أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-12-02
![]()
التاريخ: 2023-07-22
![]()
التاريخ: 2025-01-09
![]()
التاريخ: 2024-02-04
![]() |
والواقع أن الذي وَسَّعَ نفوذ مصر الحقيقي بدرجة أكثر مما وصلت إليه مصر في عهد الدولة الوسطى هو الفرعون «تحتمس الأوَّل» في حملته الأولى على هذه البلاد، والمصادر عن هذه الحملة لا بأس بها ويوجد لدينا فضلًا عما جاء في ترجمتي «أحمس» بن «إبانا» «وأحمس بننخت» لوحة أقامها «تحتمس الأول» عنوانًا على انتصاره في «تومبوس» على هذه البلاد وتقع جنوب الشلال الثالث، يُضاف إلى ذلك نقوش صغيرة وُجِدَتْ في نفس المكان، وكذلك نقوش على صخور جزيرة «ساي» و«تنحور» وأخيرًا ثلاثة نقوش عند الشلال الأول. ونجد كذلك أن الأسرى الذين أُسِرُوا في هذه الحروب قد صُوِّرُوا في مقبرة العظيم «إنني». وقد جاء ذكر بناء الحصون التي أقامها هذا الملك وأعمال أخرى له قام بها في بلاد النوبة في نقوش من عهد الملك «تحتمس الثاني». (1530–1520ق.م.).
والوصف الوحيد الذي وصل إلينا عن حروب هذا الفرعون هو ما قَصَّهُ علينا «أحمس» بن «إبانا» فاستمع لما جاء فيه: «لقد رافقت ملك الوجه القبلي والوجه البحري. «عا خبر كارع» المرحوم عندما زحف إلى «خنت-حن-نفر» ليعاقب الثورة التي قامت في البلاد الأجنبية وليصدَّ طغيان البلاد الأجنبية (أو ليصدَّ هجمات البلاد الأجنبية أي الصحراء). ولقد كنت شجاعًا أمامه على الماء الرديء (الدوامات) عندما كان يجر الأسطول على مياه الشلال، وكنت قد نُصِّبْتُ رئيسًا أعلى للبحارة. وقد عمل جلالته له الحياة والسلطان والصحة … وقد سار جلالته من أجل ذلك غاضبًا كالفهد، وقد فَوَّقَ جلالته سهمه الأول فسكن في جسم عدوه، وقد فقد هذا العدو شجاعته أمام صِلِّهِ، ووقعت هناك مذبحة في لحظة عين وسيق قومه أسرى، ثم سار جلالته منحدرًا في النيل عندما أصبحت كل الأراضي في قبضته. أما هذا النوبي فقد عُلِّقَ مشنوقًا منكسًا في مقدمة سفينة جلالة الملك وأرسى سفنه في الكرنك».
ويدل ما جاء في هذا المتن على أن سبب هذه الحملة كانت ثورة في بلاد النوبة، غير أنه من المشكوك فيه أن يكون مدلول هذا القول قد حدث حرفيًّا، ولكن المظنون هو أن القبائل التي كانت تسكن جنوب الشلال الثاني وهو الإقليم الذي كان قد فُتِحَ منذ زمن قصير كانت تقوم بهجمات مُهَدِّدَةٍ للأمن هناك، ولدينا عامل آخر وهو رغبة المصريين في أن تصبح البلاد الجنوبية التي كانوا يتعاملون معها في عهد الدولة الوسطى في قبضة أيديهم ليستولوا منها على المواد الغفل التي تُنْتِجُهَا بلاد السودان. وقد وقعت هذه الحملة في السنة الثانية من عهد «تحتمس الأول»، وقد عُثِرَ في جزيرة «ساي» على نقش مُدَوَّنٍ على الصخر مُؤَرَّخٍ بهذا التاريخ وهو «السنة الثانية من عهد «تحتمس الأوَّل»»، وكذلك نقش آخر في «تنجور» مُؤَرَّخٌ بنفس السنة جاء فيه: «صعد جلالته في النيل ليهزم الكوشي الخاسئ عندما كان كاتب الجيش «أحمس» يُحصي السفن»؛ ومن ثَمَّ نفهم أن السفن كانت تجري في الشَّلَّالَيْنِ الثاني والثالث أي فيما كان يسميه «أحمس» ابن «إبانا» «تاتبعيت» (ربما كان يقصد بذلك الانحناء العظيم الذي عند «أكور»؟). وإذا كان ما جاء على نقش في «تنجور» — وقراءته ليست مُؤَكَّدَةً — مُؤَرَّخًا بالشهر الأول من فصل الصيف السنة الثانية من عهد «تحتمس الأول» يُعْتَبَرُ صحيحًا فإن عبور الشلال كان يحدث في شهري مايو/أيار ويونيو/حزيران، إذ في هذا الوقت من السنة تبتدئ زيادة النيل وعندئذٍ تكون لدى المهاجم فترة مبكرة للهجوم فيمكنه أن يبقى على اليابسة بقدر المستطاع قبل أن تعوق الدوامات النيلية المتزايدة عودة السفن إلى أوطانها. ونعرف من النقوش أن الحملة وصلت حتى «تومبوس» و«أرفو» وأنها كانت موجودة هناك حوالي أكتوبر/تشرين الأول، ومن جهة أخرى ليس لدنا ما يبرر القول بأن «تحتمس الأول» قد وصل إلى «نباتا». ويرجع أقدم أثر وُجِدَ في «كاوا» إلى عهد الفرعون «أمنحتب الثالث»؛ وَوُجِدَتْ في «نباتا» الواقعة في جبل «برقل» لوحة «لتحتمس الثالث» وهي على وجه التأكيد أول نقش وُجِدَ من عهد الأسرة الثامنة عشرة في هذه الجهة.
ولكن نعلم من قبل أن فتح وادي «كرمة» كان يعني خطوة فسيحة للأمام في بناء الإمبراطورية المصرية في أفريقيا، وبخاصة لأن ذلك الفتح قد تَغَلَّبَ على كل الصعوبات الحربية مما مهد الطريق للذين أتَوا بعد من الفاتحين وساروا في فتوحهم حتى الشلال الرابع. والواقع أن خط الدفاع الطبعي لأهل الجنوب قد اخْتُرِقَ وقد ذكر ما يفيد هذا المعنى تمامًا «تحتمس الأول» في نقوش «تومبوس»: «إنه هو الذي فتح الوديان وهي التي لم يعرفها الأجداد، ولم يرها حامل التاج المزدوج من قبل، وحدوده الجنوبية قد وصلت مباشرة حتى هذه الأرض». والواقع أن فتح منطقة «كرمة» كان له أهمية سياسية عظيمة لأننا نعرف من حفائر «ريزنر» أن المستعمرة الأهلية لمجموعة C في «كرمة» قد امتدت حتى الأسرة الثامنة عشرة، وأخلاف أمراء الدولة الوسطى في «كرمة» هم الذين أصبحوا أعداء «تحتمس الأول»، ولذلك فإن فتح هذا الإقليم يُعَدُّ ضربة في صميم نواة دائرة الثقافة السودانية.
ومما تنبغي ملاحظته هنا أن الأسرى الذين استولى عليهم «تحتمس» في هذه الحملة وأحضرهم إلى مصر كما نشاهد ذلك في الصور التي بقيت لنا في مقبرة «إنني» لا تدل هيئتهم على أنهم زنوج بل هم من الجنس الْحَامِيِّ، وهذا يتفق مع الرأي القائل بأن مستعمرة «كرمة» قد تغلب عليها «تحتمس الأول»، لأنه قد وجد في مقابرها العظيمة طراز من صور الزنوج غير أنهم ليسوا السائدين هناك. والواقع أن تصوير الزنوج لم يظهر في الفن المصري بكثرة إلا فيما بعد، وقد يُفَسَّرُ ذلك بأن الحملات التي قام بها أخلاف «تحتمس الأول» قد أوغلت في بلاد الزنوج أكثر من أن الزنوج قد زحفوا نحو الشمال، وكذلك يلحظ أن اتجاه الزي الشائع في الفن المصري كان يميل إلى رسم الزنوج بتقاطيعهم الخاصة.
