المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17761 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24



الأدلة على القدرة الإلهيّة المطلقة  
  
7875   03:15 مساءاً   التاريخ: 6-12-2015
المؤلف : الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الكتاب أو المصدر : نفحات القرآن
الجزء والصفحة : ج4 ، ص 129- 138.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / العقائد في القرآن / مقالات عقائدية عامة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-4-2022 1594
التاريخ: 26-09-2014 6497
التاريخ: 7-4-2016 4599
التاريخ: 21-12-2015 4929

هنالك أدلة مختلفة لإثبات هذه المسألة بعضها علمية ، والاخرى فلسفيّة :

1- الدليل العلمي : (والمقصود من العلم هنا هو العلوم التجريبية) : عندما نجلس في بيتنا ونفكّر في محيطنا المحدود الضيّق فقط ، نجد أنّ الدنيا صغيرة وبسيطة. ولكن لو خرجنا من هذه الدائرة الضيّقة وذهبنا إلى الغابات والمزارع والحقول ، وقمم الجبال‏ الشاهقة ، وأعماق البحار الواسعة ، ولو طرنا بأجنحة الخيال وتصورنا عظمة الفضاء والكواكب السيارة ، ثم نزلنا وتوغّلنا في أعماق الذرّة وأسرارها لَتجسَّمت لنا عظمة الوجود العجيب.

فهنالك آلاف الأنواع من النباتات المختلفة في التركيب بصورة تامّة ولها خواص متنوعة ، ابتداءً من النباتات المجهريّة السابحة في أمواج البحار ، وانتهاءً بالأشجار التي يبلغ طولها خمسين متراً أو أكثر! ومن قصب السُّكر الحلو وحتى الحنظل المُر ، ومن العقاقير الحياتية المودعة في أوراقها وأزهارها وجذورها إلى أنواع السموم القاتلة.

وكذلك ملايين الأنواع من الحيوانات والحشرات والأحياء التي تبلغ من الصِغر أحياناً بحيث لا يمكن رؤيتها بالعين المجرّدة ، ومن الكبر أحياناً اخرى بحيث يتعدى‏ طول بعضها الثلاثين متراً (كبعض الحيتان التي ‏تعتبر اكبر الحيوانات على الأرض).

وقد بلغ وزن القلب لدى بعضها ألف كيلو غرام! في حين أنّه أصغر من حبّة الحمّص في البعض الآخر.

وبعضها بدرجة من الخفّة بحيث تحلّق في جو السماء بسرعة ، وبعضها الآخر أقوى‏ من الفولاذ بحيث تتحمل ضغط الماء العظيم في أعماق البحار.

وهنالك نجوم متفاوتة مع بعضها من حيث الكبر والصغر ، والبعد والقرب ، والوزن وسرعة الحركة وبقية الصفات الاخرى ، وكل واحدة ذات عالمٍ خاص.

وكذلك تركيب الخلايا والذرّات ونظامها العجيب المذهل ، فكل واحدة منها تُجسّمُ لنا عالماً جديداً.

والألطف من جميع ذلك هو أنّ جميع هذه الموجودات العجيبة الموجودة في عالم الوجود مركّبة من أصلٍ واحد ، والكائنات الحيّة مركّبة جميعها من الخلايا الصغيرة ، وكل عالم المادة مركب من وحدات صغيرة تُدعى الذرّة !

إنّ هذا التنوع البسيط والمحكَم في نفس الوقت الذي نراه في الكتاب التكويني يشبه بالضبط ذلك النوع الملحوظ في الكتاب التدويني أي (القرآن الكريم) ، فكل تلك المحتويات والمعارف الإلهيّة العظيمة مصبوبة في قالب ألفاظٍ مركّبة من هذه الحروف الأبجدّية البسيطة!

ومن مطالعة مجموع هذه المسائل ، نتوصل إلى أن مُبدي ‏عالم الوجود ذو قدرة لامحدودة ، ولا يعجزه شي‏ء في السموات ولا في الأرض.

2- برهان الوجوب والامكان (برهان فلسفي) : عرفنا في بحث إثبات وجود اللَّه أنّ الوجود لا يتعدى إحدى حالتَين : إما مستقلّ بالذات ويُدعى (واجب الوجود) ، أو محتاج إلى غيره ويدعى (ممكن الوجود).

وكذلك ثبت في بحث التوحيد ووحدة الذات الإلهيّة المقدّسة بأنّ (واجب الوجود) في هذا العالم واحد لا أكثر ، وكل ما سواه (ممكن الوجود) ، وجميع الممكنات محتاجة إليه تعالى لا في بداية إيجادها فحسب ، بل في بقائها واستمرارها. وهذا بحد ذاته مظهر وبرهان على قدرة اللَّه على كل شي‏ء (فتأمل جيداً).

3- برهان سعة الوجود (برهان فلسفي) : من المؤكد أنّ سبب عجزنا عن إنجاز عملٍ معين هو نقصنا ، فمثلا لو عجزنا عن زراعة أرض معينة فالسبب في ذلك إمّا لكون مساحة الأرض أكبر من قدرتنا وطاقاتنا ، أو لعدم امتلاكنا الوسائل اللازمة لزراعتها ، أو لأنّ الأرض سبخة وليس بمقدورنا تحويلها إلى أرض زراعيّة.

لذا فلو كانت قدرتنا على الزراعة مطلقة ، وكانت الأرض بالنسبة لنا صالحة للزراعة مهما كانت مساحتها ، وكنّا في غنىً عن الوسائل الزراعية لاستطعنا زراعة أي أرضٍ وبدون استثناء.

لذا فأي مشكلة تحدث في طريقنا هي في الواقع تنبع من محدودية وجودنا.

اذن ، كيف يُمكن أن يعجز الوجود المطلق من كل ناحية عن شي‏ء معيّن ! ؟ وبتعبيرٍ آ خر إنّ اللَّه سبحانه حاضر في كل مكان وبيده مقدّرات جميع الأمور ، لذا فهو قادر على ازالة كافّة الموانع ، وهذا دليل قدرته على كل شي‏ء.

4- اللَّه قادر مختار : كما أشرنا سابقاً إلى‏ أنّ المقصود بالقدرة الإلهيّة هي القدرة المقرونة مع الاختيار.

وقد استدل الفلاسفة وعلماء الكلام على كون اللَّه تعالى‏ فاعلًا مختاراً بأنّ الفاعل على نوعين : إمّا (مخيّر) ، وإمّا (مُسيَّر) كتأثير الشمس في المنظومة الشمسيّة وموجوداتها.

فلو قلنا : إنّ خالق العالم فاعل مسيّر ، لوجب التسليم بأحد الأمرين : إمّا بأنّ الوجود قديم ، وإمّا بأنّ الذات الإلهيّة حادثة ، لأنّ الفاعل المسيَّر لا ينفصل عن فعله أبداً.

أمّا كون هذا العالم أزلي فغير ممكن ، لأننا عرفنا دلائل حدوث العالم‏ في بحث وجود اللَّه سبحانه.

والقول بحدوث الذات الإلهيّة المقدّسة يستلزم إنكار وجوده تعالى ، لأنّها لو كانت حادثة لاحتاجت إلى علّة ، إذن فهو ليس بواجب الوجود والحالة هذه.

وبتعبير آخر لو كانت خالقية الباري كأشعة الشمس لاستلزم أن يكون هذا الكون قديماً وازلياً ، لأنّ إرسال الشمس لأشعتها لا إراديّ وهو ملازم لوجودها دائماً وأبداً.

لذا نستنتج بأنّ اللَّه تعالى‏ فاعل مختار ، وأنّ ذاته المقدّسة أزلية وفعله حادث ، وكلما أراد شيئاً يتحقق بدون فاصلة زمنية.

سؤال : من المعلوم أنّ كلمة الفاعل المختار تعني المريد ، ونعلم أنّ الإرادة كيفيّة نفسانية تَعرض على صاحبها ، وهذا المفهوم يتعارض مع حقيقة ذات الباري تعالى ، لأنّ ذاته لا تقع محلًا للحوادث ، فكيف نفسّر إرادة اللَّه تعالى ؟

الجواب : بالرجوع إلى ما ذكرناه في بحث الإرادة الإلهيّة (في ذيل صفة علم اللَّه تعالى‏) يتضح جواب هذا السؤال ، وهو عدم إمكانية تطبيق ومقايسة مفهوم الإرادة الذي نجده في أنفسنا مع مفهومها بالنسبة للذات الإلهيّة ، كما هو الحال في صفة العلم ، فالعلم الحصولي الموجود فينا والحادث بالنسبة لنا لا معنى له أبداً بخصوص الذات الإلهيّة المقدّسة.

والإرادة الإلهيّة الذاتية- كما شرحنا ذلك سابقاً تتشعَّب من علمه سبحانه ، وهي عبارة عن‏ (علمه بالنظام التكويني الأحسن) الذي هو علّة خلق الأشياء والأحداث الواقعة في الأزمنة المختلفة.

إذن إرادته أزليّة وآثارها تدريجيّة (تمعّن بدقة).

ولزيادة الإطلاع حول هذا الموضوع ، وحول التفاوت الموجود بين الإرادة الإلهيّة «الذاتية» و «الفعلية» راجع بحث الإرادة في نفس هذا الجزء.

5- المخالفون لشمول القدرة الإلهيّة : في نفس الوقت الذي أقرّ بعض الفلاسفة والمتكلمين بالقدرة الإلهيّة بدون أي مناقشة ، نجدهم قد توقفوا في مسألة عموميّتها- بسبب مواجهتهم لبعض الإشكالات التي عجزوا عن حلّها ، ومن جملة هؤلاء :

1- الفلاسفة والمتكلمين المجوس : ومن المعلوم أنهم قسّموا جميع موجودات العالم إلى مجموعتين : (الخير) و (الشر) ، واعتقدوا بأنّ لكل واحدة منها خالقاً خاصاً ، فخالق الخير لا يُمكن أن يخلق الشّر ، والعكس صحيح ، لذا فقد اعتقدوا بتعدُّد المبدي : إله الخير (يزدان) ، وإله الشّر (أهريمن) ، بَيدَ أن خطأهم الفادح ناجم من تقسيم الموجودات منذ البداية إلى مجموعتي الخير والشر ، لأنّ التحقيقات الدقيقة تُشير إلى عدم وجود (الشر المطلق) في عالم الوجود ، بل ما نسميّه نحن بالشر قد يكون ذا جنبة عدميّة كالفقر والجهل ، فالأول بمعنى عدم المال والثروة ، والثاني بمعنى عدم العلم ، ونحن نعلم بأنّ العدم ليس شيئاً يحتاج إلى خالق.

وأمّا ما كان ذا جنبة نسبية كلسعة الحشرات التي تعتبر شرّاً بالنسبة للشخص الملسوع فهي في الحقيقة وسيلة دفاعية بالنسبة للحشرات اللاسعة ، وتعتبر خيراً لأنّها وسيلة لتأمين بقائها.

علاوة على أنّ الكثير من الأمور الوجوديّة نعتبرها شرّاً بسبب جهلنا لأسرارها ، لذا وبعد حصول التطور العلمي واكتشاف أسرارها نُقرُّ بضرورتها ، كالعواصف الثلجية الباردة التي تقضي على الكثير من الآفات النباتية ، أو الحّر الشديد الذي يؤدّي إلى نمو أنواع النباتات وتبخُّر كمياتِ كبيرة من مياه البحار الذي يؤدّي بالتالي إلى هطول الأمطار المفيدة وما شاكل ذلك. لذا فعندما ننزع نظارات الشّر عن أنظارنا ، وننظر إلى الوجود بنظرة خير ينتفي موضوع هذه العقيدة الثنوية ، وهناك توضيحات أوسع حول هذا الموضوع سنطرحها في‏ بحث العدل الإلهي إن شاء اللَّه تعالى‏.

2- المفوّضة : قالت هذه الجماعة : إنّ اللَّه سبحانه ليست له قدرة على أعمالنا ، أو بعبارة اخرى : إنّ أفعال الإنسان خارجة عن دائرة قدرته تعالى ، وإلّا لزم (الجبر) ، لأنّ أفعال الإنسان لو كانت في دائرة القدرة الإلهيّة لحصل التضاد ، حيث يحتمل أن يريد اللَّه تعالى‏ فعلًا معيناً ، ويريد عبادُهُ غير ذلك!.

وخطأ هذه الجماعة ينشأ من اعتقادهم بأنّ قدرة اللَّه تعالى‏ على أفعالنا تتعارض مع قدرتنا على أساس أنّهما في عرض واحد ، غافلين عن أن هاتين القدرتين تقعان في طول واحد.

توضيح ذلك : إنّ اللَّه تعالى‏ قد خلق البشر ومنحهم الحريّة والقدرة على اتخاذ القرار ، وقادر على سلبها منهم متى شاء ، لذا فانّه سبحانه هو الذي أراد أن يكونوا فاعلين مختارين ، وعليه فإنّ أفعالهم غير خارجة عن دائرة قدرته ، لأنّ هذه الحريّة من عطائه ومتطابقة مع إرادته ومشيئته سبحانه.

وسيأتي توضيح أكثر حول هذا الموضوع في بحث الجبر والتفويض.

3- إعتقد بعض أهل السُّنة : (جماعة النَظّام) بأنّ اللَّه تعالى غير قادر على فعل القبيح ، لأنّ الأفعال القبيحة إمّا أن تكون بسبب الجهل ، وإمّا بسبب الحاجات الكاذبة ، وبما أنّ اللَّه تعالى منزّه عن الجهل والحاجة ، لذا فهو غير قادر على فعل القبيح أبداً!

والخطأ الذي وقعت فيه هذه الجماعة ينشأ من عدم تمييزهم بين‏ (الإمكان الذاتي) و(الإمكان الوقوعي).

توضيح ذلك : إنّ بعض الأمور مستحيلة ذاتاً كاجتماع الضدين ، أو النقيضين ، وهو الجمع بين الوجود والعدم في حالة واحدة ، ويُطلق على هذا النوع بالمستحيل الذاتي.

أمّا الأمور غير المستحيلة ذاتاً لكنها لا تصدر من حكيمٍ كالباري تعالى مثل الظلم والفساد والأفعال القبيحة الأُخرى ، فيطلق عليها بالمستحيل الوقوعي.

ومن المسلّم به هو أنّ اللَّه تعالى قادر على الظلم لكن حكمته تمنعه من ذلك.

وقد يصدق هذا الكلام بخصوصنا أحياناً ، فنحن نستطيع أن نلقي بأنفسنا في النار ، أو نضع جذوة من النار في أفواهنا ، أو عيوننا ، ولسنا بعاجزين عن القيام بهذا الفعل ، لكننا لا نقوم به أبداً ، لأنّ عقولنا لا تسمح لنا بمثل ذلك ، فهذا مستحيل وقوعي لا ذاتي.

4- اعتقد بعض الفلاسفة : بأنّ الذات الإلهيّة المقدّسة ، ولكونها واحدة من كل ناحية ولا تقبل الكثرة والتعدُّد ، فلا يصدر منها سوى مخلوق مجرّد واحد رفيع جدّاً سموه‏ «العقل الأول» ، واستندوا في معتقدهم هذا على القاعدة المعروفة التي تقول‏ «الواحِدُ لا يصدُر منه إلّا الواحد».

لذا فهم يقولون : إنّ المخلوق الإلهي الوحيد هو ذلك الموجود المجرّد الأول ، لذا ومن حيث إنّ‏ «العقل الأول» ذو جهات متعددة (له وجود من جهة ، وماهيّة من جهةٍ اخرى ، ذاتاً «ممكن الوجود» من جهة ، و «واجب الوجود» بالعرض من جهة اخرى) ، فبسبب جهات الكثرة هذه ، نشأت منه معلولات مختلفة ، لذا فمنشأ الكثرة في عالم الوجود هي الكثرة الموجودة في العقل الأول والمراتب البعدية حاصلة منه.

وقد اعتمدوا لإثبات القاعدة أعلاه على مسألة «السنخيّة بين العلّة والمعلول» ، وقالوا : لولا ضرورة السنخيّة بين العلّة والمعلول ، لأمكن أن يكون كل موجودٍ علّةً لأي ‏معلول ، لكن لزوم السنخيّة يحول دون هذا الأمر ، وعندما نقر بوجوب السنخيّة بين العلّة والمعلول ، يجب علينا أن نقر بأنّ العلّة الواحدة من كل ناحية تستلزم أن لا يكون لها أكثر من معلولٍ واحد. (تأمّل جيّداً) (1).

ويُمكن الرد على هؤلاء بعّدة طرق :

أ) على فرض صحة هذا الاستدلال ، فإنّه لا يُفهم منه محدوديّة القدرة الإلهيّة ، بل هو على كُلّ شي‏ء قدير ، لكن قدرته بالنسبة «للعقل الأول» بدون واسطة ، وبالنسبة للموجودات الاخرى مع وجود واسطة ، وكلاهما يعتبران في حدود المقدور ، فما الفرق بين أن يُباشر الإنسان عملًا معيناً بيده ، أو بوسيلة وأداة معينة من صنعه؟ فالفعل فعله في كلتا الحالتين.

ب) ما قيل بخصوص قاعدة (الواحد لا يصدر منه إلّا الواحد) لا يصح تطبيقه على‏ الفاعل المختار بنظر بعض المحققين.

لذا فقد طرح المرحوم «العلّامة الحُلي رحمه الله» هذه المسألة في «كشف المراد» بشكل أمر بديهي وقال : «المؤثّر إن كان مختاراً جاز أن يتكثّر أثره مع وحدته ، وإن كان موجباً فذهب الأكثر إلى استحالة تكثُّر معلوله» (2).

وعليه فقد جعل (الفاعل الموجَب) مركز بحثه لا (الفاعل المختار) ، ثم نقل استدلال القائلين بوحدة الأثر في الفاعل الموجب ورَدّهُ‏ (3).

والحقيقة أنّه لا يوجد أي دليل على شمول القاعدة المذكورة للفاعل المختار ، فهو مجرّد ادعاء محض.

ج) بغض النظر عن جميع ذلك فإنّ قانون «السنخيّة بين العلّة والمعلول» محل إشكال حتّى في غير الفاعل المختار ، لأنّه لو كان المراد من السنخية هو السنخّية والتشابه من جميع الجهات ، فهو مستحيل التحقق بين «واجب الوجود» و «ممكن الوجود» ، فالممكنات مهما تكن فهي متباينة مع واجب الوجود في جهات كثيرة ، فلو اشترطنا السنخيّة التامّة وفي جميع الجهات ، فكيف يمكن أن يخلق وجود غير مادي موجودات ماديّة؟

ولو كان المراد منها السنخيّة الإجماليّة ، فهي متحققة بين الخالق والموجودات المتكثّرة والمتعددة ، لأنّها جميعاً تشترك في الوجود والكمال النوعي الذي يُعَدُّ قطرةً من بحر كمال اللَّه اللامحدود.

د) علاوة على جميع ما ذكرنا يُمكن القول : إنّ الكون نسخ واحدٌ لا أكثر على الرغم من احتوائه ظاهراً على موجودات متعددة ومتكثّرة ، وبتعبيرٍ آخر ، فإنّ عالم التكوين كبحر عظيم لامحدود توجد على سطحه أمواج ، وهذه الأمواج والتعرجات بمثابة تلك الموجودات المتعددة والمتكثّرة ، والمقصود هنا عالم الوجود ، لا الذات الإلهيّة المقدّسة.

وباختصار فإننا لو أمعنا النظر لعلمنا بأنّ مجموع عالم الوجود موجود واحد متصل ومترابط ، وعلى الرغم من كل تنوعاته وكثرة قوانينه المؤثرة فيه فهو واحد ، وهذا الموجود الواحد يفيض من الوجود الإلهي الواحد ، وهذا المخلوق الواحد له خالق واحد.

والبعض الآخر الذين شكّكوا في شمول القدرة الإلهيّة قالوا : لو افترضنا أنّ اللَّه تعالى على كل شي‏ء قدير ، لواجهنا تعارضاً في بعض الحالات لا نستطيع حلّه.

فمثلًا تساءَل البعض : هل يستطيع اللَّه تعالى أن يخلق موجوداً مثله ! ؟ فإن قلتم : نعم ، لكان تعدد الآلهة ممكناً ! وإن قلتم : لا ، فقدرته محدودة !.

أو يتساءل : هل يقدر اللَّه تعالى أن يُدخل جميع هذا العالم الواسع ، وبجميع كراته وكواكبه في بيضة ، من غير أن يصغر العالم أو تكبرُ البيضة ؟ ! فإن قلتم : بلى ، فغير مقبول ، وإن قلتم : لا ، فقد أقررتم بعجزه- سبحانه-.

أو : هل يستطيع اللَّه تعالى أن يخلق موجوداً لا يقدر على إفنائه ! ؟ أيَّما الطريقين انتخبتم فقد أقررتم بعجزه ، والكثير من هذه الأسئلة.

إنّ مصدر اشتباه هؤلاء هو عدم إلمامهم بالمسائل الفلسفية ، وغفلتهم عن هذه الحقيقة الواضحة ، وهو أنّه عندما يدور الحديث حول «القدرة» ، فمعناه القدرة على الامور الممكنة ، لأنّ القدرة لا تشمل المستحيلات لأنّها لا شي‏ء.

توضيح ذلك : إنّ معنى تساؤلنا عن اقتدار اللَّه تعالى على شي‏ء معين أحياناً ، هو كون ذلك الشي من الممكنات ، وقصدنا إكساؤه حُلة الوجود بالقدرة الإلهيّة ، أمّا لو كان ذلك الشي مستحيلًا ذاتاً فإن تساؤلنا عن إمكانية إيجاده غير صحيح بتاتاً ، ولا معنى له أبداً.

ذا ما يُسمَّى بالسؤال المتناقض.

كأن يكون لدينا عشرون برتقالة ونريد توزيعها على أربعين شخصاً ، بحيث يحصل كل واحدٍ منهم على واحدة ! ؟ فهل يُمكن ذلك ؟

فالسؤال المطروح متناقض بحدّ ذاته وغير صحيح ، لأنّ قولنا عشرون برتقالة يعني أنّها ليست أربعيناً ، وقولنا : إنّ أربعين شخصاً يحصل كل واحدٍ منهم على برتقالة ، معناه وجود أربعين برتقالة ، ممّا يلزم تحقق العددين عشرين وأربعين في نفس الكمية من البرتقال وفي ‏آنٍ واحد! وبديهي أنّه لا يوجد إنسان عاقل يتفوّه بمثل هذا الكلام.

وبعد التحقيق في جميع الأسئلة التي ذكرناها يتضح أنّها من هذا القبيل ، أي أنّها متناقضة وغير مقبولة ، لذا ينتفي جوابها.

فمثلًا عندما نقول : هل يستطيع اللَّه تعالى‏ أن يخلق إلهاً آخر مثله ؟ معناه أنّ ذلك الإله غير مخلوق ، فيصبح السؤال متناقضاً ، لأنّه سؤال عن خلق شي‏ء لا يُمكن أن يكون مخلوقاً ، وبمجرّد أن يخلق اللَّه سبحانه شيئاً فهو مخلوق ، ولا يمكن أن يكون إلهاً.

وهكذا عندما يُقال : هل يستطيع اللَّه تعالى أن يُدخل الدنيا في مكان صغير من غير أن تصغر الدنيا أو يكبر ذلك المكان ، فمعناه أن يكون العالم صغيراً وكبيراً جدّاً في آنٍ واحد ، وهذا شي‏ء متناقض.

واللطيف أنّ رجُلًا سأل أمير المؤمنين عليه السلام نفس هذا السؤال : «هل يقدر ربُّك أن يُدخل الدُّنيا في بيضة من غير أن تصُغر أو تكبر البيضة» ؟ فأجابه الإمام عليه السلام : «إنّ اللَّه تبارك وتعالى ل ا يُنسب إلى العجز والذي سألتني لا يكون» (4).

وما نجده في الرواية المنقولة عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام عندما يجيب على‏ هذا السؤال فيقول عليه السلام : «نعم وقد جعلها في عينك وهي أقلُّ من البيضة» (5) ، فهو في الحقيقة جواب إقناعيّ ، وذلك لأنّ السائل لم يكن ذا قدرةٍ على تحليل مثل هذه المسائل ، وقد أجابه الإمام عليه السلام بهذه الطريقة مراعاةً لحاله من الفهم ، وإلّا فالجواب الأصلي على هذا السؤال هو نفس ما ورد في كلام أمير المؤمنين عليه السلام.

_______________________
(1) تلخيص من نهاية الحكمة ، ص 166.

(2) كشف المراد ، ص 84 .

(3) المصدر السابق .

(4) بحار الأنوار ، ج 4 ، ص 143 ، ح 10 .

(5) المصدر السابق .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .