المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8345 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
الحديث المضطرب والمقلوب
2024-12-22
الحديث المعلّل
2024-12-22
داء المستخفيات الرئوية Pulmonary cryptococcosis
2024-12-22
احكام الوضوء وكيفيته
2024-12-22
أحكام النفاس
2024-12-22
من له الحق في طلب إعادة المحاكمة في القوانين الجزائية الإجرائية الخاصة
2024-12-22

نبات الياس
2023-04-17
Aligning Sequences
30-11-2015
كهنة آمون الأول في عهد رعمسيس الثالث (إيو حمكا).
2024-10-19
حكم من مات وعليه وجوب الصوم بدل الهدي.
28-4-2016
أنواع الحموض الدهونة
9-6-2017
Allophenic
30-11-2015


أحكام المياه  
  
41   01:44 صباحاً   التاريخ: 2024-12-22
المؤلف : ابن ادريس الحلي
الكتاب أو المصدر : السرائر
الجزء والصفحة : ج 1 ص 58
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / المسائل الفقهية / الطهارة / أقسام المياه وأحكامها /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-11-2016 1059
التاريخ: 7-11-2016 933
التاريخ: 2023-04-20 1215
التاريخ: 2023-04-16 1430

كل ما استحق إطلاق هذه السمة التي هي قولنا ماء على اختلاف محاله ، وأسماء أماكنه وعذوبته في طعمه وملوحته ، فهو طاهر ، لا يمتنع من التطهير به وشربه ، إلا أن يعلم فيه نجاسة فيحظر استعماله أو يتغير عن حاله ، لما يقتضي إضافته وتقييد الاسم المطلق له ، فلا يجوز حينئذ التطهر به وإن كان في نفسه طاهرا ، وهو على ضربين : طاهر ، ونجس.

فالطاهر على ضربين: طهور وغير طهور.

ومعنى طهور: انّه مع طهارته يزيل الأحداث ويرفع حكمها بغير خلاف.

وهو على ثلاثة أضرب: مملوك ، ومباح ، ومغصوب.

فالقسمان الأوّلان: لا خلاف أنّهما يزيلان النجاسة الحكمية والعينية ، ومعنى الحكمية : ما يحتاج في رفعها إلى نية القربة. وقيل : ما لم يدركها الحس ، ومعنى العينية : ما لا يحتاج في رفعها وإزالتها إلى نية القربة. وقيل ما أدركها الحس.

وأمّا القسم الثالث: فلا خلاف بين أصحابنا انّه لا يرفع الحكمية ، لأنّ الحكمية تحتاج في رفعها إلى نية القربة ، ولا يتقرب إلى الله سبحانه بالمعاصي والمغصوب. فأمّا رفع العينية به ، فيجوز ويزول وإن كان الإنسان في استعماله معاقبا ، لأنّ نية القربة لا تراعى في إزالة النجاسة العينية.

والطاهر الذي ليس بطهور: ما خالطه جسم طاهر ، فسلبه إطلاق اسم الماء ، واقتضى إضافته عليه أو اعتصر من جسم ، أو استخرج منه ، أو كان مرقا سلبته المرقية إطلاق اسم المائية ، كماء الورد والآس والباقلاء وما أشبه ذلك ، فهذا الماء طاهر في نفسه ، غير مطهر لغيره ، فإن خالطه شي‌ء من النجاسات فقد نجس ، قليلا كان أو كثيرا بغير خلاف ، ولا اعتبار للكر هاهنا ، ولا يرفع به نجاسة حكمية ، بغير خلاف بين المحصّلين.

وفي إزالة النجاسة العينية به خلاف بين الأصحاب ، والصحيح من المذهب انها لا يزول حكمها به ، وإن كان السيد المرتضى وجماعة من أصحابنا يذهبون إلى أنّها يزول حكمها به.

فأمّا الرد عليهم بقوله تعالى : ( وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ) (1) فليس بشي‌ء يعتمد ، لأنّه ليس في الآية أنّ غير الماء المنزل لا يطهّرنا ، فهذا عند محقّقي أصول الفقه أخفض رتبة من دليل الخطاب ، لأنّ الحكم تعلّق بذكر عين لا حكم صفة ، والنص عندهم إذا تناول عينا ، بحكم لم يدل على أنّ ما عداها من الأعيان مخالف لها في ذلك ، هذا على مذهب القائلين بدليل الخطاب وعلى مذهب المبطلين له ، وانّما اخترنا ما اخترناه لدليل غير هذا ، وهو أنّ النجاسة معلومة في الثوب والبدن بيقين ، فلا يزال إلا بيقين ، وإذا أزيلت بالماء المطلق ، يحصل اليقين ، وأيضا فالماء المضاف لاقى نجاسة ، فنجس بملاقاتها ، فصار هذا الفعل تكثيرا للنجاسة ، وليس كذلك إزالتها بالماء المطلق ، لأنّ لورود الماء على النجاسة حكما ، وليس كذلك ورود المضاف ، فإن أضيف إلى الماء المطلق المطهر جسم طاهر تغيّر به أحد أوصافه ، فهو باق على حكم التطهير به ، ما لم يسلبه إطلاق اسم الماء عنه ، لأنّ التغير غير السلب ، لأنّ السلب هو غلبة الأجزاء المخالطة للماء حتى تسلبه إطلاق اسم الماء عنه وتخرجه عن معنى المياه.

والنجس هو الماء القليل الذي خالطه شي‌ء من النجاسة ، غيّره أو لم يغيّره أو الكثير ، أو الجاري الذي تخالطه النجاسة ، وتغيّر بعض صفاته من لون أو طعم أو ريح.

وحد الماء القليل ما نقص عن مقدار كر. وحد الكثير ما بلغ كرا فصاعدا.

وحد الكر ما وزنه الف ومائتا رطل ، بالرطل العراقي ، وهو البغدادي على الصحيح من المذهب ، لأنّ بعض أصحابنا يذهب إلى أنّه بالمدني ، من جملتهم المرتضى رضي‌ الله‌ عنه ، هذا إذا كان الاعتبار بالوزن. فأمّا إذا كان الاعتبار بمساحة المحل ، فبأن يكون محله ثلاثة أشبار ونصفا طولا في مثلها عرضا في مثلها عمقا ، على الصحيح من المذهب.

وذهب بعض أصحابنا وهم القميّون: إلى أنّه يكون محله ثلاثة أشبار في عمق مثلها ، في عرض مثلها طولا ، دون اعتبار النصف ، والاعتبار بالأشبار المعتادة لا الأشبار القصار ولا الطوال.

والاعتبار بالكر انّما هو في الماء الواقف ، دون مياه الآبار النابعة ، فأمّا مياه الآبار : فهي تجري ـ وإن كثر ماؤها ـ مجرى ما نقص عن الكر ، من مياه المصانع والغدران ، والواقف في أيّ موضع كان في آن حلول النجاسة ووقوعها فيها ، من غير تغيّر لها ينجسها ، سواء بلغ ماؤها كرا أو نقص عنه ، بغير خلاف بين أصحابنا وسنبيّن كيفية تطهيرها إن شاء الله تعالى.

والماء المستعمل في تطهير الأعضاء والبدن الذي لا نجاسة عليه إذا جمع في إناء نظيف كان طاهرا مطهرا ، سواء كان مستعملا في الطهارة الكبرى أو الصغرى ، على الصحيح من المذهب ، لأنّ بعض أصحابنا يقول : إذا كان مستعملا في الطهارة الكبرى لا يرفع به حدث حكمي ، ويرفع به النجاسة العينية ويزيلها ، وهذا منه تحكم ، لأنّه إن كان مضافا فالماء المضاف عند هذا القائل لا يزيل به النجاسة الحكمية ولا العينية ، وإن كان مطهرا باقيا على ما كان عليه قبل الاستعمال ، فما باله يزيل النجاسة العينية ، ولا يرفع الحكمية؟ فإن تمسك بأنّ هذا ماء أزيل به نجاسة فلا يجوز استعماله ، فيقال له : فالماء المستعمل في الطهارة الصغرى قد أزيل به نجاسة ، فامتنع من التطهير به ، فإن قال : الماء المستعمل في الطهارة الصغرى أزيل به نجاسة حكمية لا عينية ، قلنا له : كذلك هذا الماء ، فإن قال : هذا ماء مضاف ، قلنا : حقيقة الإضافة ما أضيف من الأجسام الطاهرة إلى الماء فسلبته إطلاق اسم الماء على ما مضى بيانه ، وما يستخرج أيضا من أجرام الأجسام بعصر أو تصعيد ، وليس هذا حاصلا في هذا الماء المنازع فيه ، ثم إن امتنعت من استعماله لهذه العلّة ، وهي كونه مضافا ، فامتنع من استعمال الماء المستعمل في الطهارة الصغرى ، فمهما أجبت به ، فهو جوابي لك بعينه في هذا الماء.

وأيضا فالظاهر من الآيات والأخبار يقتضي طهارة هذا الماء ، ورفع الحدث به ، لأنه بعد استعماله في الطهارة الكبرى ، باق على ما كان عليه من تناول اسم الماء له بالإطلاق ، ومنزل من السماء.

وموت ما لا نفس له سائلة : كالذباب والجراد والزنابير والعقارب وما أشبه ذلك لا ينجس الماء ، سواء كان الماء قليلا أو كثيرا ، جاريا أو راكدا ، من مياه الآبار أو غيرها.

ولا بأس بالوضوء والغسل بسؤر الجنب والحائض على كراهية لسؤر الحائض إذا كانت متهمة ، وهي التي لا تتوقى من النجاسات ، فأمّا إذا كانت مأمونة وهي التي تتوقى من النجاسات ، فلا كراهية في ذلك.

وجملة الأمر وعقد الباب أن نقول : الماء على ضربين : جار وواقف ، فالجاري طاهر مطهر ، إلا أن يتغير بعض أوصافه ، لونه أو طعمه أو رائحته بجسم نجس ، فإنّه ينجس ويطهر بزوال الأوصاف عنه. والطريق إلى تطهيرها تقويتها بالمياه الجارية ، ودفعها حتى يزول عنها التغيّر.

والواقف على ضربين: مياه الآبار وغير مياه الآبار.

فغير مياه الآبار على ضربين: قليل ، وكثير.

فالكثير ما بلغ كرا فصاعدا على ما مضى بيانه. فحكم هذا الماء حكم الجاري ، لا ينجسه شي‌ء يقع فيه من النجاسات ، إلا ما تغيّر به أحد أوصافه ، فإن تغيّر أحد أوصافه بنجاسة تحصل فيه ، فلا يجوز استعماله إلا عند الضرورة للشرب لا غير.

والطريق إلى تطهيره أن يطرأ عليه من المياه الطاهرة المطلقة ما يرفع ذلك التغيّر عنه ، فحينئذ يجوز استعماله. وإن ارتفع التغيّر عنه من قبل نفسه ، أو بتراب يحصل فيه ، أو بالرياح التي تصفقها ، أو بجسم طاهر يحصل فيه ، أو بطروّ أقل من الكر من المياه المطهرة لم يحكم بطهارته ، لأنّه لا دليل على ذلك ، ونجاستها معلومة بيقين ، فلا يرجع عن اليقين إلا بيقين مثله.

فإن كان تغيّر هذه المياه لا بنجاسة بل من قبل نفسها ، أو بما يجاورها من الأجسام الطاهرة مثل الحمية والملح ، أو نبت فيها مثل الطحلب والقصب وغير ذلك ، أو لطول المقام ، لم يمنع ذلك من استعمالها بحال.

والقليل ما نقص عن الكر الذي قدّمنا مقداره ، وذلك ينجس بكل نجاسة تقع فيه ، قليلة كانت النجاسة أو كثيرة ، غيّرت أحد أوصافه أو لم تغيّر ، من غير استثناء لنجاسة يمكن التحرز منها أو لا يمكن ، لأنّ بعض أصحابنا ذكر في كتاب له : إلا ما لا يمكن التحرز منه ، مثل رءوس الإبر من الدم وغيره ، وهذا غير واضح ، لأنّه ماء قليل وقعت فيه نجاسة ، فيجب أن تنجسه ، ومن استثنى نجاسة دون نجاسة ، يحتاج إلى دليل ولن يجده.

والطريق إلى تطهير هذا الماء أن يزاد زيادة تبلغه الكر أو أكثر منه ، إذا كانت الزيادة ينطلق عليها اسم الماء على الصحيح من المذهب. وعند المحقّقين من نقّاد الأدلة والآثار ، وذوي التحصيل والاعتبار ، لأنّ بلوغ الماء عند أصحابنا هذا المبلغ ، مزيل لحكم النجاسة التي تكون فيه وهو مستهلك بكثرته لها ، فكأنّها بحكم الشرع غير موجودة ، إلا أن تؤثّر في صفات الماء ، فإذا كان الماء بكثرته وبلوغه إلى هذا الحد مستهلكا للنجاسة الحاصلة فيه ، فلا فرق بين وقوعها فيه بعد تكامل كونه كرا ، وبين حصولها في بعضه قبل التكامل ، لأنّ على الوجهين معا النجاسة في ماء كثير ، فيجب أن لا يكون لها تأثير فيه مع عدم تغيير الصّفات.

والظواهر على طهارة هذا الماء بعد البلوغ المحدد ، أكثر من أن تحصى أو تستقصى. فمن ذلك قول الرسول صلى‌ الله‌ عليه ‌وآله المجمع عليه عند المخالف والمؤلف : إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا (2)، فالألف واللام في الماء عند أكثر الفقهاء وأهل اللسان للجنس المستغرق ، فالمخصص للخطاب العام الوارد من الشارع يحتاج إلى دليل ، فلا خلاف بين المخالف والمؤالف من أصحابنا في تصنيفهم وتقسيمهم في كتبهم الماء ، فإنّهم يقولون : الماء على ضربين : طاهر ونجس ، وقد حصل الاتفاق من الفريقين على تسمية الماء النجس بالماء ، ووصفه بالنجس لا يخرجه عن إطلاق اسم الماء حتى يصير في حكم ماء الورد وماء الباقلاء ، لأنّه لو شربه من حلف أن لا يشرب ماء يحنث الحالف بغير خلاف ، فلو لم ينطلق عليه اسم الماء لم يحنث الحالف.

وأيضا قول الرسول صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله المتفق ، على رواية ظاهرة ، انّه قال : خلق الماء طهورا لا ينجسه شي‌ء إلا ما غيّر طعمه أو لونه أو رائحته (3) فمنع عليه‌ السلام من نجاسته إذا لم يتغير ، إلا ما أخرجه الدليل ، وهذا بخلاف قول المخالف والمنازع في هذا الماء.

وأيضا قوله تعالى: (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) (4). وهذا عام في الماء المنازع فيه وغيره ، لأنّه لا يخرج عن كونه منزّلا من السماء ، وليس لأحد أن يخصّ ذلك بتنزله من السماء في حال نزوله ، ألا ترى انّ ماء دجلة إذا استعمل ونقل من مكان إلى مكان ، لم يخرج من أن يكون ماء دجلة.

وأيضا قوله تعالى : ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا ) (5). فالواجد للماء المختلف فيه ، واجد لما تناوله الاسم بغير خلاف.

وأيضا قوله تعالى : ( وَلا جُنُباً إِلّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ) (6). فأجاز تعالى الدخول في الصلاة بعد الاغتسال ، ومن اغتسل بالماء المنازع فيه تناوله اسم مغتسل بلا شك.

وأيضا قوله عليه‌ السلام لأبي ذر رضي‌ الله‌ عنه : إذا وجدت الماء فأمسسه جلدك (7) ، ومن وجد هذا الكر واجد للماء.

وقوله عليه ‌السلام : أمّا أنا فأحثو على رأسي ثلاث حثيات من ماء ، فإذا أنا قد طهرت. ولم يخص ماء من ماء ، وماء في الخبر منكر ، والنكرة مستغرقة لجنسها ، فالظواهر من القرآن والسنّة التي يتمسك بها على طهارة الكرّ المختلف فيه ، كثيرة على ما ترى جدا.

وأيضا حسن الاستفهام عند المحقّقين لأصول الفقه ، يدلّ على اشتراك الألفاظ بغير خلاف فيما بينهم ، ولا خلاف في أنّ من قال عندي ماء ، يحسن أن يستفهم عن قوله : أنجس أم طاهر؟ وليس كذلك إذا قال عندي ماء للطهارة في أنّه لا يحسن استفهامه ، لأنّ القرينة أخلصته من الاشتراك ، وهو قوله للطهارة. وعلى هذا آية التيمم في قوله تعالى : ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا ) المراد به الطاهر لأجل القرينة ، وهي ذكر الطهارة في سياق الآية.

فإن قيل : كيف يكون مثلا نصف كر منفردا نجسا ، والنصف الآخر أيضا نجسا ، فإذا خلطا وبلغا الكر مجتمعا يصير طاهرا؟ وهل هذا إلا عجيب!

قلنا: لا يمتنع أن يكون البعض نجسا إذا كان متفرقا ، وكذلك البعض. الآخر ، فإذا اجتمعا حدث معنى وهو البلوغ والاجتماع ، فتغيّر الحكم عما كان عليه أوّلا ، فيخرجه من النجاسة إلى الطهارة ، فيطهر حينئذ بالبلوغ ، ولهذا أمثلة كثيرة عقلا وسمعا ، فمن ذلك المشرك نجس العين عندنا ، ويخرجه الإيمان عن النجاسة إلى الطهارة.

فإن قيل : إنّ العين على ما كانت عليه؟

قلنا : غير مسلّم ، لأنّ اعتقاد الإسلام والإيمان يمنع من أن يطلق عليها انّها على ما كانت عليه ، إلا أن يراد بالعين نفس الجواهر فهو كذلك ، إلا انّه غير مؤثّر ، ألا ترى أن عصير العنب قبل أن يشتد حلال طاهر ، فإذا حدثت الشدة حرمت العين ونجست ، والعين التي هي جواهر على ما كانت عليه ، وانّما حدث معنى لم يكن ، وكذلك إذا انقلب خلّا زالت الشدة عن العين وطهرت ، وهي على ما كانت عليه ، وكذلك الحي من الناس المسلمين ، يكون طاهرا في حال حياته ، فإذا مات صار نجسا ، والعين على ما كانت عليه ، ولم يحصل من التغير أكثر من عدم معنى هو الحياة ، وحلول معنى هو الموت ، وإذا جاز أن ينجس العين الطاهرة بعدم الحياة وحلول الموت ، جاز أن يطهر العين النجسة بعدم الكفر ووجود الإيمان على أن الجواهر متماثلة ، والعين النجسة من جنس العين الطاهرة ، وانّما تفارقها بما يحلّها من المعاني والأعراض والأحكام ، فإذا لا مانع شرعا وعقلا أن يثبت للماء النجس متفرقا قبل اجتماعه وبلوغه الكر حكم بعد اجتماعه وبلوغه الحد المحدود ، فالدليل كما يقال يعمل العجب ويزيل الريب.

وأيضا إجماع أصحابنا على هذه المسألة إلا من عرف اسمه ونسبه وقوله : وإذا تعيّن المخالف في المسألة لا يعتد بخلافه.

وأيضا فالشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه ‌الله الذي يتمسك بخلافه ويقلد في هذه المسألة ، ويجعل دليلا يقوّي القول ، والفتيا بطهارة هذا الماء في كثير من أقواله ، وأنا أبيّن إن شاء الله أنّ أبا جعفر رحمه‌ الله يفوح من فيه رائحة تسليم المسألة بالكلية ، إذا تؤمّل كلامه وتصنيفه حق التأمل وأبصر بالعين الصحيحة واحضر له الفكر الصافي ، فإنه فيه نظر ولبس ولتفهم عنى ما أقول.

اعلم رعاك الله انّ المقرر المعلوم من مذهب هذا الشيخ الفقيه وقوله وفتياه وتصنيفه الشائع عنه وخلافه فيه وقوله الذي لم يرجع عنه في كتبه، يكاد يعلم من أصحابنا ، ضرورة أن الماء المستعمل في الطهارة الكبرى ، مثل غسل الجنابة والحيض والاستحاضة والنفاس ، إذا كان البدن خاليا من نجاسة عينية ، بأنّ عنده هذا الماء لا يرفع الحدث ، ولا يجوز استعماله في رفع الأحداث ، وإن كان طاهرا ، الا أنّه عدّه غير مطهر ، وهذا معلوم من مذهبه وقوله على ما بيناه ، وحجّته انّ هذا ماء مستعمل في إزالة نجاسة حكمية.

ثم قال في مبسوطة ما هذا حكايته : الماء المستعمل على ضربين : أحدهما ما استعمل في الوضوء وفي الأغسال المسنونة ، فما هذا حكمه يجوز استعماله في رفع الأحداث ، والآخر ما استعمل في غسل الجنابة والحيض ، فلا يجوز استعماله في رفع الأحداث وإن كان طاهرا ، فإن بلغ ذلك كرا زال حكم المنع من رفع الحدث به لأنّه قد بلغ حدا لا يحتمل النجاسة وإن كان أقل من كر كان طاهرا غير مطهر ، هذه ألفاظ الشيخ أبي جعفر رحمه‌ الله بعينها لا زيادة فيها ولا نقصان (8).

ألا ترى انّ هذا الماء المستعمل في الطهارة الكبرى عنده غير رافع للأحداث ، ثم قال : فإن بلغ ذلك كرا زال حكم المنع من رفع الحدث به ، قال : لأنّه قد بلغ حدّا لا يحتمل النجاسة ، فاتى باللام المعيّنة التي معناها لأجل أنّه ، فكان عنده قبل بلوغه الكر غير رافع ، فلما بلغ الكر صار رافعا للحدث ، وزال بالبلوغ عنه المنع من رفع الحدث ، فانظر أيّها المعتبر وتأمّل ، هل صيّره مطهرا رافعا للحدث شي‌ء سوى البلوغ المحدود بالكرية ، فيلزمه على قود الاستدلال والتعليل والالتزام منه أن يحكم في الماء النجس القليل غير متغيّر الأوصاف بنجاسة انّه غير رافع للنجاسة الحكمية والعينية ، وكذا يقول : ونقول فإذا بلغ الكر زال حكم المنع من رفع الأحداث وإزالة النجاسات به ، وإلا فما الفرق والفاصل بينهما مع البلوغ كرا؟

فإن خطر في الخاطر ولاح خيال وسراب ونهض مقعد فقال : الفرق بينهما واضح ، وهو أنّ الماء المستعمل في الطهارة الكبرى الذي لم يبلغ كرا طاهر ، لكنّه غير مطهر ، والماء النجس الذي هو أقل من الكر غير طاهر ولا مطهر ، فقد افترقا من هذا الوجه.

قلنا : المزيل لهذا الخيال والسراب ، انّه لا فرق بينهما عنده ، في أنّ هذا الماء غير مطهر ، وهذا غير مطهر ، فقد اشتركا من هذا الوجه والحكم بكونه غير مطهر فإذا بلغ صار مطهرا وليس علّة المنع عنده كونه طاهرا فليس له في كونه طاهرا مزية عنده فقد تساويا في المنع ، والحكم المطلوب والمعنى المقصود من أنّه لا يرفع هذا حدثا ولا يزيل به نجسا ، وكذلك حكم الآخر عنده ، فهما متساويان في هذا الوجه غير مختلفين ، لكونهما غير مطهرين ، وإن كان أحدهما طاهرا فغير مفيد له هذا الوصف ، ولا مؤثر فيه حكما من رفع حدث به ، أو إزالة نجاسة بل هو والماء النجس في المنع من رفع الأحداث وإزالة النجاسات ، شيئان مشتركان متساويان ، فتسمية الماء المستعمل الناقص عن الكر غير مكتسب له حكم النجس ولا مؤثر في رفع الحدث به وإزالة النجاسة (9) ، بل المؤثر في رفع الحدث به إطلاق اسم الماء عليه ، وبلوغه الكر عند الشيخ ، وإلا فماء الورد بلا خلاف طاهر ولو بلغ الف كر لا يرفع حدثا ، لأنّه لا ينطلق عليه اسم الماء ، وهاتان الصفتان قائمتان في الماء النجس ، وهما انطلاق اسم الماء على الماء النجس على ما بيّناه وأوضحناه أوّلا ، وبلوغه الكر ، فيجب أن يحصل له من رفع الحدث ما حصل لذلك الماء المستعمل وهو من التأثير في رفع الحدث به وإزالة النجس إذا حصلتا له ، وهما حاصلتان للماء النجس بهذا التقرير ، فالمؤثر عند الشيخ في رفع الحدث به بلوغه كرا لا كونه طاهرا ، فقد صار كونه طاهرا ووجود هذا الوصف له وعدمه سواء ، فقد تساويا في كونهما غير مطهرين ، وهو المنع من رفع الحدث ، وإزالة النجاسة العينية بهما ، فلا فرق بينهما عنده من هذا الوجه ، بل هما متساويان في المنع من رفع الحدث بهما وفي كونهما غير مطهرين ، وإن اختلفا في وجه غير مقيد للماء الذي سمّي به ، ولا مكتسب له حكما مؤثرا في رفع الأحداث به ، بل المكتسب له والمؤثر في رفع الأحداث بلوغه كرا فحسب ، لا كونه طاهرا ، فكان المانع له من رفع الحدث به نقصان مقداره عن الكر ، والرافع لهذا الحكم عنده زيادة مقداره وبلوغه الكر ، لا كونه طاهرا فيجب أن يكون المانع من رفع الحدث بالماء النجس نقصان مقداره عن الكر ، والرافع لهذا الحكم زيادة مقداره ، وهو بلوغه كرا ، لأنّه جعل الحكم الرافع للمنع في الماء المستعمل بلوغه الكر ، لا كونه طاهرا. وعلّل بقوله : لأنّه قد بلغ حدا لا يحتمل النجاسة ، والتعليل قائم في الماء النجس الناقص عن الكر ، فإذا بلغه يجب ان يزول عنه ذلك الحكم ، لأنّه قد بلغ حدّا لا يحتمل النجاسة ، لأنّه الحدّ المؤثر الذي بلغه الماء المستعمل ، وهو المزيل ، لما كان عليه من المنع المؤثر في رفع الحدث به لا كونه طاهرا ، فصار التعليل لازما للشيخ أبي جعفر رضي‌ الله‌ عنه كالطوق في حلق الحمام ، فهذا الشيخ المخالف في الفتيا في هذه المسألة في بعض أقواله محجوج بقوله هذا الذي أوضحناه على ما ترى ، فآل الأمر بحمد الله إلى اضمحلال الخلاف فيها.

ولنا في هذا مسألة منفردة نحو من عشر ورقات ، قد بلغنا فيها أقصى الغايات ، رجحنا القول فيها والأسئلة والأدلة والشواهد من الآيات والأخبار ، فمن أرادها وقف عليها من هناك.

وأمّا مياه الآبار ، فإنّها تنجس بما يقع فيها من سائر النجاسات ، قليلا كان الماء أو كثيرا ، غيّرت النجاسة الواقعة فيها أحد أوصاف الماء أو لم تغيّره ، بغير خلاف بين أصحابنا.

ثمّ النجاسة الواقعة فيها على ضربين : منصوص عليها ، أو غير منصوص عليها.

فالنجاسات المنصوص عليها تنقسم إلى ثلاثة أقسام : قسم يوجب نزح الجميع مع الإمكان وفقد التعذّر ، ونجاسة توجب نزح مقدار لا بالدلاء ، ونجاسة توجب نزح دلاء معدودة.

فالأوّل : اختلف أصحابنا ، منهم : من يذهب إلى نزح الجميع ، من ثمان نجاسات ، ومنهم من قال : يوجب نزح الجميع من تسع نجاسات ، ومنهم من قال : يوجب نزح جميعها من عشر نجاسات والصحيح الأوّل ، لأنّه متفق عليه ، وما عداه داخل في قسم ما لم يرد به نص ، وسيأتي بيانه بعون الله سبحانه.

فالمتفق عليه الخمر ، من قليله وكثيره ، وكلّ مسكر ، والفقاع ، والمني ، من سائر الحيوانات ، مأكول اللحم ، وغير مأكول اللحم ، ودم الحيض ، والاستحاضة ، والنفاس ، والبعير إذا مات فيه ، سواء كان ذكرا أو أنثى ، لأنّ البعير اسم جنس ، فإذا أردت الذكر قلت جمل ، وإذا أردت الأنثى قلت ناقة ، كما أنّ الإنسان اسم جنس يدخل تحته الذكران والإناث ، فإذا أردت الذكر قلت الرجل ، وإذا أردت الأنثى قلت المرأة.

فإن تعذّر ذلك بأن يكون الماء كثيرا غزيرا ، لا يمكن نزح جميعه ، تراوح على نزحها أربعة رجال من أوّل النهار إلى آخره ، وأوّل النهار حين يحرم على الصائم الأكل والشرب ، وآخره حين يحلّ له الإفطار ، وقد يوجد في كتب بعض أصحابنا من الغدوة إلى العشية ، وليس في ذلك ما ينافي ما ذكرناه ، لأنّ أوّل الغدوة أوّل النهار ، لأنّ الغدوة والغداة عبارة عن أوّل النهار بغير خلاف بين أهل اللغة العربية.

وكيفية التراوح : أن يستقي اثنان بدلو واحد ، يتجاذبانه إلى أن يتعبا ، فإذا تعبا قام الاثنان إلى الاستقاء ، وقعد هذان يستريحان إلى أن يتعب القائمان ، فإذا تعبا قعدا وقاما هذان واستراح الآخران ، هكذا.

فأمّا ان تغير أحد أوصاف الماء بنجاسة ، فإن كانت النجاسة منصوصة على ما ينزح منها ، فإن كانت مما ينزح منها الجميع ، فيجب نزح الجميع ولا كلام ، فإن تعذّر النزح للغزارة ، فالتراوح يوما من أوّله إلى آخره ، على ما مضى شرحه وبيانه ، فإن زال التغير ، فذاك المقصود ، وقد طهر الماء ، وإن لم يزل التغير من نزح اليوم ، فيجب أن ينزح إلى أن يزول التغيّر ، ولا يتقدر ذلك بمدة ، بل بزوال التغيّر ، سواء كان في مدة قليلة أو كثيرة.

وإن كانت النجاسة المغيّرة مما يوجب نزح مقدار محدود ، فيجب نزح المقدار ، فإن زال التغير فقد طهرت ، وإن لم يزل ، فيجب أن ينزح إلى أن يزول التغيّر ، لقولهم عليهم‌ السلام : ينزح منها حتى تطيّب (10) ، وقولهم : حتى يذهب الريح وقد طهرت (11) ولأنّ الحكم إذا تعلّق بسبب ، زال بزوال ذلك السبب ، وهذا مذهب شيخنا المفيد محمد بن محمد بن النعمان رحمه‌ الله في مقنعته (12) ، وفي رسالته إلى ولده (13).

وإن كانت النجاسة المغيّرة لأحد الأوصاف غير منصوص عليها بمقدار ، فالواجب نزح الجميع بغير خلاف ، لأنّه داخل في قسم ما لم يرد به نص ، فإذا تعذّر نزح الجميع لغزارة الماء وكثرته ، فالواجب أن يتراوح عليها أربعة رجال ، من أوّل النهار إلى آخره ، على ما مضى شرحنا له ، فإن زال التغيّر في بعض اليوم المذكور ، فالواجب تمام ذلك اليوم ، وإن لم يزل التغيّر بنزح اليوم ، فالواجب بعد تمام اليوم النزح منها إلى أن يزول التغيّر ، وإن كان ذلك في بعض يوم ، بعد استيفاء اليوم الأوّل.

فمن ألحق من أصحابنا قسما تاسعا قال : وكل نجاسة غيّرت أحد أوصاف الماء ، إن أراد بقوله : كلّ نجاسة غيّرت أحد أوصاف الماء ولم يزل التغيّر قبل نزح الجميع ، وكان نزح الجميع غير متعذّر ، والنجاسة المغيّرة لأحد أوصاف الماء منصوص عليها ، فإنّه مصيب في إلحاقه هذا القسم ، وإن أراد بالنجاسة المغيّرة : أي نجاسة كانت ، سواء كانت منصوصا عليها أو غير منصوص عليها ، فإنّه غير مصيب في تقسيمه ، لأنّ النجاسة المغيرة ، إذا كانت غير منصوص عليها ، فهي داخلة في غير هذا القسم ، بل في القسم الثاني وهو النجاسة الواقعة في البئر التي لم يرد بها نص معيّن ، فليلحظ هذا ويتأمّل تأمّلا جيدا.

وان أردت تلخيص الكلام وتجميله في الأشياء التي تقع في البئر وتوجب نزح الماء جميعه ، فطريقته أن يقول : الواقع في البئر من النجاسات على ضربين:

أحدهما يغيّر أحد أوصاف الماء ، والثاني لا يغيره ، فإن غير أحد أوصافه فالمعتبر فيه الأخذ بأعم الأمرين ، من زوال التغيّر ، وبلوغ الغاية المشروعة في مقدار النزح منه ، فإن زال التغيّر قبل بلوغ المقدار المشروع في تلك النجاسة ، وجب تكميله ، وإن نزح ذلك المقدار ولم يزل التغيّر ، وجب النزح إلى أن يزول لأنّ طريقة الاحتياط تقتضي ذلك ، والإجماع عليه ، لأنّ العامل به عامل على يقين.

وما لا يغيّر أحد أوصاف الماء على ضربين:

أحدهما يوجب نزح جميع الماء ، أو تراوح أربعة رجال على نزحة من أوّل النهار إلى آخره ، إذا كان له مادة قوية يتعذّر معها نزح الجميع. والضرب الآخر يوجب نزح بعضه.

فما يوجب نزح الجميع ، أو المراوحة ، عشرة أشياء على هذه الطريقة : الخمر ، وكلّ شراب مسكر ، والفقاع ، والمني ، ودم الحيض ، ودم الاستحاضة ، ودم النفاس ، وموت البعير فيه ، وكلّ نجاسة غيّرت أحد أوصاف الماء ، ولم يزل التغيّر قبل نزح الجميع ، وكلّ نجاسة لم يرد في مقدار النزح منها نص ، فهذا التحرير على هذه الطريقة صحيح.

وما يوجب نزح البعض فعلى ضربين.

أحدهما يوجب نزح كر ، وهو موت خمس من الحيوان : الخيل ، والبغال ، والحمير ، أهلية كانت أو غير أهلية ، والبقر وحشية كانت أو غير وحشية ، أو ما ماثلها في مقدار الجسم.

والآخر ما يوجب نزح دلاء ، فأكثرها موت الإنسان المحكوم بطهارته قبل موته وتنجيس الماء ، سواء كان صغيرا أو كبيرا سمينا أو مهزولا ينزح سبعون دلوا.

قال محمّد بن إدريس : وكأني بمن يسمع هذا الكلام ينفر منه ويستبعده ، ويقول : من قال هذا؟ ومن سطره في كتابه؟ ومن أشار من أهل هذا الفن الذين هم القدوة في هذا اليه؟

وليس يجب إنكار شي‌ء ، ولا إثباته إلا بحجة تعضده ، ودليل يعتمده ، وقد علمنا كلّنا بغير خلاف بين المحقّقين المحصلين من أصحابنا : أنّ اليهودي وكلّ كافر من أجناس الكفّار ، إذا باشر ماء البئر ببعض من أبعاضه نجس الماء ، ووجب نزح جميعها مع الإمكان ، أو التراوح يوما إلى الليل ، على ما مضى شرحنا له ، وعموم أقوالهم وفتاويهم على هذا الأصل.

وأيضا فقد ثبت بغير خلاف بيننا : أنّ الكافر إذا نزل إلى ماء البئر ، وباشره ، وصعد منه حيا ، أنّه يجب نزح مائها أجمع ، فأيّ عقل أو سمع أو نظر أو فقه يقضي أنّه إذا مات بعد نزوله إليها ، ومباشرته لمائها بجسمه وهو حي فقد وجب نزح جميعها ، فإذا مات بعد ذلك ينزح سبعون دلوا وقد طهرت! وهل هذا إلا تغفيل من قائله وقلّة تأمل أتراه عنده بموته انقلب جنسه ، وطهر؟ ولا خلاف أنّ الموت ينجس الطاهر ، ويزيد النجس نجاسة.

فإن قيل : فقد ورد أنّه ينزح إذا مات إنسان في البئر سبعون دلوا لموته (14) ، وهذا عام في المؤمن والكافر ولم يفصّل ، فيجب العمل بالعموم إلى أن يقوم دليل الخصوص. وقد أورد أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله في كتاب النهاية ذلك (15) ، وقال : إذا مات إنسان في البئر ينزح منها سبعون دلوا وقد طهرت ولم يفصّل ، وكذلك ذكر الشيخ المفيد رحمه ‌الله في مقنعته (16) ، وابن بابويه في رسالته (17).

قلنا : الجواب عن هذا الإيراد من وجوه: أحدها : انّ ألفاظ الأجناس إذا كانت منكرات لا تفيد عند محقّقي أصول الفقه الاستغراق والعموم والشمول ، فأمّا إذا كانت معها الألف واللام ، كانت مستغرقة ، كما قال الله تعالى ( وَالْعَصْرِ. إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) وأيضا الرواية كما وردت بما ذكره السائل فقد وردت أيضا ، وأوردها من ذكر من المشايخ المصنفين في كتبهم أنّه إذا ارتمس الجنب في البئر ، نزح منها سبع دلاء وقد طهرت (18) ، أورد ذلك أبو جعفر الطوسي في نهايته (19) ، والشيخ المفيد في مقنعته (20)، وابن بابويه في رسالته (21) ، ولم يفصّلوا. والرواية بذلك عامة ، فمن قال في الإنسان أنّه عام ولم يفصّل ، يلزمه أن يقول في الجنب أنّه عام ، ولا يفصّل أيضا ، فهما سيان ، والكلام على القولين واحد حذو النعل بالنعل ، ولا أحد من أصحابنا يقدم فيقول : ينزح سبع دلاء لارتماس الجنب ، أيّ جنب كان ، سواء كافرا أو مسلما محقّا ، وهذا كما تراه وزان المسألة بعينه.

فأمّا العموم فصحيح ما قاله السائل فيه ، إلا أنّ الحكيم إذا خاطبنا بجملتين : إحداهما عامة ، والأخرى خاصة في ذلك الحكم والقصة بعينها ، فالواجب علينا أن نحكم بالخاصّ على العام ، ولم يجز العمل على العموم ، وذلك انّ القضاء والحكم بالعموم يرفع الحكم الخاصّ بأسره ، والقضاء بالخصوص لا يرفع حكم اللفظ العام من كل وجوهه ، وما جمع العمل بالمشروع بأسره أولى مما رفع بعضه ، مثال ما ذكرناه من كتاب الله تعالى قوله تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ. إِلّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) (22) ، وهذا عموم من ارتفاع اللوم عن وطي الأزواج على كلّ حال ،والخصوص قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ ) (23). فلو قضينا بالعموم في الآية الأولى لرفعنا حكم آية الحيض جملة ولو تركنا العمل بأحدهما لخالفنا الأمر في قوله تعالى: (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) فلم يبق إلا القضاء بالخصوص على العموم حسب ما بيناه(24).

فلمّا قال الشارع : إذا وقع في البئر إنسان ومات فيها ، يجب نزح سبعين دلوا ، علمنا أنّ هذا عموم ، ولمّا أجمعنا على أنّه إذا باشرها كافر وجب نزح جميع مائها ، علمنا أنّه خصوص ، لأنّ الإنسان على ضربين : مسلم محقّ ، وكافر مبطل هذا إنسان ، وهذا إنسان بغير خلاف ، فانقسم الإنسان إلى قسمين ، والكافر لا ينقسم ، لا يقال : هذا كافر وليس هذا بكافر ، فإن أريد بالكافر الإنسان على القسمين معا كان مناقضة في الأدلّة ، والأدلّة لا تتناقض ، فلم يبق إلا أنّه أراد بالإنسان ما عدا الكافر الذي هو أحد قسمي الإنسان ، وما هذا إلا كاستدلالنا كلّنا على المعتزلة في تعلّقهم بعموم آيات الوعيد ، مثل قوله تعالى : (وَإِنَّ الْفُجّارَ لَفِي جَحِيمٍ) (25) ففجّار أهل الصلاة داخلون في عموم الآية ، فيجب أن يدخلوا النار ولا يخرجوا منها فجوابنا لهم : إنّ الفجار على ضربين : فاجر كافر ، وفاجر مسلم ، وقد علمنا بالأدلّة القاهرة من أدلّة العقول التي لا يدخلها الاحتمال انّ فاجر أهل الصلاة غير مخلد في النار ، وهو مستحق للثواب بإيمانه ، قال الله تعالى في آية أخرى (جاهِدِ الْكُفّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (26) فعلمنا أنّ الفجّار في الآية من عدا فجّار أهل الصلاة من فجار الكفّار ، لأنّه ليس كلّ فاجر كافرا وكلّ كافر فاجرا ، فأعطينا كلّ آية حقّها وكنّا عاملين بهما جميعا فالعموم قد يخص بالأدلّة لأنّه لا صيغة له عندنا.

ومثال آخر : إذا خاطبنا الحكيم بجملتين متماثلتين في العموم ، فإن كانت الجملة الأولى أعم ، والثانية أخص ، دلّ ذلك على أنّه أراد بالجملة الأولى ما عدا ما ذكر في الجملة الثانية ، وإن كانت الجملة الثانية أعم دلّ ذلك على أنّه أراد بالثانية ما عدا ما ذكره في الجملة الاولى ، ونظيره : اقتلوا المشركين ، ويقول بعده : لا تقتلوا اليهود والنصارى ، فانّ ذلك يفيد انّه أراد بلفظ المشركين ما عدا اليهود والنصارى ، وإلا كانت مناقضة أو بداء وذلك لا يجوز ، ونظير الثاني أن يقول أولا : لا تقتلوا اليهود والنصارى ، ثم يقول بعده : اقتلوا المشركين ، فانّ ذلك يدلّ على أنّه أراد بلفظ المشركين الثانية ، ما عدا ما ذكر في الجملة الاولى ، ولو لا ذلك لأدّى إلى ما قدّمناه وأبطلناه.

وليس لأحد أن يقول هلا حملتم الجملة الثانية على أنّها ناسخة للجملة الاولى؟

قلنا : من شأن النسخ أن يتأخّر عن حال الخطاب على ما علم في حدّ النسخ ، وانّما ذلك من أدلّة التخصيص التي يجب مقارنتها للخطاب ، فعلى هذا : ينبغي أن يحمل كلّ ما يرد من هذا الباب ، ويعرف الأصل فيه ، فإنّه يشرف المحكم له على حقيقة العمل بمقتضاه ، وليس يخفى أمثال هذه الفتيا إلا على غير محصل لشي‌ء من أصول الفقه جملة وتفصيلا بلغت به سواه الكتب يمينا وشمالا ، لا يقف على الشي‌ء وضدّه ويفتي به وهو لا يشعر ، نعوذ بالله من سوء التوفيق ، وله الحمد على إدراك التحقيق.

وإن مات فيها كلب أو شاة أو أرنب أو ثعلب أو سنّور أو غزال أو خنزير أو ابن آوى أو ابن عرس أو ما أشبه ذلك في مقدار الجسم على التقريب نزح منها أربعون دلوا.

فأمّا ما روي في بعض الروايات أنّ الكلب إذا وقع في ماء البئر وخرج حيا ينزح منها سبع دلاء وقد طهرت (27) فليس بشي‌ء يعتمد ويعمل عليه والواجب العدول عن الرواية الضعيفة ، ونزح أربعين دلوا.

فإن قيل : إذا لم يعمل بالرواية ، فلم ينزح منها أربعون دلوا؟ ولم لا ينزح جميع مائها؟ لأنّه داخل في حكم ما لم يرد به نص معين.

قيل له : لا خلاف بين أهل النظر ، والتأمّل في أصول الفقه ، انّ الموت يزيد النجس نجاسة ، فإذا كان الكلب بموته في البئر ينزح منها أربعون دلوا ، فما يكون وقوعه فيها وهو حي يزيد على نجاسة موته ، وبعد فإنّه يلزمه ما ألزمناه في نزول الإنسان الكافر إلى البئر ، وتنجيسه لها ، ووجوب نزح جميع مائها ، لأنّه عنده لم يرد به نص ، فإذا مات بعد ذلك فيها ، وجب نزح سبعين دلوا ، أتراه انقلب جنسه وزال ذلك الحكم ، ولا خلاف انّ الموت ينجس الطاهر ، ويزيد النجس نجاسة ، وهذا قلة فقه. ثم أصول المذهب تدفعه ، لأنّ نجاسة البئر لا يرفعها إلا إخراج بعضه أو جميعه ، وهذا ما أخرج شيئا حتى يتغير حكمه.

وينزح منها لموت الطائر ، جميعه ، نعامة كان الطائر أو غيرها ، من كباره أو صغاره ، ما عدا العصفور ، وما في قدر حجمه ، وما شاكله تقريبا في الجسمية ، سبع دلاء.

وللعصفور وما أشبهه في المقدار ، دلو واحد ، وكذلك ينزح للخطاف والخفاش دلو واحد ، لأنّه طائر في قدر جسم العصفور.

وينزح للفأرة إذا تفسخت ، وحدّ تفسخها انتفاخها سبع دلاء ، فإن لم تنفسخ فثلاث دلاء.

وإذا وقع جماعة من الجنس الواحد الذي يجب نزح بعض ماء البئر بموته فيها ، مثل أن يموت فيها الف كلب ، فينزح منها ما ينزح لكلب واحد فحسب.

