أقرأ أيضاً
التاريخ: 8-11-2014
14452
التاريخ: 8-12-2015
13925
التاريخ: 8-11-2014
14948
التاريخ: 22-3-2016
19948
|
بالرغم من أنّ الجميع يشعرون بشكل عام بوجود هذا المصدر في ذواتهم ، أي يشعرون بوجود مجموعة من الخطابات والالهامات ، أو بتعبير آخر وجود إدراكات لا تحتاج معلماً أو استاذاً ، إلّا أنّ بعضاً من الفلاسفة شكك في هذا المصدر ، وعلى العموم توجد ثلاث نظريات في هذا المجال :
أ) نظرية الذين يعتقدون أن كل ما لدى الإنسان من معلومات موجود في باطنه ، وما يتعلمه في الدنيا ، يتذكره في الحقيقة ، لا أنّه يتعلمه من جديد! هذا ما نقل عن افلاطون واتباعه «1».
ب) نظرية أولئك الذين يدّعون أنّ المعرفة بجميع أقسامها عند الإنسان فطرية ، بالرغم من اذعانهم لِقابلية الإنسان على إدراك القضايا المختلفة ، ويتصورون أنّ إدراكهُ الفطري انعكاس لتجاربه وحاجاته والضرورات الاجتماعية.
اعتبر «فرويد» عالم النفس المعروف «الوجدان الأخلاقي» مجموعة من النواهي الاجتماعية والميول المكبوتة في ضمير الإنسان ، يقول: إنّ «الوجدان الأخلاقي» لا يمثل سلوكاً ذاتياً وعميقاً لروح الإنسان ، بل إنّه رؤية باطنية بسيطة للنواهي الاجتماعية ، ولا يوجد في تاريخ المجتمع ولا تاريخ الفرد تصورات بدائية عن حسن الأشياء وقبحها ، وقد تولدت هذه التصورات من البيئة الاجتماعية وتشعبت عنها «2».
وقد فسر أتباع المذهب المادي (الديالكتيك) الإدراكات الفطرية على أساس مقولتهم المعروفة «كل شيء وليد الظروف والاوضاع الاقتصادية» ، فانكروا وجودها.
ج) نظرية أولئك الذين يرون أن قسماً من معلوماتنا فطرية والقسم الآخر مُكتسب ، والمعلومات المكتسبة تنتهي إلى تلك المعلومات الفطرية وهي أساسها.
وقد أثبتت الأدلة المنطقية العقلية ، والأدلة النقلية من الآيات والروايات هذه النظرية وذلك للأسباب الآتية :
أولًا: أننا نعتقد بوجود قضايا بديهية مُسَلّمٌ بها في الرياضيات وبدون تلك البديهيات لا يمكن اثبات أيّة قضية رياضية ، كذلك الأمر بالنسبة للقضايا الاستدلالية الاخرى ، فلابد من اعتمادها على قضايا بديهية مسلّم بها تكون الأساس لكلِّ استدلال.
وبعبارة اخرى : لو أنكرنا القضايا الفطرية بالكامل لأَنكرنا جميع معارفنا ، لأنّ جميع القضايا العقلية ستكون مرفوضة ، وسنسقط في النهاية في وأدّي السفسطة.
وإذا أثبتنا- مثلًا- بالحس والتجربة أو بدليل عقلي وجود أمر ما ، فإذا كنّا غير واثقين بقضية «استحالة اجتماع النقيضين» التي تعتبر من القضايا البديهية جدّاً ، فعندئذٍ يمكننا التشكيك بالأمر ، والقول بإمكانية عدم وجود الأمر الذي أثبتنا وجوده!
وإذا أردنا إثبات هذه الاصول البديهية بالتجربة والاستدلال فسينتهي الأمر بنا إلى الدور والتسلسل ولا تخفى سلبيات هذا الأمر على أحد.
ثانياً: فضلًا عمّا سبق ، فكما نعترض على السفسطائيين (الذين ينكرون كل شيء) وكذا المثاليين (الذين ينكرون الحقائق الخارجية ، ويعتقدون بالامور الذهنية فقط) وبالاستناد إلى الوجدان نقول: إنّ الوجدان يشهد ببطلان مثل هذه العقائد ، لأننا ندرك أنفسنا والعالم الخارجي الذي يحيط بنا بوضوح ، فكذلك الأمر هنا ، لأنّ هذه الضرورة الوجدانية دليل على وجود كثير من الإدراكات الباطنية.
وكما أننا نحس بحاجات جسمية وروحية كثيرة (الحاجات الجسمية مثل الأكل والشرب والنوم ، والروحية مثل الميل إلى العلم والاحسان والجمال والعبادة والقداسة) ويقول بعض علماء النفس: (إنّ هذه المقتضيات تشكل الأبعاد الأربعة لروح الإنسان).
فهذا الوجدان ذاته يصرح لنا بحسن الاحسان والعدالة وقبح الظلم والاعتداء ، وفي هذه الإدراكات لا نحتاج إلى مصدر اجتماعي أو اقتصادي أو غير ذلك بل يكفينا الوجدان.
إنَّ حجة أمثال «فرويد» و «ماركس» واضحة ، حيث أنّهم يعتقدون بأصل واحد وهو رجوع كل قضية اجتماعية وفكرية إلى الجنس أو الاقتصاد ، ويصرون على توجيه كل شيء على ضوء هذا الأصل.
ثالثاً : إنّ الموضوع واضح من جهة نظر توحيدية ، لأنا إذا سلّمنا أنّ الإنسان خُلِقَ للتكامل على أساس سنة إلهية ، فلا ينبغي الشك في أنّ وسائل ودوافع مثل هذا التكامل يجب أن تكون مهيئة في ذاته ، وموجودة ، وأنّ ما جاء به الأنبياء وما ورد في الكتب السماوية متناسب وهيئة الإنسان التكوينية.
وعليه ، فحاكم التكوين والخلقة متناسب وفي تناسق كامل مع عالَم التشريع.
أو بتعبير آخر ، فإنّ خلاصة هذه التعليمات مودعة في ذات الإنسان وأنّ ما جاء في الشرائع السماوية هو شرح مفصل لهذه الخلاصة من التعليمات.
ولهذا ، فلا يمكن التشكيك في التعاليم الفطرية التي يؤيدها العقل والرؤية الكونية التوحيدية.
سؤال :
لقد صرّح القرآن بقوله عز من قائل: {وَاللَّهُ اخْرَجَكُمْ مِّنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَاتَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْابْصَارَ والْافْئِدَةَ}. (النحل/ 78)
ألا يستفاد من هذه الآية أن لا وجود للمعلومات الفطرية أبداً؟
الجواب :
أولًا: إنّ الإنسان في ساعات ولادته لا يعلم شيئاً قطعاً ، وحتى المعلومات الفطرية ليست فعالة ، وعندما يعرف نفسه ويصبح مميزاً يتحسس المعلومات النظرية ويدركها بلا معلم أو استاذ أو حسٍ أو تجربة ، وإلّا فكيف يمكن القول بأنّ الإنسان يعلم كل شيء حتى بوجوده الذاتي- بالتجربة وأمثالها «3».
ثانياً : ألَمْ نقل بأنّ القرآن يفسر بعضه بعضاً؟
حيث إنّ آياتٍ مثل : {فَالْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} و {فِطْرَتَ اللَّه الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها}
التي جاءت في أول البحث تفسر الآية: {وَاللَّهُ اخْرَجَكُم مِنْ بُطُونِ امَّهَاتِكُم لَا تَعْلَمُونَ شَيْئاً} ، فتكون المعلومات الفطرية مستثناة من هذه الآية.
سؤال آخر:
وقد يطرح هنا سؤال آخر عكس السؤال الأول وهو: أنّ القرآن الكريم في الكثير من الآيات أطلق مفردة «التذكير» على علوم الإنسان ، مثل : {إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيةً لِقوْمٍ يَذَّكَّرُونَ}. (النحل/ 13)
ويقول في آية اخرى : {وَمَا يَذَّكَّرُ الّا اولُوا الْأَلْبَابِ}. (آل عمران/ 7)
وفي اخرى أيضاً : {وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلّنَاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}. (البقرة/ 221)
ألَمْ يكن المراد من هذه الآيات وهو نفس ما ذهب إليه افلاطون ، أي أنّ العلوم عبارة عن تذكير لما هو موجود في سريرة الإنسان ، وحاصل عنده منذ القدم؟
الجواب :
إنّ «التذكير» من مادة «ذكر» ومعناه الأولي- كما يقول أئمّة اللغة- هو الحفظ ، وكما يقول الراغب في مفرداته : الذكر قد يطلق على حالة نفسية تُعين الإنسان على حفظ العلوم والمعارف ، وقد يقال لحضور الشيء في القلب ، أو البيان ، وما جاء في لسان العرب قريب لما جاء في المفردات ، حيث قال : الذكر ، يعني الحفظ كما يعني الموضوع الذي جرى على الألسن.
وعلى هذا ، فالذكر والتذكر لا يعني حضور الشيء في القلب بعد النسيان أو استعادة الذكرى فقط ، بل يشمل جميع المعلومات.
_______________________
(1). يقول افلاطون: إنّ الروح قبل حلولها في البدن ودخولها في العالم المجازي كانت في عالم المعقولات والمجردات و «المُثل» ، أي أنّها أدركت الحقائق ونسيتها بمجرّد دخولها في عالم الكون والفساد ، إلّا أنّها لم تنمحِ عنها بالكامل ، فالإنسان كالظل والشبح فما هو في «المُثل» يتذكره بمجرّد الالتفات إليه ، فكسب العلم والمعرفة تذكر في الحقيقة ، وإذا كان الإنسان جاهلًا منذ البدء فلا يمكنه تحصيل العلم (مسير الحكمة في اروبا ج 1 ، ص 23- نظريات افلاطون).
(2). أفكار فرويد ، ص 105؛ ومجموعة ماذا أعلم- للأمراض اخر الروحية- ، ص 64 (بالفارسية).
(3). نقلت عبارة معروفة عن (ديكارت) قال فيها: «كنتُ شاكاً حتى في نفسي ، ثم رأيت أني افكر ، فأدركتُ أني موجود» إنّها عبارة مليئة بالأخطاء ، لأنّ الذي يقول: أنا أُفكر فانّه يعترف بال (أنا) قبل اعترافه بالتفكير ، لا أنّه يعترف بالتفكير قبل الأنا.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|