم اتحاد المُنْزَل و المُنْزِل ، فهو غيره، فيكون لا محالة مخلوقاً.
فقد روى محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني أنَّه كتب علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا ( عليه السَّلام )إلى بعض شيعته ببغداد : « بسم الله الرحمن الرحيم ، عَصَمَنا اللهُ و إيّاكَ مِنَ الفِتْنَةِ ، فإنْ يَفْعَل فقد أعْظَمَ بها نِعمة ، و إنْ لا يَفْعَل فهي الهَلَكَة. نحن نرى أنَّ الجِدالَ في القرآن بِدْعَةٌ ، اشترك فيها السائل و المُجيب ، فيتعاطى السائل ما ليس له ، و يتكلَّفُ المُجيب ما ليس عليه ، و ليس الخالقُ إِلاّ اللهَ عزّ وجل ، و ما سواهُ مخلوقٌ ، و القرآنُ كلامُ الله ، لا تَجْعَل لَه إِسماً مِنْ عندِك فتكونَ من الضّالّين ، جَعَلَنا الله ، و إياك من الذين يَخْشَوْنَ ربهم بالغيب و هم من الساعة مُشفقون » (35).
وفى الروايات المروية إشارة إلى المحنة التي نقلها المؤرخون ، حيث كان أحمد بن أبي دؤاد في عصر المأمون كتب إلى الولاة في العواصم الإِسلامية أنْ يختبروا الفقهاء و المحدّثين في مسأَلة خلق القرآن ، و فرض عليهم أنْ يعاقبوا كل من لا يرى رأي المعتزلة في هذه المسألة. و جاء المعتصم و الواثق فطبقا سيرته و سياسته مع خصوم المعتزلة و بلغت المحنة أَشدها على المحدثين ، و بقى أحمد بن حنبل ثمانية وعشرين شهراً تحت العذاب فلم يتراجع عن رأيه (36). و لما جاء المتوكل العباسي ، نصر مذهب الحنابلة و أقصى خصومهم ، فعند ذلك أَحسّ المحدثون بالفرج و أَحاطت المحنة بأولئك الذين كانوا بالأمس القريب يفرضون آراءهم بقوة السلطان.
فهل يمكن عدّ مثل هذا الجدال جدالا إسلامياً ، و قرآنياً ، لمعرفة الحقيقة و تبيّنها ، أو أنه كان وراءه شيء آخر؟ الله العالم بالحقائق و ضمائر القلوب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ شرح الأصول الخمسة للقاضي عبدالجبار ، المتوفي عام 415 ، ص 528. و شرح المواقف للسيد الشريف ص 495.
2 ـ شرح المواقف ، ج 1 ، ص 77.
3 ـ قال سبحانه : ( وَكَلّم الله مُوسَى تَكْلِيمَاً ) سورة النساء : الآية 164. و قال سبحانه : ( وَ مَا كَانَ لِبَشَر أَنْ يُكَلّمَهُ الله إِلاّ وَحْياً .. ) سورة الشورى : الآية 51.
4 ـ نهج البلاغة ، الخطبة 179 ، ج 2 ، ص 122 ، ط عبده.
5 ـ الميزان ، ج 2 ، ص 325 ، ط بيروت ، بتلخيص.
6 ـ نهج البلاغة ، الخطبة 179 ، ج 2 ، ص 122 ، ط عبده.
7 ـ شرح منظومة السبزواري ، لناظمها ، ص 190.
8 ـ شرح التجريد للقوشجي ، ص 420.
9 ـ نهج الحق المطبوع في ضمن دلائل الصدق ، ج 1 ، ص 146 ، ط النجف.
10 ـ شرح المواقف ، ج 2 ، ص 94.
11 ـ نفس المصدر.
12 ـ حتى لو كان المريد هو الله تعالى ـ و إن أمكن ـ و إِلا كان على وجه الإِلجاء و الجبر المنفيين عنه سبحانه.
13 ـ دلائل الصّدق ، ج 1 ، ص 147 ، ط النَّجف الأشرف.
14 ـ لاحظ الميزان ، ج 14 ، ص 250.
15 ـ و أما نظرية الحنابلة فنبحث عنها في المقام الثاني لئلا يلزم التكرار.
16 ـ كتاب السنة ، لأحمد بن حنبل ، ص 49.
17 ـ الإِبانة ، ص 21 ، و لاحظ مقالات الإِسلاميين ، ص 321.
18 ـ الإِبانة ، ص 69 ، وقد ذكر في ص 76 ، أسماء المحدثين القائلين بأنَّ القرآن غير مخلوق.
19 ـ شرح الأَصول الخمسة ، ص 528.
20 ـ الإِبانة ، ص 71 ـ 72.
21 ـ رسالة التوحيد ، الطبعة الأولى. و قد حُذف نحو صفحة من الرسالة في الطبعات اللاحقة ، لاحظ ص 49 من طبعة مكتبة الثقافة العربية.
22 ـ مجموعة الرسائل الكبرى ، ج 3 ، ص 97.
23 ـ ليس هذا أَول مورد تقوم فيه الأشاعرة لإِصلاح عقيدة أهل الحديث ، بل قامت بذلك في عدة موارد بهدف إخراجها في قالب يقبله العقل.
24ـ لِتَقَدُّمِ ما بالذَّات على ما بِالعَرَض.
25 ـ الإِبانة ، ص 52 ـ 53.
26 ـ نهج البلاغة ، الخطبة 186.
27 ـ دلائل الصدق حاكياً عن الفضل بن روزبهان الأشعري ، ج 1 ، ص 153.
28 ـ الإِبانة ، ص 51 ـ 52.
29ـ الإبانة ـ ص 56.
30 ـ و مثله قوله : { تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [الجاثية: 2] و آياتٌ كثيرةٌ اُخرى.
31 ـ تاريخ المذاهب الإِسلامية ، ص 300.
32 ـ التوحيد للصَّدوق ، باب القرآن ما هو ، الحديث 2 ، ص 223.
33 ـ التّوحيد ، للصّدوق ، باب القرآن ، الحديث 3 ، ص 224.
34 ـ المصدر السابق ، الحديث 5 ، ص 224.
35 ـ المصدر السابق ، الحديث 4.
36 ـ لا حظ سير أعلام النبلاء للذهبي ، ج 11 ، ص 252. و قد عُقد في الكتاب باب مفصلّ في احوال الإِمام أحمد.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|