أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-09-19
172
التاريخ: 28-6-2017
3351
التاريخ:
2851
التاريخ: 5-7-2017
3454
|
1 - قريش تنقض معاهدة الحديبية
كان بنود المعاهدة : حرية المسلمين في مكة ، وحرية قبائل العرب أن تتحالف مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) أو قريش ، ووضع الحرب بينهما عشر سنين . وعدم مساعدة المعتدى على أحد الطرفين . وإرجاع النبي ( صلى الله عليه وآله ) من يأتيه مسلماً منهم . « فلما كتبوا الكتاب قامت خزاعة فقالت : نحن في عهد محمد رسول الله وعقده وقامت بنو بكر فقالت : نحن في عهد قريش وعقدها » . القمي : 2 / 310 .
وبذلك جددت خزاعة وكنانة حلف المطيبين بين عبد المطلب وحلفائه من قريش وخزاعة ، وحلف لعقة الدم بين أمية وحلفائهم من قريش وكنانة !
قال اليعقوبي : 1 / 248 : « ولما رأت قريش أن عبد المطلب قد حاز الفخر ، طلبت أن يحالف بعضها بعضاً ليعزُّوا ، وكان أول من طلب ذلك بنو عبد الدار لما رأت حال عبد المطلب ، فمشت بنو عبد الدار إلى بنى سهم فقالوا : إمنعونا من بنى عبد مناف . . فتطيب بنو عبد مناف ، وأسد ، وزهرة ، وبنو تيم ، وبنو الحارث بن فهر ، فسموا حلف المطيبين . فلما سمعت بذلك بنو سهم ذبحوا بقرةً وقالوا : من أدخل يده في دمها ولعق منه فهو منا ! فأدخلت أيديها بنو سهم وبنو عبد الدار وبنو جمح وبنو عدى وبنو مخزوم ، فسموا اللعقة . وكان تحالف المطيبين ألا يتخاذلوا ولا يسلم بعضهم بعضاً . وقالت اللعقة : قد اعتدنا لكل قبيلةٍ قبيلة » .
وبعد توقيع معاهدة الحديبية جاءت خزاعة للنبي ( صلى الله عليه وآله ) بكتاب حلفها مع جده عبد المطلب « رحمه الله » فأكده . ونصه كما في أنساب الأشراف للبلاذري / 46 : « باسمك اللهم ، هذا ما تحالف عليه عبد المطلب بن هاشم ، ورجالات عمرو بن ربيعة من خزاعة ومن معهم من أسلم ومالك ابني أفصى بن حارثة ، تحالفوا على التناصر والمؤاساة ما بلَّ بحر صوفة ، حلفاً جامعاً غير مفرق ، الأشياخ على الأشياخ ، والأصاغر على الأصاغر ، والشاهد على الغائب . وتعاهدوا وتعاقدوا أوكد عهد وأوثق عقد ، لا ينقض ولا ينكث ، ما أشرقت شمس على ثبير وحن بفلاة بعير ، وما قام الأخشبان ، وعمر بمكة إنسان ، حلف أبد لطول أمد ، يزيده طلوع الشمس شداً ، وظلام الليل سداً . وإن عبد المطلب وولده ومن معهم دون سائر بنى النضر بن كنانة ، ورجال خزاعة ، متكافئون متضافرون متعاونون . فعلى عبد المطلب النصرة لهم ممن تابعه على كل طالب وتر ، في بر أو بحر أو سهل أو وعر . وعلى خزاعة النصرة لعبد المطلب وولده ومن معهم على جميع العرب ، في شرق أو غرب ، أو حزن أو سهب . وجعلوا الله على ذلك كفيلا ، وكفى به حميلاً . هذا حلف عبد المطلب بن هاشم لخزاعة ، إذ قدم عليه سراتهم وأهل الرأي ، غائبهم مقر بما قضى عليهم شاهدهم ، أن بيننا وبينك عهود الله وعقوده ما لا ينسى أبداً ولا يأتي بلداً ، اليد واحدة ، والنصر واحد ما أشرف ثبير وثبت حراء وما بل بحر صوفه ، لا يزداد فيما بيننا وبينكم إلا تجدداً أبداً أبد الدهر سرمد » .
جاءت به خزاعة للنبي ( صلى الله عليه وآله ) « فقرأه عليه أبي بن كعب فقال : ما أعرفنى بحلفكم وأنتم على ما أسلمتم عليه من الحلف ، فكل حلف كان في الجاهلية ، فلا يزيده الإسلام إلا شدة ، ولاحلف في الإسلام » . مكاتيب الرسول : 3 / 234 .
وكانوا أخوال بني هاشم ، فأم وهب والد آمنة خزاعية ، وأم عبد مناف خزاعية وأم لؤي خزاعية . وكانوا يتعاطفون مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) وينصحون له ويخبرونه أخبار قريش ، وعرفوا بأنهم : « عَيبَة نصح رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) » . مكاتيب الرسول : 3 / 133 . وعيبة النصح تشبيه للمملوء نصحاً بصرة الثياب المملوءة .
أما كنانة فكانت مع مشركي قريش كخزاعة مع بني هاشم ، وكان بينها وبين خزاعة عداوة وثارات فقامت كنانة بعملية مباغتة تشبه المجزرة ، فهاجمت بيوت خزاعة خارج الحرم وداخله وقتلت منهم أكثر من عشرين رجالاً ونساء وأطفالاً وساعدتها قريش بالسلاح وبمقاتلين ملثمين ، فنقضت بذلك معاهدة الحديبية ! وكانت الشرارة أن كنانياً هجا النبي ( صلى الله عليه وآله ) فضربه خزاعي . إعلام الوري : 1 / 215 .
وقَبِلَ الجميع رواية الواقدي / 469 ، وخلاصتها : « أنس بن زنيم الديلي هجا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فسمعه غلامٌ من خزاعة فوقع به فشجه ، فخرج إلى قومه فأراهم شجته ، فثار الشر ، مع ما كان بينهم . . فلما دخل شعبان على رأس اثنين وعشرين شهراً من صلح الحديبية ، تكلمت بنو نفاثة من بنى بكر أشراف قريش . . أن يعينوا بالرجال والسلاح على عدوهم من خزاعة ، وذكروهم القتلى الذين أصابت خزاعة لهم . . فوجدوا القوم إلى ذلك سراعاً ، إلا أبا سفيان لم يشاور في ذلك ولم يعلم ، ويقال إنهم ذاكروه فأبى عليهم . . فأعانوهم بالسلاح والكراع والرجال ، ودسوا ذلك سراً لئلا تحذر خزاعة . . ثم اتعدت قريش الوتير موضعاً بمن معها فوافوا للميعاد ، فيهم رجالٌ من قريش من كبارهم متنكرون متنقبون : صفوان بن أمية ، ومكرز بن حفص بن الأخيف ، وحويطب بن عدب العزي ، وأجلبوا معهم أرقاءهم ورأس بنى بكر نوفل بن معاوية الدؤلي ، فبيتوا خزاعة ليلاً وهم غارُّون آمنون من عدوهم ، فلم يزالوا يقتلونهم حتى انتهوا بهم إلى أنصاب الحرم فقالوا : يا نوفل إلهك إلهك ، قد دخلت الحرم ! قال : لا إله لي اليوم ! يا بنى بكر ، قد كنتم تسرقون الحاج ، أفلا تدركون ثأركم من عدوكم ! فلما انتهت خزاعة إلى الحرم دخلت دار بديل بن ورقاء ، ودخلت رؤساء قريش في منازلهم وهم يظنون ألا يعرفوا وألا يبلغ هذا محمداً !
وجاء الحارث بن هشام ، وابن أبي ربيعة ، إلى صفوان بن أمية ، وإلى سهيل بن عمرو ، وعكرمة بن أبي جهل ، فلاموهم فيما صنعوا من عونهم بنى بكر وأن بينكم وبين محمد مدة وهذا نقضٌ لها ! ومشيا إلى أبي سفيان فقالا : والله لئن لم يصلح هذا الأمر لايروعكم إلا محمد في أصحابه ! فقال : لا والله ما شوورت ولا هويت حيث بلغني ! والله ليغزونا محمدٌ إن صدقني ظني وهو صادقي . وما لي بدٌّ أن آتى محمداً فأكلمه أن يزيد في الهدنة ويجدد العهد قبل أن يبلغه هذا الأمر . فقالت قريش : قد والله أصبت الرأي ! وندمت قريش على ما صنعت ، فخرج أبو سفيان وخرج معه مولى له على راحلتين فأسرع السير وهو يرى أنه أول من خرج من مكة إلى رسول الله . وقدم ركب خزاعة على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأخبره بمن قتل منهم ، قال رسول الله : فمن تُهمتكم وظِنَّتُكم ؟ قالوا : بنو بكر . قال : كلها ؟ قالوا : لا ولكن تهمتنا بنو نفاثة قَصْرةً « كلهم » ورأس القوم نوفل بن معاوية النفاثي .
قال ( صلى الله عليه وآله ) : هذا بطنٌ من بنى بكر ، وأنا باعثٌ إلى أهل مكة فسائلهم عن هذا الأمر ومخيرهم في خصال . فبعث إليهم ضمرة يخيرهم بين إحدى ثلاث خلال : بين أن يدُوا خزاعة ، أو يبرؤوا من حلف نفاثة ، أو ينبذ إليهم على سواء .
فقال قرطة بن عبد عمرو : لا والله لا يودون ، ولا نبرأ من حلف نفاثة بن الغوث وهم بناء وأعمدة لشدتنا ، ولكن ننبذ إليه على سواء ! فأخذ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالأنقاب وعمَّى عليهم الأخبار ، حتى دخلها فجاءةً !
وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : قد حرت في أمر خزاعة ! فقالت عائشة : يا رسول الله أترى قريشاً تجترئ على نقض العهد بينكم وبينهم ، وقد أفناهم السيف ؟
فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ينقضون العهد لأمرٍ يريده الله تعالى بهم . قالت عائشة : خيرٌ أو شرٌّ يا رسول الله ؟ قال : خيرٌ » !
وإذا صح قوله ( صلى الله عليه وآله ) « حِرْتُ في أمر خزاعة » فمعناه : همَّنى ذلك ، وليس التحير في تفسيره أو فيما يعمل . ولعله ( صلى الله عليه وآله ) قاله ليحير قريشاً ، فلا تدرى ماذا ينوي .
2 - خزاعة تطالب النبي « صلى الله عليه وآله » بنصرتها وفاءً بحلفهم
قال في الصحيح من السيرة : 21 / 64 ملخصاً : « ذكر المؤرخون قدوم بديل بن ورقاء على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ليخبره بالمجزرة التي ارتكبتها كنانة وقريش في بيته وعلى باب داره ، في حق رجال وصبيان ونساء ، وذكروا أيضاً لقاءه أبا سفيان في عسفان حين كان أبو سفيان متوجهاً إلى المدينة ، وبديل عائد منها .
وكانت مبادرة بديل بن ورقاء محاطة منه وممن معه بسرية تامة . . ولذلك لم يستطع أبو سفيان معرفة حقيقة الأمر ، فسكت عليه . كما قدم عمرو بن سالم الخزاعي في أربعين راكباً من خزاعة يستنصرون رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأخبروه بالخبر ، فلما فرغوا من قصتهم ، قام عمرو بن سالم ، فقال :
يا رب إني ناشدٌ محمدا * حِلْفَ أبينا وأبيه الأتلدا
قد كنتمُ ولداً وكنا والدا * ثَمَّتَ أسلمنا فلم ننزعْ يدا
إن قريشاً أخلفوك الموعدا * ونقضوا ميثاقَك المؤكدا
وزعموا أن لست أدعو أحدا * هم أذلُّ وأقلُّ عددا
هم بيتونا بالوتير هُجَّدا * وقتلونا رُكَّعاً وسُجَّدا
وجعلوا لي في كداء رصدا * فانصر رسول الله نصراً أيدا
وادعُ عباد الله يأتوا مددا * فيهم رسول الله قد تجردا
إن سِيمَ خسفاً وجهُهُ تربَّدا * في فيلق كالبحر يجرى مُزبدا
قرمٌ لقرم من قروم أصيدا
فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : حسبك يا عمرو ، ودمعت عيناه . أو قال : نُصرت يا عمرو بن سالم . فلما فرغ الركب قالوا : يا رسول الله ، إن أنس بن زنيم الديلي قد هجاك فهدر رسول الله دمه ! فبلغ أنس بن زنيم ذلك ، فقدم على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) معتذراً عما بلغه فقال قصيدة منها :
فما حملت من ناقة فوق رحلها * أبرُّ وأوفى ذمة من محمد
وبلغت رسول الله قصيدته واعتذاره ، وكلم نوفل بن معاوية الديلي النبي ( صلى الله عليه وآله ) فيه فقال له : أنت أولى الناس بالعفو ، ومن منا لم يعادك ولم يؤذك ؟ ونحن في جاهلية لا ندري ما نأخذ وما ندع ، حتى هدانا الله بك من الهلكة ، وقد كذب عليه الركب وكثَّروا عندك ! فقال ( صلى الله عليه وآله ) : دع الركب فإنَّا لم نجد بتهامة أحداً من ذي رحم ولا بعيداً كان أبرَّ بنا من خزاعة ، فأسكت نوفل بن معاوية !
فلما سكت قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : قد عفوت عنه . فقال نوفل : فداك أبي وأمي .
وقالوا إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال لعمرو بن سالم وأصحابه : إرجعوا وتفرقوا في الأودية ، مخافة اكتشاف قريش لهم وانتقامها منهم فرجعوا وتفرقوا ، وذهبت فرقة إلى الساحل بعارض الطريق ، ولزم بديل بن ورقاء في نفر من قومه الطريق » .
3 - أحست قريش بجريمتها فحاولت أن تسترضى النبي « صلى الله عليه وآله »
قال المفيد « رحمه الله » في الإرشاد : 1 / 132 : « ولما دخل أبو سفيان المدينة لتجديد العهد بين رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وبين قريش ، عندما كان من بنى بكر في خزاعة وقتلهم من قتلوا منها ، فقصد أبو سفيان ليتلافى الفارط من القوم ، وقد خاف من نصرة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لهم ، وأشفق مما حل بهم يوم الفتح ، فأتى النبي ( صلى الله عليه وآله ) وكلمه في ذلك فلم يردد عليه جواباً ، فقام من عنده فلقيه أبو بكر فتشبث به وظن أنه يوصله إلى بغيته من النبي ( صلى الله عليه وآله ) فسأله كلامه له فقال : ما أنا بفاعل ، لعلم أبى بكر بأن سؤاله في ذلك لا يغنى شيئاً ، فظن أبو سفيان بعمر بن الخطاب ما ظنه بأبى بكر فكلمه في ذلك فدفعه بغلظة وفظاظة ، كادت أن تفسد الرأي على النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
فعدل إلى بيت أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فاستأذن عليه فأذن له وعنده فاطمة والحسن والحسين « عليهم السلام » فقال له : يا علي ، إنك أمسُّ القوم بي رحماً وأقربهم منى قرابة ، وقد جئتك فلا أرجعن كما جئت خائباً ! إشفع لي إلى رسول الله فيما قصدته . فقال له : ويحك يا أبا سفيان لقد عزم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه ! فالتفت أبو سفيان إلى فاطمة « عليها السلام » فقال لها : يا بنت محمد ، هل لك أن تأمرى ابنيك أن يجيرا بين الناس فيكونا سيدي العرب إلى آخر الدهر ؟ فقالت : ما بلغ بنياى أن يجيرا بين الناس ، وما يجير أحد على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
فتحير أبو سفيان وسقط في يده ، ثم أقبل على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فقال : يا أبا الحسن ، أرى الأمور قد التبست على فانصح لي . فقال له أمير المؤمنين : ما أرى شيئاً يغنى عنك ، ولكنك سيد بنى كنانة فقم فأجر بين الناس ، ثم الحق بأرضك . قال : فترى ذلك مغنياً عنى شيئاً ؟ قال : لا والله لا أظن ، ولكني لا أجد لك غير ذلك . فقام أبو سفيان في المسجد فقال : أيها الناس ، إني قد أجرت بين الناس ، ثم ركب بعيره فانطلق !
فلما قدم على قريش قالوا : ما وراءك ؟ قال : جئت محمداً فكلمته فوالله ما رد على شيئاً ، ثم جئت ابن أبي قحافة فلم أجد فيه خيراً ، ثم لقيت ابن الخطاب فوجدته فظاً غليظاً لا خير فيه ، ثم أتيت علياً فوجدته ألين القوم لي ، وقد أشار في بشئ فصنعته ، والله ما أدرى يغنى عنى شيئاً أم لا ، فقالوا : بمَ أمرك ؟ قال : أمرني أن أجير بين الناس ففعلت . فقالوا له : فهل أجاز ذلك محمد ؟ قال : لا . قالوا : ويلك والله ما زاد الرجل على أن لعب بك ، فما يغنى عنك ؟
قال أبو سفيان : لا والله ما وجدت غير ذلك » .
ونحوه في مغازى الواقدي / 475 ، وفيه : « فقام بين ظهري الناس فصاح : ألا إني قد أجرت بين الناس ولا أظن محمداً يخفرني ! ثم دخل على النبي فقال : يا محمد ما أظن أن ترد جواري ! فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : أنت تقول ذاك يا أبا سفيان . لم يزد على ذلك » !
يبقى سؤال : كيف دخل أبو سفيان إلى المدينة ، وهو رأس الأحزاب وإمام أئمة الكفر ؟ والجواب : أن الهدنة كانت نوعاً من الأمان تسمح بالذهاب والمجئ بين المسلمين والقرشيين ، ولا بد أنه أرسل إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) يستأذن في المجئ .
4 - النبي « صلى الله عليه وآله » يتجهز لغزو مكة ويخفى مقصده
قرر النبي ( صلى الله عليه وآله ) غزو مكة وفتحها ، وأراد أن يكون ذلك مفاجأةً لقريش ، ولذلك دعا الله تعالى : « اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش ، حتى نَبْغَتَهَا في بلادها » . مناقب آل أبي طالب : 1 / 177 وابن هشام : 4 / 857 .
لكن كيف يمكن تجهيز جيش من ألوف والمسير به إلى مكة بدون أن تشعر قريش ؟ هنا كان الإعجاز ، مضافاً إلى ما قام النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو ما يلي :
1 - حرص أن لا يقول كلاماً يفهم منه العفو عن قريش ، وفى نفس الوقت أن لا يصرح بأنه سيغزوهم بسبب نقضهم للعهد !
2 - سكت ( صلى الله عليه وآله ) عن الأمر فترة : « مكث بعد خروج أبي سفيان ما شاء الله أن يمكث ، ثم قال لعائشة : جهزينا وأخفى أمرك » . الصحيح من السيرة : 21 / 139 .
3 - ثم أصدر أمره بالتجهز للغزو ولم يفصح إلى أين : « وأمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالجهاز وأمر أهله أن يجهزوه ، فدخل أبو بكر على ابنته عائشة وهى تحرك بعض جهاز رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : أي بنية أأمركم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن تجهزوه ؟ قالت : نعم فتجهز ، قال : فأين ترينه يريد ؟ قالت : لا والله ما أدري » . ابن هشام : 4 / 857 .
