أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-04-08
![]()
التاريخ: 2024-08-08
![]()
التاريخ: 14-7-2020
![]()
التاريخ: 21-7-2016
![]() |
التفكر النافع محصور بين التفكر في صفات اللّه و عجائب أفعاله ، و التفكر في ما يقرب العبد إلى اللّه ليفعله و فيما يبعده عنه ليتركه.
وغير ذلك من الأفكار ليس نافعا و لا متعلقا بالدين , مثال ذلك أن حال السائر إلى اللّه الطالب للقائه ، كحال العاشق المستهتر، فكما أن تفكره لا يتجاوز عن التفكر في معشوقه و جماله و في صفاته و أفعاله و في أفعال نفسه التي تقربه منه و تحببه إليه ليتصف بها ، أو التي تبعده عنه و تسقطه عن عينه ليتنزه عنها ، و لو تفكر في غير ذلك كان ناقص العشق ، كذلك المحب الخالص للّه ينبغي أن يحصر فكره في اللّه و في صفاته و أفعاله و فيما يقربه منه و يحببه اليه أو يبعده عنه ، و لو تفكر في غير ذلك كان كاذبا فيما يدعيه من الشوق و الحب ثم التفكر في ذات اللّه ، بل في بعض صفاته مما لا يجوز، و قد منعته الشريعة الحقة الإلهية و الحكمة المتعالية الحقيقية ، لأن ذاته أجل من أن تكون مرقى لأقدام الأفهام ، أو مرمى لسهام الأوهام ، فطرح النظر إليه يورث اختلاط الذهن و الحيرة ، و جولان الفكر فيه يوجب اضطراب العقل و الدهشة و بعض الصديقين المتجردين عن جلباب البدن لو أطاقوا إليه مد البصر فإنما هو كالبرق الخاطف ، و لو تجاوزوا عن ذلك لاحترقوا من سبحات وجهه.
وحال الصديقين في ذلك كحال الإنسان في النظر إلى الشمس ، فإنه و إن قدر على مد البصر إليها ، إلا أن إدامته يورث الضعف و العمش ، بل لا مشابهة بين الحالين ، و إنما هو مجرد تقريب و تفهيم ، فإن المناسبة بين نور الشمس و نور البصر في الجملة ثابتة ، و أين مثل هذه المناسبة بين نور البصر و نور الأنوار القاهر على كل نور بالإحاطة و الغلبة ، و ما من نور إلا وهو منبجس من نوره و مترشح عن ظهوره ، فكل نور في مرتبة نوره زائل ، و كل ظهور في جنب ظهوره و شروقه مضمحل باطل.
ولما كان التفكر في ذاته تعالى مذموما ، فانحصر التفكر الممدوح في التفكر في عجائب صنعه و بدائع خلقه - و قد تقدم - و في ما يقرب العبد إلى اللّه من الفضائل الخلقية و الطاعات العضوية ، و ما يبعده عنه من الملكات الباطنة و المعاصي الظاهرة.
وهذه الملكات و الأفعال هي المعبر عنها بالمنجيات و المهلكات و الطاعات و السيئات التي تذكر في هذا الكتاب و في غيره من كتب الأخلاق ، و المراد بالتفكر فيها ههنا أن يتفكر العبد في كل يوم و ليلة في وقت واحد أو أوقات متعددة في أخلاقه الباطنة و أعماله الظاهرة ، و يتفحص عن حال قلبه و أعضائه ، فإن وجد قلبه مستقيما على جادة العدالة متصفا بجميع الفضائل الخلقية و مجتنبا عن الرذائل الباطنة ، و وجد أعضاءه ملازمة للطاعات و العبادات المتعلقة بها تاركة للمعاصي المنسوبة إليها ، فليشكر اللّه على عظيم توفيقه ، و إن وجد في قلبه شيئا من الرذائل أو رآه خاليا عن بعض الفضائل ، فليبادر إلى العلاج بالقوانين المقررة ، بعد التفكر في سوء خاتمته و أدائه إلى مقت اللّه و هلاكه ، و كذلك إن عثر بالتفكر على صدور معصية أو ترك طاعة منه فليتداركه بالندم و التوبة و قضاء تلك الطاعة.
ولا ريب في أن هذا القسم من التفكر له مجال متسع و القدر الضروري منه يستغرق اليوم بليلته و الاستقصاء فيه خارج عن حيطة شهر و سنة ، إذ اللازم منه أن يتفكر في كل يوم و ليلة في كل واحد من الملكات المهلكة : من البخل ، و الكبر، و العجب ، و الرياء ، و الحقد ، و الحسد. و الجبن ، و شدة الغضب و الحرص و الطمع و شره الطعام و الوقاع ، و حب المال ، و حب الجاه ، و النفاق ، و سوء الظن ، و الغفلة ، و الغرور و غير ذلك.
وينظر بنور الفكرة و البصيرة في زوايا قلبه ، و يتفقد منها هذه الصفات ، فإن وجدها بظنه خالية عنها ، فليتفكر في كيفية امتحان القلب و الاستشهاد بالعلامات الدالة على البراءة اليقينية فإن النفس قد تلبس الأمر على صاحبها : فإن ادعت البراءة من الكبر، فينبغي أن يمتحن بحمل قربة ماء أو حزمة حطب في السوق ، فإن ادعت البراءة من الغضب فليجرب بإيقاعها في معرض إهانة السفهاء ، و هكذا فليمتحن في غيرهما من الصفات بالامتحانات التي كان الأولون والسلف الصالحون يجربون بها أنفسهم ، حتى يطمئن بانقطاع أصولها و فروعها من قلبه.
ولو وجد بالامتحان أو تصريح المشاهدة و العيان شيئا منها في قلبه.
فليتفكر في كيفية الخلاص من المعالجة بالضد أو بالموعظة و النصيحة و التوبيخ و الملامة أو ملازمة أولى الأخلاق الفاضلة و مجالسة أصحاب الورع و التقوى ، أو بالرياضة و المجاهدة و غير ذلك , فإن نفع شيء منها في الإزالة بالسهولة فليحمد اللّه على ذلك ، و إلا فليواظب على هذه المعالجات و تكررها حتى يوفقه اللّه للخلاص بمقتضى وعده.
ثم يتفكر في كل واحد من الفضائل المنجية : كاليقين ، و التوكل ، و الصبر على البلاء ، و الرضا بالقضاء ، و الشكر على النعماء ، و اعتدال الخوف و الرجاء ، و الشجاعة و السخاء والزهد و الورع ، و الإخلاص في العمل ، و ستر العيوب ، و الندم على الذنوب ، و حسن الخلق مع الخلق ، و حب اللّه و الخشوع له و غير ذلك ، فإن وجد قلبه متصفا بالجميع فليجربه بالعاملات حتى يطمئن من تلبيس النفس - كما علمت طريقه - و إن وجد قلبه خاليا من شيء منها فليتفكر في طريق تحصيله - كما أشير إليه -.
ثم يتوجه إلى كل واحد من أعضائه و يتفكر في المعاصي المتعلقة به ، مثل أن ينظر في لسانه ويتفكر في أنه هل صدر منه شيء من الغيبة ، أو الكذب ، أو الفحش ، أو فضول الكلام أو النميمة ، أو الثناء على النفس ، أو غير ذلك.
ثم ينظر في سمعه ، و يتفكر في أنه هل سمع شيئا من ذلك.
ثم ينظر في بطنه هل عصى اللّه بأكل حرام أو شبهة ، أو كثرة مانعة عن صفاء النفس و غير ذلك .
و هكذا يفعل في كل عضو عضو.
ثم يتفكر في الطاعات المتعلقة بكل واحد منها و فيما خلق هذا العضو لأجله من الفرائض و النوافل ، فإن وجد - بعد التفكر- عدم صدور شيء من المعاصي عن شيء منها - و إتيانها بالطاعات المفروضة عليها بأسرها و بالنوافل المرغبة إليها بقدر اليسر و الاستطاعة فليحمد اللّه على ذلك ، و إن عثر على صدور شيء من المعاصي أو ترك شيء من الفرائض ، فليتفكر أولا في الأسباب الباعثة على ذلك ، من الاشتغال بفضول الدنيا أو مصاحبة أقران السوء أو غير ذلك ، فليبادر إلى قطع السبب ، ثم التدارك بالتوبة و الندم ، لئلا يكون غده مثل يومه.
وهذا القدر من التفكر في كل يوم و ليلة لازم لكل ديّن معتقد بالنشأة الآخرة ، و قد كان ذلك عادة و ديدنا لسلفنا المتقين في صبيحة كل يوم أو عشية كل ليلة ، بل كانت لهم جريدة يكتبون فيها رءوس المهلكات و المنجيات و يعرضون في كل يوم و ليلة صفاتهم عليها ، و مهما اطمأنوا بقطع رذيلة أو الاتصاف بفضيلة يخطون عليها في الجريدة ، و يدعون الفكر فيها ، ثم يقبلون على البواقي ، و هكذا يفعلون حتى يخطوا على الجميع ، و من كان أقل مرتبة منهم من الصلحاء ربما يثبتون في جريدتهم بعض المعاصي الظاهرة من أكل الحرام ، و الشبهة ، و إطلاق اللسان ، و الكذب ، و الغيبة و المزاء ، و النميمة ، و المداهنة مع الخلق بترك الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر , و غير ذلك ، و يفعلون بمثل ما مر.
وبالجملة : كان إخواننا السالفون و سلفنا الصالحون لا ينفكون عن هذا النوع من التفكر، و يرونه من لوازم الإيمان بالحساب ، فأف علينا حيث تركنا بهم التأسي و القدوة ، و خضنا في غمرات الغفلة ، و لعمري إنهم لو رأونا لحكموا بكفرنا و عدم إيماننا بيوم الحساب ، كيف و أعمالنا لا تشابه أعمال من يؤمن بالجنة و النار.
فإن من خاف شيئا هرب منه ، و من رجا شيئا طلبه ، و نحن ندعي الخوف من النار و نعلم أن الهرب منها بترك المعاصي و مع ذلك منهمكون فيها ، و ندعي الشوق إلى الجنة و نعلم أن الوصول إليها بكثرة الطاعات و مع ذلك مقصرون في فعلها.
ثم هذا النوع من التفكر إنما هو تفكر العلماء و الصالحين ، و أما تفكر الصديقين فأجل من ذلك لأنهم مستغرقون في لجة الحب و الأنس ، و منقطعون بشراشرهم إلى جناب القدس ، ففكرهم مقصور على جلال اللّه و جماله و قلبهم مستهتر به ، بحيث فنى عن نفسه و نسى صفاته و أحواله ، فحالهم أبدا كحال العشاق المستهترين عند لقاء المعشوق ، و لا تظن أن هذا التفكر- بل أدنى مراتب التلذذ بالتفكر في عظمة اللّه و جلاله - ممكن الحصول بدون الانفكاك عن جميع الرذائل المهلكة و الاتصاف بجميع الفضائل المنجية ، فإن حال المتفكر في جلال اللّه و عظمته مع اتصافه بالأخلاق الرذيلة ، كحال العاشق الذي خلي بمحبوبته ، و كان تحت ثيابه حيات و عقارب تلدغه مرة بعد أخرى ، فتمنعه عن لذة المشاهدة و الأنس.
ولا يتم ابتهاجه إلا بإخراجها عن ثيابه و لا ريب أن الملكات الرذيلة كلها كالحيات و العقارب مؤذيات و مشوشات ، و من كان له أدنى معرفة و توجه إلى مناجاة ربه و كان في نفسه شيء منها ، يجد أنه كيف يشوشه و يصده عن الابتهاج ، ثم إن لدغ هذه الصفات لا يظهر ظهورا بينا للمنهمكين في علائق الطبيعة ، و بعد مفارقة النفس عن البدن يشتد ألم لدغها بحيث يزيد على ألم لدغ الحيات و العقارب بمراتب شتى .
|
|
دخلت غرفة فنسيت ماذا تريد من داخلها.. خبير يفسر الحالة
|
|
|
|
|
ثورة طبية.. ابتكار أصغر جهاز لتنظيم ضربات القلب في العالم
|
|
|
|
|
سماحة السيد الصافي يؤكد ضرورة تعريف المجتمعات بأهمية مبادئ أهل البيت (عليهم السلام) في إيجاد حلول للمشاكل الاجتماعية
|
|
|