ولم تذكر لنا النقوش على وجه التأكيد إلا حملة واحدة قام بها «تحتمس الأول» على بلاد النوبة وهي التي أُرِّخَتْ بالسنة الثانية كما ذكرنا من قبل، غير أن الأستاذ «زيته» قد سلم بوجود حملة أخرى مستنبطًا ذلك من رسم هذا الملك في نقشين صغيرين في «تومبوس» وقد بني ذلك من إضافة عبارة: «الذي يظهر مثل «رع» لاسمه». وهذه العبارة لم تظهر قط في نقوش في السنين الأربع الأولى من حكمه، وعلى ذلك فإن هذا النقش كان قد كُتِبَ بعد السنة الرابعة، ومن ثَمَّ لا يجوز لنا أن نستخلص من ذلك قيام حملة ثانية، لأن هذا النقش أولًا يحتوي على نعوت عادية للملك مثل الذي يضرب «كوش»؛ وثانيًا فإنه من الجائز كذلك أن نقش «تومبوس» الكبير الذي أُرِّخَ بالسنة الثانية وقد جاء فيه نهر ذكر نهر الفرات الذي جاء ذكره في حملة حَدَثَتْ فيما بعدُ لم يكن قد كتب في هذا التاريخ الذي أُرِّخَ به. ومن الواضح أن النقوش التي تُدَوَّنُ بعد الموقعة لم تكن لتسجل الغزوات العابرة بالنسبة لأرض العدو بل كانت خاصة باستعمار الأرض المقهورة.
وليس لدينا ما يدل على أن «تحتمس الأول» قد أقام في «تومبوس» حصنًا عند الحدود الجنوبية الجديدة ليكون مركزًا لجنود الحامية، إذ لم يُعْثَرْ على آثار أكيدة في منطقة «تومبوس» تثبت ذلك. ومن ثَمَّ لا ينبغي أن نستخلص شيئًا من هذا القبيل من السطر العاشر من لوحة «تومبوس»، إذ إن ما جاء فيها لا يخرج عن كونه استعارة تشبيهية وهي «أنه حصن لكل جيشه». ونجد في نقش لخلفه «تحتمس الثاني» عبارة صريحة تدل على أن «تحتمس الأول» أقام حصنًا في بلاد النوبة على الأقل في المنطقة التي فُتِحَتْ جديدًا إذ يقول: «وقد كان الثوار على وشك أن يسرقوا المصريين؛ وذهبوا للاستيلاء على قطعان الماشية التي كانت خلف الحصون التي أقامها والدكم في حملته المظفرة ملك الوجه القبلي والوجه البحري «تحتمس الأول» عاش مخلدًا، ليصد البلاد الأجنبية الثائرة». والحصن المنسوب هنا «لتحتمس الأول» ليس من السهل تحديد مكانه على وجه التأكيد، إذ لا توجد هناك مبانٍ تدل على ذلك، ومن المحتمل أنه في عهده أقيم حصن في جزيرة «ساي» لأنه قيل في نقش بناء مُؤَرَّخٌ بالسنة الخامسة والعشرين من حكم «تحتمس الثالث» إن معبدًا قديمًا مقامًا من اللَّبِنَاتِ قد بُنِيَ بدلًا منه آخر بالحجر، ولكن اسم «حتشبسوت» ذكر كذلك في جزيرة «ساي»، وعلى ذلك يرجع الموقع القديم إلى عهدها.
هذا وقد قُسِّمَتْ بلاد النوبة في عهد «تحتمس الأول» خمسة أقسام تحت إدارة أمراء نوبيين كان لهم نصيب في إدارة مقاطعات البلاد. والظاهر أن الملك قد حط رحاله بعد الحملة الأولى بسنة في بلاد النوبة: «ففي اليوم الثاني والعشرين من الشهر الأول من فصل الصيف السنة الثالثة مر (الملك) في الشلال الأول عندما هزم «كوش» الخاسئة وقد أمر بحفر قناة هناك وجدها مملوءة بالحجارة ولم يكن في مقدور أية سفينة أن تسير فيها وقد أقلع فيها لأن قلبه كان فرحًا بعد أن ذبح عدوه». وهذا الإصلاح في طريق التجارة في الشلال الأول لم يكن بالشيء الجديد إذ نعرف أنه حدث منذ الدولة الوسطى. والآن لما أصبح من الضروري أن تستولي مصر على الإدارة في بلاد النوبة السفلى وبلاد كوش صار من الأمور الهامة حل مسألة المرور لضمان مرور السلع الآتية من السودان.
|
|
علماء يطورون أداة ذكاء اصطناعي.. تتنبأ بتكرار سرطان خطير
|
|
|
|
|
ناسا تكشف نتائج "غير متوقعة" بشأن مستوى سطح البحر في العالم
|
|
|
|
|
بالصور: ممثل المرجعية العليا يتفقد مدارس الأيتام بحي السلام التابعة للعتبة الحسينية
|
|
|