تاريخ الفيزياء
علماء الفيزياء
الفيزياء الكلاسيكية
الميكانيك
الديناميكا الحرارية
الكهربائية والمغناطيسية
الكهربائية
المغناطيسية
الكهرومغناطيسية
علم البصريات
تاريخ علم البصريات
الضوء
مواضيع عامة في علم البصريات
الصوت
الفيزياء الحديثة
النظرية النسبية
النظرية النسبية الخاصة
النظرية النسبية العامة
مواضيع عامة في النظرية النسبية
ميكانيكا الكم
الفيزياء الذرية
الفيزياء الجزيئية
الفيزياء النووية
مواضيع عامة في الفيزياء النووية
النشاط الاشعاعي
فيزياء الحالة الصلبة
الموصلات
أشباه الموصلات
العوازل
مواضيع عامة في الفيزياء الصلبة
فيزياء الجوامد
الليزر
أنواع الليزر
بعض تطبيقات الليزر
مواضيع عامة في الليزر
علم الفلك
تاريخ وعلماء علم الفلك
الثقوب السوداء
المجموعة الشمسية
الشمس
كوكب عطارد
كوكب الزهرة
كوكب الأرض
كوكب المريخ
كوكب المشتري
كوكب زحل
كوكب أورانوس
كوكب نبتون
كوكب بلوتو
القمر
كواكب ومواضيع اخرى
مواضيع عامة في علم الفلك
النجوم
البلازما
الألكترونيات
خواص المادة
الطاقة البديلة
الطاقة الشمسية
مواضيع عامة في الطاقة البديلة
المد والجزر
فيزياء الجسيمات
الفيزياء والعلوم الأخرى
الفيزياء الكيميائية
الفيزياء الرياضية
الفيزياء الحيوية
الفيزياء العامة
مواضيع عامة في الفيزياء
تجارب فيزيائية
مصطلحات وتعاريف فيزيائية
وحدات القياس الفيزيائية
طرائف الفيزياء
مواضيع اخرى
العالم القلق
المؤلف:
ب . ك. و. ديفيس
المصدر:
المكان و الزمان في العالم الكوني الحديث
الجزء والصفحة:
ص189
2025-10-12
44
لقد بينا في أن قوانين الفيزياء لا تميز اتجاهاً عن اتجاه آخر في حركة الزمن . فاللاتناظر الزمني ، الذي يتجلى بوضوح في وقائع الحياة اليومية بشتى مظاهرها من سلوك الغازات إلى ضياع الحرارة وانتشار الأمواج ، لا يمكن تعليله بأية خاصية أصيلة من خصائص الجملة المدروسة . فهو في كل الأحوال مفروض من الخارج بفعل التشكل العشوائي للجمل الفرعية - مناطق من العالم شبه معزولة ومنفصلة عن بيئتها الأم في حالة غير متوازنة .
ولدى الفحص عن كتب نرى أن معظم الجمل الفرعية تنتمي إلى ترتيب تسلسلي من نوع ما . فعندما تتشكل جملة فرعية من وضع مكعب جليد في وعاء من الماء الغالي يتوطد لا تناظر زمني ، لأن ظرف الأنتروبية المنخفضة لمحتويات الوعاء ينتقل بالنتيجة ، وباحتمال طاغ ، إلى ظرف توازن للماء الحار في درجة حرارة نسيقة . فاللا تناظر الزمني قد فُرض على الجملة بالواسطة التي كوّنتها ، أي بتنفيذ عملية التكوين بشكل عشوائي لا بتدخل تفاوت من التفاوتات النادرة جداً . والآن يبقى السؤال التالي : كيف حصل في البدء الاختلال الذي أتاح تكوّن مركبتي محتوى الجملة في درجتي حرارة مختلفتين ؟
إن الجواب يمكن أن يكون هنا : الثلاجة .. إن الثلاجة جملة فرعية محفوظة بصورة دائمة في حالة اختلال ، وذلك عن طريق تغذيتها بالطاقة . والمغذي الطاقي هو أيضاً جملة فرعية للأسباب التالية . هناك وقود ما نفط أو فحم مثلاً يوضع بتماس مع نار . وهذه الجملة تتكون في حالة اختلال عنيف ثم تنتقل سريعاً إلى التوازن بالاحتراق . والاختلال الذي يجلبه الوقود يتوقف على طريقة تكوينه الأولية. ففي حالة الوقود النفطي يكون الأصل بيولوجياً . وكل الجمل البيولوجية الفرعية تعمل في ظروف من الاختلال الشديد تستمده في الأصل من حرارة الشمس وضوئها . ولو اختفت الشمس لاختفت بعدها كل حياة على الأرض.
إن قدرة الرياح والأمواج تتعلق هي الأخرى، وفي نهاية الأمر، باشعاع الشمس. وهذه القدرة تصل إليها بفضل الاختلال السائد في جو الأرض والناجم عن التوزع اللا متساوي للإشعاع الوارد على سطح الأرض. لو فكرنا قليلاً لاكتشفنا أن اللا تناظر الزمني السائد على سطح الأرض مستمد، كله تقريباً، ، من هذا الاختلال الأصلي في توزع إشعاع الشمس. وهناك من الشواهد ما لا يكاد يحصره العد: النشاط البيولوجي برمته، الحياة والموت، انصهار الثلج، حت الرياح للصخور، العواصف الكهربائية، التيارات البحرية....
والأمر لا يخلو من ظواهر لا ينبع فيها اللا تناظر الزمني من أشعة الشمس . فثوران البراكين ومواقع النيازك والمد والجزر ناجمة كلها (إلى حد ما على الأقل) عن اختلالات ثقالية . والمواد المشعة ، بشتى أنواعها ، هي أيضاً في حالة اختلال ظاهر للعيان، ولا يخلو أصلها من بعض الأهمية، وسنبحثها الآن بشيء من التفصيل .
فأحد هذه العوامل كان الكرة النارية البدئية في الانفجار الأعظم . بيد أن الحسابات البدئية لا تفي لتعليل تشكل كل العناصر الثقيلة بهذه الطريقة وبالنسب الملحوظة . ولما كانت النوى الثقيلة لا تستطيع النجاة من الانفجار الأعظم ، فلابد أن تكون قد تشكلت لاحقاً في مكان ما. ولكن أين ؟ هناك ، كما ذكرنا سابقاً ، المناطق الداخلية في النجوم حيث يؤدي تشكل العناصر الثقيلة إلى تحرر الطاقة التي تمد إشعاع النجم. ويُقبل اليوم عموماً أن النجوم ذات الكتلة الكبيرة هي العامل الأهم في تشكل العناصر الثقيلة. ويتم ذلك باختصار كما يلي . انطلاقاً من الهدروجين يتشكل الهليوم بالتدريج أثناء طور الهدوء المستقر ( إن شمسنا اليوم في منتصف هذا الطور) . ثم يسخن الهليوم بما يكفي لبناء نوى أثقل (الكربون خصوصاً). وهذه النوى تثابر هي الأخرى على تشكيل عناصر أثقل منها ، وهكذا تستمر سلسلة طويلة على هذا النحو. لكن تفاصيل هذه السلسلة معقدة جداً وتتحكم فيها دقائق الفيزياء النووية. وهكذا،ومهما يكن ، فلابد من أن تحوي هذه النجوم نسبة ضعيفة من العناصر الثقيلة . وأثقل هذه العناصر ( كالأورانيوم ( يجعل النجم يفقد عملياً جزءاً من طاقته ، لأن نوى هذه العناصر تحرر طاقة عندما تعاني عملية الانشطار النووي ، وذلك بعكس النوى الخفيفة التي تصدر طاقة عندما تعاني عملية الاندماج المعاكسة
ولكن كيف تخرج هذه العناصر الثقيلة من بطن النجم إلى المناطق الخارجية من المجرة ؟ إن آلية هذا الخروج تتوفر أثناء الانفجار المذهل للمستعرات العملاقة -Super- novae نجوم هائلة السطوع غالباً ما تعصف بها كارثة عظيمة تنسفها وتحيلها إلى شظايا وتحرر طاقة أعظم بملايين المرات من وسطي طاقة اشعا لنجوم. وهذه الحوادث نادرة جداً لحسن الحظ. ويُظن أن واحداً منها قد حدث في مجرننا وسجله الفلكيون الصينيون عام 1054كنجم يبلغ سطوعه سطوع كوكب الزهرة. وبعد بضعة أيام خفتت شدة نوره. أما ما تبقى منه فهو اليوم جرم ضبابي مضطرب الكل يسمى سديم السرطان، ويتألف من كتلة غازية تطير متناثرة بسرعة كبيرة مبتعدة عن جرم صغير قرب المركز يظن أنه نجم نتروني .