4 - أرسل إلى القبائل أن يوافوه في شهر رمضان للذهاب في غزوة ولم يخبرهم أين : « ودعا رئيس كل قوم ، فأمره أن يأتي قومه فيستنفرهم » . إعلام الوري : 1 / 219 .
5 - وأمر بضبط الداخل إلى المدينة والخارج منها : « وضع حرساً على المدينة ، وكان على الحرس حارثة بن النعمان » . إعلام الوري : 1 / 216 .
ولكن ذلك لم يكن كافياً بسبب فعالية قريش ، وكثرة المنافقين المرتبطين بها ، ولذلك احتاج الأمر إلى تدخل جبرئيل ( عليه السلام ) .
5 - الوَحْى يكشف خيانة بعض الصحابة
في تفسير القمي : 2 / 361 : « يا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّى وَعَدُوَكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيهِمْ بِالْمَوَدَّةِ . . نزلت في حاطب بن أبي بلتعة ، ولفظ الآية عام ومعناها خاص . وكان سبب ذلك أن حاطب بن أبي بلتعة كان قد أسلم وهاجر إلى المدينة ، وكان عياله بمكة ، وكانت قريش تخاف أن يغزوهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فصاروا إلى عيال حاطب وسألوهم أن يكتبوا إلى حاطب يسألوه عن خبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهل يريد أن يغزو مكة ؟ فكتبوا إلى حاطب يسألونه عن ذلك ، فكتب إليهم حاطب إن رسول الله يريد ذلك ، ودفع الكتاب إلى امرأة تسمى صفية ، فوضعته في قرنها ومرَّت ، فنزل جبرئيل على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأخبره بذلك ، فبعث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أمير المؤمنين ( عليه السلام ) والزبير بن العوام في طلبها فلحقوها فقال لها أمير المؤمنين : أين الكتاب ؟ فقالت : ما معي ! ففتشوها فلم يجدوا معها شيئاً ، فقال الزبير : ما نرى معها شيئاً ، فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : والله ما كذَبَنَا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ولا كذَبَ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على جبرئيل ، ولا كذب جبرئيل على الله جل ثناؤه ! والله لتظهرن لي الكتاب أو لأوردن رأسك إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ! فقالت : تنحيا حتى أخرجه فأخرجت الكتاب من قرنها ، فأخذه أمير المؤمنين وجاء به إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا حاطب ما هذا ؟ فقال حاطب : والله يا رسول الله ما نافقت ولا غيرت ولا بدلت ، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله حقاً ، ولكن أهلي وعيالي كتبوا إلى بحسن صنيع قريش إليهم ، فأحببت أن أجازى قريشاً بحسن معاشرتهم ! فأنزل الله جل ثناؤه على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاتَتَّخِذُوا عَدُوِّى وَعَدُوَكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيهِمْ بِالْمَوَدَّةِ . . . إلى آخر سورة الممتحنة .
وفى رواية أبى الجارود عن أبي جعفر ( عليه السلام ) : فإن الله أمر نبيه والمؤمنين بالبراءة من قومهم ما داموا كفاراً فقال : قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِى إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ . . إلى قوله : وَاللهُ قَدِيرٌ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ . قطع الله عز وجل ولاية المؤمنين منهم وأظهروا لهم العداوة فقال : عَسَى اللهُ أَنْ يجْعَلَ بَينَكُمْ وَبَينَ الَّذِينَ عَادَيتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً ، فلما أسلم أهل مكة خالطهم أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وناكحوهم » .
وفى الإرشاد : 1 / 56 : « فكتب حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة يخبرهم بعزيمة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على فتحها ، وأعطى الكتاب امرأة سوداء كانت وردت المدينة تستميح بها الناس وتستبرهم ، وجعل لها جعلاً على أن توصله إلى قوم سماهم لها من أهل مكة ، وأمرها أن تأخذ على غير الطريق . إلى أن قال : فأخذه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وصار به إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأمر أن ينادى بالصلاة جامعة ، فنودي في الناس فاجتمعوا إلى المسجد حتى امتلأ بهم ، ثم صعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) المنبر وأخذ الكتب بيده وقال : أيها الناس ، إني كنت سألت الله عز وجل أن يخفى أخبارنا عن قريش ، وإن رجلاً منكم كتب إلى أهل مكة يخبرهم بخبرنا فليقم صاحب الكتاب وإلا فضحه الوحي ! فلم يقم أحد فأعاد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مقالته ثانية ، وقال : ليقم صاحب الكتاب وإلا فضحه الوحي ! فقام حاطب بن أبي بلتعة وهو يرعد كالسعفة في يوم الريح العاصف ، فقال : يا رسول الله أنا صاحب الكتاب ، وما أحدثت نفاقاً بعد إسلامي ولا شكاً بعد يقيني . فقال له النبي ( صلى الله عليه وآله ) : فما الذي حملك على أن كتبت هذا الكتاب ؟ فقال : يا رسول الله إن لي أهلاً بمكة وليس لي بها عشيرة ، فأشفقت أن تكون الدائرة لهم علينا فيكون كتابي هذا كفاً لهم عن أهلي ويداً لي عندهم ، ولم أفعل ذلك لشك في الدين . فقال عمر بن الخطاب : يا رسول الله مرني بقتله فإنه قد نافق ! فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : إنه من أهل بدر ولعل الله تعالى اطلع عليهم فغفر لهم ، أخرجوه من المسجد . قال : فجعل الناس يدفعون في ظهره حتى أخرجوه ، وهو يلتفت إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ليرق عليه ، فأمر النبي برده وقال له : قد عفوت عنك وعن جرمك ، فاستغفر ربك ولا تعد لمثل ما جنيت » !
وفى المسترشد للطبري الشيعي / 540 ، أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال لعمر : « أتريد يا عمر أن تقول العرب إن محمداً يقتل أصحابه » ؟ !
أقول : تقدم أن ابن بلتعة كان مبعوث النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى المقوقس ، وكان تاجراً له معرفة بمصر ، وكان يمانياً من لخم ، متحالفاً مع بنى أسد عبد العزى القرشيين .
وفى المبسوط للطوسي : 2 / 15 : « وإذا تجسس مسلم لأهل الحرب . . وللإمام أن يعفو عنه ، وله أن يعزره لأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) عفا عن حاطب » .
ورووا أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال لعمر : « وما يدريك يا عمر لعل الله قد اطلع إلى أصحاب بدر يوم بدر ، فقال اعملوا ما شئتم ، فقد غفرت لكم » ! ابن هشام : 4 / 858 .
كما روت مصادرنا عن علي ( عليه السلام ) ذماً لابن بلتعة . تأويل الآيات : 2 / 465 والجمل / 208 .
وذكر الثعلبي في تفسيره : 9 / 291 ، « أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان سأل سارة السوداء التي حملت الكتاب : أمسلمة جئت ؟ قالت : لا ، قال : أمهاجرة جئت ؟ قالت : لا ، قال : فما جاء بك ؟ قالت : كنتم الأصل والعشيرة والموالي وقد ذهبت موالى واحتجت حاجة شديدة فقدمت عليكم لتعطوني وتكسوني وتحملوني ، فقال لها : فأين أنت من شباب مكة وكانت مغنية نائحة ! قالت : ما طلب منى شئ بعد وقعة بدر ! فحث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بنى عبد المطلب وبني المطلب ، فكسوها وأعطوها نفقة » .
كما روت مصادر السلطة أن أبا بكر حاول أن يعرف قصد النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهل يقصد غزو قريش أو غيرها ، وسأل النبي ( صلى الله عليه وآله ) وألحَّ بالسؤال .
وروى الواقدي : 2 / 796 والمقريزي في الإمتاع : 1 / 352 أن أبا بكر سأل النبي ( صلى الله عليه وآله ) :
« يا رسول الله أردت سفراً ؟ قال رسول الله : نعم . قال : أفأتجهز ؟ قال : نعم . قال أبو بكر : وأين تريد يا رسول الله ؟ قال : قريشاً وأخفِ ذلك يا أبا بكر ! وأمر رسول الله بالجهاز قال : أوليس بيننا وبينهم مدةٌ قال : إنهم غدروا ونقضوا العهد فأنا غازيهم . وقال لأبى بكر : إطو ما ذكرت لك ! فظانٌّ يظن أن رسول الله يريد الشام وظانٌّ يظن ثقيفاً وظانٌّ يظن هوازن » .
وقال صاحب الصحيح : 21 / 129 إن أبا بكر وعائشة عرفا قصد النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأفشيا سره ، لكن خيانة حاطب بن أبي بلتعة متفق عليها !
أما خيانة غيره ، فإن صحت ، فقد عولجت وبقيت مخفية .
6 - جاءت القبائل إلى المدينة وتحرك النبي « صلى الله عليه وآله » إلى مكة
سبب توافد القبائل إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنهم أحسوا بعد انتصاراته ( صلى الله عليه وآله ) وصلح الحديبية أن ميزان القوة تحول إلى جانبه ، فأخذوا يدخلون في الإسلام أو يتقربون اليه ، ويطمعون أن يشاركوه في حروبه لينالوا من الغنائم !
وخرج النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالناس ولم يعلن عن مقصده : « ولما انتهى إلى قٌدَيد قيل له : يا رسول الله هل لك في بيض النساء وأدم الإبل ، بنى مدلج ؟ فقال ( صلى الله عليه وآله ) إن الله عز وجل حرَّمهن على بصلة الرحم » . الصحيح : 21 / 233 .
أقول : بنو مدلج عند ينبع ، عشيرة من بنى كنانة ، وكان النبي ( صلى الله عليه وآله ) غزاهم في ذات العشيرة ، وكتب معهم صلحاً أن يكونوا حياديين . وقد مدح نساءهم بصلة الرحم . وعرف بنو مدلج بأن فيهم خبراء في القيافة .
قال في الصحيح من السيرة : 21 / 215 ملخصاً : « خرج النبي ( صلى الله عليه وآله ) في المهاجرين والأنصار وطوائف من العرب وقادوا الخيل وامتطوا الإبل ، وقدَّم أمامه جريدة من الخيل الزبير بن العوام في مائة فارس . . ولما بلغ قديداً لقيته سُليم هناك فعقد الألوية والرايات ودفعها إلى القبائل . وقبل أن يصل النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى مكة وجد عيناً لهوازن ، فاعترف أنهم يجمعون جيشاً لحربه فأمر بحبسه ، فظن الظانون أنه يقصد هوازن . وجاءه عيينة بن حصن رئيس بنى فزارة لأنه سمع وهو بنجد أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قاصد وجهاً وأن العرب تجتمع اليه ، فوصل اليه وهو في الطريق في القديد ، فسأله عن مقصده فأجابه : إلى حيث يشاء الله !
وقد بالغوا في عدد جيش النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقالوا كان عشرة آلاف ، وقد يكون جيشه بلغ ستة آلاف . وقال بعضهم كان الأنصار أربعة آلاف معهم خمس مائة فرس ، ومزينة ألفاً وفيها مائة فرس ، وأسلم أربع مائة معها ثلاثون فرساً ، وجهينة ثمان مائة معها خمسون فرساً ، وبنى سليم سبع مائة ، وغفار أربع مائة ، وأسلم أربع مائة ، وطوائف من العرب من تميم وقيس وأسد . » راجع : الصحيح : 21 / 230 .
7 - فاجأ النبي « صلى الله عليه وآله » قريشاً وعسكر قرب مكة
عسكر النبي ( صلى الله عليه وآله ) بجيشه في « مَرّ الظهران » وهو قرب عرفات ، وكان ذلك مفاجأة لقريش ، فأسقط في يد زعمائها لأنهم لا يريدون الخضوع له ، ولا طاقة لهم بحربه ! فسارع أبو سفيان بالذهاب إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ليتفاوض معه .
قال في إعلام الوري : 1 / 218 : « سار حتى نزل مرَّ الظهران ومعه نحو من عشرة آلاف رجل ونحو من أربعمائة فارس ، وقد عميت الأخبار من قريش ، فخرج في تلك الليالي أبو سفيان وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء هل يسمعون خبراً ، وقد كان العباس بن عبد المطلب خرج يتلقى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ومعه أبو سفيان بن الحارث « ابن عم النبي ( صلى الله عليه وآله ) » وعبد الله بن أبي أمية « أخ أم سلمة » وقد تلقاه بنيق العقاب ، ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في قبته وعلى حرسه يومئذ زياد بن أسيد ، فاستقبلهم زياد فقال : أما أنت يا أبا الفضل فامض إلى القبة ، وأما أنتما فارجعا . فمضى العباس حتى دخل على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فسلم عليه وقال : بأبى أنت وأمي هذا ابن عمك قد جاء تائباً وابن عمتك . قال : لا حاجة لي فيهما إن ابن عمى انتهك عرضي ، وأما ابن عمتي فهو الذي يقول بمكة : وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ ينْبُوعًا . فلما خرج العباس كلمته أم سلمة وقالت : بأبى أنت وأمي ابن عمك قد جاء تائباً لا يكون أشقى الناس بك ، وأخي ابن عمتك وصهرك فلا يكونن شقياً بك ! ونادى أبو سفيان بن الحارث النبي ( صلى الله عليه وآله ) : كن لنا كما قال العبد الصالح : لاتَثْرِيبَ عَلَيكم ! فدعاه وقبل منه ، ودعا عبد الله بن أبي أمية ، فقبل منه .
وقال العباس : هو والله هلاك قريش إلى آخر الدهر إن دخلها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عُنْوَةً قال : فركبت بغلة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) البيضاء وخرجت أطلب الحطَّابة أو صاحب لبَن لعلى آمره أن يأتي قريشاً فيركبون إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يستأمنون إليه ، إذ لقيت أبا سفيان وبديل بن ورقاء وحكيم بن حزام ، وأبو سفيان يقول لبديل : ما هذه النيران ؟ قال : هذه خزاعة . قال : خزاعة أقل وأذل من أن تكون هذه نيرانهم ! ولكن لعل هذه تميم أو ربيعة ! قال العباس : فعرف صوت أبي سفيان ، فقلت : أبا حنظلة ؟ قال : لبيك فمن أنت ؟ قلت : أنا العباس ، قال : فما هذه النيران فداك أبي وأمي قلت : هذا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في عشرة آلاف من المسلمين قال : فما الحيلة ؟ قال : تركب في عجز هذه البغلة ، فأستأمن لك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . قال : فأردفته خلفي ثم جئت به ، فكلما انتهيت إلى نار قاموا إلى فإذا رأوني قالوا : هذا عم رسول الله خلوا سبيله ، حتى انتهيت إلى باب عمر فعرف أبا سفيان فقال : عدو الله الحمد الله الذي أمكن منك ، فركضت البغلة حتى اجتمعنا على باب القبة ، ودخل عمر على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : هذا أبو سفيان قد أمكنك الله منه بغير عهد ولا عقد ، فدعني أضرب عنقه ! قال العباس : فجلست عند رأس رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقلت : بأبى أنت وأمي أبو سفيان قد أجرته . قال : أدخله فدخل فقام بين يديه فقال : ويحك يا أبا سفيان أما آن لك أن تشهد أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله ؟ قال : بأبى أنت وأمي ما أكرمك وأوصلك وأحلمك ، أما الله لو كان معه إله لأغنى يوم بدر ويوم أحد ، وأما أنك رسول الله فوالله إن في نفسي منها لشيئاً ! قال العباس : يضرب والله عنقك الساعة أو تشهد أن لا إله إلا الله وأنه رسول الله ! قال : فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ، تلجلج بها فوه !
فقال أبو سفيان للعباس : فما نصنع باللات والعزي ؟ فقال له عمر : إسلح عليهما . فقال أبو سفيان : أفٍّ لك ما أفحشك ! ما يدخلك يا عمر في كلامي وكلام ابن عمي ؟ ! فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : عند من تكون الليلة ؟ قال : عند أبي الفضل . قال : فاذهب به يا أبا الفضل فأبته عندك الليلة ، واغد به علي . فلما أصبح سمع بلالاً يؤذن قال : ما هذا المنادى يا أبا الفضل ؟ قال : هذا مؤذن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، قم فتوضأ وصل ، قال : كيف أتوضأ ؟ فعلمه . قال : ونظر أبو سفيان إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو يتوضأ وأيدي المسلمين تحت شعره ، فليس قطرة تصيب رجلاً منهم إلا مسح بها وجهه فقال : بالله إن رأيت كاليوم قط كسرى ولا قيصر !
فلما صلى غدا به إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا رسول الله إني أحب أن تأذن لي بالذهاب إلى قومك فأنذرهم وأدعوهم إلى الله ورسوله فأذن له ، فقال العباس : كيف أقول لهم بين لي من ذلك أمراً يطمئنون إليه ؟ فقال ( صلى الله عليه وآله ) : تقول لهم : من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً رسول الله وكف يده ، فهو آمن . ومن جلس عند الكعبة ووضع سلاحه ، فهو آمن . فقال العباس : يا رسول الله ، إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فلو خصصته بمعروف ؟
فقال ( صلى الله عليه وآله ) : من دخل دار أبي سفيان فهو آمن . قال أبو سفيان : داري ؟ ! قال : دارك ! ثم قال : من أغلق بابه فهو آمن . ولما مضى أبو سفيان قال العباس : يا رسول الله إن أبا سفيان رجل من شأنه الغدر ، وقد رأى من المسلمين تفرقاً . قال : فأدركه واحبسه في مضايق الوادي حتى يمر به جنود الله . قال : فلحقه العباس فقال : أبا حنظلة ! قال : أغدراً يا بني هاشم ؟ قال : ستعلم أن الغدر ليس من شأننا ولكن اصبر حتى تنظر إلى جنود الله . . » .
وفى الصحيح من السيرة : 22 / 17 ، ملخصاً : « وأمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) منادياً ينادي : لتصبح كل قبيلة قد أرحلت ووقفت مع صاحبها عند رايته ، وتظهر ما معها من الأداة والعدة ! فأصبح الناس على ظهر ، وقدَّم بين يديه الكتائب . ومرت القبائل على قادتها والكتائب على راياتها ، وكان أول من قدم خالد بن الوليد في بنى سليم وهم ألف ومعهم لواءان وراية ، فلما مروا بأبى سفيان كبروا ثلاث تكبيرات ، ثم مضوا ! فقال أبو سفيان : يا عباس هذا رسول الله ؟ قال : لا ، ولكن هذا خالد بن الوليد في المقدمة . قال : الغلام ؟ قال : نعم . قال : ومن معه ؟ قال : بنو سليم . قال : ما لي وبنى سليم !
ثم مر على أثره الزبير بن العوام في خمس مائة من المهاجرين وأفناء العرب ومعه راية سوداء . فلما مروا بأبى سفيان كبروا ثلاثاً ! فقال أبو سفيان : من هؤلاء ؟ قال : هذا الزبير بن العوام . قال : ابن أختك ؟ قال : نعم .
