أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-9-2020
1188
التاريخ: 2023-06-11
901
التاريخ: 5-9-2020
1213
التاريخ: 2023-06-14
953
|
الإشعاع الكوني
في عام 1912 ومن خلال صعود منطاد ، اكتشف فكتور فرانسس هيس V. F. Hess إشعاعاً عجيباً يسقط على الأرض قادماً من الفضاء الخارجي .
ومن وقتها وجهت أبحاث كثيرة لدراسة هذه الظاهرة ، كانت أولى خطواتها تتم ببطء . ففي عام 1924 ألقى فيزيائيون بارزون ظلالاً من الشك على حقيقة هذه الظاهرة لأن المشكلة كانت تتضمن إشعاعاً ليس فقط غير منظور للعين بل إن جميع الوسائل الفيزيائية البدائية نوعاً لم نستطع إدراكها والكشف عنها . أما الطرق المتطورة جداً والتي أنشئت خصيصاً لأبحاث النشاط الإشعاعي – غرفة ولسون السحابية ، وصمام العد (جايجر) فهي فقط التي أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك وجود الإشعاع الكوني Cosmic radiation وأتاحت دراسة أكثر دقة لطبيعة هذا الإشعاع .
وكلما تقدمت هذه الدراسات كلما زادت المشاكل التي لا حل لها ويمثلها هذا الإشعاع وما يترتب على ذلك من زيادة الحث على اقتفاء أثر هذه الظاهرة .
ومنذ سنوات قريبة بات الإشعاع الكوني أهم مجالات البحث الفيزيائي ، وأخذت أهميته تزداد يوماً بعد يوم ، وجمعت المعلومات والأرصاد من خلال الرحلات البحرية ورحلات الاستكشاف المجهزة خصيصاً ، من أول سبتس بيرجن Spitzbergen الى نيوزيلندا New Zealand الى تييرا ديل فوجو Tierra del fuego فوق المحيطات رغبة في تحديد قوة الإشعاع الكوني الساقط فوق سطح الكرة الأرضية بأكمله . ووضعت أجهزة القياس فوق أعالي الجبال مثل جبال الألب Alps وجبال بيرو لمعرفة سلوك هذا الإشعاع هناك . وخصصت الطلعات الشهرية لمنطاد بيكارد Piccard أساساً لقياس الإشعاع الكوني عند المرتفعات العالية الى جانب ما تم من قبل من قياسات مناسبة في كل من ألمانيا وأمريكا حيث نقلت أجهزة قياس ذاتية التسجيل في مناطيد بدون بشر عند ارتفاعات تصل الى أكثر من عشرين كيلو متراً حيث تبين زيادة شدة الإشعاع الجوي عند هذه المرتفعات الشاهقة مائتي ضعف ما عند سطح البحر حيث لم يخترق الإشعاع جو الأرض بعد .
وفي دراسات أخرى أرسلت أجهزة قياس الى أعماق تصل الى مئات الأمتار في مياه البحيرات حيث رصدت اقل الآثار الإشعاع مخترقاً هذه الأعماق . وهبط فريق آخر من الباحثين في المناجم لرصد الإشعاع الجوي .
وكان الهدف الأساسي لهذه الدراسات هو جمع المعلومات عن مصدر الإشعاع الكوني الذي بات مؤكداً أنه يصل الى الأرض قادماً من الفضاء الخارجي ، وإن كنا لا نعلم شيئاً تقريباً خلاف ذلك . وبالقطع ليست الشمس مصدر هذا الإشعاع . أما الاعتقاد بأن هذا الإشعاع مصدره سكة التبانة فقد ظل قائماً ردحاً طويلاً من الزمان ونبذ أخيراً . إن حركة الطريق اللبني (سكة التبانة) فوقنا (نتيجة لدوران الأرض اليومية حول محورها) كان المفروض أن تحدث تغييرات ملموسة دورية في شدة الإشعاع الجوي ولكن التجارب لم تثبت ذلك مما أدى الى الافتراض بأن مصدر الإشعاع الكوني يكمن في أعماق الفضاء العالمي فيما وراء مجرة الطريق اللبني بكثير ، وتمت محاولات لربط حوادث معينة في تطور النجوم بإنتاج هذا الشعاع ، ولكن هذه المحاولات كانت لا تزال ذات طبيعة افتراضية غير مؤكدة ولم يكن إثناءها أمامنا سوى الاقتناع بالمعلومات الدقيقة من الدراسات الوفيرة من حيث وصول الإشعاع الكوني لسطح الأرض ماراً خلال الجو وإن ظل لغز نشأته قائماً حتى الآن بدون حل .
ويتعقد أمر وصول الإشعاع الكوني للأرض إذ يتكون من جسيمات مشحونة بالكهرباء وتنحرف عن مسارها بفعل مغناطيسية الأرض فتسير في مسارات منحنية معقدة لا يمكن متابعتها رياضياً وتشبه في علاقاتها حالة الإلكترونات (القادمة من الشمس) مسببة أضواء الشمال وكل ما يمكن التعبير عنه حيال هذه المشاكل أنها جد واضحة .
ويستحيل على الاشعاع الكوني اختراق جو الأرض بأكمله حتى يصل الى سطحها ما لم تتوفر له قدرة اختراق كبيرة مقارنة مع الاشعة الكونية ، وترجع خاصية الاختراق (النفوذ) penetrability الى حقيقة الطاقة العالية جدا ً لدى جسيمات هذه الأشعة . يصل فرق الجهد الكهربائي بأحدث الوسائل التكنولوجية الى مليون فولت volt مما يحدث سرعات عالية جداً (وبالتالي طاقات عالية جداً) للجسيمات المشحونة كهربائياً كالبروتونات أو جسيمات ألفا مثلاً . ولدى جسيمات إشعاع المواد ذات النشاط الإشعاعي طاقات مماثلة لهذه من حيث مقدارها . أما طاقات جسيمات الأشعة الكونية فتصل – على اختلاف مقدارها لكل جسم على حدة – الى ملايين المرات من طاقات هذه الأجهزة !
لذا توفر الأشعة الكونية للفيزيائي فرصة فريدة لم تتح من قبل لدراسة سلوك جسيمات ذات طاقة عالية جداً وبات مجال الأبحاث في وقتنا الحالي معيناً لا ينضب حيث نكتشف من آن لآخر أشياء غريبة وهامة .
ومن أجمل ما اكتشفناه الإلكترون الموجب (البوزترون) . المعروف أن الإلكترونات جسيمات سالبة الشحنة ، أما الشحنات الموجبة فمكانها نوى الذرات فقط . وفي الأشعة الكونية ظهرت الإلكترونات الموجية (السريعة) كالإلكترونات السالبة .
ولا تظهر الإلكترونات الموجية على الأرض كمكونات دائمة للمادة لأنها تفنى بالتبادل مع الإلكترونات السالبة ، وفي أقرب اتحاد بينهما تتعادل شحناتها بسبب اختلافها فتختفي الجسيمات بنوعيها تاركة من الطاقة مقداراً لا يفنى قد يظهر في صورة كم ضوئي (أو في صور أخرى من الطاقة) . وبالعكس يمكن تكون إلكترون موجب وآخر سالب بتصادم جسيمات غنية بالطاقة أو باقتراب كم ضوئي غني بالطاقة من نواة ذرة ما . وتحدث هذه العمليات باستمرار في اسواء الجوي الذي تعبر خلاله الأشعة الكونية .
إن الجسيمات الغنية بالطاقة التي يمكنها نزع الإلكترونات باستمرار من جزيئات الهواء المارة من خلاله تستطيع بالتالي أن تحدث بها تأيناً ionization وتعطي من وقت لآخر قدراً هائلاً من الطاقة لأحد الإلكترونات المتروعة ، ولكن الإلكترونات السريعة تعطي أساساً مقادير كبيرة من الطاقة في صورة كمات ضوء غنية جداً بالطاقة باندفاعها بالقرب من نوى الذرات ، هذه الكمات تنتج بدورها أزواجاً أكثر من الإلكترونات .
وتصير هذه العلاقات معقدة جداً علماً بأن الإحاطة الكاملة بالمشكلة متعسرة حتى الآن إذ لا يتضح تماماً من أي نوع من الجسيمات الأولية تتكون هذه الأشعة حقيقة . فقد تكون حقاً هذه الجسيمات جميعها نتاج عمليات متتالية فقط من الدرجة الثانية أو الثالثة الخ .
وفي ظل ظروف محددة – كأن تمر أشعة كونية خلال لوح من الرصاص بثخانة عدة مليمترات – فإن تكوين هذه الإلكترونات (موجبها وسالبها) من هذه الطاقة يمكن حدوثه الى المدى الذي عنده تنتشر كميات كبيرة من الجسيمات المنتجة حديثاً – بالمئات أو حتى بالآلاف – خارجة من نفس نقطة الإنتاج أو بالقرب منها في لوح الرصاص . كانت هذه الظاهرة الرائعة مجال بحث جاد إذ ينجم عن المعالجة النظرية المتوالية لما تراكم من بيانات أفكار هامة عن المادة وقوانينها الطبيعية بالغة العمق والغموض متمثلة في هذه الجسيمات التي لا يمكن التعبير عنها بوضوح مميز سوى أنها جسيمات غنية جداً بالطاقة .
وحتى الكشف التجريبي (على يد أندرسن Anderson ، كتري Kunze) لهذه الجسيمات فقط تم التنبؤ بوجود البوزيترونات على أساس اعتبارات نظرية عميقة أجراها العالم الإنجليزي ديراك Dirac ، هذا التنبؤ النظري كان جريئاً جداً مما جعل معظم الفيزيائيين يرفضونه في حينه .
ومن وقتها تم على كافة الاتجاهات والمحاور التحقق التجريبي ودراسة هذه العمليات بشأن فناء وإنتاج الإلكترونات باعتبارها جسيمات مادية بما يبين أساساً وبوضوح أن الجسيمات الأولية للمادة التي يعد وجودها انتصاراً كبيراً لأفكار ديقريطس تختلف تماماً في التحليل النهائي عن ذرات ديمقريطس الذي كان يحلم بأن الجسيمات الأولية النهائية للمادة في أبسط صورها هي عناصر يستحيل تماماً فناؤها أو استحداثها ، وإذا لم تكن حقاً قادرة على أي تغيير داخلي في حالتها فمن الممكن حينئذ أن تظهر وتختفي وعلى وجه التأكيد فإن ما سبق قد تحقق بالنسبة لأخف جسيم مادي وهو الإلكترون بالإضافة الى الجسيمات المادية الأثقل على نحو ما أشير باختصار عند استنتاج هذه العبارات .
ان جسيم أولي اكتشف حديثاً بعد أن كان مجهولاً وهو النيوترون (شادويك Chadwick) وهو قريب الشبه جداً بالبروتون لاسيما الكتلة وإن كان متعادلاً كهربائياً . أوضح الفيزيائي الألماني العظيم هيزنبرج Heisenberg أن جميع نوى الذرات تتألف من بروتونات ونيوترونات بيد أن خبرتنا الكبيرة بعمليات التحويلات النووية (تحولات العناصر) تبين أن البروتون من الممكن أن يتحول الى نيوترون وبالعكس يتحول النيوترون الى بروتون ، وهو ما يحدث ذاتياً في المواد ذات النشاط الإشعاعي ودون تدخل من الإنسان . وكذلك يمكننا تحقيق هذه التحويلات صناعياً في الكثير من نوى الذرات الأخرى بواسطة (قذفها bombardment) بجسيمات غنية جداً بالطاقة .
وفي كل مرة يحدث هذا التغيير ينتج الى جانب ذلك من جديد إلكترون (موجب أو سالب) وكذلك (نيوترينو neutrino) وهو جسيم لازال مجهول الهوية الى حد ما . ومن المحتمل أيضاً أن هذه الجسيمات تلعب دوراً هاماً في الإشعاع الكوني .
وإذا أضفنا الى ما تعلمناه بشأن الثنائية dualism الأساسية بين الموجات والجسيمات معرفتنا عن قدرة هذه الجسيمات المادية على الظهور والاختفاء بهذه الطريقة المتغيرة ، وأنها ليست قابلة للفناء إطلاقاً فسوف ندرك أن الصورة التي قدمتها الفيزياء الحديثة تختلف تماماً عن الصورة التي تقدم بها ديموقريطس والفيزيائيون الذريون في القرن المنصرم . فلا الذرات ولا أحجار بنائها من إلكترونات وبروتونات هي بمثابة ثوابت لا متغيرة في إطار الظواهر الفيزيائية المتغيرة ، وإنما هي صور مؤقتة للكائن غير القابل للفناء الذي عرفناه في الفيزياء وهو الطاقة energy التي يعد ظهور في صورة جسيمات مادية أو جسيمات أولية أو تحت أي ظروف أخرى في صورتها الموجية المتممة مجرد حالة فريدة من انتظام أعم وأشمل وأعمق ، أي الانفصال الأساسي المتحكم في جميع الحوادث الفيزيائية الكمية .
وما يعنينا في الأشعة الكونية من حيث لغز أصلها الكوني صار أكثر غموضاً كلما اتضح أكثر معرفة كنه الكثير من الجسيمات غنية الطاقة لهذه الأشعة . وفي وقتنا الحالي يبدو ضرباً من المستحيل إدراك نوع العملية التي من خلالها يتم نقل هذه الطاقات الجسمية بعينها . ومنذ وقت ليس ببعيد جذب الانتباه إجابة عجيبة جداً لمشكلة الإشعاع الكوني وكانت إجابة افتراضية بحتة بطبيعة الحال ، ومن المحتمل ألا تكون أيضاً صحيحة وإن كانت تشير رغم ذلك الى احتمال جدير بالاهتمام على نحو جاد وخطير ، وتبعاً لهذه الإجابة فإن مصدر الإشعاع الكوني وأصله لا ينبغي البحث عنه من خلال الحوادث التي لا تزال تقع في الكون اليوم ،إنه بقية من إشعاعات غنية بالطاقة ليست بعد في طور التكوين ولكنها تستهلك تدريجياً بعد أن تكونت قديماً عند حدوث الانفجار الأصلي الذي كان مصدراً للكون طراً .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|