فأمّا إن مات فيها أجناس مختلفة ، مثال ذلك : كلب وخنزير وسنور وثعلب وأرنب ، فالواجب أن ينزح لكلّ جنس عدده ، لأنّ عموم الأخبار وظواهر النصوص تقتضيه ، فمن ادّعى تداخلها فعليه الدلالة ، ودليل الاحتياط يعضده أيضا ويشيده.

وبول بني آدم على ضربين: بول الرجال ، وبول النساء.

فبول الذكور على ثلاثة أضرب: بول ذكر بالغ ، وبول ذكر غير بالغ ، قد أكل الطعام ، واستغنى به عن اللبن والرضاع ، وبول رضيع لم يستغن بالطعام عن اللبن والرضاع ، فالأوّل : ينزح لبوله أربعون دلوا ، سواء كان مؤمنا أو كافرا أو مستضعفا والثاني : ينزح لبوله سبع دلاء ، وقد روي ثلاث دلاء ، وهو اختيار السيد المرتضى رضي ‌الله‌ عنه (28) وابن بابويه في رسالته (29). والأوّل أحوط وعليه العمل والإجماع. والثالث: ينزح لبوله دلو واحد ، وهو بول الرضيع ، وحدّه من كان له من العمر دون الحولين ، سواء أكل في الحولين الطعام ، أو لم يأكل ، لأنّه في الحولين رضيع ، فغاية الرضاع الشرعي مدة الحولين ، سواء فطم فيها أو لم يفطم ، فإذا جاوزها خرج من هذا الحد ، سواء فطم أو لم يفطم ، ودخل في القسم الثاني.

فإمّا بول النساء فقسم واحد ، سواء كن كبائر أو صغائر ، رضائع أو فطائم ، ينزح لبولهن أربعون دلوا ، وحملهن على تقسيم الذكور قياس ، والقياس متروك عند أهل البيت عليهم‌ السلام.

فان قيل: فمن أين نزح لبولهن أربعون دلوا؟

قلنا: الأخبار المتواترة عن الأئمة الطاهرة: بأن ينزح لبول الإنسان أربعون دلوا ، وهذا عموم في جنس الناس ، إلا ما أخرجه الدليل ، وهنّ من جملة الناس ، والإنسان اسم جنس يقع على الذكر والأنثى بغير خلاف ، ويعضد ذلك قوله تعالى: (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) (30) ولم يرد تعالى الرجال الذكور دون النساء.

وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي في التبيان في تفسير قوله تعالى: (أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ). فقال : الرجل هو إنسان ، خارج عن حدّ الصبي من الذكر ، وكلّ رجل إنسان ، وليس كلّ إنسان رجلا ، لأنّ المرأة إنسان ، هذا آخر كلامه (31).

وينزح لعذرة بني آدم الرطبة واليابسة المذابة المتقطعة ، خمسون دلوا ، فإن كانت يابسة غير مذابة ولا متقطعة ، فعشر دلاء بغير خلاف.

وينزح لسائر الدماء النجسة من سائر الحيوان ، سواء كان الحيوان مأكول اللحم ، أو غير مأكول اللحم ، نجس العين ، أو غير نجس العين ما عدا دم الحيض أو الاستحاضة والنفاس ، إذا كان الدم كثيرا ، وحدّ أقل الكثير دم شاة ، خمسون دلوا ، وللقليل منه وحدّه ما نقص عن دم شاة ، فإنّه حدّ كثير القليل (32)عشر دلاء بغير خلاف ، إلا من شيخنا المفيد في مقنعته ، فإنّه يذهب إلى أنّ لكثير الدم عشر دلاء ، ولقليله خمس دلاء (33) ، والأحوط الأول ، وعليه العمل.

وحدّ القلة والكثرة قد رواه أصحابنا منصوصا عن الأئمة عليهم‌ السلام ، هذا ما لم يغيّر أحد أوصاف الماء ، فإن تغير بذلك أحد أوصاف الماء فقد ذكرنا حكمه مستوفى ، فليعتبر ذلك فيه.

 

وينزح لارتماس الجنب الخالي بدنه من نجاسة عينية ، المحكوم بطهارته قبل جنابته ، سبع دلاء ، وحدّ ارتماسه أن يغطي ماء البئر رأسه ، فأمّا إن نزل فيها ولم يغط رأسه ماؤها ، فلا ينجس ماؤها على الصحيح من المذهب والأقوال ، وإن كان بعض أصحابنا في كتاب له يذهب إلى أنّ نزوله فيها ومباشرته لمائها مثل ارتماسه فيها وتغطية رأسه ماؤها ، والأول الأظهر ، لأنّ الأصل الطهارة ، ولو لا الإجماع على الارتماس لما كان عليه دليل ، والمرتمس لا يطهر بارتماسه ، ولا يزول حكم نجاسته.

وينزح لذرق الدجاج الجلال خمس دلاء ، فأمّا غير الدجاج الجلال فلا ينزح لذرقه شي‌ء ، لأنّه طاهر ، لأنّ ذرق مأكول اللحم طاهر بغير خلاف بين أصحابنا ، فأمّا الجلال : فإنّه غير مأكول اللحم ما دام جلالا ، وقد اتفقنا على نجاسة ذرق غير مأكول اللحم من سائر الطيور ، وقد رويت رواية شاذة لا يعوّل عليها ، انّ ذرق الطائر طاهر ، سواء كان مأكول اللحم أو غير مأكول والمعوّل عند محقّقي أصحابنا والمحصّلين منهم ، خلاف هذه الرواية ، لأنّه هو الذي يقتضيه أخبارهم المجمع عليها.

وحدّ الجلل : هو أن يكون غذاؤه أجمع عذرة الإنسان لا يخلطها بغيرها.

فأمّا المخلط من الدجاج ، فانّ ذرقه طاهر إلا أنّه مكروه ، فأمّا الذي لا يكون جلّالا ولا مخلطا فذرقه طاهر ليس بمكروه ، فقد عاد الدجاج على هذا التحرير على ثلاثة أضرب : منه ما هو نجس ينزح له إذا وقع في ماء البئر خمس دلاء ، وهو ذرق الجلّال. ومنه ما هو مكروه وليس بنجس. ومنه ما ليس بنجس ولا مكروه ، فليتأمّل ذلك.

وسمي جلّالا لأكله الجلة وهي البعر ، إلّا أن قد عاد العرف أنّه هو الذي يأكل عذرة بني آدم دون غيرها من الأبعار والأرواث النجاسات.

فأمّا ما يوجد في التصنيف لبعض أصحابنا من قوله : وروث وبول ما يؤكل لحمه ، إذا وقع في الماء لا ينجس ، إلا ذرق الدجاج خاصة ، فإذا وقع في البئر نزح منها خمس دلاء (34) فإطلاق موهم ، وعبارة فيها إرسال ، فإن أراد الجلّال فيكون استثناء غير حقيقي ، بل مجازيا ، والكلام في الحقيقة ، دون المجاز.

فإن اعتذر له معتذر ، وقال يكون استثناء حقيقيا ، لأنّه قبل كونه جلّالا يؤكل لحمه ، فقد استثنى المصنّف من حاله الاولى فيصير حقيقيا ، فإنه غير وجه في الاعتذار ، وإن أراد المصنّف سواء كان جلّالا أو غير جلّال ، مأكول اللحم أو غير مأكول اللحم ، فقد قدّمنا انّ إجماع أصحابنا منعقد ، والأخبار به متواترة ، وانّ كلّ مأكول اللحم من سائر الحيوان ذرقه وروثه طاهر ، فلا يلتفت إلى خلاف ذلك ، إمّا من رواية شاذة ، أو قول مصنّف معروف ، أو فتوى غير محصّل وربما أطلق القول وذهب في بعض كتبه (35) شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌ الله إلى نجاسة ذرق الدجاج ، سواء كان جلّالا أو لم يكن ، لأنّ استثناءه من مأكول اللحم يفيد ذلك ، ويعلم منه ، إلا أنّه رجع في استبصاره (36) ومبسوطة ، فقال في مبسوطة في آخر كتاب الصيد والذبائح : فأمّا الهازبي وهو السمك الصغير الذي يقلى ، (ولا يقلى) ما في جوفه من الرجيع ، فعندنا يجوز أكله ، لأنّ رجيع ما يؤكل لحمه ليس بنجس عندنا (37).

وقال أيضا في مبسوطة في كتاب الأطعمة: (الجلّالة البهيمة) التي تأكل العذرة ، كالناقة والبقرة والشاة والدجاجة ، فإن كان هذا أكثر علفها ، كره أكل لحمها ، بلا خلاف بين الفقهاء ، وقال قوم من أصحاب الحديث : هو حرام ، والأول مذهبنا ، هذا آخر كلامه رحمه‌ الله (38) فالحظه بالعين الصحيحة.

فأمّا ما يوجد في بعض الكتب لبعض أصحابنا وهو قوله : ومتى وقع في البئر ماء خالطه شي‌ء من النجاسات كماء المطر والبالوعة وغير ذلك ، نزح منها أربعون دلوا للخبر (39) ، فإنّه قول غير واضح ولا محكك ، بل يعتبر النجاسة المخالطة للماء الواقع في ماء البئر ، فإن كانت منصوصا عليها ، اخرج المنصوص عليها ، وإن كانت النجاسة غير منصوص عليها فتدخل في قسم ما لم يرد به نص معيّن بالنزح ، فالصحيح من المذهب والأقوال الذي يعضده الإجماع والنظر والاعتبار والاحتياط للديانات عند الأئمة الأطهار ، نزح جميع ماء البئر ، فإن تعذّر ، فالتراوح على ما شرحنا له.

وقد قال الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه‌ الله في مبسوطة : وكلّ نجاسة تقع في البئر وليس فيها قدر منصوص ، فالاحتياط يقتضي نزح جميع الماء وإن قلنا بجواز أربعين دلوا منها ، لقولهم عليهم‌ السلام : ينزح منها أربعون دلوا (40) ، وإن صارت مبخرة (41) كان سائغا ، غير أنّ الأول أحوط.

وقال أيضا : ومتى نزل إلى البئر كافر ، وباشر الماء بجسمه ، نجس الماء ، ووجب نزح جميع الماء ، لأنّه لا دليل على مقدّر منه ، والاحتياط يقتضي ما قلناه (42) فانظر رعاك الله إلى قول هذا المصنف رحمه‌ الله ، وأنقده ، واعتبره إن أراد بقوله لقولهم عليهم‌ السلام : ينزح منها أربعون دلوا ، وإن صارت مبخرة أنّ أخبارهم بذلك متواترة ، أو الإجماع عليها وإن كانت آحادا ، فلا يجوز العدول عنها ، لأنّ الأخبار المتواترة دليل قاطع ، وحجة واضحة ، وكذلك الإجماع ، فلا يجوز العدول عن الدليل إلى غيره ، بل صار الأخذ بذلك هو الواجب الذي لا يجوز العدول عنه إلى غيره ، لأنّ فيه الاحتياط ، والعدول إلى ما سواه هو ترك الاحتياط وضدّه.

وإن أراد بقولهم عليهم ‌السلام فلا يجوز عليهم الرجوع إليها ولا العمل بها ، لأن خبر الواحد لا يوجب علما ولا عملا كائنا من كان راويه ، فإنّ أصحابنا بغير خلاف بينهم ، ومن المعلوم الذي يكاد يحصل ، ضرورة أنّ مذهب أصحابنا ترك العمل بأخبار الآحاد ، ما خالف فيه أحد منهم ، ولا شذّ ، فعلى هذا التحرير ما أراد المصنّف بقوله إلا خبر الواحد ، ولأجل ذلك قال : غير أنّ الأول أحوط ، وهو نزح جميع مائها.

وأيضا فقد أجمعنا واتفقنا على نجاسة مائها فيحتاج طهارته إلى إجماع واتفاق ، مثل الإجماع على النجاسة ، ولا إجماع ولا اتفاق إلا إذا نزح جميع الماء ، فإن تعذر النزح للجميع ، فالتراوح على ما قدّمناه.

وينزح لموت الحية ثلاث دلاء ، تفسخت أو لم تتفسخ بغير خلاف ، لأنّ التفسخ لا يعتبر إلا في الفأرة فحسب.

فأمّا إذا ماتت فيها عقرب ، أو وزغة ، فلا ينجس ، ولا يجب أن ينزح منها شي‌ء بغير خلاف من محصّل ، ولا يلتفت إلى ما يوجد في سواد الكتب (43) من خبر واحد ، أو رواية شاذة ضعيفة مخالفة لأصول المذهب ، وهو أنّ الإجماع حاصل منعقد : إنّ موت ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء ، ولا المائع بغير خلاف بينهم ، وقد رجع مصنّف النهاية عمّا أورده في نهايته ، في مصباحه (44) واستبصاره (45) ومبسوطة (46)، فإنّه قال في تقسيمه : ويكره ما مات فيه الوزغ والعقرب خاصة ، وقال في جمله وعقوده : وكلّ ما ليس له نفس سائلة لا يفسد الماء بموته فيه (47) ، وقد اعتذرنا للمصنّفين من أصحابنا رحمهم‌ الله في خطبة كتابنا هذا ما فيه كفاية ، وقلنا : إنّما يوردون في الكتب ما يوردونه على جهة الرواية ، بحيث لا يشذ من الأخبار شي‌ء دون تحقيق العمل عليه ، والفتوى به ، والاعتقاد له ، فلا يظن ظانّ فيهم خلاف هذا ، فيخطى عليهم ، وابن بابويه في رسالته يذهب إلى ما اخترناه ، من أنّه لا ينزح من موت العقرب في البئر شي‌ء (48).

والدلو المراعى في النزح : دلو العادة الغالبة دون الشاذة النادرة ، التي يستقى بها ، دون الدلاء الكبار أو الصغار الخارجة عن المعتادة والغالب الشامل ، لأنّه لم يقيّد في الخبر.

والنية لا تجب في نزح الماء وإن يقصد به التطهير ، لأنّه لا دليل عليها ، وليس من العبادات التي تراعى فيها النية ، بل ذلك جار مجرى إزالة أعيان النجاسات التي لا تراعى فيها النية ، فعلى هذا الوجه لو نزح البئر من يصح منه النية ، ومن لا يصح النية ، من المسلم ، والكافر ، والصبي ، والمجنون ، حكم بتطهير البئر.

والأسئار على ضربين : سؤر بني آدم ، وسؤر غير بني آدم ، فسؤر بنى آدم على ثلاثة أضرب : سؤر مؤمن ومن حكمه حكم المؤمن ، وسؤر مستضعف ومن حكمه حكم المستضعف ، وسؤر كافر ومن حكمه حكم الكافر ، فالأول والثاني طاهر مطهر ، والثالث نجس منجّس.

فالمؤمن في عرف الشرع : هو المصدق بالله ، وبرسله ، وبكلّ ما جاءت به.

والمستضعف : من لا يعرف اختلاف الناس في الآراء والمذاهب ، ولا يبغض أهل الحق ، بل لا إلى هؤلاء ، ولا إلى هؤلاء ، كما قال الله تعالى (49). وكلّ من أبغض المحق على اعتقاده ومذهبه ، فليس بمستضعف ، بل هو الذي ينصب العداوة لأهل الإيمان.

فأمّا الكافر : فمن خالف المؤمن والمستضعف ، وهو الذي يستحق العقاب الدائم ، والخلود في نار جهنم طول الأبد ، نعوذ بالله منها ، فليلحظ هذه التقسيمات.

وفرق آخر جاءت به الآثار عن الأئمة الأطهار بين هذه الأسئار ، وهو انّ سؤر المؤمن طاهر فيه الشفاء ، وسؤر المستضعف طاهر لا شفاء فيه ، وسؤر الكافر نجس لا شفاء فيه.

فأمّا سؤر غير بني آدم ، فينقسم إلى قسمين : سؤر الطيور ، وغير الطيور.

فأسئار الطيور كلّها طاهرة مطهرة ، سواء كانت مأكولة اللحم ، أو غير مأكولة اللحم ، جلّالة أو غير جلّالة ، تأكل الجيف أو لا تأكل الجيف.

فأمّا غير الطيور على ضربين : حيوان الحضر ، وحيوان البر.

وحيوان الحضر على ضربين : مأكول اللحم ، وغير مأكول اللحم. فمأكول اللحم سؤره طاهر مطهر. وغير مأكول اللحم فما أمكن التحرز منه سؤره نجس ، وما لا يمكن التحرز منه فسؤره طاهر ، فعلى هذا سؤر الهرة وإن شوهدت قد أكلت الفأرة ، ثم شربت في الإناء ، يكون بقية الماء الذي هو سؤرها طاهر ، سواء غابت عن العين ، أو لم تغب إلا أن يكون الدم مشاهدا في الماء ، أو على جسمها ، فينجس الماء لأجل الدم ، وكذلك لا بأس بأسئار الفار والحيّات وجميع حشرات الأرض.

فأمّا سؤر حيوان البر فجميعه طاهر ، سواء كان مأكول اللحم أو غير مأكول اللحم ، سبعا كان أو غيره ، من ذوات الأربع ، مسخا كان أو غير مسخ ، وحشرات الأرض إلا الكلب والخنزير فحسب ، وما عداها فلا بأس بسؤره.

والسؤر : عبارة عمّا شرب منه الحيوان أو باشره بجسمه ، من المياه وسائر المائعات.

وإذا كان مع الإنسان إناءان أو أكثر من ذلك ، فوقع في واحد منهما نجاسة ، ولم يعلمه بعينه ، لم يستعمل شيئا منهما بحال بغير خلاف ، ولا يجوز له التحري (50) والواجب عليه التيمم ، ولا يجب عليه إهراقهما ، وله إمساكهما ، امّا لخوف العطش ، فإنّه يجب عليه إمساكهما ، فإن لم يخف العطش ، فله إمساكهما ، فإنّه قادر على تطهير مائهما على بعض الوجوه.

فأمّا ما يوجد في بعض الكتب ، من قوله : وجب عليه إهراق جميعه والتيمم للصلاة ، فغير واضح ، لأنّه لا يجب عليه إهراق مائه النجس ، بل له إمساكه على ما قررناه.

فإن قال قائل : إذا لم يهرقه كيف يجوز له التيمم مع وجود الماء؟ فلهذا قال المصنّف يجب عليه إهراق الماء ، بحيث يجوز له التيمم.

قلنا : هذا اعتذار ، تركه أعود على من اعتذر له به ، وذلك انّ هذا ماء وجوده كعدمه ، لأنّ شاهد الحال وقرينة الحكم يدلّ على وجود الماء الطاهر ، فمع وجود القرينة لم يحتج إلى إهراق هذا الماء ، ولو عرى الكلام من شاهد الحال لما جاز التيمم ، لأنّ اسم الماء ينطلق على الطاهر والنجس.

وإذا أخبره عدل بنجاسة الماء ، لم يجز قبول قوله ، ولا يجوز له التيمم. فإن كانا عدلين يحكم بنجاسة الماء ، لأنّ وجوب قبول شهادة الشاهدين والحكم به معلوم في الشرع. وإن كان الطريق إلى صدقهما مظنونا ، ولا يلتفت إلى قول من يقول في كتابه انّ شهادة الشاهدين تطرح ويستعمل الماء ، فإنّ الأصل الطهارة ، ولا يرجع عن المعلوم بالمظنون ، وهو شهادة الشاهدين ، لأنّ أكثرها يثمر الظن ، وهذا ليس بشي‌ء يعتمد ، بل الشارع جعل الأصل ، لأنّ قبول شهادة الشاهدين ، وجوب العمل بهما في الشريعة ، فقد نقلنا من معلوم إلى معلوم ، ولو سلكنا هذا الطريق ، مضى معظم الشريعة ، فإنّه كان يقال ويحتج بأنّ الأصل أن لا صوم واجب في شهر رمضان ، فمن أوجبه فقد رجع عن الأصل الذي هو الإباحة أو لا تكليف ، فلأنّ الأصل وجوب صوم رمضان ، فمن ادّعى سقوطه عن المكلفين به يحتاج إلى دليل.

وإذا شهد شاهدان بأنّ النجاسة في أحد الإناءين ، وشهد آخران بأنّه وقع في الآخر ، فإن كانتا ـ أعني الشهادتين ـ غير متنافيتين ، ويمكن الجمع بينهما بأن يشهد هذان بولوغ الكلب في هذا الإناء في صدر النهار ، والآخران يشهدان بولوغ كلب آخر ، أو ولوغ ذلك الكلب في الإناء الآخر عند سقوط الشمس ، فقد نجسا معا بغير خلاف عند التأمّل للأقوال.

وإن كان لا يمكن الجمع بينهما ، وهو أن يشهد اثنان بولوغ كلب معيّن في أحد الإناءين عند زوال الشمس بلا تأخير ، وشهد آخران بولوغ ذلك الكلب بعينه في الإناء الآخر في ذلك الوقت بلا تأخير ، فقد قال الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه‌ الله في مسائل الخلاف (51): سقطت شهادتهما ، وأطلق القول ، ولم يفصّل هل الشهادة على وجه يمكن الجمع بينهما ، أو على وجه لا يمكن الجمع بينهما؟ فإن أراد على وجه يمكن الجمع بينهما ، فهذا لا يصح ، ولا يجوز القول به ، لأنّ وجوب قبول شهادة الشاهدين في الشرع معلوم. وإن أراد على وجه لا يمكن الجمع بينهما ، فانّ ذلك مذهب الشافعي في تقابل البيّنتين ، فإنّه يسقطهما ، ويرجع إلى الأصل ، وهو ما كان قبل الشهادتين فيحكم به.

فأمّا مذهب أصحابنا في هذه المسألة فمعروف ، إذا تقابل البينتان ، ولم يترجّح إحداهما على الأخرى بوجه من الوجوه ، وأشكل الأمر ، فإنّهم يرجعون إلى القرعة ، لأنّ أخبارهم ناطقة متظاهرة متواترة ، في أنّ كلّ أمر مشكل فيه القرعة (52) ، وهم مجمعون على ذلك ، وهذا أمر مشكل ، ولم يرد فيه نص معيّن ، فهو داخل في عموم قولهم عليهم‌ السلام.

والذي أعتمده ويقوى عندي : ان لا تؤثر هذه الشهادة في هذا الماء شيئا ، لأنّ الأصل فيه الطهارة والأصل أيضا الإباحة ، فمن حظر استعماله ونجسه ، يحتاج إلى دليل شرعي ، وليس للقرعة هاهنا طريق ، لأنّ القرعة تستعمل في مواضع مخصوصة ، ولا أحد من أصحابنا قال : إذا اشتبهت الأواني ، أو الثياب ، أو كان أحد الإناءين ، نجسا والآخر طاهرا ، وكذلك الثوبان اختلطا ولم يتحقق النجس منهما من الطاهر ، يقرع بينهما ، بل أطبقوا على ترك استعمال الإناءين ، ومسألتنا لم نتحقق نجاسة واحد من الإناءين ، وليس الرجوع إلى شهادة العدلين بأولى من شهادة العدلين الآخرين ، وإنّما حصل شك في نجاسة أحدهما ، ولا يرجع بالشك عن اليقين الذي هو الطهارة والإباحة.

والأولى عندي بعد هذا جميعه ، قبول شهادة الشهود الأربعة ، لأنّ ظاهر الحكم ، وموجب الشرع أنّ شهادتهم صحيحة مقبولة غير مردودة ، ولأنّ شهادة الإثبات لها مزيّة على شهادة النفي ، لأنّها قد شهدت بأمر زائد قد يخفى على من شهد بالنفي ، لأنّ النفي هو الأصل ، وشهادة الإثبات ناقلة عنه ، وزيادة عليه ، فكلّ من الشاهدين قد شهد بأمر زائد قد يخفى على الشاهدين الآخرين. وهذا كرجل ادّعى على رجل عشرين دينارا ، وأقام بها شاهدين ، وأقام المشهود عليه بقضاء العشرين دينارا شاهدين ، قبلنا شهادة الشاهدين اللذين شهدا بالقضاء ، لأنّهما أثبتا بشهادتهما أمرا قد يخفى على الشاهدين الأولين ، ففي شهادة الآخرين مزية وزيادة حكم ، ولهذا أمثلة كثيرة في الشريعة ، وبهذا القول افتي ، وعليه أعمل.

والماء النجس لا يجوز استعماله في الوضوء والغسل معا ، ولا في غسل الثوب وإزالة النجاسة ، ولا في الشرب مع الاختيار ، فمن استعمله في الوضوء ، أو الغسل ، أو غسل الثوب ، ثم صلّى بذلك التطهير ، أو في تلك الثياب ، وجب عليه اعادة الوضوء ، أو الغسل ، أو غسل الثوب بماء طاهر ، واعادة الصلاة ، سواء كان عالما في حال استعماله لها ، أو لم يكن عالما ، إذا كان قد سبقه العلم بحصول النجاسة فيها ، فإن لم يتيقن حصول النجاسة فيها قبل استعماله لها ، لم يجب عليه إعادة الصلاة ، ولا اعادة التطهر ، سواء كان الوقت باقيا أو خارجا ، على الصحيح من المذهب والأقوال ، واستمرار النظر والاعتبار ، بل يجب عليه غسل الثوب فحسب ، وغسل ما أصابه من بدنه من ذلك الماء فحسب ، لأنّ الإعادة تحتاج إلى دليل شرعي ، وكذلك القضاء فرض ثان ، يحتاج في ثبوته إلى دليل ثان ، وليس في الشرع ما يدلّ على ذلك ، فلا يجوز إثبات ما لا دلالة عليه ، وأيضا فقد توضأ وضوء شرعيا مأمورا به ، وصلّى صلاة مأمورا بها ، وأيضا فلا يخلو إمّا أن رفع بطهارته الحدث ، أو لم يرفعه ، فإن كان رفعه لا يجب عليه إعادة الصلاة ، ولا الطهور ، وإن كان لم يرفع الحدث. فيجب عليه إعادة الصلاة ، سواء تقضّى الوقت ، أو كان باقيا ، لأنّ من صلّى بلا طهور يجب عليه إعادة الصلاة ، على كلّ حال ، بغير خلاف ، متعمّدا كان أو ناسيا ، تقضّى الوقت ، أو لم يتقضّ ، بلا خلاف.

وقال شيخنا المفيد في مقنعته (53) : يجب عليه إعادة الصلاة ، وهو الذي يقوى في نفسي ، وافتي به ، وأعمل عليه ، لأنّه يتيقن معه براءة الذمة ممّا وجب عليها ، والأول مذهب شيخنا أبي جعفر في جميع كتبه ، ومعه بذلك أخبار اعتمد عليها.

وقال الشيخ أبو جعفر الطوسي في نهايته : اللهم إلا أن يكون الوقت باقيا فإنّه يجب عليه غسل الثوب ، واعادة الوضوء ، واعادة الصلاة ، فإن كان قد مضى الوقت ، لم يجب عليه إعادة الصلاة (54) ، إلا أنّ أبا جعفر الطوسي رضي ‌الله‌ عنه رجع عن هذا القول ، وعن هذه الرواية ، في استبصاره (55) ونقده للأخبار ، وتوسطه بينها ، والجمع بين الصحيح والفاسد ، فإن قلّده مقلّد فقد رجع الشيخ عنها.

وقال رحمه‌ الله في نهايته : فإن استعمل شي‌ء من هذه المياه النجسة في عجين يعجن ويخبز ، لم يكن بأس بأكل ذلك الخبز ، لأنّ النار قد طهرته (56). والصحيح عندي خلاف ذلك ، لأنّ النار لا تطهر الخبز ، إلا إذا أحالته وصيّرته رمادا ، لأنّ ما تطهره النار معلوم مضبوط ، وليس في جملة ذلك الخبز ، وقد رجع عن هذا القول في الجزء الثاني من نهايته ، في باب الأطعمة المحظورة والمباحة ، فإنّه قال : وإذا نجس الماء بحصول شي‌ء من النجاسات فيه ، ثم عجن به ، وخبز منه ، لم يجز أكل ذلك الخبز وقد رويت رخصة في جواز أكله ، وذكر انّ النار قد طهرته ، والأحوط ما قدّمناه (57) ، وهذا يدل على أنّه ما جعله في باب المياه على جهة الفتيا ، بل أورده على جهة طريق الرواية والإيراد ، دون العمل والاعتقاد.

وماء الحمام سبيله سبيل الماء الجاري ، إذا كانت له مادة من المجرى ، فإن لم يكن له مادة ، فإن كان كرا فصاعدا فهو طاهر مطهر ، لا ينجسه حصول شي‌ء من النجاسات ، إلا ما تغيّر أحد أوصافه ، على ما قدّمنا القول فيه ، وشرحناه ، وإن كان أقل من كر ، فهو على أصل الطهارة ، ما لم يعلم فيه نجاسة ، فإن علمت فيه نجاسة ، وجرت المادة التي هي البزال له فقد طهر ، وجاز استعماله ، وإن لم يبلغ الكر مع اتصال المجرى به ، فإن انقطع المجرى اعتبرنا كونه كرا ، فإن كان أنقص من الكر ، فهو أيضا على أصل الطهارة ، مثل الاعتبار الأول ، إلا أن يقع فيه نجاسة ، ثم لا يزال هذا الاعتبار ثابتا فيه.

والمادة المذكورة لا تعدو ثلاثة أقسام : إمّا يعلم طهارتها يقينا ، أو يعلم نجاستها يقينا أو لا يعلم الطهارة ولا النجاسة. فإن علمت الطهارة ، فالحكم ما تقدّم ، وكذلك إذا لم يعلم طهارة ولا نجاسة ، فهو على أصل الطهارة في الأشياء كلّها ، والحكم ما تقدّم. فأمّا إذا علمت أنّها نجسة يقينا ، وتعيينا ، فلا يجوز اعتبار ما تقدّم ، لأنّه لا خلاف انّ الماء النجس لا يطهر بجريانه.

فإن قيل : الكلام في المادة مطلق ، لأنّ ألفاظ الأخبار عامة ، بأنّ ماء الحمام سبيله سبيل الماء الجاري ، إذا كانت له مادة من المجرى ، فمن قيّدها وخصّها يحتاج إلى دليل.

قلنا : الإطلاق والعموم قد يخصّ بالأدلة ، بغير خلاف بين من ضبط هذا الفن وأصول الفقه ، ومن المعلوم الذي لا خلاف فيه ، أنّ الماء النجس لا يطهر بجريانه ، ولا يطهر غيره ، إذا لم يبلغ كرا على ما مضى شرحنا له ، وفحوى الخطاب من الأخبار ينبه على ما قلناه ، لأنّ المعهود في مادة المجرى أن لا يعلم بطهارة ولا نجاسة ، فهي المرادة بالخطاب ، لأنّ الإنسان داخل الحمام لا يعلم ولا يبصر ما وراء الحائط ، فيحكم بأنّ المادة عند هذه الحال على أصل الطهارة وشاهد الحال أيضا يحكم بما قلناه ، فهذا هو المعنى بالمادة ، دون المادة المعتبر نجاستها.

وغسالة الحمام ، وهو المستنقع الذي يسمى الجئة لا يجوز استعمالها على حال ، وهذا إجماع ، وقد وردت به عن الأئمة عليهم‌ السلام آثار (58) معتمدة قد اجمع عليها ، لا أحد خالف فيها ، فحصل الإجماع والاتفاق على متضمنها ، ودليل الاحتياط يقتضي ذلك أيضا.

ومتى ولغ الكلب في الإناء وجب غسله ثلاث مرات ، أولاهن بالتراب ، وبعض أصحابنا (59) في كتاب له يجعل التراب مع الوسطى ، والأول أظهر في المذهب ، وكيفية ذلك أن يجعل الماء فيه ، ويترك التراب ، أو يترك فيه التراب ، ويصب الماء عليه بمجموع الأمرين ، لا بانفراد أحدهما عن الآخر ، لأنّه إذا غسل بمجرد التراب ، لا يسمّى غسلا ، لأنّ حقيقة الغسل جريان المائع على الجسم المغسول ، والتراب لا يجرى وحده ، وإن غسلته بالماء وحده ، فما غسلته بالماء والتراب ، لأنّ الباء هاهنا للإلصاق بغير خلاف ، فيحتاج ان يلصق أحد الجسمين بالآخر.

ولا يراعى التراب إلا في ولوغ الكلب خاصة ، دون سائر الحيوان ، ودون كلّ شي‌ء من أعضاء الكلب ، لأنّ بعض أصحابنا ذكر في كتاب له أنّ مباشرة الكلب الإناء بسائر أعضائه ، يجري مجرى الولوغ في أحكامه (60)، والأول الأظهر ، لأنّه مجمع عليه.

وبعض أصحابنا ألحق في كتاب له أنّ حكم الخنزير في وجوب غسل الإناء من ولوغه ، ثلاث مرات ، إحداهن بالتراب ، حكم الكلب سواء ، وتمسك بتمسكين اثنين : أحدهما : انّ الخنزير يسمّى كلبا في اللغة ، فينبغي أن يتناوله الأخبار الواردة في ولوغ الكلب ، والثاني: إنّا قد بينا أنّ سائر النجاسات يغسل منها الإناء ثلاث مرات ، والخنزير نجس بلا خلاف (61). وهذا استدلال غير واضح ، لأنّ أهل اللغة العربية لا يسمّون الخنزير كلبا ، بغير خلاف بينهم ، فالدعوى عليهم دعوى عريّة من برهان ، والعرف خال منه ، لأنّ أحدا لا يفهم من قوله : عندي كلب ، أي عندي خنزير ، بل الذي يتبادر إلى الفهم هذه الدابة المخصوصة ، ولو أنّ حالفا أو ناذرا حلف أو نذر إن رأى خنزيرا فلله عليه أن يتصدق بقدر مخصوص من ماله على الفقراء ، ثم رأى كلبا أو نذر أنّه إن رأى كلبا ، فرأى خنزيرا ، لم يتعلّق به وفاء النذر ، بغير خلاف بين المسلمين ، لا لغة ولا عرفا ، والثاني من قوله : إنّا قد بيّنا أنّ سائر النجاسات يغسل منها الإناء ثلاث مرات ، والخنزير نجس بلا خلاف ، وهذا أيضا استدلال يضحك الثكلى ، إن لم يكن الخنزير عند هذا القائل يسمّى كلبا ، فكيف يراعى التراب في إحدى الغسلات ، هذا مع التسليم له بأنّ الإناء يغسل من سائر النجاسات ثلاث مرات ، وليس كلّ إناء يجب غسله ثلاث مرات ، يراعى في إحدى الغسلات التراب ، والإجماع حاصل من الفرقة ، إنّ التراب لا يراعى إلا في ولوغ الكلب خاصة ، دون سائر النجاسات ، بغير خلاف بين فقهاء أهل البيت عليهم ‌السلام ، ودون التسليم له ـ الغسلات الثلاث فيما عدا آنية الولوغ وآنية الخمر والمسكر ـ خرط القتاد لأنّ الصحيح من الأقوال والمذهب ، والذي عليه الاتفاق والإجماع ، مرة واحدة مع إزالة عين النجاسة ، وقد طهر ، ولا يراعى العدد في غسل الأواني ، إلا في آنية الولوغ والخمر والمسكر فحسب.

وأيضا فهذا القائل وهو الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه‌ الله يذهب في مسائل خلافه ، وهو الكتاب الذي وضعه لمناظرة الخصم إلى أنّ العدد في الغسلات لا يراعى إلا في الولوغ خاصة ، ويقول : دليلنا انّ العدد يحتاج إلى دليل ، وحمله على الولوغ قياس لا نقول به (62).

فمن يقول هذا في استدلاله كيف يقول هذا في استدلاله على ولوغ الخنزير ، مع تسليمه انّه لا يسمّى كلبا ، بذلك الدليل؟ إنّ هذا لعجيب ، وقد ذهب في نهايته (62)، وجمله وعقوده (63) إلى انّه لا يعتبر غسل الإناء بالتراب إلا في ولوغ الكلب خاصة.

ومتى مات في الإناء حيوان له نفس سائلة ، نجس الماء إذا كان أقل من كر ، ووجب غسل الإناء مرة واحدة ، سواء كان الميّت فأرة أو غيرها ، وقد روي أنّه يغسل لموت الفارة فيه سبع مرات (64) ، والصحيح مرة واحدة.

وكلّ ما وقع في الماء فمات فيه ، ممّا ليس له نفس سائلة ، فلا بأس باستعمال ذلك الماء ، وقد استثنى بعض أصحابنا الوزغ والعقرب خاصّة ، ذكر ذلك الشيخ أبو جعفر في نهايته (65) ، وذلك أورده على طريق الرواية دون العمل على ما ذكرناه عنه واعتذرنا له.

وكذلك ما أورده في هذا الكتاب المشار إليه ، إنّ الوزغ إذا وقع في الماء ، ثم خرج منه ، لم يجز استعماله على حال ، والصحيح خلاف ذلك ، لأنّا قد دلّلنا أنّ موت ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء ، ولا يفسده ، وهذا مذهب أهل البيت ، والأوّل من القول مذهب المخالف ، فإذا كان بموته فيه لا ينجسه فكيف ينجسه بوقوعه فيه ، وقد دلّلنا على أنّ أسئار حشرات الأرض طاهرة بغير خلاف بيننا.

ومتى حصل الإنسان عند غدير أو مصنع ، ولم يكن معه ما يغترف به الماء لطهارته الصغرى ، فليدخل يده فيه ، ويأخذ منه ما يحتاج إليه لوضوئه ، فإن أراد الغسل للجنابة ، فكذلك ، هذا مع خلو يده من نجاسة عينية ، ويكون الماء دون الكر ، فان كان الماء دون الكر ، وعلى يده نجاسة أفسده.

وقال بعض أصحابنا (66) في كتاب له : وإن أراد الغسل للجنابة ، وخاف إن نزل إليه فساد الماء فليرش عن يمينه ويساره وأمامه وخلفه ، ثمّ ليأخذ كفا كفا من الماء ، فيغتسل به ، ففي الطهارة الصغرى التي هي الوضوء ، وأفق على أخذه الماء (67) من غير إفساد له ، وإن رجع من استعماله إليه ، وفي الكبرى لم يوافق ، لأنّ عند هذا القائل أنّ الماء المستعمل في الطهارة الصغرى طاهر مطهر ، فأمّا المستعمل في الطهارة الكبرى فلا يرفع به الحدث ، فلأجل هذا قال : فليأخذ كفا كفا من الماء يستعمل به ، يريد قبل أن ينزل من استعماله إلى باقي الماء ، فيصير ماء مستعملا في الطهارة الكبرى ، فلا يرتفع الحدث عنده به.

وقوله : فليرش ، يريد به نداوة جلده وبلله من قبل نيّته واغتساله ، بحيث يكفيه بعد بلل جسده ، اليسير من الماء ، فيجري على جسده من قبل أن ينزل إلى باقي الماء لئلا يصير الماء الباقي قبل فراغه ، مستعملا في الكبرى ، فلا يرفع الحدث عنده به.

وليس قول من يقول المراد بالرش عن يمينه ويساره وأمامه وخلفه ، على الأرض ، دون ميامن جسده ومياسره وخلفه وأمامه ، بشي‌ء يلتفت إليه ، لأنّه لا معنى له يرجع إليه لأنّه إذا تندّت الأرض من هذه الجهات الأربع ، كان أسرع إلى نزول ما يغتسل به بعد ذلك إلى الماء الباقي قبل فراغ المغتسل من اغتساله فيصير الباقي ماء مستعملا ، فلا يرتفع الحدث به عنده.

وهذا جميعه على رأي شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه‌ الله في أنّ الماء المستعمل في الأغسال الواجبة لا يرفع الحدث ، وقد دلّلنا على خلاف ذلك ، وبيّنا الصحيح منه قبل هذا المكان في هذا الكتاب ، فعلى المذهب الصحيح من أقوال أصحابنا لا حاجة بنا إلى الرش المذكور.

ويستحب أن يكون بين البئر التي يستقى منها وبين البالوعة سبع أذرع ، إذا كانت البئر تحت البالوعة ، وكانت الأرض سهلة ، وخمس أذرع ، إذا كانت فوقها ، والأرض أيضا سهلة ، فإن كانت الأرض صلبة ، فليكن بينها وبين البئر ،

___________________

(1) الأنفال : 11 .

(2) مستدرك الوسائل: الباب 9 من أحكام المياه ، ح 6 .

(3) مستدرك الوسائل: الباب 3 من أبواب المياه ، ح 10 ، إلا انّ فيه : خلق الله الماء إلخ.

الأنفال : 11 .

المائدة : 6 .
(6) النساء : 43 .

(7) مسند أحمد بن حنبل : ج 5 ، ص 146 وص 147 .

(8) المبسوط : كتاب الطهارة في أقسام الماء المستعمل في الحدث.

(9) قوله رحمه‌ الله ولا مؤثر في رفع الحدث به وإزالة النجاسة غير مكتوب في نسخة ـ ج ـ بل موجود في المكتوب والظاهر انّه هو الصحيح.

(10) الوسائل: الباب 3 من أبواب الماء المطلق، ح 3، والباب 17 من تلك الأبواب ح11 .
(11) الوسائل : الباب 17 من أبواب الماء المطلق ، ح 4 و 7 .
(12)
المقنعة : كتاب الطهارة ، باب تطهير المياه من النجاسات ص 66 ، ط مؤسّسة النشر الإسلامي.
(13) رسالة المفيد إلى ولده. ( لم نجده ).

(14) الوسائل: الباب 21 من أبواب الماء المطلق ، ح 2 .
(15) النهاية : باب المياه وأحكامها.
(16)
المقنعة : باب تطهير المياه من النجاسات ص 66 .
(17) رسالة ابن بابويه.
(18)
الوسائل : الباب 22 من أبواب الماء المطلق ، ح 3 ، الا ان لفظ الحديث هكذا (إذا دخل الجنب البئر نزح منها سبعة دلاء).
(19)
النهاية : باب المياه وأحكامها.
(20) المقنعة : باب تطهير المياه من النجاسات ص 67 .
(21) رسالة ابن بابويه.
(22) المؤمنون : 5 و 6.

(23) البقرة : 222 .
(24) الزمر : 55 .
(25) الانفطار : 14 .
(26) التوبة : 73 .
(27)
الوسائل : الباب 17 من أبواب الماء المطلق ، ح 1 ، إلا انّه ليس فيه جملة (وقد طهرت).

(28) لم نعرف موضع كلامه قدس‌ سره.
(29) رسالة ابن بابويه. مخطوطة ، لم نجدها.
(30)
العصر : 1 .
(31)
التبيان : ج 4 ، في تفسير الآية 62 من سورة الأعراف.
(32) وفي المطبوع فإنه حد القليل. والظاهر أن الجملة زائدة.
(33)
المقنعة في باب تطهير المياه من النجاسات ص 67 .

(34) وهو الشيخ الطوسي رحمه‌ الله في نهايته في باب مياه الآبار.

(35) الاستبصار : الباب 23 من كتاب الطهارة.
(36)
المبسوط : كتاب الصيد والذبائح مع اختلاف في العبارة ، ج 6 ، ص 277 .

(37) المبسوط : كتاب الأطعمة والأشربة ، ج 6 ، ص 282 .

(38) وهو الشيخ الطوسي قدس ‌سره في مبسوطة في باب مياه الآبار.

(39) المبسوط : كتاب الطهارة ، باب في مياه الآبار.

(40) المبخرة : بضمّ الميم وسكون الباء وكسر الخاء : المنتنة أعني موضع النتن.
(41)
المبسوط : ج 1 ، كتاب الطهارة في مياه الآبار.

(42) وهو الشيخ الطوسي في نهايته في مياه الآبار.
(43)
المصباح : كتاب الطهارة فصل في ذكر وجوب إزالة النجاسة من الثياب والبدن.

(44) الاستبصار : ج 1 الباب 13 من كتاب الطهارة.

(45) المبسوط : ج 1 ، كتاب الطهارة ، في سؤر غير الآدمي.
(46)
الجمل والعقود : في ذكر النجاسات ووجوب إزالتها.

(47) رسالة ابن بابويه : في منزوحات البئر من النسخة التي بأيدينا.

(48) النساء : 143 ، ((مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ)).

(49) الظاهر أنّه التجري والا فلا معنى لعدم جواز التحري.

(50) الخلاف : ج 1 ، مسألة 162 ، لا يخفى ان ذيل كلامه يدفع ما أورده عليه.

(51) الوسائل : كتاب القضاء ، باب 13 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ، ح 11 و 18 .

(52) المقنعة : باب تطهير المياه من النجاسات ص 66 .
(53)
النهاية : باب المياه وأحكامها.
(54)
الاستبصار : الباب 109 من أبواب تطهير الثياب والبدن من النجاسات.
(55)
النهاية : باب المياه وأحكامها.
(56)
النهاية : باب الأطعمة المحظورة والمباحة.

(57) الوسائل : الباب 11 من أبواب الماء المضاف.

(58) وهو الشيخ المفيد رحمه‌ الله في المقنعة في باب المياه وأحكامها ص 65 .
(59)
وهو الشيخ المفيد رحمه ‌الله في المقنعة في باب المياه وأحكامها ص 65 .
(60)
وهو الشيخ الطوسي رحمه‌ الله في الخلاف في مسألة 143 من كتاب الطهارة.

(61) الخلاف : كتاب الطهارة ، مسألة 142 .

(62) النهاية : باب المياه وأحكامها.
(63)
الجمل والعقود : في ذكر النجاسات ووجوب إزالتها.
(64)
الوسائل : الباب 53 من أبواب النجاسات ، ح 1 .
(65)
النهاية : باب المياه وأحكامها.
(66)
النهاية : باب المياه وأحكامها.

(67) وهو الشيخ الطوسي قدس ‌سره في النهاية في باب المياه وأحكامها.

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.