المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8883 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



أحكام الارضين  
  
211   11:21 صباحاً   التاريخ: 2025-03-10
المؤلف : ابن ادريس الحلي
الكتاب أو المصدر : السرائر
الجزء والصفحة : ج 1 ص 476 – 485
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / المسائل الفقهية / الجهاد / الارض المفتوحة عنوة وصلحا والتي اسلم اهلها عليها /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-11-2019 1281
التاريخ: 9-9-2016 1136
التاريخ: 2024-11-30 893
التاريخ: 2024-11-25 541

الأرضون على أربعة أقسام : ضرب منها أسلم أهلها عليها طوعا ، من قبل نفوسهم ، من غير قتال ، مثل أرض المدينة ، فيترك في أيديهم. ويؤخذ منهم العشر ، أو نصف العشر ، بحسب سقيها ، وهي ملك لهم ، يصحّ لهم التصرف فيها ، بالبيع والشراء والوقف ، وسائر أنواع التصرفات ، وهذا حكم أرضيهم إذا عمروها ، وقاموا بعمارتها ، فإن تركوها خرابا ، أخذها إمام المسلمين ، وقبلها من يعمرها ، وأعطى أصحابها طسقها ، وأعطى المتقبل حصته ، وما يبقى ، فهو متروك لمصالح المسلمين ، في بيت مالهم ، على ما روي في الأخبار (1) أورد ذلك شيخنا أبو جعفر.

والأولى عندي ترك العمل بهذه الرواية ، فإنّها تخالف الأصول ، والأدلة العقلية ، والسمعية ، فإنّ ملك الإنسان لا يجوز لأحد أخذه ، ولا التصرّف فيه بغير إذنه ، واختياره ، فلا نرجع عن الأدلة بأخبار الآحاد.

والطسق: الوضيعة توضع على صنف من الزرع ، لكل جريب ، وهو بالفارسية تسك ، وهو كالأجرة للإنسان ، فهذا حقيقة الطسق.

والضرب الثاني من الأرضين ، ما أخذ عنوة بالسيف ، عنوة بفتح العين ، وهو ما أخذ عن خضوع وتذلل ، قال الله تعالى ( وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ) (2) أي خضعت وذلّت ، فانّ هذه الأرض تكون للمسلمين بأجمعهم ، المقاتلة وغير المقاتلة ، وكان على الإمام أن يقبلها لمن يقوم بعمارتها ، بما يراه من النصف أو الثلث أو الربع أو غير ذلك ، وكان على المتقبل إخراج ما قبل به ، من حق الرقبة ، يأخذه الإمام ، فيخرج منه الخمس يقسمه على مستحقيه ، والباقي منه يجعله في بيت مال المسلمين ، يصرف في مصالحهم ، من سدّ الثغور وتجهيز الجيوش ، وبناء القناطر ، وغير ذلك ، وليس في هذا السهم الذي هو حق الرقبة ، زكاة ، لأنّ أربابه وهم المسلمون ، ما يبلغ نصيب كل واحد منهم ، ما يجب فيه الزكاة ، وما يبقى للمتقبل ، يخرج منه الزكاة إذا بلغ النصاب بحسب سقيه ، وهذا الضرب من الأرضين ، لا يصح التصرف فيه ، بالبيع ، والشراء ، والوقف ، والهبة ، وغير ذلك ، أعني نفس الرقبة.

فان قيل : نراكم تبيعون ، وتشترون ، وتقفون أرض العراق ، وقد أخذت عنوة قلنا : انّما نبيع ، ونقف ، تصرفنا فيها ، وتحجيرنا ، وبناءنا فأمّا نفس الأرض لا يجوز ذلك فيها وللإمام أن ينقلها من متقبل إلى غيره ، عند انقضاء مدّة تقبيله ، وله التصرف فيها بحسب ما يراه ، صلاحا للمسلمين ، لأنّ هذه الأرضين للمسلمين قاطبة ، وارتفاعها يقسّم فيهم كلّهم ، المقاتلة ، وغيرهم ، فإنّ المقاتلة ليس لهم على جهة الخصوص ، إلا ما يحويه العسكر ، من الغنائم وأمكن نقله.

والضرب الثالث ، كل أرض صالح أهلها عليها ، وهي أرض الجزية ، يلزمهم ما يصالحهم الإمام عليه ، من النصف ، أو الثلث ، أو الرّبع ، وغير ذلك ، وليس عليهم غيره ، فإذا أسلم أربابها ، كان حكم أرضيهم ، حكم أرض من أسلم عليها طوعا ابتداء من قبل نفوسهم ، ويسقط عنهم الصلح ، لأنّه جزية ، بدلا من جزية رءوسهم ، وقد سقطت عنهم بالإسلام ، وهذا الضرب من الأرضين ، يصح التصرف فيه بالبيع ، والشراء ، والهبة ، وغير ذلك من أنواع التصرّف ، وكان للإمام أن يزيد وينقص ما صالحهم عليه ، بعد انقضاء مدّة الصلح ، حسب ما يراه من زيادة الجزية ونقصانها.

والضرب الرابع ، كلّ أرض انجلى أهلها عنها ، أو كانت مواتا ، فأحييت ، أو كانت آجاما ، وغيرها ممّا لم يزرع فيها ، فاستحدثت مزارع فانّ هذه الأرضين كلّها للإمام خاصّة ، ليس لأحد معه فيها نصيب ، وكان له التصرف فيها ، بالقبض ، والهبة ، والبيع ، والشراء ، حسب ما يراه ، وكان له أن يقبلها بما يراه ، من النصف ، أو الثلث ، أو الربع ، وجاز له أيضا ، بعد انقضاء مدة القبالة ، نزعها من يد من قبله إيّاها ، وتقبيلها لغيره ، وقد استثني من ذلك الأرض التي أحييت بعد مواتها ، فإنّ الذي أحياها ، أولى بالتصرف فيها ، ما دام تقبلها بما يقبلها غيره

فإن أبى ذلك ، كان للإمام أيضا نزعها من يده ، وتقبيلها لمن يراه ، على ما روي في بعض الأخبار (3) وعلى المتقبل بعد إخراجه مال القبالة ، والمؤن ، فيما يحصل في حصته ، العشر ، أو نصف العشر ، بحسب الماء ، إذا بلغ الأوساق الخمسة ، وكان أيضا على الإمام في حصته الزكاة ، إذا بلغت الأوساق الخمسة.

وقال شيخنا المفيد محمد بن محمد بن النعمان في مقنعته في باب من الزيادات في الزكاة ، أورد خبرا ، قال : روى إسماعيل بن مهاجر ، عن رجل من ثقيف ، قال استعملني علي بن أبي طالب عليه‌ السلام على بانقياء وسواد من سواد الكوفة (4).

قال محمّد بن إدريس رحمه‌ الله : بانقياء هي القادسية ، وما والاها ، وأعمالها وانّما سميت القادسية ، بدعوة إبراهيم الخليل عليه‌ السلام ، لأنّه قال : كوني مقدّسة للقادسية ، أي مطهّرة من التقديس ، وانّما سميت القادسيّة بانقياء ، لأنّ إبراهيم عليه‌ السلام ، اشتراها بمائة نعجة من غنمه ، لأنّ (با) مائة و (نقيا) شاة ، بلغة النبط ، وقد ذكر بانقيا أعشى قيس في شعره ، وفسّره علماء اللغة ، وواضعوا كتب الكوفة ، من أهل السيرة ، بما ذكرناه.

والبلاد على ضربين : بلاد الإسلام وبلاد الشرك. فبلاد الإسلام على ضربين : عامر ، وغامر. فالعامر ملك لأهله ، لا يجوز لأحد الشروع فيه ، والتصرف إلا بإذن صاحبه ، وروي عن ابن عباس ، أنّ النبي صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله كتب لبلال بن الحرث المزني : بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أقطع بلال بن الحرث المزني عن معادن القبلية ، جلسيها وغوريّها ، وحيث ما يصلح للزرع (5) ولم يعطه حقّ مسلم ، وجلسيها بالجيم ، واللام بعده والسين ، ما كان إلى ناحية نجد ، وغوريّها ما كان إلى ناحية الغور ، قال كثير بن عبد الرحمن الخزاعي:

لقد جئت غوري البلاد وجلسيها                           وقد ضربتني شمسها وظلولها

جلسيها يريد نجدها ، لأنّ جلسا ، هو نجد ، والقبلية محرك القاف ، والباء التي تحتها نقطة واحدة منسوبة إلى القبل ، وهو كل نشر من الأرض ، يستقبلك يقال : رأيت بذاك القبل شخصا ، والجلس ـ بالجيم المفتوحة ، واللام المسكنة ، والسين غير المعجمة ـ : نجد.

إذا ثبت هذا فان مرافقها ، التي لا بدّ لها منها ، مثل الطريق ومسيل الماء ، ومطارح التراب ، وغير ذلك ، فإنّها في معنى العامر ، من حيث أنّ صاحب العامر أحقّ به ، ولا يجوز لأحد أن يتصرف فيه إلا بإذنه ، فعلى هذا إذا حفر بئرا في موات ، ملكها ، وكان أحق بها وبحريمها الذي هو من مرافقها على حسب الحاجة.

فأمّا الغامر بالغين المعجمة وهو الخراب ، فعلى ضربين : غامر لم يجر عليه ملك لمسلم ، وغامر جرى عليه ملك مسلم. فأما الذي لم يجر عليه ملك مسلم ، فهو لإمام المسلمين يفعل به ما شاء.

وأمّا الذي جرى عليه ملك مسلم ، فمثل قرى المسلمين التي خربت وتعطلت ، فإنّه ينظر ، فإن كان صاحبه أو وارثه ، معيّنا فهو أحقّ به ، وهو في معنى العامر ، ولا يخرج بخرابه عن ملك صاحبه ، وإن لم يكن له صاحب معيّن ، ولا عقب ، ولا وارث ، فهي لإمام المسلمين خاصة ، فإذا ثبت ذلك ، ثبت أنّها مملوكة ، لا يملكها من يحييها إلا بإذن الإمام.

وأمّا بلاد الشرك فعلى ضربين : عامر وغامر ، فالعامر ملك لأهله ، وكذلك كلما كان به صلاح العامر من الغامر ، كان صاحب العامر أحقّ به ، كما قلنا في العامر في بلاد الإسلام ، حرفا فحرفا ، ولا فرق بينهما أكثر من أنّ العامر في بلاد الإسلام لا يملك بالقهر والغلبة ، والعامر في بلاد الشرك يملك بالقهر والغلبة.

وأمّا الغامر في بلاد الشرك فعلى ضربين : أحدهما لم يجر عليه ملك لأحد ، والآخر جرى عليه ملك ، والّذي لم يجر عليه ملك أحد ، فهي للإمام خاصّة ، لعموم الأخبار (6) ، وامّا الذي جرى عليه ملك ، فإنّه ينظر ، فإن كان صاحبه معيّنا ، فهو له ، ولا يملك بالإحياء ، بلا خلاف ، وإن لم يكن له صاحب معيّن ، ولا وارث ، فهو للإمام عندنا.

والأرضون الموات ، عندنا للإمام خاصّة ، لا يملكها أحد بالإحياء ، إلا أن يأذن الإمام له.

وأمّا الذمي ، فلا يملك إذا أحيا أرضا في بلاد الإسلام ، وكذلك المستأمن ، إلا أن يأذن له الإمام.

فأمّا ما به يكون الإحياء ، قال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه ‌الله في مبسوطة : لم يرد الشرع ببيان ما يكون إحياء ، دون ما لا يكون ، غير انّه إذا قال النبي عليه ‌السلام : من أحيا أرضا ميتة فهي له (7) ولم يوجد في اللغة معنى ذلك ، فالمرجع فيه إلى العرف والعادة ، فما عرفه الناس إحياء في العادة ، كان إحياء وملك به الموات ، كما انّه عليه‌ السلام قال : البيعان بالخيار ما لم يفترقا (8) وانه نهى عن بيع ما لم يقبض (9) رجع في جميع ذلك إلى العادة (10) هذا آخر كلام شيخنا أبي جعفر رحمه ‌الله.

ونعم ما قال ، فهو الحقّ اليقين ، فهذا الذي يقتضيه أصل المذهب ، ولا يلتفت إلى قول المخالفين ، فانّ لهم في ذلك تفريعات وتقسيمات ، فلا يظنّ ظان إذا وقف عليها ، أن يعتقدها قول أصحابنا ، ولا ممّا ورد به خبر ، أو قال مصنّف من أصحابنا ، وإنّما أورده شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌ الله ، بعد أن حقّق ما يقتضيه مذهبنا.

فجملة ما عند المخالف في ذلك ، أنّ الأرض تحيي للدار ، والحظيرة ، والزراعة ، فاحياءها للدار عندهم فهو بأن يحوّط عليها حائط ، ويسقف عليه. فإذا فعل ذلك ، فقد أحياها عندهم ، وملكها ملكا مستقرا ، ولا فرق بين أن يبني الحائط بطين ، أو بآجر وطين ، أو آجر وجصّ ، أو خشب ، هذا عند المخالف ، فأمّا عندنا فلو خصّ عليها خصا ، أو حجّرها ، أو حوّطها بغير الطين ، والآجر والجصّ ، ملك التصرّف فيها ، وكان أحقّ بها ، من غيره ، ثمّ قال المخالف : فأمّا إذا أخذها للحظيرة ، فقدر الإحياء ، أن يحوطها بحائط من آجر ، أو لبن ، أو طين ، وهو الرهص ، أو خشب ، وليس من شرط الحظيرة أن يجعل لها سقف ، وتعليق الأبواب في الدور ، والحظيرة ليس من شرطه ، وفيهم من قال ، هو شرط ، وأمّا الإحياء للزراعة ، فهو أن يجمع حولها ترابا ، وهو الذي يسمّى مرزا ، الراء قبل الزّاء ، وأن يرتب لها الماء ، إمّا ساقية يحفرها لسوق الماء فيها أو بقناة يحفرها ، أو بئر ، أو عين يستنبطها ، فهذا جميعه أورده شيخنا في كتابه المقدّم ذكره ، شارحا ، وذاكرا تقسيمات المخالف ، وما هو عندهم إحياء ، وكيفيات ذلك ، بعد أن أحكم في الأوّل ، ما هو عندنا إحياء ، والذي يقتضيه مذهبنا ، من الرجوع فيه إلى العرف والعادة ، لأنّه قال : لم يرد الشرع ببيان ما يكون إحياء دون ما لا يكون ، غير أنه إذا قال النبيّ صلى‌ الله‌ عليه ‌وآله : من أحيا أرضا ميتة فهي له ، ولم يوجد في اللغة معني ذلك ، فالمرجع فيه إلى العرف والعادة (11).

ثم أورد بعد ذلك تقسيمات المخالف ، في كيفية الإحياء ، فلا يتوهم من يقف عليها ، أنّها مقالة أصحابنا ، فإنّ هذا الكتاب ، أعني المبسوط ، قد ذكر فيه مذهبنا ، ومذهب المخالف ، ولم يميّز أحد المذهبين من الآخر تمييزا جليّا وانّما يحققه ويعرفه من اطلع على المذهبين معا ، وسبر قول أصحابنا وحصّل خلافهم ، وما نقتضيه أصول مذهبهم ، وإلا فالقارئ ، فيه ، يخبط خبط عشواء.

قال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌ الله : إذا تحجّر أرضا ، وباعها ، لم يصح بيعها ، وفي الناس من قال يصحّ ، وهو شاذّ ، قال شيخنا : فأمّا عندنا فلا يصحّ بيعه ، لأنّه لا يملك رقبة الأرض بالإحياء ، وانّما يملك التصرف ، بشرط أن يؤدّي إلى الإمام ما يلزمه عليها ، وعند المخالف لا يجوز ، لأنّه لا يملك بالتحجّر قبل الإحياء ، فكيف يبيع ما لا يملك (12).

قال محمّد بن إدريس رحمه‌ الله: وهذا يدلك ، أرشدك الله أنّ التحجّر عند المخالف ، غير الإحياء ، وأنّ الإحياء غير التحجّر ، وشيخنا جعل التحجّر مثل الإحياء الذي قسمه المخالف التقسيمات الأوّل ، ولا فرق عندنا بين التحجّر الذي هو الآثار ، وسواء كانت للدار ، أو الزراعة أو الحظيرة ، أو الإحياء الذي يذهب إليه المخالف ويقسّمه إلى ثلاثة أقسام للدار ، والحظيرة ، والزراعة.

وأمّا المعادن فعلى ضربين : ظاهرة ، وباطنة فالباطنة لها موضع نذكره إن شاء الله تعالى. وأمّا الظاهرة ، فهي الماء ، والقير ، والنفط ، والموميا ، والكبريت ، والملح ، وما أشبه ذلك ، فهذا لا يملك بالإحياء ولا يصير أحد أولى به بالتحجّر من غيره ، وليس للسلطان أن يقطعه ، بل الناس كلّهم فيه سواء ، يأخذون منه قدر حاجتهم ، بل يجب عندنا فيه الخمس ، ولا خلاف في أنّ ذلك لا يملك بالإحياء.

