أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-7-2016
11868
التاريخ: 21-7-2016
3534
التاريخ: 21-7-2016
6468
التاريخ: 21-7-2016
7804
|
لم تتعرض اللغة العربية لنقد أحد من أبنائها قديماً وحديثاً كما تعرضت من قِبَل الدكتور إبراهيم أنيس، وذلك في كتابه (من أسرار اللغة) وبالذات في الفصل الذي عقده بعنوان: (قصة الإعراب)(1).
وقد كان متوجساً لما سيحدثه ذلك الفصل من ردود أفعال قوية، فأخذ يعتذر لنفسه في مقدمة الكتاب بقوله: (وقد يضيق بعض الناس في مصر بما جاء في هذا الكتاب، ويتنكرون له، ولا سيما الفصل الخاص بقصة الإعراب.
غير أني واثق كل الثقة أن تأكيدي لهم بأني لم أهدف إلا الدراسة العلمية البريئة من الأغراض والأهواء سيشفع لي عندهم فيما يمكن أن يظنوه خروجاً على المألوف المعهود في الدراسة العربية)(2).
وقد بدأ هذا الكتاب بعبارات توحي بأن اللغة مصنوعة، وبأن الإعراب حياكة وصنعة قامت على يد قوم من صناع الكلام حتى أصبح الإعراب حصناً منيعاً؛ فصار الأدباء، والشعراء يخافون من سطوة النحاة، وأصبح كل من يتكلم العربية يخافهم، ويراعي قواعدهم.
وكان يريد من ذلك كله أن يصل إلى أن الإعراب صنعة وليس سليقة، وأن الحركات الإعرابية ليست معروفة عند العرب، وإنما وضعت في أواخر القرن
ص423
الأول، وأن الحركات الإعرابية ليس لها مدلول.
ولهذا سمي ذلك الفصل الذي عقده (قصة الإعراب) وكأنه أراد من هذا العنوان أن يوحي للقارئ أن الإعراب قصة منسوجة، انظر إليه في بداية الفصل وهو يقول:
(ما أروعها قصة، لقد استمدت خيوطها من ظواهر لغوية متناثرة بين قبائل الجزيرة العربية، ثم حيكت، تم نسجها حياكة محكمة في أواخر القرن الأول الهجري، أو أوائل الثاني على يد قوم من صناع الكلام نشأوا معظم حياتهم في البيئة العراقية، ثم لم يكد ينتهي القرن الثاني الهجري حتى أصبح الإعراب حصناً منيعاً، امتنع حتى على الكتاب والخطباء والشعراء من فصحاء العربية، وشق اقتحامه إلا على قوم سُمُّوا فيما بعد: النحاة)(3).
يقول د. رمضان عبدالتواب مبيناً ذلك: (أما الدكتور إبراهيم أنيس فقد بدأ بمقدمة طويلة بين فيها كيف كان للنحاة العرب سلطان على الشعراء والأدباء، وأنهم لم يصادفوا من يهاجمهم إلا في النادر من أمثال (ابن مضاء القرطبي) الذي كتب كتاباً تصدى فيه لدحض علل النحاة.
ثم يذكر الدكتور أنيس أن المحاولة الثانية كانت محاولة إبراهيم مصطفى في كتابه: (إحياء النحو) وأنها كانت محاولة تعليمية؛ لتيسير تلك القواعد الإعرابية على الناشئين.
