أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-3-2016
5942
التاريخ: 2-06-2015
5960
التاريخ: 25-11-2015
5438
التاريخ: 9-05-2015
6124
|
هناك اختلاف كبير في وجهات نظر الفلاسفة فيما يخص قضية اطّلاعنا على العالم الذي يحيط بنا وما هي المراحل التي نطويها للوصول إلى هذه المعرفة؟ ومن أي مصدر تصل أذهاننا؟ إنّ أكثر الفلاسفة عدّوا الحس أحد مصادر المعرفة رغم ظهور قطبين على طرفي الإفراط والتفريط في هذا المجال.
1- «الحسيون» حيث يعتبرون الحس الطريق الوحيد للمعرفة وينكرون المصادر الاخرى كالعقل.
«إنّ هؤلاء الذين ظهروا في القرن السابع عشر أنكروا قيمة البرهان القياسي العقلي، واعتبروا اسلوب التجربة الاسلوب الوحيد والسليم والمعتمد عليه في هذا المجال، وتعتقد هذه المجموعة بعدم أصالة وتجذر الفلسفة النظرية العقلية المستقلة عن العلوم التجريبية، ويعدون العلم ثمرة الحواس فقط، والحواس لا تتعلق إلّا بظاهر وعوارض الطبيعة، إذن لا اعتبار للمسائل الفلسفية الأولية، وذلك لأنّها نظرية وعقلية بحتة وتتعلق بالامور غير المحسوسة، ولا يدرك الإنسان هذه المسائل نفياً أو إثباتاً» «1».
إنّ الماديين ومن ضمنهم أتباع المذهب «الديالكتيكي» من المتحمسين لهذه النظرية، فهم يقولون :
«إذا انقطعت جميع قنوات التأثير الخارجي عن حسّنا، فهذا يعني أنّا سوف لا نعرف شيئاً، وسيعجز الذهن عن جميع نشاطاته، وتبقى معرفة الواقعيات أمراً محالًا، وعلى هذا فالحس منشأ المعرفة ومبنى أحكامنا اتجاه أي مسألة، فينبغي القول أنّ الحس منبع المعرفة بل منبعها الوحيد» «2».
2- المجموعة الاخرى هي التي تقع في الطرف المقابل للمجموعة الاولى تماماً وهي التي لا تولي أي أهميّة للحس في مجال المعرفة.
يقول «ديكارت» : «لا نستطيع الوثوق بالمفاهيم التي وصلتنا من الخارج بواسطة الحواس الخمسة بأنّ لها مصداقاً خارجياً أم لا، وإذا كان لها مصداق فلا يقين لنا بتطابقه مع الواقع» «3».
مسار الحكمة في اوربا : «يعتقد (ديكارت) أنّ محسوسات الإنسان لا تتطابق مع الواقع، وأنّ الحس هو وسيلة ارتباط بين جسم الإنسان والخارج، ويرسم لنا صورة كاذبة عن العالم، فهو يعتقد أن المفاهيم النظرية هي أساس العلم الواقعي» «4».
والخلاصة : أنّ هذه المجموعة تعتقد أن المعقولات فقط لها قيمة علمية يقينية، أمّا المحسوسات فلها قيمة علمية غير يقينية «5».
إنّ المجموعةَ الاولى تستند إلى أخطاء العقل النظري والاختلاف الفاحش بين العلماء في المسائل العقلية، بينما تستند المجموعة الثانية إلى أخطاء الحواس، حيث يذكرون أعداداً لا تحصى من أخطاء حاسة البصر التي تعتبر أهم وأوسع حس للإنسان.
لكن ممّا لا شك فيه أنّ كلتا المجوعتين خاطئتان، ونوضح ما ندعيه بصورة مركزة فنقول :
بالنسبة للحسيين يمكن حصر أهم إشكالاتهم في النقاط التالية.
1- إنّ كلّ إنسان عند مشاهدته للموجودات الخارجية يواجه مجموعة من الحوادث والقضايا الجزئية لا يمكن الاستفادة منها للاستدلال، لأنّ كل استدلال يجب أن يستند إلى قضية كلية.
ومن هنا تبدأ مسؤولية العقل، حيث يقوم بصياغة قضايا كلية من هذه الجزئيات، فمثلًا نلاحظ أن قطعة الحجر تكسر الزجاج العادي في ظروف مختلفة، فهذه الحوادث الجزئية الحاصلة بالحس تنتقل إلى العقل، فيصوغ العقل قاعده كلية تجاه هذه المسألة، وكذلك الأمر بالنسبة للتجربة في الظروف والازمنة والأمكنة المختلفة التي تكشف عن أن الضوء ينتشر بصورة خط مستقيم، فالعقل يصوغ قاعدة كليّة من هذه الحوادث الجزئية لا وجود لها في الخارج والموجود في الخارج هو مصاديقها لا ذاتها.
وعليه فالإدراكات الحسية كالمواد الخام التي قد «تتحلل» وقد تتركب في مختبر العقل، ومن خلال هاتين العمليتين نحصل على المفاهيم الكلية التي يستفاد منها في المنطق والاستدلال.
2- ممّا لا شك فيه أنّه ينبغي الاستفادة من العقل لإصلاح الأخطاء الناشئة من خطأ الحواس، فعندما نقول :
فإذا اخطأ البصر في رؤية الأشجار المتوازية متقاطعة من بعيد فإنّ المعيار في تشخيص و إدراك الخطأ هذا هو العقل.
صحيح أن تمييزنا لهذا الخطأ يستند إلى الحس أيضاً حيث إننا ندرك خطأ بصرنا من بعيد لأنا طوينا الشارع من اوله إلى آخره عدة مرّات وشاهدنا الأشجار في طول الشارع متوازية ولم تلتقِ في مكانٍ، لكن هذا الاستدلال الذي يستند إلى الحس يقوى عندما يقول لنا العقل إنّ اجتماع النقيضين محال، ويقول بامتناع أن تكون الأشجار متوازية ثم تلتقي في نقطة واحدة، فاستدلالنا بهذا الشكل يثبت لنا خطأ ما نشاهده من بعيد. في الحقيقة إن قضية امتناع اجتماع النقيضين التي تدرك بالعقل تشكل حجر الأساس لجميع الاستدلالات، وعليه فلا يؤخذ بالدليل الحسي دون الاستناد إليها.
3- فضلًا عما سبق، فإنّ ما ندركه بالحس هو ظاهر الأشياء، وما نرى من الجسم بالحس مجرد مظهره لا شيء آخر، وعليه فبدون تدخل الإدراكات العقلية لا نستطيع معرفة حقيقة الجسم.
قد يقال : إنّ الحواس لا دور لها لوحدها بل يجب الاستعانة بالإدراكات العقلية حتى في العلوم التجريبية، لكن ينبغي الاذعان إلى هذه الحقيقة- وهي أنّ جميع الإدراكات العقلية حصلت بواسطة الحواس وكما يقول «جان لاك» الفيلسوف الانجليزي المعروف : «لا شيء في العقل لم يوجد قبله في الحس».
إنّ هذه الجملة التي أصبحت مثلًا وبقيت ذكرى منه تدل على أنّ الذهن كان كاللوحة البيضاء في البداية وقد ينقش عليها بعد ذلك بواسطة الحواس، وأن لا وظيفة للعقل غير «التجريد» و «التعميم» أو «التحليل» و«التركيب» لمدركات الحواس.
لكن هذا خطأ فظيع، وذلك لأنّ علمنا بأنفسنا (الذي هو علم حضوري) لم يحصل بواسطة الحواس، كذلك علمنا بوجود الحواس، أو علمنا باستحالة اجتماع النقيضين لم يحصل عن طريق الحواس، فنحن ندرك محالة أن نكون موجودين ومعدومين في آن واحد وإن لم نملك حواساً، كذا الأمر بالنسبة لقضايا أخرى لا حاجة فيها إلى الحواس.
وتوجد أبحاث كثيرة في هذا المجال لو أسهبنا فيها لابتعدنا عن هدف هذا الكتاب، وتَطَرُّقُنا لبعضها هنا كان بهدف توضيح نظريتي «الحسيين» و«العقليين» الذين حصروا سبل المعرفة في بُعد واحد، وأن نظريتيهما سقيمتان وأن كلًا من «الحس» و «العقل» يشكلان منبعاً ومصدراً للإدراك، كما انعكس ذلك في القرآن المجيد.
__________________________
(1). اصول الفلسفة والمنهج الواقعي للشيخ المطهّري، ج 1، ص 6 (مع تلخيص قليل).
(2). المادية الديالكتيكية «نيك آئس»، ص 302، (ملخص)- بالفارسية-.
(3). مسار الحكمة في اوربا، ج 1، ص 172 (مع تلخيص)- بالفارسية-.
(4). المصدر السابق.
(5). اصول الفلسفة، المقالة الرابعة (قيمة المعلومات).
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ندوات وأنشطة قرآنية مختلفة يقيمها المجمَع العلمي في محافظتي النجف وكربلاء
|
|
|