أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-7-2016
1083
التاريخ: 21-7-2016
994
التاريخ: 2024-03-18
752
التاريخ: 2023-03-26
1692
|
كان العصر الجاهلي مسرحاً للمآسي والأرزاء ، في مختلف مجالاته ونواحيه الفكريّة والمادّيّة وكان من أبشع مآسيه ، ذلك التسيب الخُلقي ، والفوضى المدمّرة ، ممّا صيّرهم يُمارسون طباع الضواري ، وشريعة الغاب والتناكر والتناحر ، والفتك والسلب ، والتشدق بالثأر والانتقام .
فلما أشرق فجر الإسلام ، وأطل بأنواره على البشريّة ، استطاع بمبادئه الخالدة ، ودستوره الفذ أنْ يُطبّ تلك المآسي ، ويحسِم تلك الأوزار ، فأنشأ مِن ذلك القطيع الجاهلي : {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران : 110] , عقيدةً وشريعة ، وعِلماً وأخلاقاً .
فأحلّ الإيمان محلّ الكُفر ، والنظام محلّ الفوضى ، والعِلم محلّ الجهل ، والسلام محلّ الحرب والرحمة محلّ الانتقام .
فتلاشت تلك المفاهيم الجاهليّة ، وخلَفتها المبادئ الإسلامية الجديدة ، وراح النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) يبني ويُنشئ أُمّةً مثاليّةً تَبُذُّ الأُمَمَ نظاماً ، وأخلاقاً وكمالاً .
وكلّما سار المسلمون أشواطاً تحت راية القرآن ، وقيادة الرسول الأعظم ( صلّى اللّه عليه وآله ) توغّلوا في معارج الكمال ، وحلقوا في آفاق المكارم ، حتّى حقّقوا مبدأ المؤاخاة بأُسلوب لم تحقّقه الشرائع والمبادئ ، وأصبحت أواصر العقيدة أقوى من أواصر النسَب ، ووشائج الإيمان تسمو على وشائج القوميّة والقبَليّة ، وغدا المسلمون أُمّةً واحدة ، مرصوصةَ الصف ، شامخة الصرح ، خفّاقة اللواء ، لا تُفرّقهم النعرات والفوارق : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات : 13].
وطفق القرآن الكريم يَغرِس في نفوس المسلمين مفاهيم التآخي الروحي ، مركّزاً على ذلك بآياته العديدة وأساليبه الحكيمة الفذّة .
فمرّةً شرّع التآخي ليكون قانوناً للمسلمين : {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات : 10].
وأُخرى يؤكّد عليه محذّراً من عوامل الفرقة ، ومذكّراً نعمة التآلف والتآخي الإسلامي ، بعد طول التناكر والتناحر الجاهليَّين : {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران : 103] .
وهكذا جهد الإسلام في تعزيز التآخي الروحي وحِماه مِن نوازِع الفرقة والانقسام ، بما شرّعه من دستور الروابط الاجتماعيّة في نظامه الخالد .
واليك نموذجاً من ذلك :
1 - تسامى بشعورِ المسلمين وعواطفهم ، أنْ تسترقها النعرات العصبيّة ، ونزعاتها المُفرّقة ووجّهها نحو الهدف الأسمى مِن طاعة اللّه تعالى ورضاه : فالحبّ والبغض ، والعطاء والمنع والنصر والخذلان : كلّ ذلك يجب أنْ يكون للّه عزَّ وجل ، وبذلك تتوثّق عرى المؤاخاة وتتلاشى النزعات المُفرّقة ، ويغدو المسلمون كالبنيان المرصوص ، يَشُدّ بعضُه بعضاً .
وإليك قبَساً مِن آثار أهل البيت ( عليهم السلام ) في هذا المقام :
عن الباقر (عليه السلام) قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه واله) ( ودّ المؤمن للمؤمن في اللّه ، من أعظم شعب الايمان ، ألا ومن أحبّ في اللّه ، وأبغض في اللّه ، وأعطى في اللّه ، ومنع في اللّه ، فهو من أصفياء اللّه )(1) .
وقال الصادق ( عليه السلام ) : ( إنّ المتحابّين في اللّه يوم القيامة ، على منابرَ من نور ، قد أضاء نورُ وجوهِهم ، ونورُ أجسادِهم ، ونورُ منابرهِم ، كلّ شيءٍ حتّى يُعرفوا به ، فيُقال هؤلاء المتحابّون في اللّه )(2) .
وقال عليّ بن الحسين ( عليه السلام ) : ( إذا جمَع اللّه عزّ وجل الأولين والآخرين ، قام منادِ يُنادي بصوتٍ يسمَع الناس ، فيقول : أين المتحابّون في اللّه ؟ , قال : فيقوم عُنُق من الناس فيقال لهم : اذهبوا إلى الجنّة بغير حساب ) .
قال : ( فتلقّاهم الملائكة فيقولون : إلى أين ؟ فيقولون : إلى الجنّة بغير حساب ) .
قال : فيقولون : ( فأيّ ضربٍ أنتم مِن الناس ؟ فيقولون : نحن المتحابّون في اللّه ، فيقولون : وأيّ شيءٍ كانت أعمالكم ؟ قالوا : كنّا نحبّ في اللّه ، ونبغض في اللّه . قال : فيقولون : نِعم أجرُ العاملين )(3) .
وقال الصادق ( عليه السلام ) : ( كلّ مَن لم يحب على الدين ، ولم يَبغَض على الدين فلا دِين له )(4) .
وعن جابر الجعفي عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : ( إذا أردت أنْ تعلم أنّ فيك خيراً فانظر إلى قلبِك ، فإنْ كان يُحبُّ أهل طاعة اللّه ، ويبغَض أهل معصيته ، ففيك خير ، واللّه يحبّك ، وإنْ كان يبغض أهل طاعة اللّه ويحبّ أهل معصيته ، فليس فيك خير ، واللّه يبغضك والمرء مع مَن أحَب )(5) .
2 - رغّب المسلمين فيما يؤلّفهم ، ويحقّق لهم العزّة والرخاء ، كالتواصي بالحقّ ، والتعاون على البِرّ ، والتناصر على العدل ، والتكافل في مجالات الحياة الاقتصاديّة ، فهم في عُرف الشريعة أسرةٌ واحدة ، يسعدها ويشقيها ما يسعد أفرادها ويشقيهم .
دستورها : {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ } [الفتح : 29] .
وشعارها قول الرسول الأعظم ( صلّى اللّه عليه وآله ) : ( مَن أصبَح لا يهتمّ بأُمور المسلمين فليسَ بمُسلم )(6) .
3 - حذّر المسلمين ممّا يبعَث على الفُرقة والعداء ، والفحش والبذاء والاغتياب ، والنميمة والخيانة والغش ، ونحوها مِن مثيرات الفتن والضغائن ، ومبدأهم في ذلك قول النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) : ( المؤمن من أمنه الناس على أموالهم ودمائهم ، والمسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه ، والمهاجر مَن هجَر السيئات )(7).
4 - أتاح الفُرَص لإنماء العلاقات الودّية بين المسلمين ، كالحث على التزاور ، وارتياد المحافل الدينيّة ، وشهود المجتمعات الإسلاميّة ، كصلاة الجماعة ومناسك الحجّ ، ونحو ذلك .
________________________
1- الوافي : ج 3 , ص 89 عن الكافي .
2- نفس المصدر .
3- البحار : م 15 , ج 1 , ص 283 عن الكافي .
4- ، 5- الوافي : ج 3 , ص 90 عن الكافي .
6- الوافي : ج 3 , ص 99 عن الكافي .
7- الوافي : ج 14 , ص 48 عن الفقيه .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|