دعاء الإمام السجاد في لزوم الإمام وفوائده
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج4/ص200-203
2025-12-14
47
يقول الإمام زين العابدين وسيّد الساجدين عليّ بن الحسين عليه السلام في دعاء يوم عرفة، وهو الدعاء السابع والأربعون من أدعية «الصحيفة السجّاديّة الكاملة»: "اللهُمَّ أنّكَ أيَّدْتَ دِينَكَ في كُلِّ أوانٍ بِإمَامٍ أقَمْتَهُ عَلَماً لِعِبَادِكَ ومَنَاراً في بِلَادِكَ بَعْدَ أنْ وَصَلْتَ حَبْلَهُ بِحَبْلِكَ، وجَعَلْتَهُ الذَّرِيعَةَ إلى رِضْوَانِكَ، وافْتَرَضْتَ طَاعَتَهُ وحَذَّرْتَ مَعْصِيَتَهُ، وأمَرْتَ بِامْتِثَالِ أمْرهِ ولانْتِهَاءِ عِنْدَ نَهْيِهِ، وألّا يَتَقَدَّمَهُ مُتَقَدِّمٌ، ولَا يَتَأخَّرُ عَنْهُ مُتَأخِّرٌ، فَهُوَ عِصْمَةُ اللّائِذِينَ وكَهْفُ الْمُؤمِنِينَ وعُرْوَةُ الْمُتَمَسِّكِينَ وبِهَاءُ الْعَالَمِين".
ذكر المرحوم السيّد على خان المدنيّ الكبير موضوعات نفيسة في شرح هذا المقطع من الدعاء من شرح «الصحيفة السجّاديّة الكاملة» ننقل هنا ملخّصاً لها: وصف الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام الإمام بأربعة أوصاف:
الأوّل: عِصْمَةُ اللّائِذِينَ أي: مانع لمن لاذ به والتجاء إليه بسبب هدايته له إلى سلوك الصراط المستقيم عن التورّط في أحد طرفي الإفراط والتفريط.
الثاني: كَهْفُ الْمُؤمِنينَ أي: ملجأ جماعة المؤمنين الذين يلجأون إليه عند حلول الشبهات ويعوّلون عليه في الخلاص من الظلمات.
الثالث: عُروَةُ الْمُتَمَسِّكِينَ أي: منقذ من تمسّك به واقتدى بأثره وانقاد لأمره ونهيه من مهاوي الهلكات والوقوع في مساقط النقمات.
الرابع: بَهَاءُ الْعَالَمِينَ أي: به يكون انتظام أمر العالم وحسن هيئته إذ بهديه وسيرته يعتدل ميزان العدل ويقوم عماد الحقّ في الخلق.
هذا الدعاء الذي يدلّ على لزوم الإمام في كلّ زمن من الأزمان ممّا تطابق عليه العقل والنقل. أمّا العقل فبيانه أنّ الإنسان غير مكتف في الوجود والبقاء بذاته لأنّ نوعه لم ينحصر في شخصه، فلا يعيش في الدنيا إلّا بتمدّن واجتماع وتعاون، ولا يمكن وجوده بالانفراد، فافترقت أعداد واختلفت أضراب، وانعقدت ضياع وبلاد، فاضطرّوا في معاملاتهم ومناكحاتهم وجناياتهم إلى قانون مرجوع إليه بين كافّة الخلق يحكمون به بالعدل، وإلّا تغالبوا وتهارسوا وفسد الجميع وانقطع النسل واختلّ النظام. ولا بدّ من قانون يعيّن لهم منهجاً يسلكونه لانتظام معاشهم في الدنيا، ويسنّ لهم طريقاً يصلون به إلى الله. وذلك القانون هو الشرع الذي يعيّن لهم منهجاً يسلكونه لانتظام معاشهم في الدنيا، ويسنّ لهم طريقاً يصلون به إلى الله، ويفرض عليهم ما يذكّرهم أمر الآخرة، والرحيل إلى ربّهم وينذرهم وينادون فيه من مكان قريب، ويهديهم إلى الصراط المستقيم.
ولا بدّ أن يكون إنساناً، لأنّ مباشرة الملك لتعليم الإنسان على هذا الوجه مستحيل، ودرجة باقي الحيوانات أنزل من هذا. فتعيّن أن يكون إنساناً، ولا بدّ من تخصيصه بآيات من الله دالّة على أنّ شريعته من عند ربّهم، ليخضع له النوع، وهي المعجزة. وكما لا بدّ في العناية لنظام العالم من المطر، والعناية لم تقصر عن إرسال السماء مدراراً لحاجة الخلق، فنظام العالم لا يستغني عمّن يعرّفهم صلاح الدنيا والآخرة، نعم من لم يهمل إنبات الشعر على الحاجبين للزينة لا للضرورة، كيف يهمل من وجوده رحمة للعالمين، وإقامته علماً يهتدي به لسلوك صراطه المستقيم.
فانظر إلى عنايته ولطفه تعالى كيف أعدّ لخلقه بإيجاد ذلك الشخص مع النفع العاجل والسلامة في العقبى والخير الآجل، فهذا هو خليفة الله في أرضه، وهو الإمام الذي نصبه علماً لعباده ومناراً في بلاده.
فإن قلت: هذا البيان أنّما يوجب بعثة النبيّ، الذي هو الشارع المبيّن للشريعة لا مطلق الإمام. قلت: كما احتاج المكلّفون إلى نبيّ يستفيد الشريعة والحكمة من الوحي، فكذلك يحتاجون إلى حافظ لما بلّغة النبيّ الامّة إلى الامّة بعد فوته، إذ لا يمكنهم حفظ جميع أحكامه، والكتاب لا يفي بعد النبيّ بمعرفة الأحكام على وجه يرفع الاحتياج إلى الإمام، فأنّ فيه مجملًا ومفصّلًا، ومحكماً ومتشابهاً، وخاصّاً وعامّاً، وناسخاً ومنسوخاً، وعلوماً باطنه، ودقائق غامضة من الأحكام وغيرها ممّا لا يتيسّر الإحاطة به إلّا لنبيّ بطريق الوحي، أو وصيّ ذي اذُن واعية يعي كلّ ما يسمعه من النبيّ، فيحفظه على وجهه، والاجتهاد ممنوع.
وإن قلنا بصحّته، فإنّما هي عند الضرورة وهي منفية من جانبه، فلا بدّ لتلك الامور من حافظ عالم بها على وجهها ولا يتيسّر- كما عرفت- إلّا الذي نفس قدسيّة وحدس عال، وبصيرة منيرة مصقولة من دنس الجهل وصدأ الصفات الذميمة لتنطبع فيها العلوم الإلهيّة، وتظهر فيها الأسرار الغيبيّة.
ولذلك قال بعض أهل العرفان: أنّ النبوّة والرسالة من حيث ماهيّتهما وحكمهما ما انقطعتا وما نسختا، وإنّما انقطع مسمّى النبيّ والرسول، وانقطع نزول المَلَك حامل الوحي على نهج التمثّل. وعلى هذا وردت الأخبار عن الأئمّة الأطهار عليهم السلام في الفرق بين الرسول؛ والنبيّ، والمحدَّث.
أنّ الرسول: من يظهر له الملك فيكلّمه.
والنبيّ: هو الذي يرى في منامه، وربّما اجتمعت النبوّة والرسالة لواحد.
والمحدّث: الذي يسمع الصوت ولا يرى الصورة.
واشتهر الخبر عن النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم: "أنّ في امتى مُحَدَّثينَ مُكَلَّمِينَ. وقال صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وآلِهِ وسَلَّمَ أيضاً: أنّ للهِ عِبَاداً لَيْسُوا بِأنْبِيَاءَ يَغبِطُهُمُ النَّبِيُّونَ". وأمّا النقل: فهو مستفيض من طرق العامّة ولخاصّة[1] إلى آخر ما ذكره من الروايات.
[1] «شرح الصحيفة» للسيّد على خان، ص 500.
الاكثر قراءة في الامامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة