الولاية والإمامة العامة في السنة النبوية الشريفة : حديث الثقلين. |
1707
09:17 مساءاً
التاريخ: 10-12-2015
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-12-2015
3261
التاريخ: 28-09-2015
1302
التاريخ: 10-12-2015
2223
التاريخ: 10-12-2015
2048
|
يعتبر هذا القسم من أهم أقسام السنّة النبوية الشريفة وقد وردت بهذا الصدد روايات كثيرة عن النبي صلى الله عليه و آله في أشهر وأهم المصادر الإسلامية وحيث من المناسب الالتفات إليها بكامل الدقة والحياد، من أجل إزالة الاتهامات التي الصقت بهذه المسألة سنوات طويلة، وذلك من خلال نور العلم والاخلاص والبحث، والكشف عن الصورة الحقيقية لها بعيداً عن التعصبات، وليتضح واجبنا الإلهي ازاء هذه القضية الإسلامية المهمّة.
ونكتفي هنا بتناول جانب من الروايات المشهورة التي تتناول مسألة الإمامة والولاية بشكل عام، مع شرح مختصر لمحتواها ومفهومها، ونرجو من القراء الكرام أنْ يكرروا ملاحظة هذه الروايات والوثائق والمصادر، وأن يطلعوا بدقة على مضمونها، ونوكل إليهم الاستنتاج والاستنباط النهائي.
إننا نعتقد أنّ اتخاذ موقف اللامبالاة ازاء هذه الأحاديث الناطقة والمرور عليها مرور الكرام، أو غض الطرف عن الحقائق، لا يقلل من مسؤليتنا، بل يضاعفها.
حديث الثقلين
لقد سمي هذا الحديث بهذا الاسم لأنّ النبي صلى الله عليه و آله قال فيه : «إنّي تاركٌ فيكم الثقلين ...» (1).
ونقل هذا الحديث عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بشكل واسع للغاية في كتب الشيعة والسّنة المشهورة (وفي مصادر الدرجة الاولى) بحيث لم يبق معه شك في صدور هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه و آله. وبشكل عام، يمكن الاستفادة من هذه الأحاديث، بأنّه من الأحاديث التي لم يدل بها الرسول صلى الله عليه و آله لمرة واحدة فيكون حديثا واحداً، ورواته كثيرين، بل إنّه صلى الله عليه و آله ذكره في موارد مختلفة، وقد روي بروايات متعددة.
ونذكر هنا رواة هذا الحديث والكتب الإسلامية التي ورد فيها :
1- ففي صحيح مسلم الذي هو من أشهر المصادر لدى أهل السنّة وأهم الصحاح الستة، ينقل عن «زيد بن أرقم» أنّه قال : «قام رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خماً، بين مكة والمدينة (2)، فحمد اللَّه وأثنى عليه ووعظ وذكر، ثم قال : أمّا بعد ألا أيّها الناس فإنّما أنا بشر، يوشك أن يأتي رسول ربّي فاجيب وأني تارك فيكم ثقلين : أولهما كتاب اللَّه فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب اللَّه واستمسكوا به، فحث على كتاب اللَّه ورغب فيه، ثم قال :
وأهل بيتي اذكركُم اللَّه في أهل بيتي، اذكركُم اللَّه في أهل بيتي، اذكركم اللَّه في أهل بيتي» (3).
إنّ جعل أهل البيت عليهم السلام في موازاة القرآن باعتبارهما شيئين ثمينين، والتأكيد على التذكير بالمسؤولية الإلهيّة تجاههما يبرهن على علاقة هذا الأمر بمصير المسلمين وهدايتهم والمحافظة على اصول الإسلام، وإلّا لما اجتمعا.
2- وجاءت في نفس الكتاب رواية اخرى لنفس الراوي مع شيء من الاختلاف (4).
واللطيف أنّه عندما يُسأل زيد بن أرقم تعقيباً على هذه الآية هل المقصود من أهل بيته زوجاته؟ فيجيب : لا، المقصود من أهل البيت أهله من النسب الذين تحرم عليهم الصدقة.
3- ونقرأ في كتاب سنن الترمذي الذي يعرف ب «صحيح الترمذي» أيضاً في بحث مناقب أهل البيت عليهم السلام عن جابر بن عبد اللَّه أنّه يقول : رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يوم عرفة وقد صعد ناقته وخطب، فسمعته يقول : «ياأيّها الناس إني قد تركتُ فيكم ما إنْ أخذتم به لن تضلّوا، كتاب اللَّه وعترتي أهل بيتي» (5).
ثم يضيف الترمذي : وقد روى كل من أبي ذر، وأبي سعيد الخدري، وزيد بن الأرقم، وحذيفة هذا المعنى أيضاً.
4- بعد قليل وفي نفس الكتاب يروي عن أبي سعيد وزيد بن الأرقم أنّهما قالا : قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله «إني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلّوا بعدي : أحدهما أعظم من الآخر، كتاب اللَّه حبل ممدود ما بين السماء والأرض، وعترتي أهل بيتي، وأنّهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما» (6).
5- وفي سنن الدارمي وهو من الكتب المعروفة أيضاً، روي حديث يشابه حديث زيد بن الأرقم عن النبي صلى الله عليه و آله، ويختتم الكلام بالتصريح باسم الثقلين و «كتاب اللَّه وأهل البيت» (7).
ولا ينبغي نسيان أنّ (الدارمي) وبناء على ما قاله بعض العارفين هو استاذ مسلم وأبي داود، وكتاب سنن الدارمي أحد الكتب الستة المعتبرة المعروفة لدى أهل السُّنة (وان ذكر البعض سنن ابن ماجه بدلًا عنه).
6- ونقرأ في مسند أحمد وهو من الأئمّة الأربعة لأهل السنّة رواية عن زيد بن ثابت حيث يقول : قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله : «إنّي تارك فيكم خليفتين : كتاب اللَّه حبل ممدودٌ ما بين السماء والأرض، أو ما بين السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي وأنّهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض» (8).
انتبهوا إلى أنّه في بعض هذه الروايات ورد تعبير «الثقلين» «كما في رواية صحيح مسلم». وفي بعضها «خليفتي» «كما في الرواية الأخيرة التي نقلت عن سنن أحمد»، وفي البعض الآخر لم يرد ايّ منهما، بل مفهومها ومضمونها، وفي الحقيقة فانّها جميعاً تعود إلى أمر واحد.
7- يروي أحمد بن شعيب «النسائي»- الذي يعتبر من أعاظم أهل السنّة أيضاً، وكتاب سننه من الصحاح الستة المشهورة أيضاً- في كتاب «الخصائص» عن زيد بن الأرقم قوله :
إنّ النبي صلى الله عليه و آله وحين عودته من حجة الوداع ووصوله إلى غدير خم أمر بإقامة ظلة هناك واغتسل تحتها ثم قال : «كأنّي دعيت فاجبتُ، وإنّي تاركٌ فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر، كتاب اللَّه وعترتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنّهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، ثم قال : إنّ اللَّه مولاي وأنا مولى كل مؤمن ثم أخذ بيد علي عليه السلام، فقال : منْ كنتُ مولاه فهذا وليه، اللّهم وال مَنْ والاه وعاد من عاداه».
وفي نهاية الرواية ورد أنّ الراوي الثاني «أبو طفيل» قال : قلتُ لزيد بن الأرقم : أسمعت هذا الحديث من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله؟.
قال : كلُّ من كان تحت الظلة رأى هذا المنظر بعينيه، وسمع هذا الكلام بأذنيه (9).
هذه الرواية تبرهن جيداً على أنّ النبي صلى الله عليه و آله أدلى بهذا الكلام في الملأ العام، وبحضور حشد غفير في غدير خم، والجميع قد سمعوا ذلك.
