أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-10-2014
1110
التاريخ: 14-10-2014
2020
التاريخ: 2024-10-05
146
التاريخ: 14-10-2014
9023
|
هـو ابـو بكر محمد بن عبداللّه بن محمد المعافريّ الاندلسي ، ختام علما الأندلس وآخر ائمتها وحفاظها ، توفي سنة (543هـ) كان من اهل التفنن في العلوم والتبحر فيها ، متكلماً في انواعها ، نافذاً في جمعها ، حريصاً في طلبها.
ويـعـتـبـر هذا الكتاب مرجعاً مهماً للتفسير الفقهي عند المالكية ، حيث مؤلفه مالكي متأثر بمذهبه ، فـظهرت عليه في تفسيره روح التعصب والدفاع عنه ، وربما حمل على مخالفيه حملة عشواء ، بما لا يتناسب ومقام الفقهاء العظام .
وعـلـى اي حـال ، فـهـو كـتاب حافل بالأدب واللغة مضافاً الى عرض مذاهب السلف في الفُتيا ، والاسـتـظـهار من كتاب اللّه . تراه قد يطيل البحث بالقيل والقال ، ورداً على مخالفي رأي اصحابه ، من غـيـر جـدوى نـجده عند آية الوضوء (1) يتعرض لأصحاب الشافعي في اعتبارهم النية في الوضوء ، يقول : ظن ظانون من اصحاب الشافعي الذين يوجبون النية في الوضوء ، انه لما أوجب الوضوء عند القيام الى الصلاة دل على انه اوجبه لأجله ، وانه أوجب به النية .
وهذا لا يصح ، فان ايجاب اللّه سبحانه الوضوء لأجل الحدث لا يدل على انه يجب عليه ان ينوي ذلك ، بـل يـجـوز ان يجب لأجله ، ويحصل دون قصد تعليق الطهارة بالصلاة وبنيتها لأجله ... ويسهب في الكلام هنا ، وينتهي الى قوله : فركب على هذا سفاسفة المفتين ، واوردوا فيها نصاً عمن لا يفرق بين الظن واليقين .
ويـنتقل بعد ذلك الى الكلام حول (وَأَيْدِيَكُمْ) ، فيقول : اليد عبارة عما بين المنكب والظفر ، وهي ذات اجـزاء واسـمـاء ، مـنـها المنكب ومنها الكف والاصابع ، وهو محل البطش والتصرف العام في المنافع ، وهو معنى اليد وغسلهما في الوضوء مرتين : احداهما عند اول محاولة الوضوء وهو سنة ، والثانية في اثناء الوضوء وهو فرض .
قوله : (إِلَى الْمَرَافِقِ) وذكر اهل التأويل في ذلك ثلاثة اقاويل :
الاول : ان (الـى ) بـمعنى (مع ) ، كما قال تعالى : {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} [النساء: 2] معناه : مع اموالكم .
الثاني : ان (الى ) حد ، والحد اذا كان من جنس المحدود دخل فيه .
الثالث : ان المرافق حد الساقط لا حد المفروض قاله القاضي عبد الوهاب ، وما رأيته لغيره . وتـحـقـيقه ان قوله : (وَأَيْدِيَكُمْ) يقتضي بمطلقه من الظفر الى المنكب ، فلما قال : الى المرافق اسقط ما بين المنكب والمرافق ، وبقيت المرافق مغسولة الى الظفر. وهذا كلام صحيح يجري على الاصول ، لغة ومعنى .
وامـا قولهم : ان (الى ) بمعنى (مع ) فلا سبيل الى وضع حرف موضع حرف ، وانما يكون كل حـرف بـمـعـناه ، وتتصرف معاني الافعال ، ويكون التأويل فيها لا في الحروف ومعنى قوله : (إِلَى الْمَرَافِقِ) على التأويل الاول : فاغسلوا ايديكم مضافة ، الى المرافق وكذلك قوله :
{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} معناه : مضافة الى اموالكم .
وقـد روى الـدار قـطـنـي وغيره ، عن جابر بن عبداللّه : ان النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) لما توضأ ادار الما على مرفقيه (2) .
ومـمـا يـمـتاز به هذا الكتاب ، كراهته للإسرائيليات ، كما انه شديد النفرة من الخوض فيها ، فهو عـنـدمـا تعرض لقوله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] نجده يقول : (المسألة الـثانية ) في الحديث عن بني اسرائيل ، كثر استرسال العلماء في الحديث عنهم في كل طريق وقد ثـبـت عن النبي انه قال : (حدثوا عن بني اسرائيل ولا حرج ) ومعنى هذا الخبر : الحديث عنهم بـمـا يخبرون به عن انفسهم وقصصهم ، لا بما يخبرون به عن غيرهم ، لأن اخبارهم عن غيرهم مـفـتـقرة الى العدالة والثبوت الى منتهى الخبر ، وما يخبرون به عن انفسهم فيكون من باب اقرار الـمرء على نفسه او قومه ، فهو اعلم بذلك .
واذا اخبروا عن شرع لم يلزم قبوله ففي رواية مالك عن عـمر ، انه قال : رآني رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم ) وانا امسك مصحفا قد تشرمت حواشيه (3) . فقال : ما هذا؟ قلت : جز من التوراة ! فغضب وقال : والله لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي (4) .
هذا الكتاب يعتبر مرجعاً مهماً للتفسير الفقهي عند المالكية ، حيث مؤلفه مالكي متأثر بمذهبه ، وقد ظهرت عليه روح التعصب له والدفاع عنه ، بحيث قد يجرفه الى التعسف في التهجم على مخالفة ، فيقذفه بكلمات لاذعة أحياناً ، حتى ولو كان إماماً وله قيمته ومركزه في مذهبه ! .. تارة بالتصريح وأخرى بالتلويح ..
مثلاً عند التعرض للآية 86 من سورة النساء : {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}.. يقول : استدل علماؤنا على أن هذه الآية دليل على وجوب الثواب في الهبة للعين .. لأنها تحية يجب ردها .. وقال الشافعي : ليس في هبة الأجنبي ثواب .. وهذا فاسد ، لأن المرء إنما يعطي ليعطي ، وهذا هو الأصل في الهبة . إذ أنا لا نعمل عملاً لمولانا إلا ليثيبنا ، فكيف عمل بعضنا لبعض ! (5)
وهو عند الآية 229 من سورة البقرة : {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا ... } يقول : هذا يدل على أن الخلع طلاق ، خلافاً للشافعي في القديم إنه فسخ . وفائدة الخلاف أنه إن كان فسخاً لم يعد طلقة .
قال الشافعي : لأنه تعالى ذكر الطلاق مرتين وذكر الخلع بعده ، وذكر الثالث بقوله : {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ...} [البقرة: 230] .. قال ابن العربي : وهذا غير صحيح ، لأنه لو كان كل مذكور في معرض هذه الآيات لا يعد طلاقاً ، لوقوع الزيادة على الثلاث ، لما كان قوله : {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } طلاقاً ، لأنه يزيد به على الثلاث .. قال : ولا يفهم هذا إلا غبي أو متغابٍ (6) .
وعند الآية 43 من سورة النساء : { .. فلم تجدوا ماء .. } يقول : قال أبو حنيفة : هذا نفي في نكرة وهو يعم لغةً ، فيكون مفيداً جواز الوضوء بالماء المتغير وغير المتغير ن لإطلاق اسم الماء عليه ..
قلنا : استنوق الجمل (7) ! الآن يستدل أصحاب أبي حنيفة باللغات ، ويقولون على ألسنة العرب ، وهم ينبذونها في أكثر المسائل بالعراء !
واعلموا أن النفي في النكرة يعم كما قلتم ، ولكن في الجنس ؛ فهو عام في كل مكان من سماء أو بئر أو عين أو نهر أو بحر عذب أو ملح ؛ فأما غير الجنس فهو المتغير فلا يدخل فيه ، كما لم يدخل فيه ماء الباقلاء !
قال : ومن هاهنا وهم الشافعي في قوله : إنه إذا وجد من الماء ما لا يكفيه لأعضاء الوضوء كلها ، أنه يستعمله فيما كفاه ويتيمم لباقيه ! فخالف مقتضى اللغة وأصول الشريعة ! (8).
وفي موضع من كتابه يرمي أبا حنيفة بأنه كثيراً ما يترك الظواهر والنصوص للأقيسة ..
ويقول عنه في موضع آخر : إنه سكن دار الضرب فكثر عنده المدلس .. ولو سكن المعدن – كما قيض الله المالك – لما صدر عنه إلا إبريز الدين وإكسير الملة ، كما صدر عن مالك .
وعند الآية 6 من سورة المائدة : {.. فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ..} يقول في تعريض ساخر : وظن الشافعي- وهو عند أصحابه معد بن عدنان في الفصاحة ، بله أبي حنيفة وسواه – أن الغسل صب الماء على المغسول من غير عرك .. وقد بينا فساد ذلك في مسائل الخلاف ..
وحققنا أن الغسل مس اليد مع إمرار الماء ، أو ما في معنى اليد .. (9)
وعند الآية 3 من سورة النساء : {... ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ...} .. يقول : اختلفوا في تأويله على ثلاثة أقوال : الأول : ان لا يكثر عيالكم .. قاله الشافعي .. الثاني : أن لا تضلوا .. قاله مجاهد .. الثالث : أن لا تميلوا .. قاله ابن عباس والناس ..
قلنا : أعجب أصحاب الشافعي بكلامه هذا ، وقالوا : هو حجة ، لمنزلة الشافعي في اللغة ، وشهرته في العربية ، الاعتراف له بالفصاحة ، حتى لقد قال لجويني بشأنه : هو أفصح من نطق بالضاد ، مع غوصه على المعاني ، ومعرفته بالأصول ؛ واعتقدوا أن معنى الآية : فانكحوا واحدة إن خفتم أن يكثر عيالكم ، فذلك أقرب الى أن تنتفي عنكم كثرة العيال !
قال ابن العربي : كل ما قال الشافعي أو قيل عنه أو وصف به ، فهو كله جزء من مالك ونغبة من بحره (10) ؛ ومالك أوعى سمعاً ، وأثقب فهماً ، وأفصح لساناً ، وأبرع بياناً ، وأبدع وصفاً .. ويدلك على ذلك مقابلة قول بقول في كل مسألة وفصل ..
ثم تكلم بعد ذلك عن معنى لفظ " عال " في اللغة ، ثم قال ك والفعل في كثرة العيال رباعي (أعال) لا مدخل له في الآية . فقد ذهبت الفصاحة ، ولم تنفع الضاد المنطوق بها على الاختصاص (11) .
وعند الآية 25 من سورة النساء : {.. فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ..} .. يقول : قال أبو بكر الرازي (الجصاص) إمام الحنفية ، ليس نكاح الأمة ضرورة ، لأن الضرورة ما يخاف منه تلف نفس أو تلف عضو ، وليس في مسألتنا شيء من ذلك !
قلنا : هذا كلام جاهل بمنهاج الشرع ، أو متهكم لا يبالي بموارد القول (12) .. ونحن لم نقل : إنه حكم نيط بالضرورة ، إنما قلنا : إنه حكم علق بالرخصة المقرونة بالحاجة ، ولكل واحد منهما حكم يختص به ، وحالة يعتبر فيها .. ومن لم يفرق بين الضرورة والحاجة التي تكون معها الرخصة ، فلا يعنى بالكلام معه ، فإنه معاند أو جاهل . وتقرير ذلك إتعاب للنفس عند من لا ينتفع به (13) .
الى غيرها من أمثلة تجدها ضمن الكتاب ، تنبؤك أن الرجل لم يكن عف اللسان مع الأئمة ولا مع أتباعهم .. وهي ظاهرة من ظواهر التعصب المذهبي ، الذي يقود صاحبه الى ما لا يليق به ، ويدفعه الى الخروج عن حد اللطافة والكياسة (14) .
والكتاب مطبوع في اربع مجلدات ، طبعة انيقة .كانت طبعته الثانية سنة 1387 هـ . / 1967م . بزيادة ضبط وشرح وتعليق .
___________________
1- المائدة : 6 .
2- أحكام القرآن لابن العربي ، ج2 ، ص562-565 .
3- المصحف : مجموعة صحائف ، تشرم : تشقق وتمزق .
4- أحكام القرآن لابن العربي ، ج1 ، ص23.
5- أحكام القرآن لابن العربي ، ج1 ، ص467- 468 .
6- المصدر نفسه ، ص 195.
7- مثل يضرب للرجل الرأي المخلط في كلامه .
8- المصدر نفسه ، ص446.
9- المصدر نفسه ، ج2 ، ص560 .
10. النغبة : الجرعة . وهي بفتح النون وضمها ..
11. المصدر نفسه ، ج1 ، ص314-315.
12. المتهكم : المستهزئ ..
13. المصدر نفسه ، ص 394.
14. التفسير والمفسرون ، ج2 ، ص455.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|