أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-3-2016
3279
التاريخ: 13-4-2019
2278
التاريخ: 2-04-2015
3860
التاريخ: 13-4-2019
2503
|
الصفة البارزة من نزعات الإمام الحسين (عليه السّلام) الإباء عن الضيم حتّى لقّب (بأبي الضيم) وهي من أعظم ألقابه ذيوعاً وانتشاراً بين الناس ؛ فقد كان المثل الأعلى لهذه الظاهرة فهو الذي رفع شعار الكرامة الإنسانية ورسم طريق الشرف والعزّة فلم يخنع ولم يخضع لقرود بني اُميّة وآثر الموت تحت ظلال الأسنة.
يقول عبد العزيز بن نباتة السعدي :
والحسينُ الذي رأى الموتَ في العـ ـزِ حياةً والعيشَ في الذلِّ قتلا
ووصفه المؤرّخ الشهير اليعقوبي بأنّه شديد العزّة ؛ يقول ابن أبي الحديد : سيّد أهل الإباء الذي علّم الناس الحميّة والموت تحت ظلال السيوف اختياراً على الدنيّة أبو عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السّلام) عرض عليه الأمان هو وأصحابه فأنف من الذل وخاف ابن زياد أن يناله بنوع من الهوان مع أنه لا يقتله فاختار الموت على ذلك , وسمعت النقيب أبا زيد يحيى بن زيد العلوي يقول : كأنّ أبيات أبي تمام في محمد بن حميد الطائي ما قيلت إلاّ في الحسين :
وَقَد كانَ فَوتُ المَوتِ سَهلاً فَرَدَّهُ إِلَيهِ الحِفاظُ المُرُّ وَالخُلُقُ الوَعرُ
وَنَفسٌ تَعافُ العارَ حَتّى كَأَنَّهُ هُوَ الكُفرُ يَومَ الرَوعِ أَو دونَهُ الكُفرُ
فَأَثبَتَ في مُستَنقَعِ المَوتِ رِجلَهُ وَقالَ لَها مِن تَحتِ أَخمُصِكِ الحَشرُ
تَرَدّى ثِيابَ المَوتِ حُمراً فَما بدا لَها اللَيلُ إِلاّ وَهيَ مِن سُندُسٍ خُضرُ
لقد علّم أبو الأحرار الناس نبل الإباء ونبل التضحية يقول فيه مصعب ابن الزبير : واختار الميتة الكريمة على الحياة الذميمة ثمّ تمثّل :
وإن الألى بالطفِّ من آل هاشم تآسوا فسنّوا للكرام التآسيا
وقد كانت كلماته يوم الطفِّ من أروع ما أثر من الكلام العربي في تصوير العزّة والمنعة والاعتداد بالنفس يقول : ألا وإنّ الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين ؛ بين السلّة والذلّة وهيهات منّا الذلّة يأبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت واُنوف حميّة ونفوس أبّية من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام , ووقف يوم الطفِّ كالجبل الأشم غير حافل بتلك الوحوش الكاسرة من جيوش الردّة الاُمويّة وقد ألقى عليهم وعلى الأجيال أروع الدروس عن الكرامة وعزّة النفس وشرف الإباء قائلاً : والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أفرّ فرار العبيد إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ ؛ وألقت هذه الكلمات المشرقة الأضواء على مدى ما يحمله الإمام العظيم من الكرامة التي لا حدّ لأبعادها والتي هي من أروع ما حفل به تاريخ الإسلام من صور البطولات الخالدة في جميع الآباد.