8- ويروي الحاكم النيسابوري- وهو من علماء القرن الرابع الهجري في كتاب مستدرك الصحيحين وهو من المصادر المعروفة لدى أهل السنة ويضم الروايات التي لم ترد في صحيحي البخاري ومسلم، بينما هو في مرتبتهما من ناحية القيمة والوزن- هذا الحديث عن ابن واصلة أنّه يقول : سمعت من زيد بن الأرقم أنّ النبي صلى الله عليه و آله وصل إلى أشجار بين مكة والمدينة وكانت هناك خمس ظلل، فنزل وقام الناس بتنظيف ما تحت الأشجار، وبعد صلاتي الظهر والعصر، خطبنا رسول اللَّه فحمد اللَّه وأثنى عليه، وبالغ في الوعظ ثم قال :
«أيّها الناس إنّي تارك فيكم أمرين لن تضلوا أن اتبعتموهما : وهما كتاب اللَّه وأهل بيتي عترتي» (10).
ثم يضيف الحاكم : وهذا الحديث صحيح على شرط الشيخين (11).
9- يقول ابن حجر الهيثمي مفتي الحجاز وهو من ألد أعداء الشيعة، في كتاب «الصواعق المحرقة» : في رواية صحيحة «كأنّي قد دُعيت فاجبت، إنّي قد تركتُ فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر، كتاب اللَّه عزّ وجلّ وعترتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنّهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض».
ثم يضيف : وقد وردت هذه الزيادة في رواية اخرى أيضاً : «سألتُ ربّي ذلك لهما، فلا تتقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنّهم اعلم منكم».
ثم يضيف : إنّ لهذه الرواية طرقاً ورواة كثيرين يربون على نيف وعشرين راوياً، ولا حاجة لشرحه وتفصيله (12).
إنّ هذا الاقرار الصريح بسعة هذا الحديث «إلى حد التواتر» ومن شخص طالما شنَّ أعنف الهجمات على الشيعة فيما يخص مسألة الإمامة لهو أمرٌ جديرٌ بالاهتمام.
10- يروي ابن الأثير «محمد بن محمد بن عبد الكريم» صاحب الكتب المشهورة والتي من بينها كتاب «اسد الغابة في معرفة الصحابة» في أحوال «عبد اللَّه بن حنطب» أنّه قال :
«خطبنا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بالجحفة فقال : ألستُ أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا : بلى يا رسول اللَّه! قال إنّي سائلكم عن اثنين عن القرآن وعن عترتي» (13).
11- وذكر «جلال الدين عبد الرحمن السيوطي» وهو من العلماء المعروفين أيضاً وصاحب المؤلفات الكثيرة (14)، في كتاب «احياء الميت» ما أورده ابن الأثير في اسد الغابة (15).
12- وقد أورد البيهقي «أبو بكر أحمد بن الحسين» الذي يقول الزمخشري بحقه : «إنّ للشافعي دَيْناً على عاتق جميع أتباعه، إلّا أنّ البيهقي ولما كتبه فهو ذو حق على الشافعي نفسه وعلى أتباعه أيضاً» (16).
وأورد هذا الحديث في كتاب «السنن الكبرى» وهو من أهم كتبه (نظيراً لما ورد في صحيح مسلم لا سيما وأنّ كلمة أهل البيت قد تكررت فيه ثلاثاً) (17).
13- كما أنّ الحافظ الطبراني وهو من المحدثين المعروفين لدى أهل السنة «وقد عاش في القرن الثالث والرابع للهجرة» وكما يقول البعض : إنّه عاصر أكثر من ألف استاذ في الحديث، يروي في كتابه الموسوم «المعجم الكبير» بسنده إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أنَّ النبي صلى الله عليه و آله دعا الناس إلى اتباع الثقلين، فقام رجل وسأله : يا رسول اللَّه، وما الثقلان؟ قال :
«الأكبر كتاب اللَّه، سببٌ طرفه بيد اللَّه، وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به لا تزلّوا ولا تضلوا، والأصغر عترتي وأنّهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض».
ثم أضاف النبي صلى الله عليه و آله : «وقد سألتُ ربّي لهما ذلك، فلا تتقدموهم فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنّهم أعلم منكم» (18).
14- ونقل ابن تيمية «أحمد بن عبد الحليم الحنبلي» «المتوفى سنه 728 ه» مؤسس «المذهب الوهابي» في كتاب منهاج السنة، هذا الحديث كما ورد في صحيح مسلم (19).
كما نقله جماعةٌ آخرون من علماء السنة المشهورين والمعروفين في كتبهم، منهم :
15- ابن المغازلي علي بن محمد، «الفقيه الشافعي وهو من علماء القرن الخامس الهجري» إذ نقل هذا الحديث بمزيد من التفصيل عن زيد بن الأرقم (20).
16- الخوارزمي وهو من مشاهير علماء القرن السادس وكان من الفقهاء والمحدثين والخطباء والشعراء، نقل هذا الحديث أيضاً في كتابه الموسوم ب «المناقب» (21).
17- وذكره الذهبي «محمد بن أحمد بن عثمان الدمشقي الشافعي»- وهو من علماء القرنين السابع والثامن، وهو معروف بالتحيّز لمذهبة، وقد قال تاج الدين السبكي في كتاب «طبقات الشافعية» بحقه : إنّه محدّث عصره، وختام الحفاظ، ورافع راية مذهب السنة والجماعة، وامام أهل زماننا- هذا الحديث أيضاً في كتاب «تلخيص المستدرك» (22).
18- وذكر المؤرخ الشهير علي بن برهان الحلبي الشافعي وهو من علماء القرن الحادي عشر، في كتابه «إنسانُ العيون» المشهور بالسيرة الحلبية، حديث الثقلين ضمن بيانه لحديث الغدير وبعبارات صريحه كالذي ذكرناه آنفاً، وبعد ذكر هذا الحديث يقول بصراحة :
«هذا حديث صحيح حيث نُقل بإسناد صحيحة وحسنة» (23).
وذكر ابن حيان المالكي في كتاب «المقتبس في أحوال الاندلس» شبيه ما ورد في صحيح مسلم، إلّا أنّه ذكر المكان الذي تلا فيه النبي صلى الله عليه و آله تلك الخطبة والواقع بين مكة والمدينة بأنّه «الحصائن» والتي تعني «القلاع» (24).
20- وأورد «علاء الدين علي بن محمد البغدادي» المشهور ب «الخازن» وهو من علماء القرن الثامن الهجري في تفسيره ما جاء في صحيحي مسلم والترمذي (25).
21- وأورد «ابن أبي الحديد المعتزلي عز الدين عبد الحميد» وهو من علماء القرن السابع الهجري، هذه الرواية أيضاً في شرح نهج البلاغة، فيقول : «قد بين رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عترته من هي لمّا قال : إنّي تاركٌ فيكم الثقلين، فقال عترتي أهل بيتي».
ثم يضيف : وقد بين رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أهل بيته أيضاً في مكان آخر، عندما نشر عليهم الكساء، وعندما نزلت الآية : {انَّمَا يُريدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِجسَ ...}، قال : «إلهي هؤلاء أهل بيتي فأَذهب عنهم الرجس» (26).
22- ونقل «زيني دحلان» الشافعي (سيد أحمد) مفتي مكة وهو من علماء القرن الثالث عشر الهجري وله مؤلفات كثيرة، هذا الحديث في كتاب «السيرة النبوية» الذي طبع على هامش السيرة الحلبية كما نقلة صحيح مسلم تماماً، وكما رواه مسند أحمد بن حنبل عن أبي سعيد الخدري (27).
ترتيب مختصر :
كانت هذه مجموعة من مشاهير العلماء منذ قرون الإسلام الاولى وحتى القرون الأخيرة، حيث نقلوا حديث الثقلين في كتبهم بكل صراحة، ولكن لا ينبغي أن ننسى أنّ هذه طائفةٌ قليلة من مجموع رواة هذا الحديث، وطبقاً لما جاء في خلاصة عبقات الأنوار فقد ذكر المرحوم مير حامد حسين الهندي مائة وستة وعشرين كتاباً معروفاً، وقد أورد في كتابه هذا نص العبارة مع رقم الجزء والصفحة في الكتاب (28).
ومن الجدير بالذكر أنّ هذا الحديث لم يُروَ عن جابر بن عبد اللَّه الأنصاري أو أبي سعيد الخدري أو زيد بن الأرقم فحسب، بل رواه ما لا يقل عن ثلاثة وعشرين من صحابة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عنه مباشرة، وفيما يلي أسماؤهم :
1- زيد بن الأرقم، 2- أبو سعيد الخدري، 3- جابر بن عبد اللَّه الأنصاري، 4- حذيفة بن أسيد، 5- خزيمة بن ثابت، 6- زيد بن ثابت، 7- سهل بن سعد، 8- ضمرة الاسلمي، 9- عامر بن ليلى، 10- عبر الرحمن بن عوف، 11- عبد اللَّه بن عباس، 12- عبداللَّه بن عمر، 13- عدي بن حاتم، 14- عقبة بن عامر، 15- علي بن أبي طالب عليه السلام، 16- أبو ذر الغفاري، 17- أبو رافع، 18- أبو شريح الخزاعي، 19- أبو قدامة الأنصاري، 20- أبو هريرة، 21- أبو هيثم بن التيهان، 22- ام سلمه، 23- أم هاني.
تكرار حديث الثقلين على لسان النبي صلى الله عليه و آله :
من الامور التي يجدر ذكرها هنا أنّ النبي صلى الله عليه و آله لم يدل بهذا الحديث لمرّة واحدة فقط كما هو الحال بالنسبة لحديث الغدير الذي صرح به النبي صلى الله عليه و آله مرّة واحدة وسمعه ونقله كثيرون، بل إنّه ردَّدَ حديث الثقلين في مواطن عديدة ومناسبات مختلفة.
والمواطن التي ذُكر فيها الحديث ونُقل عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في كتب أهل السنّة عبارة عن :
1- في غدير خم أثناء عودة النبي صلى الله عليه و آله من حجة الوداع، حيث قام وأورد حديث الثقلين ضمن كلماته المفصلة.
وهذا ما ذكرناه آنفاً عن صحيح مسلم وخصائص النسائي مع ذكر الاسناد والمصادر.
2- خلال أيّام الحج وفي يوم عرفة وعندما كان النبي صلى الله عليه و آله يخطب من على ناقته حيث أدلى بهذا الحديث.
وهذا ما رواه الترمذي في صحيحه عن جابر بن عبد اللَّه الأنصاري، وأدرج سابقاً تحت الرقم 2.
3- تحدّث النبي الأكرم صلى الله عليه و آله بهذا الحديث في «الجحفة» وهي أحد مواقيت الحج بين مكة والمدينة، كما ذكر ذلك ابن الأثير في «اسد الغابة» في أحوال «عبد اللَّه بن حنطب»، وذُكر سابقاً في العدد 8 من سلسلة الأحاديث.
4- أثناء مرضه الذي انتهى بوفاته، وعندما كان يدلي بآخر وصاياه، أوصى صلى الله عليه و آله بالثقلين وقال : «أيّها الناس يوشك أن اقبض قبضاً سريعاً فينطلق بي وقد قدّمت إليكم القول معذرةً إليكم إلّا أنّي مخلف فيكم كتاب ربي عزّ وجلّ وعترتي أهل بيتي، ثم أخذ بيد علي عليه السلام فرفعها، فقال : هذا عليٌ مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقان حتى يردا علي الحوض فاسئلوهما ما خلَّفت فيهما» (29).
وهناك دقائق وظرائف لا تخفى على أهل الحقيقة.
5- قال صلى الله عليه و آله في «مسجد الخيف» اثناء «حجة الوداع» : ألا وإنّي سائلكم عن الثقلين، قالوا : يا رسول اللَّه وما الثقلان؟ قال : كتاب اللَّه الثقل الأكبر، طرف بيد اللَّه وطرف بأيديكم فتمسكوا به لن تضلوا ولن تزلوا، وعترتي أهل بيتي، فانّه قد نبأني اللطيف الخبير أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض كاصبعيّ هاتين» (30).
6- أثناء عودته صلى الله عليه و آله من الطائف «بعد فتح مكة» حيث وقف النبي وذكر هذا الحديث وهذه النقاط المهمّة (31).
إنّ هذا التكرار والتأكيد وفي أماكن مختلفة، في المدينة وفي أيّام الحج، في يوم عرفة، وفي مسجد الخيف «أيّام منى» وفي وسط الطريق بين مكة والمدينة، وموارد اخرى دليلٌ واضح وبرهانٌ قويٌ وناطق على أنّ التمسك بهذين الأمرين المهمين يعتبر قضية مصيرية ومهمة بحيث كان النبي صلى الله عليه و آله يريد توعية المسلمين على أهميّتهما لئلا يضلوا، والعجب العجاب إذا ما تخلينا عنهما بعد كل هذا التكرار والتأكيد، وألقينا بأنفسنا في الضلالة، أو قللنا من شأنهم من خلال التبريرات الخاطئة.
فكيف يمكن المرور مرور الكرام بحديث نقله نيفٌ وعشرون من صحابة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وورد في المصادر الشهيرة ومن قبل الطبقة الاولى، ونقل في ما يقارب من مائتي كتاب إسلامي معروف، لا شك ولا ريب في سنده، ولا غموض في برهانه؟ من المسلم به أنّ مَن يمر بهذا الحديث مرور الكرام تقع على عاتقه مسؤولية عظيمة.
فالذي يؤمن بالنبي صلى الله عليه و آله باعتباره رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وخاتم النبيين والأمين على الوحي، ويرى تأكيده على التمسك بهذين الأمرين المهمين رأي العين، ويعتبر أنّ الهدى في اتباعهما، عليه أن يعلم أنَّ هناك سرّاً مهماً يكمن في هذين الأمرين.
المسائل المهمّة المستوحاة من حديث الثقلين :
إنّ هذا الحديث الشريف يرسم خطوطاً مهمّة أمام المسلمين، وسنشير إلى جانب منها بشكل مختصر :
1- إنّ القرآن وأهل البيت عليهم السلام متلازمان دائماً ولا يمكن فصلهما، والذين يبحثون عن حقائق القرآن يتحتم عليهم التمسك بأهل البيت عليهم السلام.
2- كما أنّ اتّباع القرآن واجبٌ على المسلمين بلا قيد أو شرط فإنّ اتّباع أهل البيت عليهم السلام واجبٌ أيضاً بلا قيد أو شرطٍ.
3- إنّ أهل البيت معصومون عليهم السلام، فعدم افتراقهم عن القرآن من ناحية، ووجوب اتباعهم بلا قيد أو شرطٍ من ناحية اخرى، دليل واضحٌ على عصمتهم من الزلل والخطأ والذنب، فلو كانوا يذنبون أو يخطئون لانفصلوا عن القرآن، وأنّ اتباعهم لم يؤمِّن المسلمين من الضلالة والانحراف، وأنّ قوله صلى الله عليه و آله : «ما إن تمسكتهم بهما لن تضلوا»، دليل جليٌّ على عصمتهم.
4- والأهم من كل ذلك أنّ النبي صلى الله عليه و آله قد رسم هذا الخط للمسلمين على مر الزمان إلى يوم القيامة، فيقول : «إنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض» فهذا يوضح بجلاء أنّ هناك شخصاً من أهل البيت عليهم السلام بعنوان أمام معصوم على مرّ التاريخ، وكما أنّ القرآن نبراس هداية فإنّهم كذلك، إذن لابدّ أن نسعى ونبحث عنهم في كلِّ عصر وزمان.
5- يستفاد من هذا الحديث الشريف أنّ الانفصال عن أهل البيت عليهم السلام أو التقدم عليهم يمثل أساس الضلال، ولا ينبغي تقدم شيء على ما يختارونه.
6- إنّهم أفضل وأعلم من الناس كافّة.
نعم، فلا غموض في استجلاء هذه الامور من الحديث المذكور أبداً.
واللطيف أنّ «السمهودي» والشافعي (32) وهما من علماء القرن التاسع والعاشر الهجري المعروفين، وصاحب كتاب «وفاء الوفاء» يقول في احدى مؤلفاته باسم «جواهر العقدين» الذي كتبه حول حديث الثقلين : إنّ ذلك يفهم وجود مَنْ يكون أهلًا للتمسك به من أهل البيت والعترة الطاهرة في كلّ زمانٍ وُجدوا فيه إلى قيام الساعة، حتى يتوجه الحثُ المذكور إلى التمسك به كما أنّ الكتاب العزيز كذلك (33).
سؤال أخير :
يبقى سؤال واحد فقط وهو : إنّه عبر في بعض الروايات وإن كانت قليلة جداً ب «وسنتي» بدلًا عن «وعترتي أهل بيتي»، حيث عثرنا عليهما في مكانين في سنن البيهقي، ففي مورد يروي ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و آله أنّه خطبنا في حجة الوداع وقال : «إنّي تارك فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبداً، ثم قال : كتاب اللَّه وسنة نبيّه» (34).
وفي سند آخر نقل هذا المعنى عن أبي هريرة أيضاً (35).
ولكن من الواضح أنّ هذه الرواية لا يُستند عليها في مقابل جميع تلك الروايات التي تصرح باسم أهل البيت والعترة، وحتى أنّ كلمة أهل البيت تكررت في بعضها ثلاث مرات، وتم التأكيد عليهم، وفي بعضها جاء اسم عليّ عليه السلام بالنص، وأنّ النبي صلى الله عليه و آله أخذ بيده وعرَّف به، ويبدو أنّ سلاطين الزمان قاموا بهذا التغيير للإفلات من مؤاخذات الناس، إلّا أنّهم لم يستطيعوا التحريف.
فضلًا عن أنّ هاتين الروايتين على فرض صحة حديث «وسنتي» لا تتعارضان، ففي مكان يوصي النبي صلى الله عليه و آله بالكتاب والسنّة، وفي مكان آخر بالكتاب والعترة، لأنّ النبي صلى الله عليه و آله وكما أسلفنا قد أدلى بهذا الحديث مرات عديدة (وفقاً للروايات التي وردت في المصادر المشهورة لأهل السنّة)، فتارة في حجة الوداع، واخرى أثناء عودته من الطائف، ومرّة في المدينة وعلى المنبر، واخرى على فراش المرض والوفاة (36)، فما الضير في أن يقول مرات ومرات : «وعترتي» ومرة واحدة : كتاب اللَّه وسنتي؟
وهل هنالك شخص ينكر أنّ سنّة النبي صلى الله عليه و آله هي احدى آثاره العظيمة، التي يجب العمل بها؟ وهل يمكن لمسلم أن يغض الطرف عن سنة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله التي أكد عليها القرآن، وقال : {مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهاكُمْ عَنهُ فَانتَهوُا}. (الحشر/ 7)
إنّ هذا المعنى لا يتعارض والتأكيد على اتباع العترة والتمسك بها الوارد في الموارد الاخرى.
وبتعبير آخر : إنّ اختيار إحدى الروايتين يكون في موضع يتعارضان فيه، والحال أنّهما لا يتعارضان على الاطلاق، إنّ التمسك بهدى أهل البيت عليهم السلام هو أحد المصاديق البارزة للعمل بسنة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فمن اطاع أهل البيت عليهم السلام فقد عمل بسنة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، والذي أدار ظهره لهم وقدم اختياره على اختيار رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فقد تمرد على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله.
وعلى أي حالٍ لا يمكن التنصل من المسؤولية التي حمَّلتها إيّانا أحاديث الثقلين الأحاديث المتواترة بلا شك، ولا يمكن التغاضي عنها من ناحية السند والبرهان.
ونختم الكلام بشعر أورده الإمام الشافعي بهذا الصدد :
ولما رأيت الناس قد ذهبت بهم مذاهبهم في ابحرِ العين والجهلِ
ركبتُ على اسم اللَّه في سفن النجاة وهم آل بيت المصطفى خاتم الرسلِ
وأمسكتُ حبل اللَّه وهو ولاؤُهم كما قد أمرنا بالتمسك بالحبلِ
وما أسعد الإنسان إذ يراهم الملاذ في كلّ شيء ويعرف الحق من خلالهم (37).
وقد استند في الكثير من الروايات الآنفة إلى قضية حوض الكوثر، وسبب ذلك بحسب الظاهر أنّ حوض الكوثر يقع في باب الجنّة، وأنّ أول قدم للدخول تكون هناك، وأنّ الصالحين يزورون النبي صلى الله عليه و آله وأهل البيت عليهم السلام هناك.
______________________
(1) تقرأ كلمة «ثقلَين» على نحوين فتارة تقرأ على وزن «حَرَمَين»، ومفردها (ثَقَل) على وزن «حَرم» وتعني الشيء الثمين والنفيس، كما تأتي بمعنى امتاع المسافر، وتارةً تُقرأ (ثِقْلَيْن) على وزن (سِبْطَيْنِ) حيث تعني الشيء الثقيل، ويعتقد صاحب كتاب «التحقيق» أنّ الاولى تعني القيمة المعنوية (والثانية أكثر شمولية) كما ينبغي الانتباه إلى أنَ (ثَقل) على وزن (حرم) صفة مشبهة، و (ثِقْل) على وزن (سبط) اسم مصدر.
(2) جاء في هامش صحيح مسلم أنّ غدير خم يبعد عن الجحفة ثلاثة اميال.
(3) صحيح مسلم، ج 4 ص 1873.
(4) صحيح مسلم، ج 4، ص 1874.
(5) صحيح الترمذي، ج 5، ص 662، باب مناقب أهل بيت النبي، ح 3786.
(6) صحيح الترمذي، ص 663، ح 3788.
(7) سنن الدارمي، ج 2، ص 432.
(8) مسند الإمام أحمد، ج 5، ص 182.
(9) خصائص النسائي، ص 20، وفقاً لما نقل عن فضائل الخمسة، ج 2 ص 54.
(10) مستدرك الصحيحين، ج 3، ص 109 (طبقاً لنفس المصدر).
(11) المراد من شرط ذينك الشخصين هو أنّهما ينقلان الأحاديث التي تنتهي سلسلة سندها إلى النبي صلى الله عليه و آله وأنّ رواتها يحظون بثقتهما وليسوا متهمين، وحيث إنّهما لم ينقلا كل الأحاديث التي تتمتع بهذا الشرط، فقد قام الحاكم النيسابوري بجمع الأحاديث التي تتمتع بالشروط ولم تأت في الكتابين، وذلك في كتابه «المستدرك»، من هنا يمكن أن يكون المستدرك موازياً لصحيحي البخاري ومسلم.
(12) الصواعق، ص 226.
(13) اسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 3، ص 47.
(14) قيل إنّه كتب أكثر من خمسمائة كتاب (الكنى والالقاب، ج 1 ص 207).
(15) احياء الميت الذي طبع على هامش الاتحاف، ص 116.
(16) الكنى والألقاب، ج 2، ص 114.
(17) سنن البيهقي، ج 10، ص 114.
(18) المعجم الكبير، ص 137، وفقاً لما نقله احقاق الحق، ج 9، ص 322.
(19) منهاج السنّة، ج 4، ص 104.
(20) احقاق الحق، ج 4، ص 438، (نقلًا عن كتابه الخطي).
(21) المناقب، ص 93.
(22) جاء هذا الكتاب على هامش كتاب المستدرك للحاكم، ج 3، ص 109.
(23) السيرة الحلبية، ج 3، ص 274.
(24) المقتبس، ص 167.
(25) تفسير الخازن، ج 1، ص 4.
(26) شرح نهج البلاغة، لابن أبى الحديد، ج 2، ص 437، طبع القاهرة.
(27) السيرة النبوية، ج 2، ص 300؛ على هامش ج 3 من السيرة الحلبية، ص 33 وجاء أيضاً في ص 33.
(28) نقلًا عن خلاصة عبقات الأنوار، ج 2، ص 105- 242.
(29) الصواعق المحرقة، ص 75.
(30) تفسير علي بن إبراهيم وفقاً لنقل بحار الأنوار، ج 23، ص 129، ح 61.
(31) صواعق ابن حجر، الفصل الأول، الباب 11 آخر ص 89.
(32) «سمهود»، قرية كبيرة إلى جانب النيل في مصر.
(33) خلاصة عبقات الأنوار، ج 2، ص 285.
(34) سنن البيهقي، ج 10، ص 114.
(35) المصدر السابق.
(36) لقد تمّت الإشارة إلى هذه الموارد سابقاً، ويجدر القول إنّ المرحوم السيد شرف الدين قد أشار إلى الموارد في الرسالة الثامنة في كتابه المراجعات.
(37) كتاب ذخيرة المال ,ج2 ,ص277 (طبقا لنقل خلاصة العقبات).
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|