المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24



مناظرة الامام الرضا مع الجاثليق  
  
4233   10:20 صباحاً   التاريخ: 31-7-2016
المؤلف : باقر شريف القرشي
الكتاب أو المصدر : حياة الإمام الرضا (عليه السلام)
الجزء والصفحة : ج‏1،ص136-145.
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام علي بن موسى الرّضا / التراث الرضوي الشريف /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 31-7-2016 3908
التاريخ: 15-10-2015 3709
التاريخ: 30-7-2016 5790
التاريخ: 31-7-2016 3390

من بين الإجراءات التي اتخذها المأمون لامتحان الامام لعلّه يظفر بتعجيزه أنه‏ أوعز الى وزيره الفضل بن سهل أن يجمع له الأعلام المتكلمين من اصحاب المقالات و الأديان مثل الجاثليق‏ . و رأس الجالوت‏  و الهربذ الأكبر و اصحاب زردشت‏ و نسطاس الرومي‏ و سائر المتكلمين فجمعهم الفضل في بلاط المأمون ثم ادخلهم عليه فقابلهم بمزيد من الحفاوة و التكريم و عرض عليهم ما يرومه قائلا: إنما جمعتكم لخير و أحببت أن تناظروا ابن عمي المدني القادم عليّ فاذا كان بكرة فاغدوا عليّ و لا يتخلف منكم أحد ..

فأجابوه بالسمع و الطاعة و الامتثال لأمره و أمر المأمون ياسر الخادم أن يدعو الامام لمناظرة علماء الأديان في اليوم الثامن فخف ياسر الى الامام و أبلغه مقالة المأمون فأجابه الى ذلك و التفت الامام الى الحسن بن محمد النوفلي فقال له: يا نوفلي أنت عراقي ورقة العراقي غير غليظة فما عندك في جمع ابن عمي علينا أهل الشرك و اصحاب المقالات .

و عرف النوفلي غاية المأمون فقال للامام: جعلت فداك يريد الامتحان و يحب أن يعرف ما عندك و لقد بنى على أساس غير وثيق البنيان و بئس و اللّه ما بنى .

و سارع الامام قائلا: و ما بناؤه في هذا الباب؟ .

و عرض النوفلي على الامام ما يحذره و يخافه عليه منهم قائلا: ان اصحاب الكلام و البدع خلاف العلماء و ذلك ان العالم لا ينكر غير المنكر و أصحاب المقالات و المتكلمون و أهل الشرك أصحاب انكار و مباهتة إن احتججت عليهم بأن اللّه واحد قالوا: صحيح وحدانيته و إن قلت: إن محمدا (صلّى اللّه عليه و آله) رسول قالوا: ثبت رسالته ثم يباهتون الرجل- و هو مبطل عليهم بحجته- و يغالطونه حتى يترك قوله فاحذرهم جعلت فداك .

لقد أعرب النوفلي عن مخاوفه من هؤلاء الذين يحاججهم الامام لأنهم لا يبغون الوصول الى الواقع و التعرف على الحق و هم دوما يعتمدون على المغالطات للوصول الى اهدافهم الرخيصة.

و أزال الامام ما في نفس النوفلي من المخاوف قائلا: أ تخاف أن يقطعوا عليّ حجّتي؟ .

انهم أمام بحر من العلم و طاقات هائلة من الفضل فكيف يقطعون على الامام حجته و سارع النوفلي فقال: لا و اللّه ما خفت عليك قط و إني لأرجو أن يظفرك اللّه بهم إن شاء اللّه .

و انبرى الامام قائلا: يا نوفلي أ تحب أن تعلم متى يندم المأمون؟ .

- نعم .

- إذا سمع احتجاجي على أهل التوراة بتوراتهم و على أهل الانجيل بانجيلهم و على أهل الزبور بزبورهم و على الصابئين بعبرانيتهم و على أهل الهرابذة بفارسيتهم و على أهل الروم بروميتهم و على أهل المقالات بلغاتهم فاذا قطعت كل صنف و دحضت حجته و ترك مقالته و رجع الى قولي علم المأمون أن الذي هو بسبيله ليس بمستحق له فعند ذلك تكون الندامة و لا حول و لا قوة إلّا باللّه العلي العظيم .

لقد كشف الامام عليه بهذه الكلمات عما يملكه من ثروات علمية لا تحد و انه باستطاعته أن يناظر جميع أهل الأديان و المذاهب و يفنّد أوهامهم و يوضح لهم الحق و اذا استبان ذلك للمأمون فانه يندم على هذه الاجراءات و يظهر له أنه على غير صواب.

و لما انقضى النهار و اقبل اليوم الثاني خف الفضل بن سهل مسرعا الى الامام (عليه السّلام) فقال له: جعلت فداك ان ابن عمك - يعني المأمون- ينتظرك اجتمع القوم فما رأيك في اتيانه؟ .

فأجابه الامام أنه مستعد للحضور و انه قادم على المأمون و خرج الامام و هو بهيبة تعنو لها الجباه فكان يلهج بذكر اللّه و دخل على المأمون و كان المجلس‏ مكتظا بالطالبيين و الهاشميين و قادة الجيش و العلماء من مسلمين و غيرهم و قام المأمون و جميع من في المجلس تكريما و تعظيما للامام و جلس الامام و الناس وقوف احتراما له فأمرهم المأمون بالجلوس و بعد ما استقر المجلس بالامام التفت المأمون الى الجاثليق فقال له: يا جاثليق هذا ابن عمي علي بن موسى بن جعفر و هو من ولد فاطمة بنت نبينا (صلّى اللّه عليه و آله) و ابن علي بن أبي طالب (عليه السّلام) فأحب أن تكلمه و تحاجّه و تنصفه .

و انبرى الجاثليق قائلا: يا أمير المؤمنين كيف احاج رجلا يحاج عليّ بكتاب أنا منكره و نبي لا أومن به .

لقد حسب الجاثليق أن الامام (عليه السّلام) يستدل على ما يذهب إليه بآيات من القرآن الكريم أو بكلمات من الرسول (صلّى اللّه عليه و آله) و هو لا يؤمن بذلك و انما يبغي دليلا و برهانا من كتبهم و رد الامام عليه مقالته: يا نصراني فان احتججت عليك بانجيلك أ تقرّ به؟ .

و سارع الجاثليق قائلا: هل أقدر على دفع ما نطق به الانجيل نعم و اللّه أقربه .

- سل عما بدا لك و اسمع الجواب .

س 1- ما تقول في نبوة عيسى و كتابه هل تنكر منهما شيئا؟ .

ج 1- أنا مقر بنبوة عيسى و كتابه و ما بشر به أمته و أقرت به الحواريون و كافر بنبوة عيسى لم يقر بنبوة محمد و كتابه و لم يبشر به أمته .

و سارع الجاثليق قائلا: أ ليس انما تقطع الاحكام بشاهدي عدل؟ .

- بلى ..

- فأقم شاهدين من غير أهل ملتك على نبوة محمد ممن لا تنكره النصرانية و سلنا مثل ذلك من غير أهل ملتنا .

و صدق الامام مقالته فقد جاء بالنصف قائلا: الآن جئت بالنصفة الا تقبل مني العدل و المقدم عند المسيح بن مريم؟ .

- من هذا العدل سمه لي؟ .

- ما تقول: في يوحنا الديلمي؟ .

و سارع الجاثليق قائلا: بخ بخ ذكرت أحب الناس الى المسيح .

و انبرى سليل النبوة قائلا: أقسمت عليك هل نطق الانجيل أن يوحنا قال: إن المسيح أخبرني بدين محمد العربي و بشرني به أنه يكون من بعدي فبشرت به الحواريين فآمنوا به .

و لم يسع الجاثليق انكار ذلك إلّا أنه قال: إن يوحنا لم يسمه لنا حتى نعرفه.

و رد عليه الامام: فان جئناك بمن يقرأ الانجيل فتلا عليك ذكر محمد و أهل بيته و أمته أ تؤمن به؟ .

و قال بصوت خافت: أمر سديد .

و التفت الامام (عليه السّلام) الى نسطاس الرومي فقال له: كيف حفظك للسفر الثالث من الانجيل؟ .

- ما أحفظني له .

و خاطب الامام (عليه السّلام) الجاثليق فقال له: أ لست تقرأ الانجيل؟ .

- بلى ..

- خذ على السفر الثالث فان كان فيه ذكر محمد (صلّى اللّه عليه و آله) و أهل بيته و أمته فاشهدوا لي و إن لم يكن فيه ذكره فلا تشهدوا لي ..

و تلا الامام عليه السفر الثالث حتى إذا بلغ ذكر النبي (صلّى اللّه عليه و آله) التفت الى الجاثليق فقال له: إني اسألك بحق المسيح و أمه أتعلم أني عالم بالانجيل؟ .

- نعم ؛ ثم قرأ ما في السفر الثالث من ذكر النبي و أهل بيته و أمته و اضاف قائلا: ما تقول: هذا قول عيسى بن مريم فان كذبت ما نطق به الانجيل فقد كذبت موسى و عيسى و متى انكرت هذا الذكر وجب عليك القتل لأنك تكون قد كفرت بربك و نبيك و كتابك .

و راح الجاثليق يقول: لا أنكر ما قد بان لي من الانجيل و اني لمقرّ به .

و التفت الامام (عليه السّلام) الى الحاضرين فطلب منهم الشهادة على اقراره ثم قال له: يا جاثليق سل عما بدا لك .

و سارع الجاثليق سائلا:

س 2- اخبرني عن حواري عيسى بن مريم كم كان عدتهم و عن علماء الانجيل كم كانوا؟ .

ج 2- على الخبير سقطت أما الحواريون فكانوا اثني عشر رجلا و كان افضلهم و اعلمهم (لوقا) و اما علماء النصارى فكانوا ثلاثة رجال: يوحنا الأكبر- يا حي- و يوحنا بقرقيسيا و يوحنا الديلمي بزخار و عنده كان ذكر النبي (صلّى اللّه عليه و آله) و ذكر أهل بيته و هو الذي بشر أمة عيسى و بني اسرائيل به و اضاف الامام قائلا: و اللّه إنا لنؤمن بعيسى الذي آمن بمحمد (صلّى اللّه عليه و آله) و ما ننقم على عيسى شيئا إلّا ضعفه و قلة صيامه و صلاته .

و حينما سمع الجاثليق الكلمات الاخيرة من هذا فصاح: أفسدت و اللّه علمك و ضعف أمرك و ما كنت ظننت إلّا أنك أعلم أهل الاسلام .

و قابله الامام بهدوء فقال له: و كيف ذلك؟ .

و فقد الجاثليق صوابه و راح يقول: من قولك: إن عيسى كان ضعيفا قليل الصوم و الصلاة و ما أفطر عيسى يوما قط و ما نام بليل قط و ما زال صائم الدهر قائم الليل .

و انبرى الامام ينسف العقيدة المسيحية الزاعمة بأن المسيح إله يعبد من دون اللّه فقال (عليه السّلام): لمن كان يصوم- أي المسيح- و يصلي؟ .

فانقطع الجاثليق عن الجواب و لم يدر ما يقول: و التفت الامام إليه قائلا: إني اسألك عن مسألة؟.

- سل فان كان عندي علمها اجبتك .

و وجه الامام إليه السؤال التالي: ما أنكرت أن عيسى كان يحيي الموتى باذن اللّه؟ .

و أجاب الجاثليق: أنكرت ذلك من قبل ان من أحيى الموتى و ابرأ الأكمه و الأبرص فهو رب مستحق لأن يعبد .

و رد الامام عليه مقالته: فان اليسع قد صنع مثل ما صنع عيسى (عليه السّلام) مشى على الماء و أحيى الموتى و ابرأ الأكمه و الأبرص فلم لا تتخذه أمته ربا و لم يعبده أحد من دون اللّه عزّ و جلّ فأحيا خمسة و ثلاثين ألف رجل من بعد موتهم بستين سنة يا رأس الجالوت أ تجد هؤلاء في شباب بني اسرائيل في التوراة اختارهم (بخت نصر) من سبي بني اسرائيل حين غزا بيت المقدس ثم انصرف بهم الى بابل فأرسله اللّه عزّ و جلّ إليهم فأحياهم هذا في التوراة لا يدفعه إلا كافر منكر.

و بهر الجاثليق بمعلومات الامام عنهم و قال: قد سمعنا به و عرفناه .

و التفت الامام الى يهودي كان في المجلس فأمره أن يقرأ احدى فصول التوراة فأخذ في قراءتها و كان فيه ذكر لبعض الأنبياء و اقبل الامام على رأس الجالوت فقال له: أ هؤلاء- يعني الأنبياء- كانوا قبل عيسى أم عيسى كان قبلهم؟ .

- بل كانوا قبله .

و أخذ الامام يتلو عليهم بعض معجزات جده الرسول الاعظم خاتم الأنبياء قائلا: لقد اجتمعت قريش على رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) فسألوه أن يحيي لهم موتاهم فوجه معهم علي بن أبي طالب (عليه السّلام) فقال له: اذهب الى الجبانة فناد باسماء هؤلاء الرهط الذين يسألون عنهم بأعلى صوتك يا فلان يا فلان يقول لكم محمد رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): قوموا باذن اللّه عزّ و جلّ فقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم فأقبلت قريش تسألهم عن أمورهم ثم أخبروهم أن محمدا قد بعث نبيا فقالوا: وددنا أنا ادركناه فنؤمن به و لقد ابرأ الأكمه و الأبرص‏

و المجانين و كلمته البهائم و الطير و الجن و الشياطين و لم نتخذه ربا من دون اللّه و لم ننكر لأحد من هؤلاء فضلهم فان اتخذهم عيسى ربا جاز لكم ان تتخذوا اليسع و حزقيل ربين لانهما قد صنعا مثل ما صنع عيسى بن مريم من احياء الموتى و غيره ثم ان قوما من بني اسرائيل خرجوا من بلادهم من الطاعون و هم ألوف حذر الموت فأماتهم اللّه في ساعة واحدة فعمد أهل القرية فحظروا عليهم حظيرة فلم يزالوا فيها حتى نخرت عظامهم و صاروا رميما فمر بهم نبي من انبياء بني اسرائيل فتعجب منهم و من كثرة العظام البالية فأوحى اللّه أ تحب ان احييهم لك فتنذرهم؟

قال: نعم.

فأوحى اللّه أن نادهم فقال: أيتها العظام البالية قومي باذن اللّه فقاموا احياء اجمعين ينفضون التراب عن رءوسهم ثم ابراهيم خليل اللّه حين اتخذ الطير فقطعهن قطعا ثم وضع على كل جبل منهم جزءا ثم ناداهن فاقبلن سعيا إليه ثم موسى بن عمران و اصحابه السبعون الذين اختارهم صاروا معه الى الجبل فقالوا له: إنك قد رأيت اللّه فأرناه.

فقال لهم: إني لم اره.

فقالوا: لن نؤمن لك حتى نرى اللّه جهرة فأخذتهم الصاعقة فاحترقوا عن آخرهم فبقي موسى وحيدا.

فقال: يا رب! اخترت سبعين رجلا من بني اسرائيل فجئت بهم فارجع أنا وحدي فكيف يصدقني قومي بما أخبرهم به فلو شئت اهلكتهم من قبل و إياي أ فتهلكنا بما فعل السفهاء منها؟ فأحياهم اللّه عزّ و جلّ من بعد موتهم و كل شي‏ء ذكرته لك من هذا لا تقدر على دفعه لأن التوراة و الانجيل و الزبور و الفرقان قد نطقت به فان كان كل من أحيى الموتى و أبرأ الأكمه و الأبرص و المجانين يتخذ ربا من دون اللّه فاتخذ هؤلاء كلهم اربابا ما تقول يا نصراني؟.

لقد نعى الامام (عليه السّلام) على النصارى اتخاذهم السيد المسيح ربا من دون اللّه لانه أحيا الموتى و أبرأ الأكمه و الأبرص فقد جرت امثال هذه المعاجز الى سيد الأنبياء الرسول (صلّى اللّه عليه و آله) و بعض الأنبياء العظام و لم يتخذوا اربابا يعبدون من دون اللّه تعالى.

و انبرى الجاثليق فخاطب الامام بعد ما سمع منه هذه الكلمات المشرقة فقال: القول: قولك و لا إله إلا اللّه .

و التفت الامام الى رأس الجالوت فقال له: اقبل عليّ اسألك بالعشر الآيات التي أنزلت على موسى بن عمران هل تجد في التوراة مكتوبا نبأ محمد (صلّى اللّه عليه و آله) و أمته اذا جاءت الأمة الأخيرة اتباع راكب البعير يسبحون الرب جدا جدا تسبيحا جديدا في الكنائس الجدد- أراد بها المساجد- فليفزع بنو اسرائيل إليهم و الى ملكهم لتطمئن قلوبهم فان ما بايديهم سيوفا ينتقمون بها من الأمم الكافرة في اقطار الأرض هكذا هو مكتوب في التوراة ..

و بهر الجالوت و راح يقول: نعم انا لنجد ذلك كذلك .

و التفت الامام (عليه السّلام) الى الجاثليق فقال له: كيف علمك بكتاب شعيا؟ .

- اعرفه حرفا حرفا .

و خاطب الامام الجاثليق و رأس الجالوت فقال لهما: أ تعرفان هذا من كلامه: يا قوم إني رأيت صورة راكب الحمار لابسا جلابيب النور و رأيت راكب البعير ضوءه ضوء القمر .

و طفقا قائلين: قد قال ذلك شعيا .

و التفت الامام الى الجاثليق فقال له: ا تعرف قول عيسى: اني ذاهب الى ربكم و ربي و البارقليطا جاء هو الذي يشهد لي بالحق كما شهدت له و هو الذي يفسر لكم كل شي‏ء و هو الذي بيده فضائح الأمم و هو الذي يكسر عمود الكفر .