وتسابق شعراء أهل البيت (عليهم السّلام) إلى تصوير هذه الظاهرة الكريمة فكان ما نظموه في ذلك من أثمن ما دوّنته مصادر الأدب العربي وقد عنى السّيد حيدر الحلّي إلى تصوير ذلك في كثير من روائعه الخالدة التي رثى بها جدّه الحسين يقول :
طمعتْ أن تسومَهُ القومُ ضيماً وأبى الله والحسامُ الصنيعُ
كيف يلوي على الدنيةِ جيداً لسوى اللهِ ما لواه الخضوعُ
ولديه جأشٌ أردُّ من الدرع لضمأى القنا وهنَّ شُروعُ
ولم تصوّر منعة النفس وإباؤها بمثل هذا التصوير الرائع فقد عرض حيدر إلى ما صممت عليه الدولة الاُمويّة من إرغام الإمام الحسين (عليه السّلام) على الذل والهوان وإخضاعه لجورهم واستبدادهم ولكن يأبى له الله ذلك وتأبى له نفسه العظيمة التي ورثت عزّ النبوة أن يقرّ على الضيم ؛ فإنّه سلام الله عليه لم يلو جيده خاضعاً لأيّ أحد إلاّ لله فكيف يخضع لأقزام بني اُميّة؟! وكيف يلويه سلطانهم عن عزمه الجبار الذي هو أرد من الدرع للقنا الضامئة وما أروع قوله :
وبه يرجعُ الحفاظُ لصدرٍ ضاقت الأرضُ وهي فيه تضيعُ
وهل هناك أبلغ أو أدقّ وصفاً لإباء الإمام الحسين (عليه السّلام) وعزّته من هذا الوصف؟ فقد أرجع جميع طاقات الحفّاظ والذمام لصدر الإمام (عليه السّلام) التي ضاقت الأرض من صلابة عزمه وتصميمه بل إنّها على سعتها تضيع فيه ومن الحقّ أنّه قد حلّق في وصفه لإباء الإمام ويضاف لذلك جمال اللفظ فليس في هذا الشعر كلمة غريبة أو حرف ينبو على السمع ؛ وانظر إلى هذه الأبيات من رائعته الاُخرى التي يصف بها إباء الحسين (عليه السّلام) يقول :
لقد مات لكنْ ميتةً هاشميّةً لهمْ عُرفت تحت القنا المتقصّدِ
كريمٌ أبى شمّ الدنيةِ أنفُهُ فأشمَمهُ شوكَ الوشيج المُسدّدِ
وقال قفي يا نفسُ وقفةَ واردٍ حياضَ الردى لا وقفة المتردّدِ
رأى أنّ ظهرَ الذلِّ أخشن مركباً من الموتِ حيثُ الموتُ منه بمرصدِ
فآثر أن يسعى على جمرةِ الوغى برجلٍ ولا يعطي المقادةَ عن يدِ
لا أكاد أعرف شعراً أدقّ ولا أعذب من هذا الشعر فهو يمثّل أصدق تمثيل منعة الإمام العظيم وعزّة نفسه التي آثرت الموت تحت ظلال الأسنة على العيش الرغيد بذلٍّ وخنوع ناهجاً بذلك منهج الشهداء من أسرته الذين تسابقوا إلى ساحات النضال واندفعوا بشوق إلى ميادين التضحية والفداء لينعموا بالكرامة والعزّة ؛ ومضى السيد حيدر في تصويره لإباء الإمام الشهيد فوصفه بأنّه أبى شمّ الدنيّة والضيم وعمد إلى شمّ الرماح والسيوف ؛ لأن بها طعام الإباء وطعم الشرف والمجد ؛ وعلى هذا الغرار من الوصف الرائع يمضي حيدر في تصويره لمنعة الإمام تلك المنعة التي ملكت مشاعره وعواطفه كما ملكت عواطف غيره ومن المقطوع به أنّه لم يكن متكلّفاً بذلك ولا منتحلاً وإنما وصف الواقع وصفاً صادقاً لا تكلّف فيه ؛ ويقول السيد حيدر في رائعة اُخرى يصف بها إباء الإمام وسموّ ذاته ، ولعلّها من أجمل ما رثى به الإمام (عليه السّلام) يقول :
وسامتهُ يركبُ إحدى اثنتينْ وقد صرّت الحربُ أسنانَها
فإمّا يُرى مُذعناً أو تموت نفسٌ أبى العزُّ إذعانَها
فقال لها اعتصمي بالإباءِ فنفسُ الأبيّ وما زانَها
إنّ مراثي حيدر للإمام تعدّ بحقٍّ طغراء مشرقاً في تراث الاُمّة العربية فقد فكّر فيها تفكيراً جادّاً ورتّب أجزاءها ترتيباً دقيقاً حتّى جاءت بهذه الروعة وكان فيما يقول معاصروه ينظم في كل حول قصيدة خاصّة في الإمام (عليه السّلام) ويعكف طيلة عامه على إصلاحها ويمعن إمعاناً دقيقاً في كل كلمة من كلماتها حتّى جاءت بمنتهى الروعة والإبداع.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
العتبة الحسينية تطلق فعاليات المخيم القرآني الثالث في جامعة البصرة
|
|
|