ثم مرت بنو غفار في ثلاث مائة يحمل رايتهم أبو ذر ، فلما حاذوه كبروا ثلاثاً ! فقال أبو سفيان : من هؤلاء ؟ قال : بنو غفار . قال : ما لي ولبنى غفار ؟
ثم مرت أسلم في أربع مائة فيها لواءان ، فقال : من هؤلاء ؟ قال العباس : أسلم . قال : ما لي ولأسلم ؟ ما كان بيننا وبينهم تِرَةٌ قط ! قال العباس : هم قوم مسلمون دخلوا في الإسلام . ثم مرت بنو كعب بن عمرو « من خزاعة » في خمس مائة يحمل رايتهم بسر بن سفيان فقال : من هؤلاء ؟ قال العباس : بنو عمرو بن كعب بن عمرو إخوة أسلم . قال : نعم هؤلاء حلفاء محمد ! ثم مرت مزينة في ألف فيها ثلاثة ألوية ومائة فرس ، قال : من هؤلاء ؟ قال العباس : مزينة . قال : ما لي ولمزينة ؟ قد جاءتني تقعقع من شواهقها !
ثم مرت جهينة في ثمان مائة فيها أربعة ألوية فقال : من هؤلاء ؟ قال : جهينة . قال : ما لي ولجهينة ؟ ثم مرت كنانة بنو ليث وضمرة وسعد بن بكر في مائتين ، فقال : من هؤلاء ؟ قال العباس : بنو بكر . قال : نعم أهل شؤم والله ! هؤلاء الذين غزانا محمد بسببهم ! أما والله ما شُووِرت فيهم ولا علمته ، ولكنه أمر حُتِم !
ثم مرت أشجع وهم آخر من مر ، وهم ثلاث مائة معهم لواءان ، قال العباس : هؤلاء أشجع . قال أبو سفيان : هؤلاء كانوا أشد العرب على محمد ! ثم قال أبو سفيان : أبعدُ ما مضى محمد ؟ فقال العباس : لا ، لم يمض بعد لو أتت الكتيبة التي فيها محمد رأيت فيها الحديد والخيل والرجال ، وما ليس لأحد به طاقة . قال : ومن له بهؤلاء طاقة ؟ حتى طلعت كتيبة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الخضراء التي فيها المهاجرون والأنصار ، مع كل بطن من بطون الأنصار لواء وراية ، وهم في الحديد لا يرى منهم إلا الحدق ، وعمر بن الخطاب يقول : رويداً حتى يلحق أولكم آخركم . فقال أبو سفيان : يا أبا الفضل من هذا المتكلم ؟ ! قال : عمر بن الخطاب . فقال أبو سفيان : لقد أَمِرَ أَمْرُ بنى عدي ، بعد والله ، قلة وذلة ! « يقصد مشى أمرهم وصار منهم شخص مذكوراً » . وأعطى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) رايته سعد بن عبادة ، فلما مر براية رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) نادى « سعد » أبا سفيان فقال : اليوم يوم الملحمة ، اليوم تُستحَل الحرمة ، اليوم أذل الله قريشاً » .
8 - أرسل النبي « صلى الله عليه وآله » الأمان إلى أهل مكة مع أبي سفيان
« قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) لأبى سفيان : تقدم إلى مكة فأعلمهم الأمان . قال العباس : فقلت لأبى سفيان : أُنج ويحك فأدرك قومك قبل أن يدخل عليهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . فخرج أبو سفيان فتقدم الناس كلهم حتى دخل مكة من كداء ، فصرخ بأعلى صوته : يا معشر قريش ، هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به ، أسلموا تسلموا ، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن . قالوا : قاتلك الله ، وما تغنى دارك ؟ ! قال : ومن أغلق بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن . فقامت إليه هند بنت عتبة زوجته فأخذت بشاربه وقالت : أقتلوا الحميت الدسم الأحمس ، قُبِّح من طليعة قوم ! فقال أبو سفيان : ويلكم لاتغرنكم هذه من أنفسكم ، فإنه قد جاءكم ما لا قبل لكم به ! . . البيوت البيوت ، من أغلق بابه فهو آمن ، من دخل دارى فهو آمن . فعرفت هند فأخذت تطردهم ، فقال لها : ويلك إني رأيت ذات القرون ورأيت فارس أبناء الكرام ، ورأيت ملوك كندة وفتيان حمير يسلمون آخر النهار ، ويلك أسكتي ، فقد والله جاء الحق ودنت البلية . فجعل الناس يقتحمون الدور ويغلقون عليهم » . الصحيح : 22 / 58 و 85 .
9 - نصب النبي « صلى الله عليه وآله » خيمته عند قبر خديجة « عليها السلام » !
أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الزبير بن العوام أن يدخل من كداء من أعلى مكة ، وأن يغرز رايته بالحجون ، أي عند قبر خديجة « عليها السلام » ، ولا يبرح حتى يأتيه .
وأمر خالداً وكان على المجنبة اليمنى وفيها أسلم وسليم وغفار ومزينة وجهينة وقبائل من العرب ، أن يدخل من الليط موضع بأسفل مكة ، وأن يغرز رايته عند أدنى البيوت ، وبها بنو بكر ، وبنو الحارث بن عبد مناة ، والأحابيش الذين استنفرتهم قريش .
وأمر سعد بن عبادة أن يدخل من كداء والراية مع ابنه قيس ، وأمرهم أن يكفوا أيديهم ، ولا يقاتلوا إلا من قاتلهم .
وأقبل ( صلى الله عليه وآله ) في كتيبته الخضراء ، وعليه عمامة سوداء وقد أرخى طرفها بين كتفيه وهو على ناقته القصواء ، فاستشرفه الناس فوضع رأسه على رحله متخشعاً ، وقد طأطأ رأسه تواضعاً لله تعالي ، وهو يقرأ سورة الفتح يرجع بها صوته ، ثم قال : اللهم إن العيش عيش الآخرة . ومضى ( صلى الله عليه وآله ) فدخل من أذاخر بأعلى مكة يوم الاثنين ، وكان أبو رافع قد ضرب له قبة من أدم بالحجون ، فأقبل رسول الله حتى انتهى إلى القبة ، ومعه أم سلمة وميمونة زوجتاه .
وأقبل الزبير بمن معه من المسلمين حتى انتهى إلى الحجون ، فغرز الراية عند منزل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ورووا أن لواء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يوم دخل مكة كان أبيض ، ورايته سوداء تسمى العقاب ، وكانت قطعة مرط مرجل .
وسأله أسامة : يا رسول الله أنَّى تنزل غداً ، تنزل في دارك ؟ قال : وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دار ! وقيل للنبي ( صلى الله عليه وآله ) : ألا تنزل منزلك من الشعب ؟ فقال : وهل ترك لنا عقيل منزلاً ؟ وكان عقيل قد باع منزل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ومنزل إخوته
من الرجال والنساء بمكة ، فقيل لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : فانزل في بعض بيوت مكة غير منازلك ، فأبى وقال : لا أدخل البيوت ! وبقى في قبته بالحجون ، وكان يأتي المسجد لكل صلاة . وقال جابر بن عبد الله : كنت ممن لزم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فدخلت معه يوم الفتح ، فلما أشرف من أذاخر ورأى بيوت مكة وقف عليها ، فحمد الله وأثنى عليه . ونظر من موضع قبته فقال : هذا منزلنا يا جابر ، حيث تقاسمت قريش علينا في كفرها « يشير إلى الشعب » وكنا بالأبطح وِجَاهَ « مقابل » شعب أبى طالب ، حيث حصر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وبنو هاشم ثلاث سنين » . الصحيح : 22 / 77 .
وقال الطبري : 2 / 342 : « أقام رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بمكة بعد فتحها خمس عشرة ليلة » .
10 - قريش تسترحم النبي « صلى الله عليه وآله » بشعر ضرار بن الخطاب
خافت قريش من انتقام الأنصار منها ، وكانت رايتهم كانت بيد سعد بن عبادة ، فاستغاثت بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) من سعد خشية أن يأخذ منهم ثار أحُد ، فطمأنهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) لأنه قرر أن لا يسفك دماً في الحرم ، إلا أربعة نفر هدر دمهم !
وفى الإرشاد : 1 / 134 : « ولما أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) سعد بن عبادة بدخول مكة بالراية ، غلظ على القوم وأظهر ما في نفسه من الحنق عليهم ، ودخل وهو يقول : اليوم يوم الملحمه اليوم تسبى الحرمة ، فسمعها العباس فقال للنبي ( صلى الله عليه وآله ) : أما تسمع يا رسول الله ما يقول سعد بن عبادة ؟ إني لا آمن أن يكون له في قريش صولة !
فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) أدرك يا علي سعداً فخذ الراية منه ، وكن أنت الذي يدخل بها مكة ، فأدركه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فأخذها منه » .
« فأخذ الراية فذهب بها إلى مكة ، حتى غرزها عند الركن » . الصحيح : 22 / 26 .
وفى الإمتاع : 8 / 386 ، أن أبا سفيان شكى إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) قول سعد فقال له : « يا أبا سفيان اليوم يوم المرحمة ، اليوم يعز الله قريشاً ، وأرسل إلى سعد فأخذ الراية منه » .
وقال ضرار بن الخطاب شاعر قريش أبياتاً يستعطف النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأرسلوا امرأة فاعترضت طريقه وأنشدته إياها :
يا نبي الهدى إليك لجا * حي قريش ولات حين لجاء
حين ضاقت عليهم سعة الأر * ض وعاداهم إلهُ السماء
والتقت حلقتا البطان على القوم * ونودوا بالصيلم الصلعاء
إن سعداً يريد قاصمة الظهر * بأهل الحجون والبطحاء
خزرجى لو يستطيع من الغيظ * رمانا بالنسر والعواء
وَغِرُ الصدر لا يهمُّ بشئ * غير سفك الدما وسبى النساء
قد تلظى على البطاح وجاءت * عنه هندٌ بالسوءة السواء
إذ ينادى بذل حي قريش * وابن حرب بذا من الشهداء
فلئن أقحم اللواء ونادي * يا حماة الأدبار أهل اللواء
ثم ثابت إليه من بهم الخز * رج والأوس أنجم الهيجاء
لتكونن بالبطاح قريشٌ * فقعة القاع في أكف الإماء
فانهينهُ فإنه أسد الأسد * لدى الغاب والغ في الدماء
إنه مطرق يريد لنا الأمر * سكوتاً كالحية الصماء
11 - طاف النبي « صلى الله عليه وآله » بالبيت وحَطَّم الأصنام
دخل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مكة وعليه السلاح ، ومكث في منزله ساعة من النهار حتى اطمأن الناس ، فاغتسل ثم دعا براحلته القصواء فأُدنيت إلى باب قبته ، وعاد فلبس السلاح والمغفر على رأسه ، وركب راحلته وقد حفَّ الناس به والخيل تجول من الخندمة إلى الحجون . فلما انتهى إلى الكعبة ومعه المسلمون ، تقدَّم على راحلته واستلم الركن بمحجنه « عصاه » وكبَّر فكبَّر المسلمون بتكبيره فارتجت مكة تكبيراً حتى جعل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يشير إليهم أن اسكتوا والمشركون فوق الجبال ينظرون ! وطاف رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالبيت ، وأقبل على الحجر فاستلمه ونزل عن راحلته ، فأخرجوها وأناخوها بالوادي ، ثم انتهى إلى المقام فصلى ركعتين ، ثم انصرف إلى زمزم فاطلع فيها فنزع له الحرث بن عبد المطلب دلواً فشرب منه وتوضأ والمسلمون يبتدرون وضوءه يصبونه على وجوههم ، والمشركون ينظرون إليهم ويتعجبون ويقولون : ما رأينا ملكاً قط أبلغ من هذا ولا سمعنا به !
وكان حول الكعبة ثلاث مائة وستون صنماً مرصعة بالرصاص ، لكل حي من أحياء العرب صنم ، وكان هبل أعظمها وهو وجاهَ الكعبة ، وإساف ونايلة حيث ينحرون ويذبحون الذبائح ، فأخذ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كفاً من حصى فرماها وفى يده عود ، فجعل كلما مر بصنم منها يشير إليه ويطعن في عينه أو في بطنه ويقول : جَاء الحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ، فما يشير إلى صنم إلا سقط لوجهه من غير أن يمسه ! فأمر بها فأخرجت من المسجد فطرحت فكسرت .
وعن علي ( عليه السلام ) قال : انطلق رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حتى أتى بي الكعبة ، فقال : أجلس فجلست بجنب الكعبة فصعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على منكبي فقال : إنهض فنهضت فلما رأى ضعفي تحته قال : أجلس فجلست ثم قال : يا علي ، إصعد على منكبي ففعلت ، فلما نهض بي خُيل إلى لو شئت نلت أفق السماء ! فصعدت فوق الكعبة وتنحى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : ألق صنمهم الأكبر ، فألقى الأصنام ولم يبق إلا صنم خزاعة وكان من نحاس موتد بأوتاد من حديد إلى الأرض ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : عالجه : جَاء الحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً . فلم أزل أعالجه حتى استمكنت منه . فقال لي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إقذف به فقذفت به فتكسر كما تتكسر القوارير ، ثم نزلت . ثم إن علياً ( عليه السلام ) أراد أن ينزل فألقى نفسه من صوب الميزاب تأدباً وشفقة على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ولما وقع على الأرض تبسم فسأله النبي ( صلى الله عليه وآله ) عن تبسمه ؟ فقال لأنى ألقيت نفسي من هذا المكان الرفيع وما أصابني ألم . قال : كيف يصيبك ألم وقد رفعك محمد وأنزلك جبريل ؟ ! وقال بعض الشعراء ، وقد نسبه القندوزي إلى الإمام الشافعي ، ونسبه عطاء الله في الأربعين إلى حسان بن ثابت :
قيل لي قل في علي مدحاً * ذكره يخمد ناراً مؤصده
قلت لا أقدم في مدح امرئ * ضل ذو اللب إلى أن عبده
والنبي المصطفى قال لنا * ليلة المعراج لما صعده
وضع الله بظهرى يده * فأحسَّ القلب أن قد برده
وعلى واضع أقدامه * في محل وضع الله يده
وأمر بهبل فكسر وهو واقف عليه ، فقال الزبير بن العوام لأبى سفيان بن حرب : يا أبا سفيان قد كسر هبل ، أما إنك قد كنت منه يوم أحد في غرور ، حين تزعم أنه أنعم . فقال أبو سفيان : دع عنك هذا يا ابن العوام ، فقد أرى لو كان مع إله محمد غيره لكان غير ما كان » ! الصحيح : 22 / 190 .
ودخل الكعبة ومعه أسامة وبلال وعثمان بن طلحة والفضل بن عباس ، وكبر في زواياها وأرجائها وحمد الله تعالى . وروى أنه صلى ركعتين . الصحيح : 22 / 235 .
12 - جبرئيل يفضح زعماء قريش
عن سعيد بن المسيب قال : لما دخل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مكة ليلة الفتح لم يزالوا في تكبير وتهليل وطواف بالبيت حتى أصبحوا ، فقال أبو سفيان لهند : أترين هذا من الله ؟ قالت : نعم ، هذا من الله . قال : ثم أصبح فغدا أبو سفيان إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : قلت لهند : أترين هذا من الله ؟ ! قالت : نعم هذا من الله . فقال أبو سفيان : أشهد أنك عبد الله ورسوله ، والذي يحلَف به ما سمع قولي هذا أحد من الناس إلا الله عز وجل وهند ! فقال أبو سفيان في نفسه : أفشت على هند سرى لأفعلن بها ولأفعلن ! فلما فرغ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من طوافه لحق بأبى سفيان فقال : يا أبا سفيان ، لا تكلم هنداً فإنها لم تفش من سرك شيئاً . فقال أبو سفيان : أشهد أنك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) !
ورأى أبو سفيان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يمشى والناس يطؤون عقبه ، فقال في نفسه : لو عاودت هذا الرجل القتال وجمعت له جمعاً ؟ فجاء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حتى ضرب بيده في صدره فقال : إذن يخزيك الله ! فقال : أتوب إلى الله تعالى وأستغفر الله مما تفوهت به ، ما أيقنت أنك نبي حتى الساعة ، إني كنت لأحدث نفسي بذلك !
وخرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأبو سفيان جالس في المسجد ، فقال أبو سفيان في نفسه : ما أدرى بما يغلبنا محمد ؟ فأتاه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فضرب صدره وقال : بالله تعالى نغلبك ! فقال أبو سفيان : أشهد أنك رسول الله ! الصحيح : 22 / 321 .
وزعم فضالة بن عمير أنه أراد اغتيال النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو يطوف فعرف ذلك النبي ووضع يده على صدر فضالة فتاب وأسلم . قال : « والله ما رفع يده عن صدري حتى ما خلق شئ أحب إلى منه » ! الصحيح : 22 / 190 .
وأمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) بلالاً وقت الظهر أن يصعد على سطح الكعبة ويطلق الأذان ، فتنغص عيش أبي سفيان ورفقائه الذين « أسلموا » ! « فقال خالد بن أسيد : الحمد لله الذي أكرم أبى فلم يسمع بهذا اليوم ! وكان أسيد مات قبل الفتح بيوم !
وقال الحارث بن هشام : واثكلاه ليتني متُّ قبل أن أسمع بلالاً ينهق فوق الكعبة ! وقال الحكم بن أبي العاص : هذا والله الحدث الجلل أن يصبح عبد بنى جمح ينهق على بُنَية « الكعبة » أبى طلحة !
وقال سهيل بن عمرو : إن كان هذا سخطاً لله فسيغيره الله ! وقال أبو سفيان بن حرب : أما أنا فلا أقول شيئاً ، لو قلت شيئاً لأخبرته هذه الحصاة !
فأتى جبريل ( عليه السلام ) رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأخبره ، فأقبل حتى وقف عليهم فقال : أما أنت يا فلان فقلت كذا ، وأما أنت يا فلان فقلت كذا ، وأما أنت يا فلان فقلت كذا ! فقال أبو سفيان : أما أنا يا رسول الله فما قلت شيئاً ! فضحك رسول الله » ! « أخبار مكة : 1 / 142 » وفى أسباب النزول للواحدي / 264 : « وقال أبو سفيان : إني لا أقول شيئاً أخاف أن يخبر به رب السماء » ! وفى تاريخ أبي الفداء : 1 / 181 : « فقالت بنت أبي جهل : لقد أكرم الله أبى حين لم يشهد نهيق بلال فوق الكعبة » !
13 - خطبة النبي « صلى الله عليه وآله » في فتح مكة وإعلانه العفو عن الطلقاء
في الكافي : 4 / 225 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « لما قدم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مكة يوم افتتحها ، فتح باب الكعبة فأمر بصور في الكعبة فطمست ، فأخذ بعضادتي الباب فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، صدق وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده . ماذا تقولون وماذا تظنون ؟ قالوا : نظن خيراً ونقول خيراً ، أخ كريم وابن أخ كريم ، وقد قدرت ! قال : فإني أقول كما قال أخي يوسف : لا تَثْرِيبَ عَلَيكُمُ الْيوْمَ يغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ، ألا إن الله قد حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض ، فهي حرام بحرام الله إلى يوم القيامة ، لا ينفر صيدها ولا يعضد شجرها ، ولا يختلى خلاها ، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد . فقال العباس : يا رسول الله إلا الإذخر فإنه للقبر والبيوت ؟ فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلا الإذخر » .
ويظهر أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أمر بإحضار فراعنة قريش وشخصياتها إلى المسجد .
قال في إعلام الوري : 1 / 225 ومجمع البيان : 10 / 472 ، ملخصاً : « ودخل صناديد قريش الكعبة وهم يظنون أن السيف لا يرفع عنهم ، فأتى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) البيت وأخذ بعضادتي الباب ثم قال : لا إله إلا الله أنجز وعده ، ونصر عبده ، وغلب الأحزاب وحده . . ألا إن كل دم ومال ومأثرة كان في الجاهلية فإنه موضوع تحت قدمي ، إلا سدانة الكعبة وسقاية الحاج فإنهما مردودتان إلى أهليهما ، ألا إن مكة محرمة بتحريم الله ، لم تحل لأحد كان قبلي ولم تحل لي إلا ساعة من نهار ، فهي محرمة إلى أن تقوم الساعة . . ثم قال : ألا لبئس جيران النبي كنتم ، لقد كذبتم وطردتم ، وأخرجتم وفللتم ، ثم ما رضيتم حتى جئتموني في بلادي تقاتلونني ، فاذهبوا فأنتم الطلقاء . فخرج القوم كأنما أنشروا من القبور ، ودخلوا في الإسلام ، وكأن الله أمكنه من رقابهم عنوة فكانوا له فيئاً ، فلذلك سمى أهل مكة الطلقاء !
وكان فتح مكة لثلاث عشرة خلت من شهر رمضان ، واستشهد من المسلمين ثلاثة نفر دخلوا من أسفل مكة وأخطأوا الطريق فقتلوا » .
وفى مجمع البيان : « وجاء ابن الزبعرى إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأسلم ، وقال :
يا رسول الإله إن لساني * راتق ما فتقت إذ أنا بورُ
إذ أبارى الشيطان في سنن الغى * ومن مال ميله مثبور
آمن اللحم والعظام لربى * ثم نفسي الشهيد أنت النذير » .
14 - الذين هدر النبي « صلى الله عليه وآله » دمهم
عدهم صاحب الصحيح من السيرة : 23 / 9 اثنين وعشرين شخصاً ، ثم بحث أسباب هدر النبي ( صلى الله عليه وآله ) دمهم فقال ما خلاصته : « يتساءل البعض عن التوفيق بين احترام الكعبة وتعظيمها واعتبار مكة بلداً آمناً ، وبين أمره ( صلى الله عليه وآله ) بقتل أفراد هذه الجماعة حتى لو كانوا متعلقين بأستار الكعبة ! والجواب : أن الأمر بقتل هؤلاء الناس هو من مفردات تعظيم الكعبة وحفظ حرمة الحرم ، لأنهم بشركهم وبصدهم عن سبيل الله وسعيهم في الأرض فساداً ، وجدهم واجتهادهم لإبطال دين الله ، وقتل الأنبياء والمؤمنين من أجل نصرة الباطل ، يمثلون الرجس والقاذورات التي لا بد من تطهير بيت الله وحرمه منها ، فقتْلهم حتى لو كانوامتعلقين بأستار الكعبة تكريمٌ للكعبة وتكريسٌ لمعنى الطهر والقداسة فيها .
1 - عكرمة بن أبي جهل : كان هو وأبوه أشد الناس أذية للنبي ( صلى الله عليه وآله ) والمسلمين . ولما بلغه أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أهدر دمه فرّ إلى اليمن ، فقالت امرأته أم حكيم لرسول الله : يا رسول الله قد ذهب عكرمة عنك إلى اليمن وخاف أن تقتله ، فأمِّنه يا رسول الله ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : هو آمن . فخرجت في طلبه ومعها غلام لها رومى فراودها عن نفسها ، فجعلت تمنِّيه حتى قدمت به على حي من عك فاستعانتهم عليه فأوثقوه رباطاً ، وأدركت عكرمة وقد انتهى إلى البحر فركب سفينة وجعلت تليح إليه وتقول : يا ابن عم جئتك من عند أبر الناس وأوصل الناس وخير الناس ، لا تهلك نفسك . فرجع وأسلم . وزعموا أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : لا تسبوا أبا جهل ، ولا يصح ذلك . وقد عظموا عكرمة حتى ادَّعوا أنه ( صلى الله عليه وآله ) رأى في منامه أنه دخل الجنة ورأى فيها عذقاً فأعجبه وقال : لمن هذا ؟ فقيل : لأبى جهل ! وأنه حين أسلم قام إليه النبي ( صلى الله عليه وآله ) واعتنقه ، وقال : مرحباً بالراكب المهاجر .
وكان عكرمة من المحرضين على حرب أحُد ، وكان على ميسرة المشركين وخالد بن الوليد على ميمنتهم ، وقد عبر الخندق يوم الأحزاب مع عمرو بن عبد ود ، وضرار بن الخطاب الفهري ، وهبيرة بن أبي وهب ، ونوفل بن عبد الله . وفى بدر قتل من المسلمين رافع بن المعلى الزرقي ، وضرب معاذ بن عمرو بن الجموح على عاتقه فطرح يده حين رآه قتل أباه أبا جهل .
وكان من المناوئين لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، ولعل هذا هو السبب في إغداقهم الأوسمة عليه ونسجهم له الكرامات .
2 - صفوان بن أمية : هرب مع عبد له اسمه يسار إلى جدة ، ليذهب إلى اليمن فقال عمير بن وهب : يا نبي الله إن صفوان بن أمية سيد قومي وقد خرج هارباً منك ليقذف نفسه في البحر ، فأمنه صلى الله عليك . قال : هو آمن . فقال : أعطني آية يعرف بها أمانك ، فأعطاه عمامته التي دخل بها مكة ، فخرج عمير حتى أدركه فقال : يا أبا وهب جعلت فداك ، جئت من عند أبر الناس ، وأوصل الناس ، فداك أبي وأمي ، الله الله في نفسك أن تهلكها ، هذا أمان من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد جئتك به . قال : ويحك أُغرب عنى فلا تكلمني إني أخافه على نفسي ! قال : هو أحلم من ذلك وأكرم . قال : ولا أرجع معك حتى تأتيني بعلامة أعرفها . فرجع معه صفوان حتى انتهى إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو يصلى بالمسلمين العصر في المسجد ، فلما سلم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) صاح صفوان : يا محمد إن عمير بن وهب جاءني ببردك وزعم : أنك دعوتني إلى القدوم عليك ، فإن رضيت أمراً وإلا سيرتنى شهرين . فقال : إنزل أبا وهب . قال : لا والله حتى تبين لي . قال : بل لك تسيير أربعة أشهر . فنزل صفوان . ولما خرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى هوازن أرسل إليه يستعير سلاحه ، فأعاره سلاحه مائة درع بأداتها ، فقال : طوعاً أو كرهاً ؟ . قال ( صلى الله عليه وآله ) : عارية مؤداة فأعاره فأمره رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فحملها إلى حنين ، فشهد حنيناً والطائف ، ثم رجع إلى الجعرانة ، فبينا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يسير في الغنائم ينظر إليها ، وفرق غنائمها فرأى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) صفوان ينظر إلى شعب ملآن نعماً وشاء ورعاء ، فأدام النظر إليه ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يرمقه ، فقال : يا أبا وهب يعجبك هذا الشعب ؟ قال : نعم . قال : هو لك وما فيه . فقبض صفوان ما في الشعب ، وقال عند ذلك : ما طابت نفس أحد بمثل هذا إلا نفس نبي ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً عبده ورسوله . وأسلم مكانه !
ومع هذاتجدهم يعظمون أمثال صفوان ويعتقدون عدالته ! فما أعجب أمرهم !
3 - عبد العزى بن خطل : أهدر النبي ( صلى الله عليه وآله ) دمه وكان أسلم فسماه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عبد الله وهاجر إلى المدينة ، وبعثه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ساعياً وبعث معه رجلاً وكان يصنع له طعامه ويخدمه ، فعدى عليه فضربه فقتله وارتد عن الإسلام ، وساق ما أخذ من الصدقة وهرب إلى مكة ، وقال : لم أجد ديناً خيراً من دينكم !
وكان يقول الشعر يهجو به رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . وكانت له قينتان فاسقتان يأمرهما أن تغنيا بهجاء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . ولما دخل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى ذي طوى أقبل ابن خطل من أعلى مكة مدججاً بالحديد على فرس وبيده قناة ، فمر ببنات سعيد بن العاص فقال لهن : أما والله لا يدخلها محمد حتى ترين ضرباً كأفواه المزاد .
ثم رأى خيل الله فدخله رعب فنزل عن فرسه وطرح سلاحه وأتى البيت فدخل تحت أستاره . فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أقتلوه ، إن الكعبة لا تعيذ عاصياً ، ولا تمنع من إقامة حد واجب ، فقتله سعيد بن حريث وأبو برزة .
