أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-8-2016
1558
التاريخ: 5-8-2016
1414
التاريخ: 30-8-2016
13513
التاريخ: 8-8-2016
1569
|
نقول انه بعد ما لم تكن العلاقة والارتباط التي بين الالفاظ ومعانيها ذاتية محضة بنحو يعرفها كل احد، يبقى الكلام في ان لها أي للألفاظ نحو مناسبة لمعانيه توجب وضعها لمعانيها بحسب الارتكاز وان لم يلتفت الواضع تفصيلا إلى تلك المناسبة، ام لا؟
بل تمام العلقة والارتباط بينهما كانت حاصلة بالجعل وبوضع الواضع بعد ان لم تكن بينهما علاقة وارتباط اصلا حيث ان فيه وجهين:
قد يقال بالأول وان الواضع حيثما يجعل لفظا لمعنى فإنما هو من جهة الهام الباري (عز اسمه) اياه بل ومن ذلك ايضا انكر استناد الجعل إلى المخلوقين فقال: بان الجاعل والواضع في الالفاظ انما هو الباري عز اسمه وانه سبحانه وتعالى يلهم كل طائفة ان يتلفظوا عند ابراز مقاصدهم بألفاظ خاصة مناسبة لمعانيها حسب جعله سبحانه، واستدل ايضا على مرامه من عدم كون تلك العلاقة والارتباط التي بين الالفاظ ومعانيها مستندة إلى جعل المخلوق ووضعه بأمرين: احدهما خلق التواريخ عن ذكره، فانه لو كان الامر كذلك لكان اللازم بحسب العادة ذكره في التواريخ بان الواضع للغة العرب كان هو شخص كذا كيعرب بن قحطان كما قيل، وان الواضع للغة الفرس كان شخص كذا وهكذا بقية اللغات، لان ذلك من الامور المهمة التي لا يمكن الغفلة عنها عادة، مع انه لم يرد في تاريخ ان واضع لغة العرب هو شخص كذا وواضع لغة الفرس كان شخص كذا، وحينئذ فخلو التواريخ عن ذكر هذه القضية دليل عدم استناد وضع الالفاظ إلى احد من المخلوقين.
وثانيهما من جهة عدم تناهي المعاني والالفاظ حيث ان عدم تناهيها يقتضي بعد استناد وضعها إلى المخلوقين بل امتناعه، كما هو ظاهر عند من امعن النظر وانصف.
اقول: وفيه ما لا يخفى، إذ نقول بانه لو فرض من اول خلقة آدم (على نبينا وآله وعليه السلام) إلى زماننا هذا كل طائفة قد وضعوا جملة من الالفاظ لجملة من المعاني المتداولة بينهم على قدر ابتلائهم بها في اظهار ما في ضمائرهم إلى ان انتهى الامر إلى زماننا الذي قد كثر فيه اللغات وكثرت الالفاظ والمعاني، فأي محذور عادي أو عقلي يترتب عليه؟
فهل تقول في مثل ذلك بلزوم ضبطه في التواريخ أو تقول بانه من الممتنع العادي وضع الالفاظ الكثيرة الغير المتناهية لمعان كذلك بمرور الدهور والازمنة الكثيرة من طوائف كثيرة؟
نعم انما يتم ما ذكر فيما لو كان المدعي وضع شخص واحد أو شخصين في كل لغة وضع الالفاظ المستعملة فيها في معانيها، ولكنه لم يدعه احد كذلك حتى يرد عليه المحذور المزبور، بل وانما المقصود من ذلك انما هو استناد وضع الالفاظ في اللغات إلى الواضعين ولو على نحو التدرج بحسب مرور الدهور والازمنة بوضع كل طائفة من لدن زمان آدم إلى زماننا جملة من الالفاظ لجملة من المعاني التي دار عليها ابتلائهم، كما نشاهد ذلك بالعيان والوجدان من وجود كثير من المعاني والالفاظ المستحدثة في زماننا التي لا يكون لها في سالف الزمان عين ول اثر، كما في كثير من الجوهريات والآلات، ومن المعلوم انه لو ادعاه القائل باستناد الوضع إلى المخلوقين لا يتوجه عليه شيء من المحذورين. ثم انه نقول: على قولك (بان الباري عز اسمه هو الواضع وانه يلهم المستعملين في مقام اظهار ما في ضمائرهم) بانه هل تجد من نفسك عند تسميتك ولدك انه اوحى الله تعالى اليك أو نزل اليك جبرئيل ان سمه بكذا ام لا بل انت تضع له اسما من الاسامي وانت الجاعل للعلقة والارتباط بجعلك اللفظة اسما له بعد ان لم يكن بينهما علاقة وارتباط ؟ لا يقال: بانه كيف ذلك مع انه لولا قضية المناسبة الذاتية بينهما الحاصلة من تخصيص الهى يكون تخصيص لفظ خاص من بين الالفاظ للمعنى الملحوظ ترجيحا بلا مرجح، فانه يقال: يكفى في الترجيح انسباق اللفظ إلى الذهن من بين الالفاظ عند ارادة الوضع ولو من جهة اقتضاء استعداده للوجود في عالم الذهن، حيث انه موجب لتخصيصه بالمعنى الملحوظ من بين الالفاظ، ففي الحقيقة ما هو الموجب لتخصيص لفظ من بين الالفاظ لمعنى من بين المعاني انما هو قضية تقارنهما للوجود في عالم الذهن، ومن المعلوم انه في ذلك لا يحتاج في تخصيص أحدهما بالآخر إلى جهة مناسبة ذاتية بينهما، كما لا يخفى.
تعريف الوضع:
ثم انه مما ذكرنا ظهر حال حقيقة الوضع وانه عبارة عن نحو اضافة واختصاص خاص توجب قالبية اللفظ للمعنى وفنائه فيه فناء المرآة في المرئي بحيث يصير اللفظ مغفولا عنه وبإلقائه كان المعنى هو الملقى بلا توسيط امر في البين، لا انه من قبيل اختصاص الامارة لذيها كما في النصب الموضوعة في الطريق للدلالة على وجود الفرسخ، كيف ولازمه ان يكون انتقال الذهن إلى المعنى عند سماع اللفظ من شئون الانتقال إلى اللفظ لازموه كون انتقال الذهن إلى اللفظ في عرض الانتقال إلى المعنى بحيث كان في الذهن انتقالان عرضيان:
انتقال إلى اللفظ وانتقال منه بواسطة الملازمة إلى المعنى نظير الانتقال من الدخان إلى وجود النار، مع ان ذلك كما ترى مما يحكم بفساده بداهة الوجدان، ضرورة وضوح انه بإلقاء اللفظ لا يكاد في الذهن الا انتقال واحد إلى المعنى بلا التفات إلى شخص اللفظ الملقى بنحو كان المعنى بنفسه قد القى بلا توسيط لفظ ، كما هو الشأن في الكتابة ايضا فان الناظر فيها بمقتضى الارتكاز لا يرى الا نفس المعنى بلا التفاته في هذا النظر إلى حيث نقوش الكتابة تفصيلا، ومن المعلوم انه لا يكون الوجه في ذلك الا جهة شدة العلاقة والارتباط بينهما التي اوجبت قالبية اللفظ للمعنى وفنائه فيه.
ومن جهة هذا الفناء ايضا ترى بانه قد يسرى إلى المعنى ما للفظ من التعقيد مع ان المعنى لا يكون فيه تعقيد وانما التعقيد للفظ، كما انه قد يكون بالعكس فيسرى إلى اللفظ ما للمعنى من الحسن والقبح، فيرى اللفظ قبيحا وحسنا مع ان اللفظ لا يكون فيه حسن ولا قبح وانما الحسن والقبح للمعنى، كما هو واضح. كما انه من التأمل فيما ذكرنا ظهر ايض انه ليست تلك العلاقة والارتباط الخاص من سنخ الاضافات الخارجية التي توجب احداث هيئة خارجية كهيئة السريرية الحاصلة من ضم الاخشاب بعضها ببعض على كيفية خاصة وكالفوقية والتحتية والتقابل ونحوها من الاضافات والهيئات القائمة بالامور الخارجية التي كان الخارج ظرفا لنفسها ولو لا لوجودها، ولا من سنخ الاعتباريات التي لا يكون صقعها الا الذهن كما في النسب بين الاجزاء التحليلية في المركبات العقلية في مثل الانسان والحيوان الناطق، بل وانما هي متوسطة بين هاتين، فكانت سنخها من قبيل الاعتباريات التي كان الخارج موطن منشأ اعتبارها، كما نظيره في الملكية والزوجية ونحوهما من الاعتباريات مما لا يكون الخارج موطن نفسها بل موطن مصحح اعتبارها من الانشاء القولي أو الفعلي، ولكن مع ذلك لها واقعية بمعنى ان صقعها قبل وجود اللفظ في الخارج وان لا يكن الا الذهن الا انها بنحو ينال العقل خارجيتها عند وجود طرفيه تبعا لها بنحو القضية الحقيقية بانه لو وجد اللفظ وجد العلاقة والارتباط بينه وبين المعنى نظير الملازمات كالملازمة بين النار والحرارة، فكما ان صقع هذه الملازمة قبل وجود النار في الخارج لا يكون الا الذهن وبوجود النار وتحققها تصير الملازمة تبع لوجود طرفها خارجية، كذلك تلك العلاقة والارتباط الخاص بين اللفظ والمعنى، فان العلقة الحاصلة بينهما بالجعل لما كانت بين الطبيعتين، يعنى طبيعة اللفظ وطبيعة المعنى، فقبل وجود طرفيها خارجا لا يكون صقعها الا الذهن ولكن بعد وجود طرفيها تبع لهما تصير الملازمة بينهما ايضا خارجية فكلما وجد اللفظ في الخارج يتحقق العلقة والارتباط بينه وبين المعنى، ويكفى في خارجيتها كون الخارج ظرفا لمنشأ انتزاعه.
وبالجملة المقصود من هذا التطويل هو بيان ان هذا النحو من الاضافة والارتباط مما لها واقعية في نفسها وانها لا تكون من سنخ الاعتباريات المحضة التي لا يكون صقعه الا الذهن ولا كان الخارج ظرفا لمنشأ اعتبارها، ولا من سنخ الاضافات الخارجية الموجبة لأحداث هيئة في الخارج، بل وانما هي متوسطة بين هاتين فلها واقعية يعتبره العقل عن منشأ صحيح خارجي، ولئن ابيت عن تسميتك هذه اضافة وتقول بان المصطلح منها هي الاضافات المغيرة للهيئة في الخارج فسمها بالإضافة النحوية أو بغيرها مما شئت، إذ لا مشاحة في الاسم بعد وضوح المعنى.
وكيف كان فبعد ما عرفت ذلك نقول: بانه لا شبهة في ان مثل هذا النحو من الاضافات النحوية في غاية خفة المؤنة حيث لا يحتاج تحققها إلى كثير مؤنة فيكفي في تحققها ادنى ملابسة فتحصل بمجرد الجعل كما في قولك: المال لزيد والغلام لعمرو والجل للفرس، حيث انه بنفس تخصيصك المال بزيد والجل بالفرس يتحقق بينهما تلك الاضافة والاختصاص، بل ربما تتحقق بمجرد نسبة شيء إلى شيء من دون منشأ خارجي لذلك، كما في اعتبارك غولا ونسبة انياب إليه، غايته انه من جهة عدم وجود منشأ صحيح خارجي له لا يكون من الاعتباريات الصحيحة القابلة لإضافتها إلى الخارج، كما هو واضح.
ومن ذلك البيان ظهر فساد ما يظهر من بعض الاعلام: من الالتزام بالتعهد وانكار استناد العلقة والارتباط التي بين اللفظ والمعنى إلى جعل الجاعل ووضعه، والعمدة في ذلك انما هو تخيل قصر الاضافة بالإضافات الخارجية والملازمات الواقعية الذاتية، فانه من هذه الجهة انكر استناد العلقة والارتباط المزبور إلى جعل الجاعل ووضعه بل ادعى استحالته وقال: بانه من المستحيل جعل العلقة والارتباط بين الامرين اللذين لا علاقة بينهما بحيث تكون تلك العلقة مجعولا ابتدائيا للجاعل تكوينا بدون جعل طرفيها أو تغيير وضع فيهما. ثم انه بعد انكاره لذلك التزم بالتعهد وقال: بان ما يمكن تعقله ويبنى عليه هو ان يلتزم الواضع ويتعهد تعهدا كليا بانه من اراد معنى وتعقله واراد افهام الغير تلفظ بلفظ كذا، لان ما هو الممكن انما هو جعل الارتباط بين ارادة المعنى وارادة التلفظ بلفظ كذائي لا جعل الارتباط تكوينا بين اللفظ والمعنى، فإذا التفت المخاطب حينئذ إلى هذا الالتزام والتعهد المزبور الذى مرجعه إلى الاعلام بإرادة المعنى الكذائي عند التكلم بلفظ كذا وعلم به، فلا جرم ينتقل ذهنه إلى ذلك المعنى عند سماع اللفظ منه، وحينئذ فكان مرجع الوضع إلى مثل هذا الالتزام والتعهد الكلى وكانت العلقة المزبورة بين اللفظ والمعنى نتيجة لذلك التعهد، لا انها مجعولة تكوينا ابتداء للواضع بوضعه وجعله.
ثم انه من هذا الاساس ايضا انكر الجعل في الوضعيات والتزم بانه ليس في البين في ذلك المقام ايضا الا الاحكام التكليفية والارادات الخاصة وانها انما كانت منتزعة عن الاحكام التكليفية، فكان مثل الملكية منتزعة عن حكم الشارع بجواز تصرف شخص في عين وحرمة تصرف غيره فيه بدون اذنه ورضاه، والزوجية منتزعة عن حكمه بجواز وطي شخص امرأة وعدم جواز وطيها على غيره بمثل قوله: من عقد على امرأة يجوز له وطيها ولا يجوز لغيره ذلك، حيث كان العقل ينتزع في الاول من حكم الشارع نحو اضافة بين المال وبين الشخص نعبر عنها بالملكية، وفى الثاني اضافة بين الشخصين يعبر عنها بالزوجية، وهكذا غيرهما من الوضعيات، فكان الكل منتزعا عن الاحكام التكليفية بلا كونها مجعولة بوجه اصلا، هذا وتوضيح الفساد يظهر مما قدمناه من وجه الفرق بين نحوى الاضافة وعدم كون العلاقة والربط بين اللفظ والمعنى من سنخ الاضافات الخارجية بين الامرين الخارجيين من نحو الفوقية والتحتية ونحوهما مما يتوقف تحققها على تغيير وضع في طرفيها، بل وانها من سنخ الاعتباريات التي تحققها كان بالجعل كالملكية والزوجية، على ان ارجاع الوضع إلى تعهد الواضع بذكر اللفظ عند ارادة المعنى ايضا غير مستقيم، فانه بعد ان كان مرجع التعهد المزبور إلى ارادة ذكر اللفظ عند ارادة المعنى نقول بانه يسأل عنه بان تلك الارادة المتعلقة بذكر اللفظ لا تخلو: اما ان تكون ارادة نفسية، واما ان تكون ارادة غيرية توصلية إلى ابراز المعنى باللفظ نظرا إلى قالبية اللفظ له، وعلى الاول فأما ان يكون الغرض من تلك الارادة ايجاد العلقة والارتباط بين اللفظ والمعنى بنفس تلك الارادة، واما ان لا يكون الغرض من توجيه الارادة إلى ذكر اللفظ ذلك بل وانما الغرض من توجيه الارادة إليه هو جهة مطلوبيته ذاتا في ظرف ارادة تفهيم المعنى.
فان كان المقصود هو هذا الاخير فلا سبيل إلى دعواه فانه مع منافاته لم يقتضيه الوجدان والارتكاز في مقام ارادة التلفظ باللفظ من كونها لأجل التوصل به إلى تفهيم المعنى المقصود لا من جهة مطلوبية التلفظ به نفسا - مناف ايضا لما يقتضيه الطبع والوجدان في مقام الانتقال إلى المعنى عند سماع اللفظ، لان لازم البيان المزبور هو ان يكون الانتقال إلى اللفظ في عرض الانتقال إلى المعنى بحيث يكون في الذهن انتقالان: انتقال بدوا إلى اللفظ عند سماعه وانتقال منه بمقتضى الملازمة والاناطة إلى المعنى نظير الانتقال من اللازم إلى ملزومه، مع ان ذلك كما ترى مما يأبى عنه الوجدان والارتكاز، فانه يرى بالوجدان انتقال الذهن إلى المعنى عند سماع اللفظ بدوا مع الغفلة عن جهة اللفظ بحيث كانه كان المعنى هو الملقى إليه بل توسيط لفظ في البين اصلا، كما لا يخفى. وان كان المقصود الاول فله وان كان وجه الا انه يرجع إلى ما ذكرنا من القول بالوضع، فان القائل بالوضع لا يدعى ازيد من ذلك، ولقد تقدم ان هذا النحو من الاضافة والارتباط لا يحتاج تحققها إلى كثير مؤنة، فيكفى في تحققها مجرد الجعل والارادة. نعم على ذلك تكون الارادات الاستعمالية المتحققة فيما بعد في طول تلك الارادة الكلية ومترتبة عليها نظرا إلى تحقق العلقة والربط بين اللفظ والمعنى بنفس تلك الارادة والتعهد الكلى، فينا في حينئذ ما هو مسلك هذ القائل من كون الارادات الاستعمالية المتحققة فيما بعده من شئون تلك الارادة الكلية وفعليتها. واما ان كان المقصود هو الاخير الذي فرضناه من كون الارادة المتعلقة بذكر اللفظ ارادة غيرية توصلية لإبراز المعنى المقصود باللفظ باعتبار ما للفظ من المبرزية عن المعنى، فعليه نقول: بان جهة مبرزية اللفظ عن المعنى بعد ان لم تكن مستندة إلى اقتضاء ذات اللفظ كما يدعيه القائل بذاتية دلالة الالفاظ على معانيها، فلا جرم لابد وان يكون نشؤها اما من قبل وضع الواضع وجعله أو من قبل تلك الارادة الغيرية المتعلقة بذكر اللفظ أو من قبل ارادة اخرى، ولا سبيل إلى الاخيرين لان الاول منهما بديهى الاستحالة وكذا الثاني، فانه مع انه لا سبيل إلى دعواه للقطع بعدم ارادة اخرى في البين يجئ فيها ما ذكرناه من الاحتمالات من كونها ارادة غيرية أو نفسية، فيتعين حينئذ المعنى الاول وهو المطلوب، لا يقال: انما يرد هذا المحذور لو اريد تحقق العلقة والارتباط من قبل الارادة المتعلقة بذكر اللفظ في مقام الاستعمال وليس كذلك بل المقصود كونها نتيجة لذلك التعهد الكلي، فانه يقال: كلا فان الارادات الاستعمالية على مسلك هذا القائل عين تلك الارادة الكلية المسماة عنده بالتعهد الكلي، وهو تعهده كليا التلفظ بلفظ كذا عند ارادة تفهيم معنى كذا، إذ حينئذ تكون الارادات الاستعمالية المتعلقة بذكر اللفظ عبارة عن فعلية ذلك التعهد الكلي، والا فقبل ارادة التفهيم لا يكون في البين الا مجرد البناء على ارادة اللفظ عند ارادة تفهيم المعنى، وعليه يتوجه الاشكال المزبور بانه بعد غيرية الارادة المتعلقة بذكر اللفظ لابد من الالتزام بان جهة مبرزية اللفظ كانت مستندة إلى وضع الواضع وجعله كما هو واضح.
ثم ان من لوازم هذا المسلك انحصار الدلالة في الالفاظ بالدلالة التصديقية لانه لا ظهور للفظ حينئذ حتى يكون وراء الدلالة التصديقية دلالة اخرى تصورية، بخلافه على مسلك الوضع فانه عليه يكون للفظ وراء الدلالة التصديقية دلالة اخرى تصورية ناشئة من قبل الوضع والجعل، وربما ينتج هذا المعنى في بعض المباحث الآتية كما في مبحث العام والخاص.
وكيف كان فمن التأمل فيما ذكرنا ظهر أيضا بطلان ما اسسه على هذا الاساس من انكار الجعل في مطلق الوضعيات والتزامه بان مثل الملكية والزوجية انتزاعية صرفة من الاحكام التكليفية، إذ نقول: بان في مثل قوله: الناس مسلطون على اموالهم، وقوله: لا يجوز التصرف في مال احد بدون اذن صاحبه، لا يكاد يتم هذا المقالة لان جهة الملكية واضافة المال إلى الغير حينئذ انما كانت مأخوذة في موضوع هذا الحكم اعني حرمة التصرف، ولازمه كونه في رتبة سابقة عنه كنفس المال كما هو الشأن في كل موضوع بالقياس إلى حكمه، وحينئذ نقول: بان مثل هذه الاضافة بعد ما لا يمكن نشؤها من قبل هذا الحكم التكليفي المتأخر عنها رتبة فلا بد وان يكون نشؤها اما من قبل حكم تكليفي آخر في رتبة سابقة عنها واما من قبل الجعل، والاول بديهى الفساد فانه - مضافا إلى القطع بانه لا حكم آخر في البين غير هذا الحكم المترتب عليها - يلزمه اجتماع الحكمين المتماثلين في نحو قوله: لا يجوز التصرف في مال الغير بدون اذن صاحبه، احدهما في رتبة سابقة عن الاضافة والآخر في رتبة لا حقة عنها، وحينئذ فبعد القطع ايضا بعدم نشؤ اضافة الملكية من مجرد جواز تصرف الانسان في شيء - بشهادة جواز تصرف كل شخص في المباحات الاصلية يتعين الثاني من كون نشؤها من قبل الجعل.
وكيف كان فبعد ما ظهر بطلان القول بالتعهد نقول: بان العلاقة والربط بين اللفظ والمعنى في الاوضاع التخصيصية كما يتحقق بالإنشاء القولي من قول الواضع (جعلت هذه اللفظ لمعنى كذا) كذلك يتحقق ايضا بالإنشاء الفعلي وبنفس الاستعمال قاصدا به تحقق العلقة والربط بينهما، كقولك عند تسميتك ولدك: جئني بولدي محمد قاصدا به حصول العلقة الوضعية بهذا الاستعمال، كما نظيره في المعاطاة التي هي انشاء فعلى لحصول الملكية لزيد، وعدم كون مثل هذا الاستعمال من الاستعمال في المعنى الحقيقي أو المجازي غير ضمائر فيما نحن بصدده من تحقق العلقة والربط بمثل هذا الاستعمال. واما ما قد يقال: من امتناع ذلك من جهة استلزامه لمحذور اجتماع اللحاظين في اللفظ: اللحاظ العبوري الآلي تارة، واللحاظ الاستقلالي إليه اخرى - نظرا إلى اقتضاء الوضع لان يكون النظر إليه نظرا استقلاليا - فمدفوع بان النظر إلى شخص هذ اللفظ لا يكون الا عبوريا إلى طبيعة اللفظ التي قصد تحقق العلاقة والربط بينها وبين المعنى، وحينئذ فمتعلق اللحاظ الاستقلالي انما كان هو طبيعة اللفظ التي قصد تحقق العلقة بينها وبين المعنى، ومتعلق اللحاظ الآلي كان هو شخص هذا اللفظ، ومعه لم يجتمع اللحاظان في موضوع واحد كي يتوجه عليه محذور الاستحالة المزبورة، كما هو واضح. وحينئذ فلا ينبغى الاشكال في صحة هذا القسم من الوضع وامكانه.
بل قد يدعى كما عن المحقق الخراساني (قدس سره) لزوم انتهاء الاوضاع التخصصية ايضا إلى مثل هذ النحو من الوضع التخصيصي وانه لابد في تحقق العلقة الوضعية بين اللفظ والمعنى من القصد إلى تحققها في احد تلك الاستعمالات والا فبدونه لا يكاد يجدي مجرد الاستعمال في تحققها ولو بلغ الاستعمال في الكثرة ما بلغ، فلذلك اورد على تقسيم المشهور للوضع بالوضع التعيني تارة وبالتعييني اخرى وقال: بانه لا مجال لهذا التقسيم وان الحرى هو حصره بخصوص التعييني بالجعل والانشاء غايته بالأعم من الانشاء القولي والفعلي. ولكن يرد عليه بانه انما يتوجه هذا الاشكال فيما لو كان سنخ هذا النحو من العلاقة والربط بجميع افراده جعليا بحيث يحتاج في تحققها إلى توسيط انشاء وجعل في البين، ولكنه ممنوع بل نقول بانها كما تتحقق بالإنشاء القولي أو الفعلي كذلك تتحقق بواسطة كثرة الاستعمال كما نشاهد بالوجدان والعيان في استعمالنا الالفاظ في المعاني المجازية حيث نرى بانه بكثرة الاستعمال يحدث مرتبة من العلاقة بينه وبين المعنى الثاني وبهذا المقدار يضعف علاقته عن المعنى الاول بحيث كلما كثرت الاستعمالات تضعف علاقته للمعنى الاول ويشتد في قباله العلاقة بينه وبين المعنى الثاني إلى ان تبلغ بحد يصير المعنى الاول مهجورا بالمرة وتصير العلاقة التامة بينه وبين المعنى الثاني بحيث لو اريد منه المعنى الاول لاحتاج إلى اقامة قرينة في البين، ومع هذا الوجدان لا مجال لإنكار هذا القسم من الوضع، كما هو واضح.
نعم لهذا الاشكال مجال فيما لو اريد تحقق تلك العلقة والارتباط دفعة واحدة لا بنحو التدريج، ولكنه لم يدع احد مثل ذلك بل وان كل من يدعى وجود هذا القسم من الوضع يدعى تحققها شيئا فشيئا بنحو التدريج، ومن المعلوم ان مثل هذا المعنى امر ممكن بل واقع كما ذكرنا.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|