تاريخ الفيزياء
علماء الفيزياء
الفيزياء الكلاسيكية
الميكانيك
الديناميكا الحرارية
الكهربائية والمغناطيسية
الكهربائية
المغناطيسية
الكهرومغناطيسية
علم البصريات
تاريخ علم البصريات
الضوء
مواضيع عامة في علم البصريات
الصوت
الفيزياء الحديثة
النظرية النسبية
النظرية النسبية الخاصة
النظرية النسبية العامة
مواضيع عامة في النظرية النسبية
ميكانيكا الكم
الفيزياء الذرية
الفيزياء الجزيئية
الفيزياء النووية
مواضيع عامة في الفيزياء النووية
النشاط الاشعاعي
فيزياء الحالة الصلبة
الموصلات
أشباه الموصلات
العوازل
مواضيع عامة في الفيزياء الصلبة
فيزياء الجوامد
الليزر
أنواع الليزر
بعض تطبيقات الليزر
مواضيع عامة في الليزر
علم الفلك
تاريخ وعلماء علم الفلك
الثقوب السوداء
المجموعة الشمسية
الشمس
كوكب عطارد
كوكب الزهرة
كوكب الأرض
كوكب المريخ
كوكب المشتري
كوكب زحل
كوكب أورانوس
كوكب نبتون
كوكب بلوتو
القمر
كواكب ومواضيع اخرى
مواضيع عامة في علم الفلك
النجوم
البلازما
الألكترونيات
خواص المادة
الطاقة البديلة
الطاقة الشمسية
مواضيع عامة في الطاقة البديلة
المد والجزر
فيزياء الجسيمات
الفيزياء والعلوم الأخرى
الفيزياء الكيميائية
الفيزياء الرياضية
الفيزياء الحيوية
الفيزياء العامة
مواضيع عامة في الفيزياء
تجارب فيزيائية
مصطلحات وتعاريف فيزيائية
وحدات القياس الفيزيائية
طرائف الفيزياء
مواضيع اخرى
الحياة في هذا العالم
المؤلف:
ب . ك. و. ديفيس
المصدر:
المكان و الزمان في العالم الكوني الحديث
الجزء والصفحة:
ص220
2025-10-12
47
إن التطور الذي طرأ ، في خلال المئات الأخيرة من السنين ، على صورة المكان - الزمان والكون لدينا ، كان مصحوباً بتغير في فكرتنا عن موقع الجنس البشري في هذا العالم . فقبل كوبرنيق كان مثقفو المجتمع الغربي يضعون الجنس البشري في موقع المركز من كل شيء . فكانت الأرض ، بصفتها موطن الجنس البشري ، تقف كمحور تدور حوله الدواليب الكونية . وبنية الكون كله مسخرة لمعيشة الجنس البشري وحدها ، التي هي هدف النشاط الطبيعي وسواه .
إن من الصعب القول بأن صورة القرن العشرين للجنس البشري على هذه الأرض ما تزال تصدر عن هذا الهاجس الأناني . فموقع الأرض في هذا العالم لم يعد الآن ذلك الموقع المرموق بل أصبح من عدة وجوه نموذجاً لمواقع كل أجزاء هذا العالم . والشمس بكواكبها التسعة الملحقة بها تبدو هي الأخرى نموذجاً عادياً جداً لبقية النجوم . فمثيلاتها مبعثرة بالملايين في أرجاء المجرة. كما أن مجرتنا نموذج عادي جداً لبقية المجرات . ومثيلاتها مبعثرة بالملايين في أرجاء العالم المرصود . ولما كانت شمسنا ومجرتنا نموذجيتين لهذه الدرجة فمن السهل أن نقبل أن كوكبنا وجونا الحي ومجتمنا ، هي أيضاً ، سمات نموذجية من سمات هذا العالم . ولدى النظر إلى الأرض بهذا المنظار الكوني أمكن اعتبار الحياة مرحلة من تطور منظومة هذا العالم. فمن الكرة النارية البدئية تشكلت الذرات. وفي النجوم اللاحقة نشأت النوى المعقدة . والمناطق الباردة في محيط النجوم شهدت تشكل جزيئات أكثر تعقيداً. أما المادة الحية فكانت خطوة متأخرة في الانتظام المجهري للمادة . وبموجب هذه الرؤية الحديثة تنبثق الحياة بصورة طبيعية من المواد الأولية الموجودة في النجوم . والتصور بأن هذا التطور مقصور على الأرض هو عودة متغطرسة إلى العقيدة الأنانية التي كانت شائعة قبل كوبرنيق. ومع . ذلك ، وبالرغم من علمنا بأن مناطق الكون البعيدة لها البنية الفلكية نفسها والفيزياء نفسها والكيمياء نفسها ( لأننا نستطيع رصدها في مداها الواسع ) ، فان فكرة أن يكون لأجزاء الكون الأخرى البيولوجيا نفسها ما تزال تلقى معارضة شديدة . وسبب ذلك ناجم جزئياً ، ليس فقط عن أننا لم نكتشف قط ظواهر بيولوجية خارج كرتنا الأرضية ، بل وأيضاً عن الصعوبات الكأداء التي تحول دون اكتشاف هذه الظواهر إن وجدت .
إذا كانت الحياة ظاهرة عالمية حقاً فان ذلك سيغير حتماً كل تقديراتنا بخصوص مكانة الجنس البشري في العالم. ولن يكون الصدى الفكري لهذا التغير بأقل أهمية من الصدى الذي حدث بعد اكتشاف كوبرنيق بأن الأرض هباءة تافهة . فهل الحياة الأرضية تافهة أيضاً هي الأخرى ؟
فحص بعض الأسباب الداعية لشيوع الطبيعة البيولوجية . هناك أولاً الملاحظات التي ذكرناها بخصوص عمومية الفيزياء والكيمياء في كل مكان . فهذه العمومية تبيح لنا أن نتكهن بأن الحياة تعتمد في نشوئها على مثل ما يحدث على الأرض . فاذا فهمنا الحياة الأرضية جيداً أمكن أن نستدل عليها خارج الأرض والمطلوب لنشوئها هو توفر بيئة ملائمة للنشاط البيولوجي، والبيولوجيا الأرضية تعتمد على حالة اختلال ترمودينامي ثابت ينجم عن قرب الأرض من منبع انتروبية كبيرة ، من الشمس . ويتعبير أولي نقول إننا في تدرج حراري. ومن الصعب أن نتوقع وجود حياة في ظروف أخرى . والفلكيون لا يستطيعون مشاهدة المادة البعيدة إلا لأنها في حالة اختلال . وقد توصلنا فعلا ، من المناقشات المطولة التي أوردناها في الفصول السابقة ، إلى نتيجة أن ما حولنا لا يفتقر إلى تدرج حراري. وبالإضافة إلى ذلك هناك مشكلة ثبات هذا الاختلال . فالحياة لا تتطلب الاختلال فحسب، بل والوقت أيضاً. وقد استغرقت البيولوجيا ثلاثة مليارات سنة لكي تطور مخلوقاتها من الوحل البدائي إلى الكائن البشري . وهذه المدة هي جزء كبير من عمر الشمس. وأي تغير طفيف في شدة نور الشمس لابد أن يسبب نتائج اليمة في التوازن البيئي الحرج الذي تعتمد عليه أكثر أشكال الحياة الأرضية تعقيداً. وتدل الأرصاد الحديثة على أن الشمس ما تزال في حالة ثبات راسخة . ورغم أن متطلباتنا الحيوية من الشمس تتمثل بالاختلال الذي تولده في جوارها بفضل اندفاق كميات كبيرة من إشعاعها ، إلا أن هذا الاندفاق لا يسبب اضطراباً محسوساً في بنيتها . الداخلية . والفـوتـون الشمسي الذي يدخل في أعيننا يستغرق وسطياً قرابة ثمان دقائق ليصل إلينا من سطح الشمس . لكنه يستغرق قرابة مئة ألف سنة ليصل من المركز إلى السطح. وهذا يعني أن التغير الترمودينامي في بيئة الشمس لا يمثل ، رغم الحاجة الملحة إليه لاستمرار الحياة، سوى خسارة سطحها لمقدار طفيف من الطاقة . وهكذا يوجد تعارض هنا بين الاختلال الترمودينامي وبين الثبات الطويل المدى . ورغم أن النجوم تمر فعلا بمراحل نشاط عنيف وقلق ، وهي تسير نحو مصيرها المحتوم ، فان نسبة كبيرة منها ما تزال ، كالشمس ، تشع بهدوء منذ مليارات السنين ، وكلها مرشحة لسكنى الحياة .
وبالإضافة إلى المستلزمات الترمودينامية تحتاج الحياة إلى مواد أولية جوهرية . وفوق ذلك فان التفاعلات الكيميائية الحرجة، الضرورية للتشكل التلقائي لتجمع من الجزيئات العضوية الفائقة التعقيد ، لابد أن تكون عائقاً يحد كثيراً من عدد الأنواع البيئية الملائمة للبيولوجيا. وقد حصل في السنين التي تلت الحرب تقدم بيوكيميائي كبير نحو فهم الظروف الفيزيائية والكيميائية الملائمة لنشوء الحيلة هي عام 1935 توصل ميلر S. Miller وأوري H. Drey ، في جامعة شيكاغو، إلى ساء تجربة مخبرية ذات ظروف تحاكي الظروف المظنون أنها كانت سائدة على الأرض منذ ثلاثه أو أربعة مليارات سنة ، وفي نهاية التجربة ) التي استغرقت عدة أيام ( تشكلت كميات كبيرة من الجزيئات العضوية الهامة . ولئن كانت هذه التجربة بعيدة عن أن تشكل مادة حية ، إلا أنها ومثيلاتها مما تبعها قد برهنت على الرأي القائل بأن كميات كبيرة من اللبنات الجزيئية و السلفية - البيولوجية ، يمكن أن تتشكل بسرعة في ظروف عريضة . ومغزى هذا الاكتشاف يتضح من واقع أن الحياة الأرضية بكامل تسلسلها ، من الجرثومة إلى الجنس البشري، تنبثق من تراكيب شتى من هذا العدد الصغير من اللبنات الأساسية . وقد يكون من الصعب تدبير تجربة مخبرية تنتج تلقائياً ، في أسابيع أو عشرات السنين ، ولو واحداً من أدنى العضويات الحية ؛ إلا أن بضعة ملايين من السنين كافية ، في رأي كثير من البيوكيميائيين ، لحدوث مثل هذا الأمر.
هذا وإن الانتقال من لبنات في بناء خامل إلى أول كائن حي جدير بهذا الاسم ومتكاثر من تلقاء ذاته ، لهو من الناحية البيولوجية أعظم بكثير مغزى وأثراً من التطور التالي الذاهب من العضويات الحية البدائية إلى التشكيلة اللاحقة من الأشكال البيولوجية المعقدة التي تسكن سطح الأرض. والنقطة الضعيفة في هذا التسلسل هي الخطوة الأولى ، وهي خطوة ما يزال يكتنفها الكثير من الغموض. ومع ذ ذلك ، إذا سرنا مؤقتاً مع تفاؤل البيوكيميائيين ، نستنتج أن معظم النجوم ، التي تتحلى كشمسنا بمنظومة كواكب متصفة عموماً بما تتصف به أرضنا، لابد أن تنطوي هي الأخرى على حياة كحياتنا الأرضية ، لكننا مع الأسف لا نملك مقومات رصد : بيع لنا أن نستنتج وجود كواكب تشبه الأرض خارج منظومتنا الشمسية . فالأرض نفسها أصغر بكثير من أن ترى في مرقاب معقول الحجم ولو من أقرب النجوم إليها ؛ كما أن مراقبنا الأرضية لا ترى شيئاً من الأجرام الكوكبية الصغيرة التي يمكن أن توجد في منظومات أخرى ، على أننا ، بموجب ما تعلم من احتواء منظومتنا الشمسية على كواكب أخرى مشابهة ( الزهرة والمريخ .... ) ، نملك نظريات عن التشكل الكوكبي تؤيد الظن بأن معظم النجوم تمتلك كواكب مشابهة . وقد اكتشفت أجرام كوكبية مختلفة عن الأرض ( أكبر منها بكثير ) : حول بعض النجوم القريبة ، ويذهب بعض البيولوجيين إلى أن الحياة يمكن أن تتشكل في الظروف المختلفة جداً السائدة فيها . فالحياة التي نعرفها تعتمد على الكربون وتتطلب على الأرجح كميات كبيرة من الماء ، لكن من الممكن تصور أن بيولوجيات بديلة تستطيع النشوء معتمدة على أساس كيميائي مختلف كلياً . ومثل هذه التكهنات ذات أهمية عملية قليلة إذا قيست بالمعضلة العامة الأصلية. فالمسألة الكبرى هي : هل الحياة شائعة الوجود في هذا العالم أم أنها حدث معجز ، في القرنة المنزوية التي تحتضننا ؟ وما البيوكيمياء البديلة سوى عامل قليل الأهمية من عوامل شيوع الحياة .
إن جوهر التطورات الحديثة في فهم الأساس الكيميائي للحياة يبرز من خلال النظرة إلى أن المادة البيولوجية نوع من الحالة الفيزيائية الإضافية للمادة - غازية ، سائلة ، صلبة ، بيولوجية ـ وهي نظرة تتضمن أن تشكل هذه الحالة يتم بصورة طبيعية وآلية عندما تتوفر ظروفها . وقد كتب الفلكي الأمريكي ساغان C. Sagan مايلي : « إن أصل الحياة على الكواكب الملائمة يبدو مسجلاً في كيمياء العالم » . والحقيقة ، بكل بساطة ، أننا لا نعلم في الوقت الحاضر مدى احتمال وجود الحياة في أماكن أخرى من العالم ، لكننا وبالاعتماد على أسس عامة نستطيع أن نقول ، بشيء من التحفظ المتفائل ، إن الكواكب المسكونة أقرب إلى الشيوع منها إلى الندرة في هذا العالم . واستناداً على هذا الافتراض نشأ علم جديد اسمه البيولوجيا الخارجية ، أي دراسة الحياة خارج الكرة الأرضية. وهذا العلم لا يحوي حتى اليوم سوى الكثير من النظريات | وفيه تنطرح تلقائياً طريقتان في البحث التجريبي عن الحياة خارج الأرض . وأكثر هاتين الطريقتين استقامة نحو الهدف هي أضعفها أملاً . ، وهي تعتمد على الرحلات الفضائية. وقد استحوذ النجاح المدهش لبرامج الفضاء على الاهتمام بإمكانية السفر إلى عوالم أخرى ، وربما على الأمل بمصادفة أشكال حياة أخرى . وإذا تركز الاهتمام على الكواكب التسع في منظومتنا الشمسية فمن المؤكد أن الأمل قوي بأن تتيح التكنولوجيا في المستقبل تحقيق هذه الآمال . ولئن كان الحظ ضئيلاً في مصادفة حياة على هذه الكواكب العائلية إلا أنه غير مستحيل . ورغم أن ما تعرفه عن ظروف المريخ ( وربما عن المشتري ( لا يشجع على التكهن بوجود حياة عليه، لكنه ليس مقنطاً أيضاً . هذا لدرجة أن بعض العلميين يعتقدون بامكانية وجود عضويات بدائية على واحد من هذه الكواكب على الأقل. ومما لا شك فيه أن وجود جرثومة ، ولو واحدة ، يغني عن ألوف التكهنات ؛ وسيشكل حتماً اكتشافاً عميقاً حقاً في سلسلة تطورات الصورة التي نرسمها لهذا العالم .
وعلى كل حال ، إذا كان لا يوجد حياة خارج الأرض في المنظومة الشمسية فلا مجال للتفكير في بناء صواريخ أكبر وأحسن بهدف السفر إلى النجوم . ذلك أن أقرب النجوم إلينا يقع على مسافة أربع سنوات ضوئية وربع ( فكر أن القمر يقع منا على مسافة ثانية ضوئية وربع فقط ) . والسفر إليه ، بسرعة الصواريخ الشائعة ، يستغرق ألوف السنين. وإذا استطعنا تحقيق سرعة قريبة من سرعة الضوء فان مفعول تمدد الزمن سيختصر مدة سفر طاقم الصاروخ ؛ وهذا سيتيح مبدئياً السفر عبر آلاف السنين الضوئية - أي عبر قطر مجرتنا بكامله - في مدة لا تتجاوز فترة حياة إنسان واحد . إلا أن عودة السفينة الفضائية إلى الأرض لن تتم ، بسبب ( مفعول التوأمين ، ، إلا بعد مضي آلاف . من السنين من مستقبل الأرض ، وسيجد ملاحوها عندئذ أن زملاء هم الذين أرسلوهم قد اختفوا منذ زمن سحيق. هذا ولو استطعنا التغلب على الصعوبات التقنية التي تحول دون الوصول إلى سرعة قريبة من سرعة الضوء فان الطاقة اللازمة لذلك ستكون هائلة جداً . فالصاروخ يتطلب للوصول إلى 99٪ من سرعة الضوء ملايين الملايين من أطنان الوقو د .تلك هي العقبة بالضبط . فالصعوبات التقنية ( على عظمها ) يمكن حلها ؛ لكنك لن تجد إنساناً يقبل أن يخوض هذه المغامرة التكنولوجية العملاقة دون سبب وجيه جداً . ولو أننا حللنا مشكلة الاتصال بكائن حي خارجي فسنواجه معضلة شاقة أخرى : وهي أين نجده ؟ وهكذا ، حتى لو كانت الحياة ظاهرة عالمية شاملة ، لا نستطيع أن نقدر درجة شيوعها إلا بشكل تقريبي . ونحن ، فوق ذلك ، لا نملك وسيلة متفقاً عليها لتقدير شيوع حياة ذكية .
وبالافتراض المتفائل بأن الكائنات الذكية ستتطور تلقائياً على كواكب صالحة بيولوجياً للحياة أمكن تقدير أن عدد المجتمعات الذكية في مجرتنا يبلغ عشرة أضعاف الحياة الوسطية لهذه المجتمعات مقاسة بالسنين. لكن هذه الحياة الوسطية مجهولة تماماً بالطبع ، وهي تتوقف إلى حد ما على ما تعنيه بكلمة ذكاء.
يمكن أن نقدر عدد سنوات الحضارة للمجتمع الانساني ببضعة آلاف سنة ، وقد تكون في حالة اقتراب من دمارها الخاص عبر التكنولوجيا . فاذا كان الأمر كذلك ، وكانت تجربتنا نوعية ، فقد يوجد في مجرتنا عشرات الألوف من الكواكب التي تحمل حضارات ذكية . ومن جهة أخرى، قد تستغرق فترة حياة المجتمعات الحضارية ملايين السنين أو أكثر ؛ وفي هذه الحالة يُقدر عدد الكواكب المسكونة في مجرتنا بمئات الملايين . كل هذا يبدو مدهشاً ، لكن أمر المكان الذي يجب أن نفتش فيه عن هذه الكواكب ما يزال معضلة عويصة، لأن المجرة تحوي قرابة مئة مليار نجم . وحتى لو كان يوجد مئة مليون صالحة للحياة الذكية فان ذلك يتطلب منا أن نتحرى ألوف الكواكب لتحقيق أمل معقول بالنجاح. وهذا يستلزم رحلات إلى كل النجوم المشتبه بها والواقعة منا على مسافة مئة سنة ضوئية أو نحوها . ومن الصعب مقاومة أن : أن الاتصال نستنتج المحسوس فيما بين الحضارات الكوكبية حدث فائق الندرة في هذا العالم ، أو معتمد على نزوات بحتة . ( وهذا الاستنتاج يحتمل بالطبع الشك لأن أسباب الحضارات الخارجية المتقدمة علينا ربما بملايين السنين مجهولة تماماً ، وقد نكون عاجزين عن ادراكها ) . ربما كان انعدام الفائدة من السفر بين النجوم أقوى حجة تساق ضد العمل على تحقيقه . فاستكشاف الأرض كان مبعثه دوماً الاستعمار أو التجارة أو الحصول على المعلومات. أما الاستعمار والتجارة فيمكن استبعادهما من بواعث السفر بين النجوم . ذلك أن نقل مجموعات بشرية أو بضائع استهلاكية عبر مسافات تقدر بالسنين الضوئية فكرة سخيفة . أما المعلومات ، على الصعيد الكوني، فهي أهم السلع التي يمكن تبادلها فيها بين المجتمعات الحضارية . وهي ، على كل حال ، لا تستلزم أي انتقال مادي إلى النجوم البعيدة ؛ إذ يمكن تبادلها بواسطة أمواج الراديو مثلا . فلا شيء يتحرك بأسرع من الأمواج الكهرطيسية ، وهي على صعيد الزمن أفضل وسائل الاتصال جميعاً . وهنا نصطدم مرة أخرى بمشكلة المكان الذي يجب أن نفتش فيه . فقد تكون ، في مجرتنا ، نسبة المجتمعات المتحضرة ، التي طورت تقنية اتصال راديوية ، صغيرة جداً ؛ وهذا يزيد في تعقيد مشكلة المكان الآنفة الذكر. على أن استخدام مراقب راديوية متوسطة الحجم يمكن أن يفيد في مسح منهجي لآلاف المواقع المشتبه بها ، أملاً في استقبال رسالة راديوية من نوع ما . والمرقاب الراديوي الأكبر الذي نمتلكه ، وهو الموجود في بورتوريكو ، قادر بتجهيزاته على الاتصال بأي منطقة في مجرتنا وفي السنوات الأخيرة جرت عدة محاولات لاكتشاف إشارات راديوية صادرة عن حضارات تقنية تجاورنا في المجرة. لكنها أخفقت كلها. كما أذيعت من عندنا رسائل عديدة. ورغم أن الفكرة كلها قد لا تستحق كل هذا العناء وهذه التكاليف ، إلا أنها تبدو بالتأكيد ذات ثمن متواضع إذا قيست بالمغزى العظيم لحصول مثل هذا الاتصال وقد تكون هنا حاجة لتطمين القارىء الذي يخشى من إظهار وجودنا لأجناس أجنبية قد تكون عدوانية . إذ حتى الأمواج الراديوية ، وهي التي تتحرك بسرعة الضوء ، تستغرق مئة سنة لتصل الينا من مسافة مئة سنة ضوئية . فنحن في رسائلنا الراديوية ، ناهيك عن جيش الغزاة ، نضطر لانتظار جوابها مثني سنة على الأقل . وبما أن الجنس البشري ما يزال في بدء محاولات اتصاله ، فان شيئاً واحداً يجب التفكير فيه . فلئن كانت هذه المحاولات تملك حظاً من النجاح فما ذلك إلا باعتبار أن فترة الحياة الوسطية للحضارات التقنية تبلغ ملايين السنين. ولما كان عمر التكنولوجي لا يزيد عن بضع عشرات من السنوات ، فسنكون في مجرتنا أكثر مثل هذه المجتمعات شباباً . والمجتمع الذي سيتجاوب معنا لابد أن يكون ، على الصعيد العلمي والثقافي والأخلاقي، أكثر تطوراً بما لا يقاس ، وربما لا نستطيع إدراكه بعقولنا . وبالفعل ، قد لا يكون أذكى منتوجاته مخلوقاً بيولوجياً ، بل آلة مفكرة ، فنحن ، حتى في سويتنا العلمية الراهنة ، نستخدم الحاسبات الالكترونية على نطاق واسع في تدبير شئوننا وفي تحليلها وتنفيذها قد تشكل المعرفة العلمية المستقبلية خطراً أكبر على حياتنا الأرضية . لكن الحضارة التي عمرها مليون سنة لابد أن تكون قد وجدت حلولاً لمشاكلها الاجتماعية . وقد تُنقل مجتمعنا الينا المعلومات اللازمة لبناء مجتمع جديد قبل أن نحصل على المعلومات اللازمة لتكنولوجيا جديدة .
الاكثر قراءة في مواضيع عامة في علم الفلك
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