ثم انتقل الدكتور أنيس بعد ذلك إلى البحث عن آثار هذا الإعراب في
ص424
اللغات السامية الأخرى، غير أنه لم يتعرض للإعراب في الأكادية والحبشية والأوجاريتية، مع أن هذه اللغات الثلاث من أهم اللغات السامية في موضوع الإعراب، واستأثرت العبرية ببحثه في أقل من صفحة، وقال: إنها استأثرت ببحث المستشرقين كذلك، وعلل اعتقادهم في وجود الإعراب في اللغات السامية (بتأثرهم بما حدث في فروع الفصيلة الهندية الأوربية، فقد عرفوا أن الوضع الإعرابي الذي يسمى case ending كان شائعاً في لغاتهم القديمة كاليونانية واللاتينية، وأنه قد فقد من اللغات الأوربية الحديثة كالإنجليزية، والفرنسية، فتصوروا أن ما حدث في التطور التاريخي للفصيلة الهندية الأوربية قد تم مثله في الفصيلة السامية).
وبعد أن استعرض الدكتور أنيس إعراب اللاتينية باختصار، قال: (ولعل أهم فرق بين رموز الأسماء في اللاتينية، وبين حركاتنا الإعرابية أن الرموز اللاتينية لا تسقط مطلقاً من نهاية الأسماء حين الوقف عليها كما يحدث غالباً للحركات الإعرابية في لغتنا مما يجعلنا نرجح أن حركاتنا الإعرابية ليست رموزاً لغوية تشير إلى الفاعلية والمفعولية، أو غير ذلك).
وبعد أن درس ظاهرة الوقف في اللغة العربية ولهجاتها بشيء من التفصيل خرج علينا الدكتور أنيس بنظريته الجديدة في تفسير ظاهرة الإعراب في اللغة العربية)(4).
ص425
وفيما يلي تلخيص لنظرية إبراهيم أنيس(5):
1_ يرى أنه ليس للحركات الإعرابية مدلول ولا معنى، فلا تدل على فاعلية، أو مفعولية، أو إضافة، أو غير ذلك.
2_ يرى أن هذه الحركات إنما أُتي بها للتخلص من التقاء الساكنين، ولوصل الكلمات بعضها ببعض، وهذا هو نفس كلام قطرب.
ولكنه خاف أن يُسأل سؤال قطرب عن سبب التحريك، وتنوعه وعدم ثباته على حركة معينة، فزعم أن هناك عاملين تدخَّلا في تحديد حركة التخلص من التقاء الساكنين.
أحدهما: إيثار بعض الحروف لحركة معينة كإيثار حروف الحلق للفتحة مثلاً.
والآخر: هو الميل إلى تجانس الحركات المتجاورة، أو ما يسمى بـ: المناسبة الصوتية(6).
3_ يرى أن معنى الفاعلية والمفعولية لا يستفاد من هذه الحركات، وإنما من موقع كلٍّ من الفاعل والمفعول في الجملة العربية.
وحاول أن يثبت نظاماً معيناً للجملة العربية القديمة يلي فيها الفاعل الفعل، ويسبق المفعول.
يقول إبراهيم أنيس في قصة الإعراب تحت عنوان: (موقف الفاعل من المفعول في الجملة العربية):
ص426
(نكتفي هنا ببيان قصير عن موضع الفاعل من الجملة، وموضع المفعول منها؛ كي نبرهن على أن الفاعل لا يعرف بضم آخره، ولا المفعول بنصب آخره، بل يعرف كلٌّ منهما _ في غالب الأحيان _ بمكانه من الجملة التي حددته أساليب اللغة)(7).
ثم ضرب عدداً من الأمثلة؛ ليدلل بها على أن العلامات الإعرابية لا معنى لها.
ومن ذلك قوله: (ولا نكاد نعثر في القرآن الكريم على مفعول تقدم فاعله دون أن نعرف للآية وجهاً آخر من القراءات إلا في بضع آيات فيها الفاعل كلمة (الموت) مثل: {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ}
{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ}
{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ}
{مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ}
فما السر في مثل هذا يا ترى؟ أيكون _ والله أعلم _ نفوراً من التعجيل بذكر كلمة كريهة على النفس البشرية؟ أو أنه كانت هناك قراءات لم تُرْوَ لنا، أو لم نعثر عليها قرئت فيها كلمة (الموت) منصوبة, ويكون المعنى حينئذٍ مشاهدة الموت ومعاينة علاماته وأماراته؟)(8).
4_ يرى أن النحاة حين اعتقدوا أن للحركات مدلولاً حَرَّكوا أواخر الكلمات
ص427
التي لا داعي إلى تحريكها؛ لتطرد قواعدهم الإعرابية؛ فقالوا _ مثلاً _: (الشجر مورق) يقول: (فما السر _إذن_ في إصرار النحاة على تحريك الراء في كلمة الشجر بتلك الحركة الإعرابية المشهورة؟
في الحق أنه لا ضرورة للحركة في مثل هذا الموقع، ولكن النحاة حين أرادوا اطراد قواعدهم الإعرابية توهموا أن هنا _أيضاً_ حركة، والتمسوا لها وجهاً من وجوه الإعراب)(9).
5_ وعندما يأتي إلى الإعراب بالحروف فإنه يرجعه إلى اختلاف اللهجات؛ فيرى أن إحدى صوره تخص قبيلة معينة، والأخرى تخص قبائل أخرى.
فمثلاً بعض القبائل استخدمتها: مسلمون، والأخرى مسلمين، وبعضها تقول: أبو، والأخرى تقول: أبي، والثالثة تقول: أبا.
فجاء النحاة _كما يزعم_ وجمعوا كل هذه الصور، وخصوا كل صورة منها بحالة إعرابية معينة، فهو يفترض مثلاً أن هناك قبائل عربية كانت تنطق المثنى بالياء في جميع الحالات، ثم تطورت الياء فصارت ألفاً عند بعض القبائل في جميع الحالات؛ فلم يفهم النحاة سرَّ الموضوع؛ فجمعوا بين الصورتين، وخصوا الأولى بحالتي النصب والجر، وخصوا الثانية بحالة الرفع.
ويذهب إلى مثل هذا في الأفعال الخمسة، والأسماء الخمسة.
وقد توصل إلى ذلك دونما بينة أو برهان، وإنما قاله اعتماداً منه على أن النحو
ص428
مصنوع(10).
وبعد أن عَرَض لمسألة الإعراب بالحروف قال في نهاية الحديث:
(وهكذا نرى مما تقدم أن ما سماه النحاة إعراباً بالحروف لا يكاد يمتُّ لحقيقة اللغة بصلة، ولا يكاد يعدو _كما رأينا في عرضنا السريع_ أنه كان لبعض الكلمات المعينة أكثر من صورة في اللهجات السابقة، ولكن أصحاب اللهجة الواحدة كانوا يلتزمون صورة واحدة لا ينحرفون عنها في كل الحالات والمواضع)(11).
6_ وعندما تحدث عن الإشارات التي تشير إلى وضع النحو, وتروي فزع العلماء من سماع اللحن في بعض الكلمات، أو الآيات؛ ما جعل العلماء والخلفاء يسعون إلى وضع النحو.
عندما تحدث إبراهيم أنيس عن هذا الموضوع قرر أن الكتب التي تكلمت عن هذه البدايات، وعن تلك الأخبار بأنها مختلقة للطرفة، وإلا فلا أساس لها من الصحة، وإنما أتي بها لبيان أهمية النحو.
وهذا الأمر خطير جداً؛ لأنه يقتضي الطعن في بعض الأخبار الواردة عن الثقات، وببعض النحاة الذين منهم الأئمة والقراء كأبي عمرو بن العلاء وغيره _رحمهم الله_.
هذه صورة مجملة لبعض القضايا التي أثارها الدكتور إبراهيم أنيس في ظاهرة
ص429
الإعراب.
والذي يتأمل ذلك يلحظ أنها دعاوى عريضة تقوم على المجازفة، وتخلو من الدليل، وتصورها كافٍ في الرد عليها، وفساد معظمها يغني عن إفسادها.
ولهذا واجهت اعتراضاً كبيراً، ولم تلق قبولاً لدى أي باحث من الباحثين.
وممن انبرى للرد عليه الدكتور مهدي المخزومي(12)، والدكتور محمد محمد حسين(13).
ومن أبرز الاعتراضات التي أثارها الدكتور المخزومي أن نظرية الدكتور أنيس لا تستطيع أن تفسر اختلاف اللهجات العربية في الوقف مثل لهجة أزد السراة الذين إذا وقفوا على المرفوع نطقوا بضمته وأطالوها فكأنما هي و، فيقولون في الجملتين: هل جاء خالد؟ وهل مررت بخالد؟: خالدو، وخالدي حين يريدون الوقف، فيقول الدكتور المخزومي: (فإذا لم تكن الحركات أعلاماً لمعان قصد إليها المتكلم، بل لم تعد أن تكون حركات يحتاج إليها في الكثير من الأحيان، توصل الكلمات بعضها مع بعض _ فكيف يفسر الوقف على خالد في لغة من ينتظر (وهي لغة أزد السراة)؟
ولماذا كانت الدال مرفوعة ومنصوبة ومخفوضة في الجمل الثلاث؟ ولماذا لا تكسر؛ لتنسجم حركة الدال مع حركة اللام قبلها؟
وعليه فإن القول بأن الحركات إنما هي سد للحاجة إلى وصل الكلمات بعضها
ص430
ببعض، وأنها ليست أعلاماً للمعاني التي قصد إليها المتكلم قول لم يحالفه التوفيق).
وكان كلام الدكتور المخزومي قصيراً في جملته كما أنه لم يشر إلى اللغات السامية الأخرى التي تعارض أصالة الإعراب فيها نظرية الدكتور أنيس تماماً.
هذا وقد رد العلماء على كل قضية من القضايا السابقة بالتفصيل سواء مما أورده المستشرقون، أو مما ادعاه إبراهيم أنيس.
ويقول الدكتور محمد محمد حسين رحمه الله مبيناً عظم تلك الدعوى التي جاء بها إبراهيم أنيس: (وأبلغ ما يبدو التحامل على علماء النحو واللغة والبلاغة، بل على كتب التراث كلها _ في الفصلين الأخيرين: الثالث والرابع من كتاب إبراهيم أنيس (من أسرار اللغة) اللذين عقدهما تحت عنوان (قصة الإعراب ص198_274) و(الجملة العربية وأجزاؤها ونظامها ص275_352) وفيهما يشيع الشطط والمجازفة والتحامل الظالم الجهول، وكأنه يعرف نفور القارئ من ذلك كله، أو كأنه قصد إليه وتعمده على أسلوب طه حسين في كتاب (الشعر الجاهلي) الذي اختار الاستفزاز والإثارة طريقاً لبلوغ الشهرة، يدل على ذلك قوله في مقدمة هذا الكتاب: (وقد يضيق بعض الناس في مصر بما جاء في هذا الكتاب ويتنكرون له، ولا سيما الفصل الخاص بقصة الإعراب).
ص431
__________________
(1) انظر أسرار اللغة ص178_274.
(2) من اسرار اللغة ص5.
(3) من أسرار اللغة ص198.
(4) فصول في فقه العربية ص329_330
(5) انظر من أسرار اللغة ص198_284، وفصول في فقه العربية ص330_333.
(6) انظر من أسرار اللغة ص250_253.
(7) من أسرار اللغة ص243.
(8) من أسرار اللغة ص245_246.
(9) من أسرار اللغة ص256.
(10) انظر من أسرار اللغة ص270_274.
(11) من أسرار اللغة ص274.
(12) في كتابه (مدرسة الكوفة ومنهجها في دراسة اللغة والنحو) ص249-256.
(13) في كتابه مقالات في الأدب واللغة ص87_93.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
العتبة الحسينية تطلق فعاليات المخيم القرآني الثالث في جامعة البصرة
|
|
|