أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-11-2017
3580
التاريخ: 5-03-2015
3571
التاريخ: 1-11-2017
2960
التاريخ: 5-03-2015
4094
|
كان معاوية أدهى من أبيه الذي كبر وخرف في آخر عمره ومن دهائه وعزمه كان يحتفظ بصورة الاسلام مدة إمرته بالشام عشرين سنة فلا يصطدم بشعيرة من شعائره ولا يتطاول إلى اعتراض قاعدة من قواعده فلا يتجاهر بشرب الخمر والاغاني ولا يقتل النفس المحرمة ولا يلعب بالفهود ولا يضرب على المزمار والعود نعم قد يلبس الحرير والديباج وطيلسان الذهب ولا بأس بذلك فانه كسرى العرب وما احتفظ بشعائر الاسلام إلا لحاجة في نفس يعقوب ومن باب الهدوء قبل العاصفة والمشي رويدا لأخذ الصيد.
بقى على ظاهر الايمان المبطن بالكفر مدة مخالفته ومحاربته لأمير المؤمنين في صفين فلما استشهد ((سلام الله عليه)) تنفس الصعداء وغمرته المسرة وامكنته الفرصة من اللعب على الحبل وتدبير الحيل ولكن بعد أن بويع الحسن (عليه السلام) والتف عليه الأبطال من أصحاب أبيه , وشيعته ومواليه ومنهم الرؤوس والضروس والانياب والعديد والعدة والسلاح والكراع فوجد أنه وقع في هوة أضيق وأعمق من الأولى فان الحسن سبط رسول الله وابن بنته وريحانته وهو لوداعته وسلامة ذاته محبوب للنفوس لم يؤذ أحدا مدة عمره بل كان كله خير وبركة ولم تعلق به تهمة الاشتراك بقتل عثمان بل قد يقال إنه كان من الذابين عنه فكيف يقاس معاوية به وكيف يعدل الناس عن ابن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه واله) إلى ابن هند آكلة الأكباد اقلق معاوية وأقضّ مضجعه التفكير بهذه النقاط المركزة التي لا مجال فيها للنقاش والجدال ولكن سرعان ما اهتدى بدهائه ومكره إلى حل عقدتها وكشف كربتها فلجأ إلى عاملين قويين : أولهما : المال الذي يلوى اعناق الرجال ويسيل في لعبه لعاب الأبطال وبعث إلى اعظم قائد من قادة جيش الحسن الذين بايعوه على الموت دونه وأمسهم رحما به وهو عبيد الله بن العباس الذي جعله أميرا حتى على قيس بن سعد بن عبادة ذلك الزعيم العظيم الفارس المغوار المتفاني اخلاصا في حب الحسن وأبيه نعم : بعث إليه معاوية بأكثر من خمسين الفا ووعده عند مجيئه إليه بمثلها فانسل إلى معاوية في جنح الظلام وأصبح الناس ولا أمير لهم فصلى بهم قيس وهوّن عليهم هذه الفادحة التي أوهت عزيمة الجيش وهيئتهم للهزيمة قبل النضال وقل ساعد الله قلبك يا أبا محمد كيف تحملت هذه الرزايا التي أقبلت عليك متتابعة كقطع الليل وصار معاوية يعمل بهذه الخطة مع كل بارز من الشيعة ورجالهم وأبطالهم فاستمالهم إليه جميعا ولم يستعص عليه ويسلم من مكره وحبائله إلا عدد قليل لا يتجاوز العشرة كقيس بن سعد وحجر بن عدى وأمثالهم ممن ناطحوا صخرة الظلم والضلال براسخ إيمانهم وما اختلجهم الشك في كفر معاوية وأبيه وبنيه طرفة عين وكان قيس أقسم بالله أن لا يلقى معاوية إلا وبينهما الرمح أو السيف في قضية معروفة هذا أول تدبير أتخذه معاوية للغلبة على الحسن واستبداده بالأمر واغتصاب الخلافة منه الثاني : وهي حيلة تأثيرها أشد من الأولى استطابها السواد الأعظم وانجرف إليها الرأي العام تلك دعوى معاوية الحسن إلى الصلح نعم أشد ما فتّ في عضد الحسن طلب معاوية الصلح فقد كانت أفتك غيلة وأهلك حيلة لأن المال كان يستميل به معاوية عيون الرجال والخواص منهم اما العامة فلا ينالهم منه شيء ولكن الناس كانوا