أقرأ أيضاً
التاريخ: 8-5-2017
5207
التاريخ: 7-5-2017
6935
التاريخ: 21-5-2017
4826
التاريخ: 7-2-2016
2447
|
وضع فقهاء المسلمين قواعد اجتهادية في كيفية محاسبة متولي الوقف قائمة على الاستحسان والعرف والمصالح وحسب احوال الناس واختلاف الازمان لتمكينهم من حفظ الامانات والولاية على الوقف (1). والذي يملك محاسبة المتولي لبيان ما استلمه من ريع الوقف وما انفقه من مصروفات عليه ، الموقوف عليهم مالكوا المنفعة بأعيان الوقف او بِغلّتِها، او القاضي . وينظر القاضي في موضوع محاسبة المتولي لدى شكوى الموقوف عليهم او بناء على طلبه او دعوى مرفوعة أمامه مطعون في أمانة المتولي او تقصيره او اهماله في رعاية شؤون الوقف او طلب تقدير أجرة له او زيادتها او الاذن للصرف او الاستدانة او الاستبدال وغيرها (2) ، ولا يوجد جدول زمني للمحاسبة ، وبذلك تكون المحاسبة في الفقه الإسلامي بعد وقوع خيانة المتولي والعلم بها للعلاج وليس قبلها للوقاية منها ، ولعل السبب ان الناس كانوا سبّاقين للخيرات في زمانهم ، فكان الاصل حسن النية فيهم ومحاسبتهم اذا ثبت خلاف ذلك وحرصهم على الترغيب في تولية الوقوف والاكثار من الخيرات .
واختلف فقهاء المسلمين في موضوع محاسبة متولي الوقف على النحو الاتي :
اولاً- رأي الحنفية : يفرق فقهاء الحنفية في محاسبة متولي الوقف بين محاسبة المتولي الأمين و محاسبة المتولي غير الامين . فإذا كان المتولي معروفاً بالامانة محمود السمعة غير متهم ، فيطلب منه بيان اجمالي حساب الوقف فيما استلمه من ريعه وما انفقه دون تفصيل (3)، فأن صدَّقه القاضي او الموقوف عليهم برأت ذمته ، وان لم يصدقوه، وكان موضوع الانكار وعدم التصديق إدعاءه بهلاك اموال الوقف أو ضياعها دون اهمال او تقصير ، فأنهم متفقون بأن لا يطالب بالبينة ، ولكن اختلفوا في تحليفه الى قولين :
القول الأول : يحلف المتولي اليمين اذا أدعي عليه شيئاً معلوماً .
القول الثاني : يحلف المتولي اليمين مطلقاً سواء أُدعي عليه شيئاً معلوماً ام غير معلوم (4) .
اما اذا كان موضوع الانكار فيما صرفه في عمارة الوقف من غلته ، فيقبل قوله بيمينه إذا لم يكذبه ظاهر الحال (5). وعندما يكون عدم التصديق او الانكار من الموقوف عليهم فيما دفعه لهم من حصصهم المستحقة من غلة الوقف، فلا يطالب بالبينة ويقبل قوله في الدفع واختلفوا في وجوب اليمين عليه الى رأيين : -
الرأي الأول : يقبل قوله في الدفع للموقوف عليه بيمينه ، فأن حلف برى وان نكل عن اليمين ضمن من ماله وهذا الرأي الراجح والمشهور عند الحنفية (6).
الرأي الثاني : يقبل قوله في الدفع للموقوف عليه دون يمين ، وهذا الرأي مرجوح (7) .
واذا كان الانكار من أصحاب الشعائر والوظائف كالخطيب والأمام والمدرس والمؤذن والخادم وغيرهم ، فللحنفية رأيان :-
الرأي الأول : يصدق المتولي بيمينه في الدفع لأصحاب الشعائر والوظائف كتصديقه للدفع للموقوف عليهم ، فإن نكل ضمن وهذا الرأي مرجوح وقال به بعض الفقهاء المعاصرين (8). الرأي الثاني : لا يصدق المتولي الا ببينه – وهذا الرأي الراجح والمشهور (9) ، فأن عجز فهناك خلاف حول من يضمن ، فذهب الرأي الأول الى تضمين المتولي لتعديه بالدفع دون بينة ، وذهب الرأي الثاني الى ان الوقف يضمن لانتفاء التعدي من المتولي وانه دفع حقاً لمن يستحقه قياساً على من استأجرة للعمل في البناء اذا دفع له اجره دون بينة (10). ونعتقد ان الرأي الأول هو الجدير بالتأييد ، لأنه اهمل بالدفع دون بينة ولم يحتاط لمنع الارتياب عنه والمحاسبة . والسؤال الذي يمكن ان يثار هو لماذا اختلف الحكم في دفع المتولي لأصحاب الوظائف والشعائر عن دفعه للموقوف عليهم ؟ ان ما يستحقه اصحاب الشعائر والوظائف هو مقابل خدمة او عمل فهو يشبه اجرة العامل للبناء في الجامع او الموقوف بأجرة معلومة ، فيكون استحقاقهم ديناً على الوقف فأذا انكر الاجير دفع الاجر اليه ، يكلف المدين المتولي بتقديم البينة ، وان المتولي ليس اميناً على استحقاقهم بل هو مدين في اجورهم فلا يصدق الا بالاثبات ، اما ما يأخذه الموقوف عليهم فهو ليس مقابل خدمة او عمل وانما هو مجرد صلة وصدقة وأمين على استحقاقهم والامين يقبل قوله بيمينه(11). اما محاسبة المتولي غير الامين-سمعته غير محمودة- عند الحنفية ، فأن القاضي يجبر المتولي غير الامين المتهم بعدم صحة ما إدعاه بتقديم حساب تفصيلي عما استلمه وصرفه من ريع الوقف (12) ، فاذا قدم حساباته وصدقه القاضي او الموقوف عليهم برأت ذمته، وان لم يقدم الحساب التفصيلي او قدمه ولم يصدقوه ، فللحنفية قولان في ذلك : -
القول الأول : يصدق قول المتولي ويكتفى منه باليمين فأن نكل ضمن(13). في غير الدفع لاصحاب الشعائر والوظائف اذ لابد من البينة .
القول الثاني : لا يقبل قوله مع يمينه ولابد من تقديم بينة وهذا هو الراي الراجح (14).
ثانياً – رأي الشافعية : يفرق فقهاء الشافعية في موضوع محاسبة المتولي، فإن كان الموقوف عليهم معينين ، فلهم الحق في مطالبة المتولي بتقديم الحساب فأن صدقوه برأت ذمته وان كذبوه وجب عليه الاثبات بالبينة لأن الموقوف عليهم لم يأتمنوه . اما اذا كان الموقوف عليهم غير معينين كالفقراء ونحوهم من الجهات العامة ، فالاوجه عندهم ان القاضي له الحق في مطالبته بالحساب ويصدق في قدر ما انفقه عند الاحتمال ، فإن أتهمه القاضي في حسابه او قدر انفاقه فيحلفه اليمين (15).
ثالثاً- رأي المالكية : يفرق فقهاء المالكية في محاسبة متولي الوقف فيما اذا أُشترط على المتولي في صك الوقفية بأن لا يدخل ولا يخرج شيئاً من مال الوقف الا بأشهاد ، عندئذٍ لا يصدق المتولي وان كان اميناً بيمينه ولابد من شهود عليه في تحصيل الغلة وصرفها . اما اذا لم يُشترط عليه الاشهاد فإن كان اميناً يصدق فيما صرفه من غير يمين ما لم يقم الدليل على كذبه ، وان كان غير امين او متهماً فإنه يحلف (16).
رابعاً – رأي الحنابلة : اختلف فقهاء الحنابلة في كيفية محاسبة متولي الوقف على اتجاهين :
الاتجاه الأول : يذهب الى التفرقة بين المتولي الامين وغير الامين.
فلا اعتراض للمستحقين على قول المتولي الأمين في حسابه الاجمالي (17) ، ولكن اذا تعدى المتولي على الوقف ، يطالبه المستحقون بتقديم حساب تفصيلي عن واردات الوقف وتعيين المستأجرين لاملاكه ومصروفاته للاماكن الموقوفة لينظروا ما لهم ويستدلوا على صدقة او كذبة (18). أي يطالبوه بالبينة في وارد الوقف ومصروفاته وباستحقاقهم من فاضل الوارد لأنه اصبح غير أمين بتعديه .
الاتجاه الثاني : يذهب الى قبول قول المتولي المتبرع في الدفع الى المستحقين، ولايقبل قول غير المتبرع الا ببينة (19)، واعترض على هذا الاتجاه انه يجعل المتولي المتبرع أميناً وغير المتبرع غير أمين (20). ونعتقد ان الاتجاه الأول هو الجدير بالتأييد ، ويتفق مع جمهور الفقهاء
خامساً – رأي الجعفرية : المتفق عليه عند الجعفرية وغيرهم ان متولي الوقف امين لما تحت يده من اموال الوقف (21) ، فأن الاصل في الامين الصدق وبراءة الذمة ، فلا يطالب بالحساب التفصيلي والبينة الا اذا اتهم بالتعدي والتقصير .
نخلص من كل ما تقدم الى أنه اذا كان موضوع محاسبة متولي الوقف في الفقه الإسلامي مبنياً على قواعد اجتهادية حسب احوال الناس في ذلك الزمان كما قلنا، لتشجيعهم على تولية الوقوف. إذ ان محاسبتهم دون خيانة تجعلهم يعتقدون انهم اصبحوا موضع شك فينفرون عنها، اما اليوم ، فقد اختلفت احوال الناس وتبدلت النفوس وطغت الماديات على المعنويات ، وعملاً بالقاعدة الفقهية ((لا ينكر تغير الأحكام بتغير الازمان)) (22). فأننا نعتقد ان تقديم الحساب التفصيلي المعزز بالبينات من سندات ووثائق من المتولين كافة هو الجدير بالتأييد ، لأن الوقاية خير من العلاج.
____________________
[1]- نقلاً عن د. محمد عبيد الكبيسي ، أحكام الوقف في الشريعة الإسلامية ، جـ2 ، المصدر السابق ، ص250 .
2- محمد ابو زهرة ، محاضرات من الوقف ، المصدر السابق ، ص397 .
3- علاء الدين الحصفكي ، الدر المختار شرح تنوير الابصار بحاشية ابن عابدين ، جـ6 ، المصدر السابق ، ص669 ؛ محمد العباسي ، الفتاوى المهدية في الوقائع المصرية ، جـ2 ، المصدر السابق ، ص483.
4- ابن عابدين ، رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الابصار ، جـ6 ، المصدر السابق ، ص669 .
5- محمد العباسي ، الفتاوى المهدية في الوقائع المصرية، ج2، المصدر السابق ، ص489 .
6- برهان الدين الطرابلسي ، الاسعاف في أحكام الأوقاف ، المصدر السابق ، ص72-73 ؛ ابن عابدين ، رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الابصار ، جـ6 ، المصدر السابق ، ص670 ؛ محمد قدري باشا، قانون العدل والانصاف للقضاء على مشكلات الأوقاف ، المصدر السابق ، (المادة 219) ، ص104-105 .
7- علاء الدين الحصفكي ، الدر المختار شرح تنوير الابصار بحاشية ابن عابدين ، جـ6 ، المصدر السابق ، ص670 . محمد العباسي ، الفتاوى المهدية في الوقائع المصرية ، جـ2 ، المصدر السابق ، ص460 .
8- حسين الاعظمي ، المصدر السابق ، ص170 ؛ زهدي يكن ، المصدر السابق ، ص87 .
9- ابن عابدين ، رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الابصار ، جـ6 ، المصدر السابق ، ص670-671 ؛ محمد قدري باشا ، قانون العدل والانصاف للقضاء على مشكلات الأوقاف ، المصدر السابق ، (المادة 222)، ص106 .
0[1]- الرأي الأول : لأبي سعود العمادي ، والراي الثاني لأبن عابدين ، يراجع : ابن عابدين ، رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الابصار ، المصدر السابق ، جـ6 ، ص671 .
[1]1- الاشارة السابقة.
2[1]- علاء الدين الحصفكي ، الدر المختار شرح تنوير الابصار بحاشية ابن عابدين ، جـ6 ، المصدر السابق ، ص666 .
3[1]- ابن عابدين ، رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الابصار ، جـ6 ، المصدر السابق ، ص669 ؛ محمد العباسي ، الفتاوى المهدية في الوقائع المصرية ، جـ2 ، ص550 .
4[1]- ابن عابدين ، المصدر نفسه ، ص670 ؛ محمد قدري باشا ، قانون العدل والانصاف للقضاء على مشكلات الأوقاف ، المصدر السابق ، (المادة 220) ، ص105.
5[1]- شمس الدين الشربيني ، مغني المحتاج الى معرفة معاني الفاظ المنهاج ، جـ3 ، المصدر السابق ، ص554؛ د. مصطفى الخن و د . مصطفى البغا وعلي الشربجي ، الفقه المنهجي ، المجلد الثاني ، المصدر السابق ، ص238 .
6[1]- احمد الصاوي ، بلغة السالك لأقرب المسالك على شرح الصغير ، جـ4 ، المصدر السابق ، ص120 ؛ احمد بن يحيى الونشريسي ، المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوي علماء افريقية والاندلس والمغرب ، جـ7 ، المصدر السابق ، ص141، 145 .
7[1]- مرعي بن يوسف المقدسي ، غاية المنتهى في الجمع بين الاقناع والمنتهى ، جـ2 ، المصدر السابق ، ص314 .
8[1]- بدر الدين ابو عبد الله محمد بن علي الحنبلي البعلي ، مختصر الفتاوى المصرية لشيخ الإسلام ابن تيمية ، دراسة وتعليق وتقديم محمد صفوت الشوادفي ، جـ2 ، طـ3 ، دار ابن رجب – من دون مكان طبع ، 1421هـ-2001م ، ص135 .
9[1]- منصور بن يونس بن ادريس البهوتي الحنبلي ، كشاف القناع عن متن الاقناع ، جـ2 ، المطبعة العامرة – مصر ، 1319هـ ، ص456 ، نقلاً عن د. محمد عبيد الكبيسي ، أحكام الوقف في الشريعة الإسلامية ، جـ2 ، المصدر السابق ، 261 ، اشار اليه مزاحم عبد القادر ابراهيم ، المصدر السابق ، ص91 .
20- د. محمد عبيد الكبيسي ، المصدر نفسه ، ص260-262 .
[1]2- محمد جواد مغنية ، الفقه على المذاهب الخمسة ، طـ6 ، دار العلم للملايين – بيروت ، 1979 ، ص607 .
22- نصت المادة –5- من القانون المدني العراقي على هذه القاعدة ، ولمزيد من التفصيل حول مضمونها يراجع د. مصطفى الزلمي وعبد الباقي البكري ، المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية ، مطبعة التعليم العالي في الموصل ، 1989 ، ص289-291 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|