وبعد أن ينثر عناصره الثقيلة بهذا الأسلوب في فضاء المجرة، يكون النجم الميت قد وفر المادة الهبائية لتشكل سلالة جديدة من النجوم الغنية بهذه العناصر الجديدة. والمنظومات الكوكبية التي تصاحب السلالة الثانية لابد أن تحوي نسباً كبيرة من هذه العناصر. وعمر شمسنا لايزيد عن نصف عمر العالم أو أقل؛ وبذلك يكون قد توفر الوقت الكافي للمستعرات أن تنفجر(مهما كان ذلك نادراً) وتنثر في فضاء المجرة كل عناصرها الثقيلة. وهذا ما يوحي لنا بفكرة أن الفحم ( وهو أساس الحياة الأرضية) الموجود في أبداننا ليس سوى رفات الموت العنيف الذي طرأ على سلالات النجوم قبل دهر طویل وطبقاً لهذه الصورة في تشكل العناصر وتوزعها نستنتج أن المواد المشعة الأرضية ، التي توفر لنا حالة الاختلال التي هي فيها قسطاً من الطاقة التي نحولها إلى كهرباء، تدين بهذا الاختلال للظروف التي سادت في بطن النجوم التي ماتت منذ زمن سحيق وهكذا، بأسلوب أو بآخر، فان معظم الاختلال المحيط بنا ، والذي يجبر الأشياء حولنا على أن تتطور بمرور الزمن، يدين بوجوده إلى تكوّن الشمس والنجوم. وهذا النموذج من الاختلال الكامن في ضوء النجوم وفي تشكل النوى الذرية يتكرر في شتى مناطق العالم. فالكون برمته موجود في حالة قلقة، ويضم مفازات واسعة من الخلاء البارد منشورة فيه، هنا وهناك، نجوم بيضاء ساخنة. ومخازن الطاقة الضخمة هذه تصب إشعاعاً نجمياً تحاول بواسطته أن تعدل الميزان لبلوغ التوازن الحراري.
إذ كيف وقع العالم في هذا القلق في أول الأمر ؟ انه السؤال نفسه الذي صادفناء بمناسبة الجمل الفرعية ؛ لكن المرء لا يستطيع هنا أن يتذرع بتدخل خارجي للإجابة عن هذا السؤال ، لأنه يتعامل الآن مع العالم الكوني كله ، حيث لا شيء خارجياً ، عنه يتدخل في شئونه . إن المرء يستطيع طبعاً أن يطعن في هذه المسألة ببساطة قائلاً : إن العالم خُلق هكذا لدى الانفجار الأعظم ، مع اختلال قائم : تولد مباشرة منذ البدء .. لكن هذا الطعن له محذوران قد يوجبان رفضه ، أحدهما فلسفي والآخر فيزيائي . فمن المفروض في العلم أن يفسر أوصاف بيئتنا . وهذا ما لا يفعله القول بأن الأشياء هي كما هي لأنها كانت كما كانت . هذا أولاً . أما ثانياً فهناك شواهد جيدة على أن العالم كان ، في وقت ما من الماضي، في حالة توازن حراري ؛ ومن هذه الشواهد اشعاع القاع الكوني . فاذا كان التوازن قد حدث حقيقة ، فكيف تم حدوث الاختلال الراهن ؟ كيف تحول العالم المتزن إلى عالم قلق ؟ إن التوازن مصحوب بانتروبية ( أي فوضى عظمية ) , فكيف تم للعالم الفوضوي اللا مرتب أن تحول إلى عالم مبني مرتب ، وكل تجاربنا تبين أن الترتب هو الذي يتحول إلى فوضى ، لا العكس ؟
للجواب عن هذا السؤال لابد لنا من العودة مرة أخرى إلى مراحل التوسع المبكرة جداً كي نفحص بعناية بعض ما حدث في كرة النار البدئية .
فهناك أولاً طبيعة القلق الكوني التي يجب أن تفهم بتفصيل أكثر . فالقلق ( في المدى الواسع على الأقل ) هو نتاج ضوء النجوم . والاشعاع يستمد طاقته من تشكل نوى العناصر الثقيلة في بطن النجم . فعندما تندمج نواتان يتحول جزء من مجموع كتلتيهما إلى طاقة إشعاعية ) وفق علاقة آينشتاین Eme ترشح ببطء من خلال طبقات النجم الخارجية ثم إلى الفضاء المحيط . وهذه العملية تمثل تزايداً في الأنتروبية لأن الطاقة التي كانت مخزونة في النوى تتبدد في الفضاء الخارجي ؛ وهذه عملية يمكن اعتبارها تزايداً في الفوضى . والنوى المندمجة تصبح ، بعد تخليص نفسها من بعض طاقتها ، أكثر استقراراً في نواة جديدة .
إن هذا المبدأ في بلوغ الاستقرار بالتخلص من الطاقة مبدأ عام حقاً . فالكرة الموضوعة على قمة تل ( شكل 6 - 1 ) غير مستقرة ، لأن أي حركة تطرأ عليها تجعلها تتدحرج نحو أسفل السفح ، وتكتسب أثناء ذلك طاقة حركية على حساب طاقتها الثقالية الكامنة ( وهي الطاقة التي صرفت لحملها إلى قمة التل ) . فسرعتها المكتسبة تتيح لها
أن شکل 1. القلق إن الكرة الموضوعة على قمة التل هي في ظرف قلق. فأي اضطراب يطرأ عليها يجعلها تتدحرج بفعل الثقالة نحو الوادي. وقد تتخلص أثناء ذلك من كل طاقتها (بفعل الاحتكاك) وتصل ساكنة إلى توازن مستقر في قعر الوادي.
تتجاوز الوادي وتتسلق السفح المقابل في الاتجاه المعاكس ؛ لكن بعض طاقتها ستضيع بالاحتكاك مع الأرض وبمقاومة الهواء وتتحول إلى حرارة تنتشر في الوسط الخارجي ) وتزيد بالتالي في قيمة الانتروبية بموجب قانون الترموديناميك الثاني ) . وهكذا ، شيئاً فشيئاً وأثناء تدحرج الكرة هبوطاً وصعوداً ، تتبدد طاقتها بعيداً وتهدأ في النهاية ساكنة مستقرة في قعر الوادي. فالطاقة التي كانت تملكها وهي في قمة التل قد بذلتها لبلوغ وضع التوازن المستقر في أسفل الوادي. ونشاط الكرة المنظم قد تحول إلى نشاط فوضوي (حرارة) في الحركات الذرية، طبقاً لقانون تزايد الانتروبية.
شكل2 . الاستقرار العابر. الكرة مفصولة عن السطح بحاجز قليل الارتفاع. فهي ، رغم توازنها، في وضع استقرار عابر ، لأنها لو دفعت بما يكفي من القوة لتجاوزت الحاجز وسقطت نحو أسفل الوادي. وهذا يشبه ما يحدث في الفيزياء النووية حيث يتمثل الحاجز بالتنافر الكهربائي بين البروتونات، والوادي بقوة جذب النواة . وهذه القوة ، على قصر مداها ، شديدة البأس ، فلو قرع بروتون النواة وهو مسرع جدا فسيتغلب على الحاجز الكهربائي (أو يتوغل فيه) ويدخل في النواة، باذلا طاقته على شكل أشعة غاماوية .
إن هذا المثال يمكن أيضاً أن يستخدم بسهولة لايضاح مفهوم الاستقرار العابر. ففي الشكل 1 رسمنا التلة مع منخفض صغير في قمنها إن الكرة الموضوعة في هذا المنخفض تكون في حالة توازن محلي، لأن الاضع الصعيف لا يخرجها من المنخفض؛ إذ لو دفعت بتؤدة إلى أحد الجانبين، فار حركتها تقتصر على العودة إلى مكانها. لكنها لو دفعت بعنف فستسلق الحاجز ثم تتدحرج على سفح التلة. فنقول عن الكرة التي في هذا المنخفض الصغير إنها في حالة استقرار عابر.
والآن أبدل الكرة بنواة ذرة خفيفة، ولنقل الهدروجير على سبيل التحديد، وأبدل ثقالة الأرض (التي تجذب الكرة نحو القاع) بقوة الجذب الشديدة التي تسلطها أية نواة أخرى. فالبروتون (نواة الهدروجين) يريد أن يتدحرج هابطاً، إلى (قاع) ، النواة الجاذبة، وكان سينجح في مسعاه لولا أنه مشحون بالكهرباء. فشحنة البروتون هذه منبوذة بشدة من قبل كل الشحنات المائلة التي تحملها بروتونات النواة الهدف. لكن القوة النووية، رغم شدتها الجاذبة الشديدة، قصيرة المدى جداً، وسيعاني البروتون صعوبة كبيرة في اجتياز الحاجز الكهربائي النابذ كي يبلغ مجال فعل النواة الجاذب. وهكذا سيجد البروتون نفسه في وضع استقرار عابر، وممنوعاً من السقوط ضمن النواة بحاجز كهربائي. فاذا كان اندفاعه ضعيفاً فسيرتد عن المحاجز متراجعاً. أما إذا كان اندفاعه شديدا وفسيتسلق، الحاجز، أو قل ينفذ منه إلى أحشاء النواة حيث (يندمج) باذلا، بنتيجة ذلك، طاقة تصدر على شكل إشعاع غاماوي . فالبروتون الذي ارتبط بالنواة قد بلغ حالة استقرار في قاع و الوادي: النووي.
إن ذرات الهدروجين في البيئة الأرضية لا تبلغ، في هياجها الحراري، طاقة تكفي للتغلب على الحاجز الكهربائي. وعلى هذا ، ورغم أن الهدروجين في حالة استقرار عابر ، بمحدود القول ، فانه لا يبلغ الطاقة الكافية لحدوث الاندماج النووي إلا في درجات حرارة هائلة. والواقع أن اجتياز الحاجز الكهربائي يتعزز قليلاً بفعل ميكانيك الكم الذي يقول بأن البروتون يستطيع أن يحتال بالاختفاء لبرهة قصيرة جداً ) وذلك بالضبط كالبروتونات الخفية التي تتخلق من لا شيء ولبرهة وجيزة ) . وهذه البرهة ، على قصرها، تكفي البروتون ( المختفي ، للسير مسافة صغيرة والظهور في الجانب الآخر من الحاجز . وهذا المفعول معروف ، لأسباب بديهية ، باسم مفعول النفق . فاذا أخذنا بعين الاعتبار مفعول النفق فان الحساب يدل على أن البروتونات يجب أن تكون في حرارة تبلغ عدة ملايين درجة لتصبح قادرة على الاندماج معا لتشكل نويات من الهليوم . ( الواقع أن هذا الاندماج لا يتم في مرحلة واحدة. وهو يتطلب أيضاً إسهام تترونين ) . ويمكن أن نستنتج من ذلك أن درجة حرارة أحشاء النجوم، كالشمس التي هي الآن في طور حرق هدروجينها ، تبلغ ملايين الدرجات.
وهكذا ، وبعد أن أثبتنا أن عدم الاستقرار في هذا العالم ناجم حقاً عن الاستقرار العابر للهدروجين ، علينا الآن أن نفهم لماذا كان العالم مصنوعاً من الهدروجين أساسياً .
إذا التزمنا بنموذج الانفجار الأعظم الساخن كخط أساسي صحيح ، ينتج أن العالم كان بالضرورة في مراحله الأولى مؤلفاً من مكونات مادية فردية ذات حركات مستقلة بسرعات نسبوية . ولابد أن تكون سخونته الهائلة قد تسببت بتفتيت كل النوى ومكوناتها إلى شظايا بمقدار ما تستطيع احتواءه . ولابد أن الظرف الترمودينامي لهذه الكرة النارية البدئية كان ظرف توازن محلي . لأن المادة كانت ، رغم توسع العالم وتبرده السريعين ، قادرة بكثافتها العالية على تدبير أمرها ، بشكل شبه آني ، لتنسجم مع الظروف المتغيرة . ومهما يكن الأمر فان درجة الحرارة قد هبطت ، بعد بضع مئات من الثواني ، بما يكفي لاتاحة الفرصة للبروتونات وللنترونات المتحركة كي تندمج معاً في نوى مركبة لا يفككها الاشعاع الشديد لدى تشكلها . والواقع أن بعض التشكيلات النووية تحدث فعلاً وأن الحساب يدل ، كما ذكرنا في الفقرة 45 ، على أن قرابة ربع عدد البروتونات تدخل في نوی هليوم، مع نسبة ضئيلة جداً من عناصر أخرى كالدوتيريوم والليتيوم . لكن الحاجز الكهربائي يقوم هنا بدور حاسم . ففي أثناء فترة محدودة فقط تكون درجة حرارة البلازما منخفضة بما يكفي لمنع تفكك نوى الهليوم المتشكلة وعالية ، مع ذلك وفي الوقت نفسه بما يكفي لتتغلب البروتونات على الحاجز الكهربائي . وبعد حين توقف تشكل النوى بفعل الحاجز وبلغت البروتونات حالة استقرار عابر لتصبح اتفاقاً ذرات هدروجين.
إن أسلوب انتقال العالم من التوازن إلى الاختلال أصبح الآن واضحاً. فلو كان العالم قد ظل كرة نارية لما نشأ اللاتناظر الزمني على الشكل القائم في عالمنا الواقعي الراهن . لكن تغير الظروف في أثناء توسع الكرة النارية قد غير نمط توازن المادة من أفراد جسيمات تتحرك منفصلة فيما بينها إلى نوى ثقيلة . فأصل اختلال توازن العالم كامن إذن في توسعه.
الاكثر قراءة في مواضيع عامة في علم الفلك
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