قد عضتهم أنياب الحروب حتى أبادت خيارهم وأخربت ديارهم في أقل من خمس سنين ثلاثة حروب ضروس : الجمل وصفين والنهروان فأصبحت الدعوة الى الحرب ثقيلة وبيلة والدعوة إلى الصلح والراحة لذيذة مقبولة وهنا تأزمت ظروفه (سلام الله عليه) وحاسب الموقف حسابا دقيقا حساب الناظر المتدبر في العواقب فوضع الرفض والقبول في كفتى الميزان ليرى لأيهما الرجحان فوجد أنه لو رفض الصلح وأصر على الحرب فلا يخلو أما أن يكون هو الغالب ومعاوية المغلوب وهذا وإن كانت تلك الأوضاع والظروف تجعله شبه المستحيل ولكن فليكن بالفرض هو الواقع ولكن هل مغبة ذلك إلا تظلم الناس لبني أمية وظهورهم باوجع مظاهر المظلومية بالأمس قتلوا عثمان عين الامويين وامير المؤمنين كما يقولون واليوم يقتلون معاوية عين الأمويين وخال المؤمنين يا لها من رزية ويتهيأ لبني أمية قميص ثاني فيرفعون قميص عثمان مع قميص معاوية والناس رعاع ينعقون مع كل ناعق لا تفكير ولا تدبر فما ذا يكون موقف الحسن إذا؟ لو افترضناه هو الغالب ؛ أما لو كان هو المغلوب فاول كلمة تقال من كل متكلم إن الحسن هو الذي القى نفسه بالتهلكة فان معاوية طلب منه الصلح الذي فيه حقن الدماء فابى وبغى وعلى الباغي تدور الدوائر وحينئذ يتم لمعاوية وأبى سفيان ما أرادا من الكيد للاسلام وارجاع الناس الى جاهليتهم الأولى وعبادة اللات والعزى ولا يبقي معاوية من أهل البيت نافخ ضرمة بل كان نظر الحسن (عليه السلام) فى قبول الصلح أدق من هذا وذاك أراد أن يفتك به ويظهر خبيئة حاله وما ستره في قرارة نفسه قبل أن يكون غالبا أو مغلوبا وبدون أن يزج الناس في حرب ويحملهم على ما يكرهون من إراقة الدماء ؛ فقد ذكرنا أن معاوية المسلم ظاهرا العدو للاسلام حقيقة وواقعا كان لوجود المزاحم يخدع الناس بغشاء رقيق من التزمت في ارتكاب الكبائر والموبقات وما ينطوى عليه من معاداة الاسلام وتصميم العزيمة على قلع جذوره واطفاء نوره يتكتم بكل ذلك خوفا من رغبة الناس إلى الحسن وأبيه من قبل فاراد الحسن أن يخلى له الميدان ويسلم له الأمر ويرفع الخصومة حتى يظهر ما يبطن ويبوح بكفره ويعلن ويرفع عن وجهه ذلك الغشاء الصفيق ويعرف الناس حقيقة أمره وكامن سره وهكذا فعل وفور إبرام الصلح صعد المنبر في جمع غفير من المسلمين وقال : إني ما قاتلتكم لتصوموا ولا لتصلوا وإنما قاتلتكم لأتأمر عليكم وقد اعطيت الحسن شروطا كلها تحت قدمي؛ أنظر الى القحة والصلف وعدم الحياء وضيق الوعاء وصفاقة الوجه أما وأيم الله إنه لو لم يكن لقبول الصلح الا ظهور هذه الكلمات من معاوية لكفى بها دليلا على افتضاح معاوية ومعرفة الناس بكفره فما ظنك به وقد استمر على هذه الخطة الكافرة والخطيئة السافرة والتحدي للاسلام وهدم قواعده جهارا , لو لا صلح الحسن لما استلحق معاوية زيادا بأبي سفيان وهو ولده من الزنا فضرب قول رسول الله (صلى الله عليه واله) : الولد للفراش وللعاهر الحجر ؛ ضربها بالحجر وبعرض الجدار بلا خيفة ولا حذر ؛ لو لا الصلح لما قتل حجر بن عدي سيد الأوابين وعشرة من أعلام خيار الصحابة والتابعين قتلهم بمرج عذراء صبرا من دون أى سبب مبرر
لو لا الصلح لما قتل معاوية الصحابي الجليل عمرو بن الحمق وحمل رأسه الى الشام وهو أول رأس حمل في الاسلام ؛ لو لا الصلح لما سقى معاوية الحسن السم على يد جعيدة بنت الاشعث
