أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-9-2016
563
التاريخ: 9-8-2016
199
التاريخ: 9-8-2016
582
التاريخ: 1-9-2016
797
|
كانت بداية خروج الفكر العلمي عن دور التوقف النسبي على يد الفقيه المبدع محمد بن أحمد بن إدريس المتوفي سنة (598) ه ، إذ بث في الفكر العلمي روحا جديدة، وكان كتابه الفقهي السرائر إيذانا ببلوغ الفكر العلمي في مدرسة الشيخ إلى مستوى التفاعل مع أفكار الشيخ ونقدها وتمحيصها.
وبدراسة كتاب السرائر ومقارنته بالمبسوط يمكننا أن ننتهي إلى النقاط التالية:
1- إن كتاب السرائر يبرز العناصر الاصولية في البحث الفقهي وعلاقتها به بصورة أوسع مما يقوم به كتاب المبسوط بهذا الصدد، فعلى سبيل المثال نذكر أن ابن إدريس أبرز في استنباطه لأحكام المياه الثلاث قواعد أصولية وربط بحثه الفقهي بها، بينما لا نجد شيئا منه في أحكام المياه من كتاب المبسوط وإن كانت بصيغتها النظرية العامة موجودة في كتب الاصول قبل ابن إدريس.
2- إن الاستدلال الفقهي لدى ابن ادريس أوسع منه في كتاب المبسوط وهو يشتمل في النقاط التي يختلف فيها مع الشيخ على توسع في الاحتجاج وتجميع الشواهد، حتى أن المسألة التي لا يزيد بحثها في المبسوط على سطر واحد قد تبلغ في السرائر صفحة مثلا، ومن هذا القبيل مسألة طهارة الماء المتنجس إذا تمم بماء متنجس أيضا فقد حكم الشيخ في المبسوط ببقاء الماء على النجاسة ولم يزد على جملة واحدة في توضيح وجهة نظره، وأما ابن إدريس فقد اختار طهارة الماء في هذه الحالة، وتوسع في بحث المسألة ثم ختمه قائل: ولنا في هذه المسألة منفردة نحو من عشر ورقات قد بلغن فيها أقصى الغايات وحججنا القول فيها والاسئلة والادلة والشواهد من الآيات والاخبار .
ونلاحظ في النقاط التي يختلف فيها ابن إدريس مع الشيخ الطوسي اهتماما كبيرا منه باستعراض الحجج التي يمكن أن تدعم وجهة نظر الطوسي وتفنيدها، وهذه الحجج التي يستعرضها ويفندها إما أن تكون من وضعه وإبداعه يفترضها افتراضا ثم يبطلها لكي لا يبقي مجالا لشبهة في صحة موقفه، أو أنها تعكس مقاومة الفكر التقليدي السائد لآراء ابن ادريس الجديدة. أي إن الفكر السائد استفزته هذه الآراء وأخذ يدافع عن آراء الطوسي، فكان ابن إدريس يجمع حجج المدافعين ويفندها. وهذا يعني أن آراء ابن إدريس كان لها رد فعل وتأثير معاصر على الفكر العلمي السائد الذي اضطره ابن إدريس للمبارزة.
ونحن نعلم من كتاب السرائر أن ابن إدريس كان يجابه معاصريه بآرائه ويناقشهم ولم يكن منكمشا في نطاق تأليفه الخاص، فمن الطبيعي أن يثير ردود فعل وأن تنعكس ردود الفعل هذه على صورة حجج لتأييد رأي الشيخ، فمن مجابهات ابن ادريس تلك ما جاء في المزارعة من كتاب السرائر، إذ كتب عن رأي فقهي يستهجنه ويقول: والقائل بهذا القول السيد العلوي أبو المكارم بن زهرة الحلبي شاهدته ورأيته وكاتبته وكاتبني وعرفته ما ذكره في تصنيفه من الخطأ فاعتذر رحمه الله بأعذار غير واضحة .
كما نلمح في بحوث ابن إدريس ما كان يقاسيه من المقلدة الذين تعبدوا بآراء الشيخ الطوسي وكيف كان يضيق بجمودهم؟ ففي مسألة تحديد المقدار الواجب نزحه من البئر إذا مات فيها كافر يرى ابن إدريس أن الواجب نزح جميع ما في البئر بدليل أن الكافر إذا باشر ماء البئر وهو حي وجب نزح جميعها اتفاقا، فوجوب نزح الجميع إذا مات فيها أولى.
وإذا كان هذا الاستدلال ، الاستدلال بالأولوية يحمل طابعا عقليا جريئا بالنسبة إلى مستوى العلم الذي عاصره ابن ادريس فقد علق عليه يقول: وكأني بمن يسمع هذ الكلام ينفر منه ويستبعده ويقول: من قال هذا ومن ينظره في كتابه ومن أشار من أهل هذه الفن الذين هو القدوة في هذا إليه؟ .
وأحيانا نجد أن ابن أدريس يحتال على المقلدة فيحاول أن يثبت لهم أن الشيخ الطوسي يذهب إلى نفس رأيه ولو بضرب من التأويل، فهو في مسألة الماء المتنجس المتمم كرا بمثله يفتي بالطهارة ويحاول أن يثبت ذهاب الشيخ الطوسي إلى القول بالطهارة أيضا، فيقول: فالشيخ أبو جعفر الطوسي الذي يتمسك بخلافه ويقلده في هذه المسألة ويجعل دليلا يقوي القول والفتيا بطهارة هذا الماء في كثير من أقواله.
وأنا أبين إنشاء الله أن أبا جعفر تفوح من فيه رائحة تسليم هذه المسألة بالكلية إذا تؤمل كلامه وتصنيفه حق التأمل وأبصر بالعين الصحيحة وأحضر له الفكر الصافي .
3- وكتاب السرائر من الناحية التاريخية يعاصر إلى حد ما كتاب الغنية الذي قام فيه حمزة بن علي بن زهرة الحسيني الحلبي بدراسة مستقله لعلم الاصول، لان ابن زهرة هذا توفي قبل ابن إدريس ب (19) عاما، فالكتابان متقاربان من الناحية الزمنية.
ونحن إذا لاحظنا أصول ابن زهرة وجدنا فيه ظاهرة مشتركة بينه وبين فقه ابن إدريس تميزهما عن عصر التقليد المطلق للشيخ، وهذه الظاهرة المشتركة هي الخروج على آراء الشيخ والاخذ بوجهات نظر تتعارض مع موقفه الاصولي أو الفقهي، وكما رأينا ابن ادريس يحاول في السرائر تفنيد ما جاء في فقه الشيخ من أدلة كذلك نجد ابن زهرة يناقش في الغنية الادلة التي جاءت في كتاب العدة ويستدل على وجهات نظر معارضة، بل يثير أحيانا مشاكل أصولية جديدة لم تكن مثارة من قبل في كتاب العدة بذلك النحو (1).
وهذا يعني أن الفكر العلمي كان قد نمى واتسع بكلا جناحيه الاصولي والفقهي حتى وصل إلى المستوى الذي يصلح للتفاعل مع آراء الشيخ ومحاكمتها إلى حد ما على الصعيدين الفقهي والاصولي، وذلك يعزز ما قلناه سابقا من أن نمو الفكر الفقهي ونمو الفكر الاصولي يسيران في خطين متوازيين ولا يتخلف أحدهما عن الآخر تخلفا كبيرا، لما بينهما من تفاعل وعلاقات. واستمرت الحركة العلمية التي نشطت في عصر ابن إدريس تنمو وتتسع وتزداد ثراءا عبر الاجيال، وبرز في تلك الاجيال نوابغ كبار صنفوا في الاصول والفقه وأبدعوا، فمن هؤلاء المحقق نجم الدين جعفر بن حسن بن يحيى بن سعيد الحلي المتوفي سنة (676) ه، وهو تلميذ ابن إدريس ومؤلف الكتاب الفقهي الكبير شرائع الإسلام الذي أصبح بعد تأليفه محورا للبحث والتعليق والتدريس في الحوزة بدلا عن كتاب النهاية الذي كان الشيخ الطوسي قد ألفه قبل المبسوط.
وهذا التحول من النهاية إلى الشرائع يرمز إلى تطور كبير في مستوى العلم، لان كتاب النهاية كان كتابا فقهي يشتمل على أمهات المسائل الفقهية واصولها، وأما الشرائع فهو كتاب واسع يشتمل على التفريع وتخريج الاحكام وفقا للمخطط الذي وضعه الشيخ في المبسوط، فاحتلال هذا الكتاب المركز الرسمي لكتاب النهاية في الحوزة واتجاه حركة البحث والتعليق إليه يعني أن حركة التفريع والتخريج قد عمت واتسعت حتى أصبحت الحوزة كلها تعيشها. وقد صنف المحقق الحلي كتبا في الاصول، منه كتاب نهج الوصول إلى معرفة الاصول، وكتاب المعارج. ومن أولئك النوابغ تلميذ المحقق وابن أخته المعروف بالعلامة، وهو الحسن بن يوسف بن علي بن مطهر المتوفي سنة (726) ه ، وله كتب عديدة في الاصول من قبيل تهذيب الوصول إلى علم الاصول و مبادئ الوصول إلى علم الاصول وغيرهما.
وقد ظل النمو العلمي في مجالات البحث الاصولي إلى آخر القرن العاشر، وكان المثل الاساسي له في أواخر هذه القرن الحسن بن زين الدين المتوفي سنة (1011) ه، وله كتاب في الاصول باسم المعالم مثل فيه المستوى العالي لعلم الاصول في عصره بتعبير سهل وتنظيم جديد، الامر الذي جعل لهذا الكتاب شأنا كبيرا في عالم البحوث الاصولية حتى أصبح كتابا دراسيا في هذا العلم وتناوله المعلقون بالتعليق والتوضيح والنقد.
ويقارب المعالم من الناحية الزمنية كتاب زبدة الاصول الذي صنفه علم من أعلام العلم في أوائل القرن الحادي عشر، وهو الشيخ البهائي المتوفي سنة (1031) ه.
___________
(1) لا بأس أن يذكر المدرس مثالين أو ثلاثة للمسائل التي اختلف فيه رأى ابن زهرة عن رأي الشيخ. فمن ذلك مسألة دلالة الامر على الفور، فقد كان الشيخ يقول بدلالته على الفور، وأنكر ابن زهرة ذلك وقال: إن صيغة الامر حيادية لا تدل على فور ولا تراخ.
ومن ذلك أيضا مسألة اقتضاء النهي عن المعاملة لفسادها، فقد كان الشيخ يقول بالاقتضاء وأنكر ابن زهرة ذلك مميزا بين مفهومي الحرمة والفساد ونافيا للتلازم بينهما. وقد أثار ابن زهرة في بحوث العام والخاص مشكلة حجية العام المخصص في غير مورد التخصيص، بينما لم تكن هذه المشكلة قد أثيرت في كتاب العدة
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
خدمات متعددة يقدمها قسم الشؤون الخدمية للزائرين
|
|
|