وأمّا المعادن الباطنة مثل الذهب ، والفضة ، والنحاس ، والرصاص ، وحجارة البرام ، وغيرها ممّا يكون في بطون الأرض ، والجبال ، ولا يظهر إلا بالعمل فيها ، والمئونة عليها ، فهل تملك بالإحياء ، أم لا؟ قيل فيه قولان : أحدهما أنه تملك ، وهو الصحيح ، وذلك مذهبنا. والثاني: قال المخالف ، لا تملك ، لأنّه لا خلاف في أنّه لا يجوز بيعه ، فلو ملك لجاز بيعه ، وعندنا يجوز بيعه بغير خلاف بيننا ، فإذا ثبت أنها تملك بالإحياء ، فإنّ إحياءه أن يبلغ نيله ، وما دون البلوغ ، تحجّر ، وليس بإحياء ، فيصير أولى به ، وهذا عند المخالف ، فأمّا عندنا لا فرق بين التحجّر والإحياء ، وقد أورد شيخنا المفيد رحمه‌ الله في مقنعته في باب الخراج وعمارة الأرضين ، خبرا ، وهو : روى يونس بن إبراهيم ، عن يحيى بن الأشعث الكندي ، عن مصعب بن يزيد الأنصاري ، قال : استعملني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه على أربعة رساتيق ، المدائن ، والبهقباذات ، وبهرسير ، ونهر حريز ، ونهر الملك (13)

قال محمّد بن إدريس مصنف هذا الكتاب ، رحمه ‌الله : بهرسير بالباء المنقطة من تحتها نقطة واحدة ، والسين الغير معجمة هي المدائن ، والدليل على ذلك ، أنّ الراوي قال استعملني على أربعة رساتيق ، ثمّ عدّد خمسة ، فذكر المدائن ثم ذكر من جملة الخمسة بهرسير ، فعطف على اللفظ ، دون المعني ، فإن قيل : لا يعطف الشي‌ء على نفسه. قلنا : إنّما عطفه على لفظه ، دون معناه ، وهذا كثير في القرآن والشعر ، قال الشاعر:

إلى الملك القرم وابن الهمام                                 وليث الكتيبة في المزدحم

فكل الصفات راجعة إلى موصوف واحد ، وقد عطف بعضها على بعض ، لاختلاف ألفاظها. وقول الحطيئة: هند أتى من دونها النأي والبعد

والبعد هو النأي ويدل على ما قلناه أيضا ما ذكره أصحاب السيرة في كتاب صفين ، قالوا : لما سار أمير المؤمنين عليه‌السلام ، إلى صفين ، قالوا : ثم مضى نحو ساباط ، حتى انتهى إلى مدينة بهرسير ، وإذا رجل من أصحابه ينظر إلى آثار كسرى ، وهو يتمثل بقول ابن يعفور التميمي:

جرت الرّياح على محل ديارهم                       فكأنّما كانوا على ميعاد

فقال عليه‌السلام : أفلا قلت : ( كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنّاتٍ وَعُيُونٍ. وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ. وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ. كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ ) الآية (14) فأمّا البهقباذات فهي ثلاثة ، البهقباذ الأعلى ، وهو ستة طساسيج ، طسوج بابل وخطرنية والفلوجة العليا والسفلى والنهرين وعين التمر والبهقباذ الأوسط أربعة طساسيج طسوج الجبّة ولبداة وسوراء وبريسما ، ونهر الملك ، وباروسما ، والبهقباذ الأسفل ، خمسة طساسيج ، منها طسوج فرات ، وبادقلى وطسوج السيلحين ، الذي فيه الخورنق ، والسدير ، ذكر ذلك عبيد الله بن خرداذبة ، في كتابه الممالك والمسالك.

_________________

(1) الوسائل : كتاب الجهاد ، الباب 72 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه.

(2) طه : 111 .

(3) الوسائل: كتاب الجهاد ، باب 72 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه.
(4)
المقنعة ص 257.
(5) سنن أبي داود : ج 3 ، ص 173 ، ح 3062.

(6) الوسائل : الباب 1 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام.
(7)
الوسائل : الباب 1 من كتاب احياء الموات ، ح 5 و 6 والباب 2 .
(8)
الوسائل : الباب 1 من أبواب الخيار ، ح 1 و 2 و 3 .
(9)
الوسائل : الباب 16 من أبواب أحكام العقود ، ح 21 .
(10)
المبسوط : ج 3 ، كتاب إحياء الأموات ، ص 271.

(11) المبسوط : ج 3 ، كتاب إحياء الأموات ، ص 271 .

(12) المبسوط : ج 3 ، كتاب إحياء الأموات ، ص 273 .

(13) المقنعة : باب الخراج وعمارة الأرض ، ص 275 .

(14) الدخان : 25 و 26 و 27.




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.