لو لا الصلح لما أجبر معاوية البقية الصالحة من أولاد المهاجرين والانصار على أخذ البيعة ليزيد وحاله في الفسق والفجور مشهور إلى كثير من أمثال هذه المخازى والفظائع التي لا يبلغها الاحصاء ؛ ولكن تأمل مليا وأنظر من الغالب ومن المغلوب ؛ انظر ما صنع الحسن بمعاوية في صلحه وكيف هدّ جميع مساعيه وهدم كل مبانيه حتى ظهر الحق وزهق الباطل وخسر هنالك المبطلون فكان الصلح في تلك الظروف هو الواجب والمتعين على الحسن كما أن المحاربة والثورة على يزيد في تلك الظروف كان هو الواجب والمتعين على أخيه الحسين كل ذلك للتفاوت بين الزمانين والاختلاف بين الرجلين ولو لا صلح الحسن الذي فضح معاوية وشهادة الحسين التي قضت على يزيد وانقرضت بها الدولة السفيانية بأسرع وقت ؛ لو لا تضحية هذين السبطين لذهبت جهود جدهما بطرفة عين ولصار الدين دين آل أبي سفيان دين الغدر والمكر دين الفسق والفجور دين الحانات والخمور دين العهار دين الفهود والقرود دين إبادة الصالحين واستبقاء الفجرة الفاسقين ؛ فجزاكما الله يا سيدى شباب الجنة ويا سبطي رسول الله جزا كما الله عن الاسلام وأهله أفضل الجزاء فو الله ما عبد الله عابد ولا وحده موحد ؛ وما حقت فريضة ولا أقيمت سنة ولا ساغت في الاسلام شريعة ولا زاغت من الضلال إلى الهدى أمة إلا ولكما بعد الله ورسوله الفضل والمنة والحجة البالغة والمحجة ؛ جاء رسول الله بالهدى والنور والخير والبركة للإنسانية أجمع من غير لون ولون وعنصر وآخر وأمة دون أمة وقوم سوى آخرين جاء بالاسلام والنور المبين فشيّد قواعده وأحكمه وأقومه وأكمله وأتمه ولم يترك فيه أى نقص وأي عوج وجاء أبو سفيان والشجرة الملعونة في القرآن معاوية ويزيد ومروان فحملوا معاول الكفر والشرك وتحاملوا على تلك الأسس والقواعد يقلعون جذورها ويخمدون نورها {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة: 32] فوقف السبطان بما لهما من قوة وسلطان سدا منيعا دون ذلك البنيان وما تم لهما ما أرادا من حفظ شريعة جدهما إلا بالتضحية العظمى بأنفسهم وأموالهم ورجالهم وأطفالهم وبكل ما في دنيا النعمة والنعيم والعيش الوسيم بذلوا كل ذلك في سبيل الله ولحفظ دين الله ولو لا هذه التضحية وتلك المفادات لأصبح دين الاسلام أسطورة من الاساطير لا تجده إلا في الكتاب والقماطير يذكره التأريخ كما يذكر الحوادث العابرة والأمم المنقرضة ؛ سبحان الله والله أكبر ولله الحمد ؛ من هنا تعرف ويجب أن تعرف السر في حفاوة المنقذ الأعظم تلك الحفاوة البليغة والتعظيم الخارج عن نطاق العرف والمعتاد بل وعن رواق التعقل والسداد ذلك النبي العظيم والشخصية الحبيبة إلى المبدء الاعظم التي ملأها هيبة وعظمة ووقارا والذي لا تهزه العواصف ولا تستميله العواطف ولا خامره في لحظة من عمره العبث واللهو واللعب الذي كانت غريزته التي فطر عليها قوله : ما أنا من دد ولا الدد مني والذي كان من الوقار والهيبة والاتزان ربما يدخل عليه الرجل الذي مار آه من ذي قبل فترتعد فرائصه من هيبته فيقول له النبي : لا تفزع فاني ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد , حذرا من أن يقول المسلمون فيه ما قالت النصارى في المسيح هذا الطود العظيم يحمل الحسن والحسين وهما طفلان على كتفيه ويمشي بهما وهما على متنيه في ملأ من المسلمين رافعا صوته ليسمعوا نعم الجمل جملكما ونعم الراكبان أنتما ثم يأتي الحسين وهو غلام فيعلو على ظهر النبي والنبي ساجد فلا