تصريح رسول الله بأسماء الأئمة الاثني عشر
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج4/ص195-200
2025-12-14
54
روى الشيخ الصدوق محمّد بن عليّ بن بابويه القمّيّ بإسناده عن الحسين بن يزيد بن عبد عليّ، عن عبد الله بن الحسن، عن أبيه، عن الإمام الحسن عليه السلام أنّه قال: خطب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يوماً، فقال بعد ما حمد الله وأثنى عليه: "مَعَاشِرَ النَّاسِ كَأنّي ادْعَى فاجيب، وأنّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ كِتَابَ اللهِ وعِتْرَتي أهْلَ بَيْتِي. أمّا إنْ تَمَسَكْتُمْ بِهِما لَن تَضِلُّوا، فَتَعَلَّمُوا مِنْهُمْ ولَا تُعَلِّمُوهُمْ فَأنّهُمْ أعْلَمُ مِنْكُمْ. لَا تَخْلُو الأرْضُ مِنْهُمْ ولَوْ خَلَتْ لَانْسَاخَتْ بِأهْلِهَا".
ثُمّ قالَ [صلوات الله عليه وآله]: "اللهُمَّ أنّي أعْلَمُ أنّ الْعِلْمَ لَا يَبيدُ ولَا يَنقَطِعُ وأنّكَ لَا تُخْلِى الأرْضَ مِنْ حُجَّةٍ لَكَ على خَلْقِكَ ظَاهِرٍ لَيْسَ بِالْمُطَاعِ أوْ خَائِفٍ مَغْمُورٍ كَيْلَا تَبْطُلَ حُجَّتِكَ ولَا تَضِلَّ أوْلِيَاؤُكَ بَعْدَ إذْ هَدَيْتَهُمْ اولَئِكَ الأقَلُّونَ عَدَداً الأعْظَمُونَ قَدْراً عِنْدَ اللهِ."
فلمّاً نزل عن منبره، قلت له: يا رسول الله أمَا أنت الحجّة على الخلق كلّهم؟ قال: يا حسن، أنّ الله يقول: {إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ ولِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ} فَأنَا الْمُنْذِرُ وعَلِيّ الْهَادي.
قلتُ: يا رسول الله قولك: أنّ الأرض لا تخلو من حجّة. قال: نعم، عليّ هو الإمام والحجّة بعدي، وأنت الإمام والحجّة بعده، والحسين الإمام والحجّة والخليفة من بعدك. ولقد نبّأني اللطيف الخبير أن يخرج من صلب الحسين ولد يقال له: عليّ سميّ جدّه، فإذا مضى الحسين، قام بعده عليّ ابنه، وهو الإمام والحجّة بعد أبيه، ويُخرج الله من صلب عليّ ولداً سميّي وأشبه الناس بي علمه علمي وحكمه حكمي وهو الإمام والحجّة بعد أبيه. ويُخرج الله تعالى من صُلب محمّد مولوداً يقال له: جعفر، أصدق الناس قولًا وفعلًا، وهو الإمام والحجّة بعد أبيه. ويخرج الله تعالى من صلب جعفر مولوداً يقال له: موسى سميّ موسى بن عمران أشدّ الناس تعبّداً، فهو الإمام والحجّة بعد أبيه. ويُخرج الله من صلب موسى مولوداً يقال له: عليّ معدن علم الله وموضع حكمه وهو الإمام والحجّة بعد أبيه. ويُخرج الله من صلب عليّ مولوداً يقال له: محمّد، فهو الإمام والحجّة بعد أبيه. ويُخرج الله من صلب محمّد ولداً يقال له: عليّ، فهو الإمام والحجّة بعد أبيه. ويخرج الله من صلب عليّ مولوداً يقال له: الحسن، فهو الإمام والحجّة بعد أبيه. ويُخرج الله من صلب الحسن الحجّة القائم إمام شيعته وينقذ أوليائه، يغيب حتى لا يرى، يرجع عن أمره قوم ويثبت عليه آخرون، ويقولون: متى هذا الوعد إن كنتم صادقين. " لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنَ الدُّنْيَا إلّا يَوْمٌ وَاحِدٌ لَطَوَّلَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ حتى يَخْرُجَ قَائِمُنَا فَيَمْلأ الأرْضَ قِسْطاً وعَدْلًا كَما مُلِئَتْ ظُلْماً وجَوْراً، فَلَا تَخْلَو الأرضُ مِنْكُمْ أعْطَاكُمُ اللهُ عِلْمِي وفَهْمِي ولَقَدْ دَعَوْتُ اللهَ تَبَارَكَ وتَعَالى أنْ يَجْعَلَ الْعِلْمَ والْفِقْهَ في عَقِبِي وعَقِبِ عَقِبِي وفي زَرْعِي وزَرْعِ زَرْعِي"[1].
يضمّ هذا الحديث الشريف نقاطاً ينبغي الإمعان في كلّ واحدة منها بنحو مجمل.
النقطة الاولى: تبيان الثقلين، أي: كتاب الله، وأهل البيت، اللذينِ اعتبر رسول الله التمسّك بهما تحصيناً ضدّ الضلال. وهذا الحديث من الأحاديث المتواترة التي رواها ما يربو على الثلاثين من صحابة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم. وناهيك عن علماء الشيعة الكبار ومصنّفاتهم الموثوقة، فقد رواه أكثر من مائتي عالم من علماء السنّة الكبار بألفاظ متنوّعة[2]، وجاء فيما يزيد على خمسمائة كتاب من كتبهم المعتمدة[3].
وخصّص العلّامة آية الله مير حامد حسين اللكنهويّ الهنديّ النيسابوريّ رضوان الله عليه الجزء الثاني عشر من كتابه «عقبات الأنوار» للبحث حول هذا الحديث، وقسّمة إلى جزءين، خصّص الأوّل للبحث في سند الحديث، والثاني للبحث في دلالته[4]. وألّف الميرزا نجم الدين شريف العسكريّ كتاباً مستقلًّا حول هذا الحديث وحديث السفينة من مصادر العامّة أسماه: «محمّد وعليّ وحديث الثقلين وحديث السفينة». ونتعرض إلى هذا الحديث مفصّلًا في بحوثنا القادمة إن شاء الله تعالى.
النقطة الثانية: أنّ قوله صلّى الله عليه وآله: لَا تُعَلِّمُوهُمْ فَأنّهُمْ أعْلَمُ مِنْكُمْ مأثور عن رسول الله بواسطة كثير من علماء العامّة والخاصّة. وقد نقلناه في الصفحة الحادية والعشرين من الجزء الثالث من هذا الكتاب[5] عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ. وإذا ضممنا هذا القول إلى قول آخر رواه الإمام الحسن عليه السلام عن جدّه في خطبة له، فستستنتج منهما إمامة الأئمّة الأطهار وقيادتهم. وهذا القول هو: "وَقَدْ سَمِعَتْ هَذِهِ الامَّةُ جَدِّي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وآلِهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: مَا وَلَّتْ امَّةٌ أمْرَهَا رَجُلًا وفِيهِمْ مَنْ هُوَ أعْلَمُ مِنْهُ إلَّا لَمْ يَزَلْ يَذْهَبُ أمْرُهُمْ سَفَالًا حتى يَرْجِعُوا إلى مَا تَركُوهُ"[6].
يستفاد من الجمع بين هذين القولين المأثورين عن رسول الله أنّ الأئمّة الطاهرين عليهم السلام يجب أن يتولّوا قيادة الناس في جميع شئونهم بلا استثناء سواء كانت الشؤون المعاشيّة، وسياسة المدن، وتدبير المنزل، أو كانت الشؤون الخاصّة بالمعاد والمعارف والعلوم الدينيّة، وذلك أوّلًا لأنّ أعلميّتهم جاءت بشكل مطلق، وهذا له حكم صغرى القضيّة، ولأنّه صلّى الله عليه وآله ثانياً جعل زعامة الأعلم لازمة واجبة، وهذا له حكم كبراها. ومحصّلة ذلك كلّه أنّ زعامتهم دائميّة ومطلقة.
يقول مولى الموحّدين وأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ضمن الخطبة 142 من خطب «نهج البلاغة» "أيْنَ الَّذينَ زَعَمُوا أنّهُمُ الرَّاسِخُونَ في الْعِلْمِ دُونَنَا كَذِباً وبَغْياً عَلَيْنَا، أنْ رَفَعَنَا اللهُ ووَضَعَهُمْ، وأعْطَانَا" (من نِعَمِ علومه ومعارفه) وحَرَمَهُمْ، وأدْخَلَنَا (في الإيمان والتوحيد ودرجات القرب) وأخْرَجَهُمْ. بِنَا يُسْتَعْطَى الْهُدَى (وبِنا تُقسم الهداية بين أفراد البشر، فيأخذ كلٌّ نصيبه منها) ويُسْتَجْلي الْعَمى (فتبصر العين ويظهر نور الباطن في قلوب الناس فيمكن لكلّ أحد أن يمزّق حجب ظلمات الجهل وأن تبصر عيونه بنور البصيرة). أنّ الأئِمَّةَ مِنْ قُرَيش غُرِسُوا في هَذا الْبطْنِ مِنْ هَاشِمٍ، لَا تَصْلُحُ على سِوَاهُمْ، ولَا تَصْلُحُ الْوُلَاةُ مِنْ غَيْرِهِمْ. (وَلا تليق الإمامة والقيادة إلّا لهم، ولا يجوز أن يكون حكّام الأمّة غيرهم)[7].
ويقول في الخطبة 145: "وَأعْلَمُوا أنّكُمْ لَنْ تَعْرِفُوا الرُّشْدَ حتى تَعْرِفُوا الذي تَرَكَهُ، ولَنْ تَأخُذُوا بِمِثَاقِ الْكِتَابِ حتى تَعْرِفُوا الذي نَقَضَهُ، ولَنْ تُمَسِّكُوا بِهِ حتى تَعْرِفُوا الذي نَبَذَهُ" (أي أنّ أحد شروط فهم كتاب الله وتمام معرفته، معرفة مخالفي القرآن ومُنكريه. فما لم يُعرَف أئمّة الضلال وما لم يُتبرّأ من فعلهم وقولهم، فأنّ التمسّك بالقرآن الكريم وبحقيقة أئمّة الحقّ لم يتحقّق.) فَالْتَمِسُوا ذَلِكَ مِنْ عِنْدِ أهْلِهِ (وهم الأئمّة من أهل البيت) فَأنّهُمْ عَيْشُ الْعِلْمِ ومَوْتُ الْجَهْلِ، هُمُ الَّذِينَ يُخْبِرُكُمْ حُكْمُهُمْ عَنْ عِلْمِهِمْ وَصَمْتُهُمْ عَنْ مَنْطِقِهِمْ وظَاهِرُهُمْ عَنْ بَاطِنِهِمْ لَا يُخَالِفُونَ الدِّينَ ولَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، فَهُوَ بَيْنَهُمْ شَاهِدٌ صَادِقٌ وصَامِتٌ نَاطِقٌ"[8]. (حيث أنّ عملهم بالدين، وتركّز معنى الدين وروحه في وجدانهم ونفوسهم أفضل شاهد صادق على حقيقتهم، وتطبيق أسرار الدين في قلوبهم وجوارحهم أفضل شاهد عمليّ ذي شفاه مُطبقة ولب ناطق، على حقيقتهم).
[1] «غاية المرام» ص 236 الحديث الحادي عشر، و«تفسير البرهان» ج 1، ص 517 و518.
[2] جاءت هذه العبارة في مقدّمة «العقبات» في الجزء الأوّل من المجلّد الثاني عشر، في القسم الأوّل مقابل الصفحة الاولى.
[3] تجد الفهرس الذي يضمّ المصادر الخاصّة بسند حديث الثقلين في ملحق الجزء الأخير من المجلّد الثاني عشر من «عقبات الأنوار» من ص 1165 إلى 1188.
[4] طبعت المؤسّسة الخاصّة بنشر نفائس المخطوطات بأصفهان هذين الجزءين اللذين يشكّلان المجلّد الثاني عشر في ستّة مجلّدات.
[5] الإشارة إلى الطبعة الفارسيّة للكتاب.
[6] «ينابيع المودّة» ص 482، الباب التسعون. وذكره في «غاية المرام» ص 298 تحت عنوان الحديث السادس والعشرين ضمن خطبة للإمام الحسن عليه السلام عند بيعته معاوية. ونقل موجزاً لهذه الخطبة بسند آخر في ص 298 و299 تحت عنوان الحديث السابع والعشرين، وذكر القول نفسه حول ولاية الامّة في السطر الخامس عشر من الصفحة.
[7] «نهج البلاغة» الجزء الأوّل، ص 262.
[8] «نهج البلاغة» الخبطة 145، الجزء الأوّل ص 267؛ و«ينابيع المودّة» ص 446.
الاكثر قراءة في الامامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة