أقرأ أيضاً
التاريخ: 15/10/2022
1486
التاريخ: 19-7-2016
1742
التاريخ: 26-9-2020
10257
التاريخ: 21-3-2021
2211
|
قال أبو حامد الغزالي : «الأنس إذا دام و غلب و استحكم ، و لم يشوشه قلق الشوق ، ولم ينغصه خوف البعد و الحجاب ، فانه يثمر نوعا من الانبساط في الأقوال و الافعال و المناجاة مع اللّه - سبحانه - ، و قد يكون منكرا بحسب الصورة ، لما فيه من الجرأة و قلة الهيبة ، و لكنه محتمل ممن أقيم في مقام الأنس ، و من لم يقم في ذلك المقام و تشبه بهم في الفعل و الكلام هلك و أشرف على الكفر.
ومثاله مناجاة (برخ الأسود) الذي أمر اللّه - تعالى - كليمه موسى (عليه السلام) أن يسأله ليستسقي لبني إسرائيل ، بعد أن قحطوا سبع سنين ، و خرج موسى في سبعين الفا ، فاوحى اللّه عز و جل اليه : كيف استجيب لهم و قد اظلت عليهم ذنوبهم؟ ,سرائرهم خبيثة ، يدعونني على غير يقين ، و يأمنون مكري ، ارجع إلى عبد من عبادي يقال له (برخ) ، فقل له : يخرج حتى استجيب له.
فسأل عنه موسى ، فلم يعرف ، فبينا موسى ذات يوم يمشي في طريق ، اذا بعبد اسود قد استقبله ، بين عينيه تراب من اثر السجود ، في شملة قد عقدها على عنقه ، فعرفه موسى بنور اللّه - عز و جل - ، فسلم عليه و قال له : ما اسمك؟ , فقال : اسمي برخ ، قال : فأنت طلبتنا منذ حين ، اخرج فاستسق لنا ، فخرج ، فقال في كلامه : ما هذا من فعالك ، ولا هذا من حلمك ، و ما الذي بدا لك؟ , أتعصت عليك غيومك؟ , أم عاندت الرياح عن طاعتك؟ , أم نفد ما عندك؟ أم اشتد غضبك على المذنبين؟ , ألست كنت غفارا قبل خلق الخاطئين؟ , خلقت الرحمة و أمرت بالعفو، أم تربنا انك ممتنع؟ , أم تخشى الفوت فتعجل بالعقوبة؟! ... قال :
فما برح حتى اخضل بنو إسرائيل بالمطر، و أنبت اللّه - عز و جل - العشب في نصف يوم حتى بلغ الركب ، ثم رجع (برخ) ، فاستقبله موسى ، فقال : كيف رأيت حين خاصمت ربي كيف انصفني؟! فهمّ به موسى ، فاوحى اللّه اليه : إن برخا يضحكني كل يوم ثلاث مرات»!! .
ولا ريب في ان أمثال هذه الكلمات الصادرة عن الانبساط و الإدلال يحتمل من بعض العباد دون البعض ، فمن انبساط الانس قول موسى :
{إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ} [الأعراف : 155] , وقوله في التعلل و الاعتذار، لما قيل له , {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [طه : 24] : {وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ} [الشعراء : 14] , و قوله : {وَيَضِيقُ صَدْرِي} [الشعراء : 13] , و قوله : {إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى} [طه : 45] .
وهذا من غير موسى سوء الادب ، لان الذي أقيم مقام الأنس يلاطف و يحتمل منه ما لا يحتمل من غيره.
كيف و لم يحتمل من يونس النبي (عليه السلام) ما دون هذا الحال ، اقيم مقام القبض و الهيبة فعوقب بالسجن في بطن الحوت في ظلمات ثلاث ، فنودي عليه إلى يوم الحشر، لو لا ان تداركته نعمة من ربه لنبذ بالعراء و هو مذموم.
ونهى نبينا ان يقتدى به ، فقيل له : {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ} [القلم: 48].
وهذه الاختلافات بعضها لاختلاف المقامات والأحوال ، و بعضها لما سبق في الازل من التفاضل و التفاوت في القسمة بين العباد.
قال اللّه - سبحانه - : {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} [البقرة : 253].
فالأنبياء و الأولياء مختلفون في الصفات و الأحوال ، ألا ترى ان عيسى بن مريم (عليه السلام) كان في مقام الانبساط و الإدلال , و لا دلاله له سلم على نفسه ، فقال : {وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} [مريم : 33].
وهذا انبساط منه لما شاهد من اللطف في مقام الانس , و اما يحيى (عليه السلام) فانه أقيم مقام الهيبة و الحياء ، فلم ينطق حتى سلم عليه خالقه ، فقال : {وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا } [مريم : 15].
وانظر كيف احتمل لأخوة يوسف ما فعلوا به، و قد قال بعض العلماء : «قد عددت من أول قوله تعالى : { إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا} [يوسف : 8] , إلى رأس العشرين آية من اخباره - تعالى- عنهم ، فوجدت به نيفا و أربعين خطيئة ، بعضها أكبر من بعض ، و قد يجتمع في الكلمة الواحدة الثلاث و الأربع ، فغفر لهم و عفى عنهم ، و لم يحتمل لعزير في مسألة واحدة سأل عنها في القدر، حتى قيل : لئن عاد محى اسمه عن ديوان النبوة».
ومن فوائد هذه القصص في القرآن : ان تعرف بها سنة اللّه في عباده الذين خلوا من قبل ، فما في القرآن شيء إلا و فيه أسرار و أَنوار يعرفها الراسخون في العلم .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|