يرفع رأسه حتى ينزل الحسين حسب إرادته النبي يخطب والحسين يدرج في المسجد فيعثر فيقطع النبي خطبته ويعدو إليه ويحتضنه ويقول : قاتل الله الشيطان الولد فتنة لما عثر ولدى هذا أحسست أن قلبي قد سقط مني الى كثير من أمثال هذا مما صدر عنه (سلام الله عليه) في ولديه مما لست بصدد احصائه وجمعه ولكن أقول : إن هذا الشغف والحب اللامتناهي ليس لكونهما ابني بنته فحسب فان هذه النسبة لا تستوجب كل هذا العطف الخارق لسياج العرف والعادة ولكن لا شك ان هناك أسرارا وأسبابا هي أدق وأعمق أسرار روحية هي فوق هذه الوشائج الجسمية فهل ترى معى أن رسول الله (صلى الله عليه واله) لعله ارتفع عن أفق الزمان : وأشرف بروحيته المقدسة من نافذة الدهر وأطل على صحيفة التكوين من ألّفه إلى يائه فنظر الى الماضي والحاضر والآتي نظرة واحدة رأى الحوادث الآتية ممثلة بعينها في صحيفة الوجود لا بصورها على شاشة التمثيل رأى ما كابد ولداه من الدفاع عن دينه والحماية لشريعته والتضحية بأنفسهم وأموالهم وأولادهم وأنهم ارخصوا في المفادات كل غال وعزيز تجرع الحسن السم من معاوية مرارا حتى قضى بالمرة الأخيرة التي تقيا بها كبده قطعة قطعة ثم ضرب الحسين المثل الأعلى في التضحية والمفادات لحفظ شريعة جده فاستقبل السيوف والرماح والسهام وجعل صدره ونحره ورأسه ورئته وقاية عن المعاول التي اتخذها بنو أمية لهدم الاسلام وقلعه من اساسه ونصب نفسه وأولاده وانصاره الغر الميامين هدفا وشبحا لوقاية الاسلام من أن تنهار دعائمه وتنهد قواعده وقوائمه بهجمات الأمويين عليه حتى سلم الاسلام واشرقت أنواره وعلمت أسراره وهلك الكافرون وخسر هنالك المبطلون وكانت كلمة الله العليا وكلمة اعدائه السفلى وكل مسلم من أول اسلام الناس إلى اليوم بل وإلى يوم القيامة مدين ورهين بالشكر والمنة لهذين الامامين ولو لا تضحيتهما التي ما حدث التأريخ بمثلها أبدا نعم لو لا تلك التضحية لعاد الناس بمساعي الأمويين الى جاهليتهم الأولى بل اتعس إذا فهل تستغرب من النبيّ (صلى الله عليه واله) تلك الحفاوة والتعظيم لهما وهما طفلان صغيران وقد عرف بل رأى بعين بصره تلك الحوادث الفجيعة وذلك الكفاح المرير من أجله وفي سبيله وكان يشمهما ويضمهما ويقول : هما ولداى وريحانتاى وباليقين انه كان يتنسم منهما العبق الربوبي ويتوسم بهما الألق الالهي وبهذا نعرف ويجب ان نعرف أن الحسن والحسين نور واحد لا يفضل احدهما على الآخر قدر عرض شعرة كل واحد منهما قد قام بواجبه وأدى رسالته وعمل بالمنهاج المقرر له من جده وأبيه والصك الذي تسلمه في أول يوم من إمامته إذا أردت التوسع في معرفة عظمة الحسن (سلام الله عليه) وشجاعته وبسالته وقوة قلبه وشدة عارضته وبليغ حجته وعدم أكتراثه بزخارف الملك وأبهة السلطان فانظر الى كلماته واحتجاجاته في مجلس معاوية مع رؤوس المنافقين وضروس الكفرة الملحدين الذين كان معاوية يحرش بينهم وبين الحسن ليضحك على ذقونهم كابن العاص وابن شعبة ومروان ونظرائهم من زبانية جهنم الذين ما آمنوا بالله طرف عين انظرها واعجب بها ما شئت هناك تتمثل لك العظمة في أوج رفعتها وتتصور لك البسالة في موج لجتها وإن شئت المزيد فانظر الى كلماته في ساعة الموت ويوم انطلاقه من هذا السجن الكلمات التي قالها لأخيه محمد بن الحنفية فى حق أخيه الحسين هنالك تنفتح لك أغلاق أسرار الامامة ويتضح لديك إشراق أنوار النبوة والزعامة وتعرف المرعوية النبوية والولاية الكلية هنالك الولاية لله {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] , ومن كنت مولاه فعلى مولاه {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} [المائدة: 55] وقد زحف القلم وخرج عن المحدد واشتمر عن قصد الجادة وجادة القصد إنما القصارى التي أردتها من كلمتى هذه ان العداوة بين بنى هاشم وبنى أميّة ذاتية متأصلة هي عداوة الهدى للضلال والنور للظلام ويشهد لذلك انك لو استعرضت سيرة بنى أميّة من اولهم من عبد شمس إلى آخرهم مروان الحمار لم تجد في صحيفة الكثير بل الأكثر منهم إلا الغدر والمكر ونكث العهود والفسق والفجور والعهر والخنا وانباء الزنا إلى كل ما يتحمله لفظ الرذيلة من المعاني ؛ وإذا استعرضت سيرة بنى هاشم من أولهم ليومنا هذا لم تجد في صحيفة الكثير بل الأكثر منهم إلا كلما يتحمله لفظ الفضيلة من الوفاء والصدق والشجاعة والعفة وطهارة المولد وشرف النفس وعلو الهمة والتضحية في سبيل المبدأ وما الى ذلك من كرم الأخلاق وطهارة الأعراق وهب أن هناك من يعذر بنى أميّة في عداوتهم لبني هاشم ويقول : إنهم اتخذوها ذريعة ووسيلة الى الملك والسلطان ولكن ما عذر الموالين لبني أميّة في هذا العصر ما عذر الأموية الحديثة التي لا تنال بذلك حظا من حظوظ الدنيا ولا نصيبا في الآخرة { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا } [الكهف: 103، 104] , {خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ } [الحج: 11] , والحمد لله الذي فقأ عيني الكفر والنفاق وأقر عين الاسلام والإيمان بالحسن والحسين والعترة الطاهرة ونسأله تعالى كما منّ علينا بمعرفتهم وولايتهم أن يحشرنا في زمرتهم ويكرمنا بشفاعتهم والبراءة من اعدائهم وعداوتهم :
أو إليكم ما دجت مزنة وما اصطخب الرعد أو جلجلا
وأبرأ ممن يعاديكم فان البراءة شرط الولا
وحقا إن الزكي أبا محمد (سلام الله عليه) في المدة القصيرة التي عاشها بعد ابيه تحمل من الرزايا والمحن ما لم يحتملها نبي وما هي بأقل من المصائب التي جرت على أخيه أبي عبد الله (عليه السلام) يوم الطف فان النكبة الأليمة والضربة الأثيمة في الأخوين واحدة وإن اختلفت الأشكال والأساليب وكما أن الحسين قابل رزاياه بالصبر الذي عجبت منه ملائكة السماوات فكذلك الحسن قاتل عدوه وقابل الامة وارزائه بصبر عجيب ؛ وصدر رحيب ما هان يوما ولا لان ولا تضرع ولا استكان وما أخذ من امواله التي اغتصبها معاوية منه وصارت العوبة بأيدي بنى أميّة ما أخذ واحدا من آلاف بل من مئات الآلاف وكما لا مساغ للتفاضل بين هذين النيرين كذلك لا يصح القول بأن صبر الحسن دون صبر الحسين أو ان مصيبته اهون المصيبتين فسلام الله عليكما يا إمامى الهدى وسليلى على والزهراء ما ازهرت الفضيلة واكفهرت الرذيلة , واختم كلمتي بأبيات من خاتمة قصيدة رثاء لسيد الشهداء نظمتها منذ مدة تزيد على خمسين سنة استهلها :
حذوا الماء من عيني والنار من قلبي ولا تحملوا للبرق منا ولا السحب
واختها :
بنى الشرف الوضاح والحسب الذي تناهي فأضحى قاب قوسين للرب
لئن عدت الأحساب للفخر اوغدت تطاول بالأنساب سيارة الشهب
فما نسبي إلا انتسابي إليكم وما حسبي إلا بأنكم حسبي
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
قسم الشؤون الفكرية والثقافية يجري اختبارات مسابقة حفظ دعاء أهل الثغور
|
|
|