و بهر الجاثليق و قال: ما ذكرت شيئا من الانجيل الا و نحن مقرون به .

و راح الامام يقرره ان ما ذكره ثابت في الانجيل قائلا: ا تجد هذا في الإنحيل ثابتا؟ .

- نعم .

- يا جاثليق الا تخبرني عن الانجيل الأول حين افتقدتموه عند من وجدتموه؟

- و من وضع لكم هذا الانجيل؟ .

و أخذ الجاثليق يتخبط خبط عشواء قائلا: ما افتقدنا الانجيل الا يوما واحدا حتى وجدناه غضا طريا فأخرجه إلينا يوحنا و متى .

فرد عليه الامام قائلا: ما أقل معرفتك بسنن الانجيل و علمائه فان كان كما تزعم فلم اختلفتم في الانجيل؟ و انما الاختلاف في هذا الانجيل الذي في أيديكم اليوم فان كان على العهد الأول لم تختلفوا فيه و لكني مفيدك علم ذلك اعلم أنه لما افتقد الانجيل الأول اجتمعت النصارى الى علمائهم فقالوا لهم: قتل عيسى بن مريم و افتقدنا الانجيل و انتم العلماء فما عندكم؟ فقال لهم الوقا و مرقانوس و يوحنا و متى ان الانجيل في صدورنا نخرجه إليكم سفرا في كل أحد فلا تحزنوا عليه و لا تخلوا الكنائس فإنا سنتلوه عليكم في كل أحد سفرا سفرا حتى نجمعه كله.

و اضاف الامام قائلا: ان الوقا و مرقانوس و يوحنا و متى وضعوا لكم هذا الانجيل بعد ما افتقدتم الانجيل الاول و إنما كان هؤلاء الاربعة تلاميذ الاولين أعلمت ذلك؟ .

و راح الجاثليق يبدي اكباره للامام و يعترف له انه لا علم له بذلك قائلا: أما قبل هذا فلم اعلمه و قد علمته الآن و قد بان لي من فضل علمك بالإنجيل و قد سمعت اشياء كما علمته شهد قلبي أنها حق و استزدت كثيرا من الفهم .

و التفت الامام (عليه السّلام) الى المأمون و الى من حضر من أهل بيته و غيرهم فطلب منهم أن يشهدوا عليه فقالوا: شهدنا و وجّه كلامه صوب الجاثليق فقال له: بحق الابن و أمه هل تعلم أن متى قال في نسبة عيسى أنه المسيح بن داود بن ابراهيم بن اسحاق بن يعقوب بن يهود بن خضرون؟

و قال: مرقانوس في نسبة عيسى انه كلمة اللّه أحلها في الجسد الآدمي فصارت انسانا!!

و قال (الوقا): ان عيسى بن مريم و أمه كانا انسانين من لحم و دم فدخل فيهما روح القدس؟

ثم انك تقول: في شهادة عيسى على نفسه حقا أقول لكم: انه لا يصعد الى السماء إلّا من نزل منها إلّا راكب البعير خاتم الأنبياء فانه يصعد الى السماء و ينزل فما تقول في هذا القول؟

و اعترف الجاثليق بما قالوه في المسيح و ما قاله السيد المسيح في نفسه فقال: هذا قول عيسى لا ننكره .

فقال له الامام: فما تقول في شهادة الوقا و مرقانوس و متى على عيسى و ما نسبوا إليه؟ .

و راح الجاثليق يزكي السيد المسيح و يكذب ما نسبوه له قائلا: كذبوا على عيسى .

و التفت الامام الرضا (عليه السّلام) الى من حضر في مجلسه من القادة و العلماء قائلا: يا قوم أ ليس قد زكاهم و شهد انهم علماء الانجيل و قولهم حق؟ .

و بان الانكسار على الجاثليق و راح يلتمس من الامام أن لا يسأله فقال: يا عالم المسلمين أحب ان تعفيني من أمر هؤلاء.

فأعفاه الامام ثم قال له: سلني عما بدا لك .

و بهر الجاثليق من علوم الامام التي هي امتداد ذاتي لعلوم جده سيد الكائنات محمد (صلّى اللّه عليه و آله) و قال بخضوع و اكبار للامام: ليسألك غيري فو اللّه ما ظننت أن في علماء المسلمين مثلك .

و اطرق الجاثليق برأسه الى الارض و عجّ المجلس بالتهليل و التكبير و استبان للمأمون و غيره ان الامام (عليه السّلام) نفحة قدسية من نفحات الملة فقد وهبه لهذه الأمة كما وهب آباءه و منحهم من العلوم التي لا حدّ لها.




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.