4 - عبد الله بن سعد بن أبي سرح : وإنما أمر بقتله لأنه كان أسلم قبل الفتح ، وكان يكتب لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الوحي وكان إذا أملى عليه : سميعاً بصيراً ، كتب عليماً حكيماً ! وإذا أملى عليه : عليماً حكيماً كتب غفوراً رحيماً ! وكان يفعل مثل هذه الخيانات حتى صدر عنه أنه قال : إن محمداً لا يعلم ما يقول ! فلما ظهرت خيانته لم يستطع أن يقيم بالمدينة فارتدّ وهرب إلى مكة وقال : إن كان محمد نبياً يوحى إليه فأنا نبي يوحى إلي ! وعندما دخل النبي ( صلى الله عليه وآله ) مكة لجأ ابن سرح إلى عثمان بن عفان أخيه من الرضاعة فقال له : يا أخي استأمن لي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قبل أن يضرب عنقي ! فغيبه عثمان حتى هدأ الناس واطمأنوا فاستأمن له وأتى به إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فأعرض عنه النبي ( صلى الله عليه وآله ) فصار عثمان يقول : يا رسول الله أمنته والنبي ( صلى الله عليه وآله ) يعرض عنه ! ثم قال : نعم ، فبسط يده فبايعه ، فلما خرج عثمان وعبد الله قال ( صلى الله عليه وآله ) لمن حوله : أعرضت عنه مراراً ، ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه !
فقال عباد بن بشر : يا رسول الله خفتك ، أفلا أومضتَ إلى أي أومأت ؟ فقال ( صلى الله عليه وآله ) : إنه ليس لنبي أن يومض . إن النبي لا ينبغي أن يكون له خائنة الأعين .
وعندما صار عثمان خليفة ولاه على مصر ! وشكاه المصريون إلى عثمان فقَتَل بعض من اشتكوا عليه فكان ذلك من أسباب خروج المصريين على عثمان حتى قتل ! وذكر عكرمة والحسن البصري أن الذين توسطوا لابن أبي سرح هم : أبو بكر وعمر وعثمان .
5 - عبد الله بن الزبعري : كان شاعراً يهجو النبي ( صلى الله عليه وآله ) والمسلمين ويحرض عليهم كفار قريش ، وهو الذي تمثَّل يزيد بأبياته لما جئ له برأس الحسين ( عليه السلام ) فأخذ ينكت ثنايا الإمام ( عليه السلام ) بقضيب في يده . وهو الذي ألقى الفرث والدم على النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو يصلى ثم جاء أبو طالب وسل سيفه ، فأمرَّ ذلك الفرث على لحاهم وشواربهم ! ويوم الفتح سمع أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أهدر دمه فهرب إلى نجران وسكنها فأرسل اليه حسان بن ثابت بأبيات فجاء إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقال : السلام عليك يا رسول الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك عبده ورسوله ، الحمدالله الذي هداني للإسلام ، لقد عاديتك وأجلبت عليك ، وقال :
يا رسول المليك إن لساني * راتق ما فتقت إذ أنا بور
إذ أبارى الشيطان في سنن الغي * ومن مال ميله مثبور
آمن اللحم والعظام لربي * ثم قلبي الشهيد أنت النذير
إنني عنك زاجر ثم حيا * من لؤي وكلهم مغرور
وقال أيضاً حين أسلم :
منع الرقاد بلابل وهموم * والليل معتلج الرواق بهيم
مما أتاني أن أحمد لامني * فيه فبت كأنني محموم
يا خير من حملت على أوصالها * عيرانة سرح اليدين غشوم
إني لمعتذر إليك من الذي * أسديت إذ أنا في الضلال أهيم
أيام تأمرني بأغوى خطة * سهم وتأمرنى بها مخزوم
وأمد أسباب الردى ويقودني * أمر الوشاة وأمرهم مشؤم
فاليوم آمن بالنبي محمد * قلبي ومخطئ هذه محروم
مضت العداوة فانقضت أسبابها * ودعت أواصر بيننا وحلوم
فاغفر فدى لك والداي كلاهما * زللى فإنك راحم مرحوم
وعليك من علم المليك علامة * نور أغر وخاتم مختوم
أعطاك بعد محبة برهانه * شرفاً وبرهان الإله عظيم
ولقد شهدت بأن دينك صادق * حق وأنك في العباد جسيم
والله يشهد أن أحمد مصطفي * مستقبل في الصالحين كريم
قرم علا بنيانه من هاشم * فرع تمكن في الذرى وأروم
6 - الحويرث بن نقيد كان يؤذى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ونخس بزينب بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لما هاجرت إلى المدينة فرمى بها عن بعيرها ، فأهدر النبي ( صلى الله عليه وآله ) دمه فخرج في مكة يوم الفتح يريد أن يهرب فتلقاه على ( عليه السلام ) فضرب عنقه .
7 - هبار بن الأسود : كان شديد الأذى للمسلمين ، وتعرض لزينب بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لما هاجرت فنخس بها أو ضربها بالرمح ، فسقطت عن راحلتها فأسقطت ولم يزل ذلك المرض بها حتى ماتت ! فلما كان يوم الفتح وبلغه أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أهدر دمه أعلن بالإسلام فقبله منه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعفا عنه . وزعموا : أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : إن لقيتم هباراً هذا فأحرقوه ، ولا يصح قولهم .
ونقول : إذا كان ( صلى الله عليه وآله ) قد أهدر دم هبار بن الأسود والحويرث بن نقيد لأنهما روَّعا زينب وأوقعاها عن الراحلة إلى الأرض ، فماذا سيكون موقفه ( صلى الله عليه وآله ) ممن ضرب فاطمة « عليها السلام » وأسقط جنينها وكسر ضلعها وتسبب لها بعلَّتها التي ماتت منها فكانت صدِّيقة شهيدة ؟ !
8 - الحارث بن هشام : أخو أبى جهل لأبويه . وقد أسلم بعد ذلك .
9 - زهير بن أمية : وكان قد استجار بأم هانى وأراد على ( عليه السلام ) قتله فأمضى النبي ( صلى الله عليه وآله ) جوارها وأسلم بعد ذلك .
10 - عبد الله بن ربيعة : ذكره الأزرقي بدل زهير بن أمية .
11 - زهير بن أبي سلمى الشاعر .
12 - مقيس بن صبابة : كان أسلم ثم أتى على رجل من الأنصار فقتله وارتد ، فقتله نميلة بن عبد الله بحكم النبي ( صلى الله عليه وآله ) يوم الفتح .
13 - الحويرث بن الطلاطل الخزاعي : كان يؤذى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، قتله على ( عليه السلام ) .
14 - كعب بن زهير : وهو الشاعر الذي كان يهجو رسول الله وجاء بعد ذلك فأسلم ، ومدحه بقصيدة : بانت سعاد .
15 - وحشى بن حرب : قاتل حمزة في حرب أحُد ، وقد هرب في فتح مكة إلى الطائف فلما أسلم أهلها جاء مع وفدهم فقال له ( صلى الله عليه وآله ) : غيب عنى وجهك !
16 - هبيرة بن أبي وهب : زوج أم هانى يقال : إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أهدر أيضاً دمه .
17 - سارة : مولاة عمرو بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف ، وكانت مغنية نواحّة بمكة تغنى بهجاء النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقالوا : استؤمن لها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأمنها ، فأسلمت وعاشت إلى خلافة عمر بن الخطاب .
18 - أرنب مولاة ابن خطل .
19 - فرتني : أو قرينا .
20 - قريبة ويقال : هي أرنب السابقة . وهما قينتان لابن خطل كانتا تغنيان بهجاء النبي ( صلى الله عليه وآله ) فاستؤمن لإحداهما فأسلمت وقتلت الأخري ، قتلها على ( عليه السلام ) .
21 - أم سعد : قتلت فيما ذكره ابن إسحاق ، ويحتمل أن تكون هي أرنب .
22 - هند بنت عتبة : وهى التي لاكت كبد حمزة بن عبد المطلب ( عليه السلام ) . أتت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو بالأبطح فأسلمت وقالت : الحمد لله الذي أظهر الدين الذي اختاره لنفسه ، لتمسنى رحمتك يا محمد ، إني امرأة مؤمنة بالله مصدقة به . ثم كشفت عن نقابها فقالت : أنا هند بنت عتبة . فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : مرحباً بك . وقالت : يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح فهل على حرج أن أطعم من ماله عيالنا ؟ فقال : لاحرج عليك أن تطعميهم بالمعروف .
15 - علي « عليه السلام » ينفذ أمر النبي « صلى الله عليه وآله » فتعترضه أخته أم هاني !
قال في إعلام الوري : 1 / 223 : « عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى المسلمين أن لا يقتلوا بمكة إلا من قاتلهم ، سوى نفر كانوا يؤذون النبي ( صلى الله عليه وآله ) منهم : مقيس بن صبابة ، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح ، وعبد الله بن خطل ، وقينتين كانتا تغنيان بهجاء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقال : أقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة . فأدرك ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر فسبق سعيد عماراً فقتله . وقتل مقيس بن صبابة في السوق . وقتل على ( عليه السلام ) إحدى القينتين وأفلتت الأخري ، وقتل ( عليه السلام ) أيضاً الحويرث بن نقيذ بن كعب . وبلغه أن أم هانئ بنت أبي طالب قد آوت ناساً من بنى مخزوم ، منهم الحارث بن هشام وقيس بن السائب ، فقصد نحو دارها مقنعاً بالحديد فنادي : أخرجوا من آويتم ! فجعلوا يذرقون كما تذرق الحبارى خوفاً منه « اطائر كبير السلحة ! » فخرجت إليه أم هانى وهى لاتعرفه فقالت : يا عبد الله ، أنا أم هانى بنت عم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأخت علي بن أبي طالب ، انصرف عن داري . فقال على ( عليه السلام ) : أخرجوهم ! فقالت : والله لأشكونك إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ! فنزع المغفر عن رأسه فعرفته فجاءت تشتد حتى التزمته فقالت : فديتك حلفت لأشكونك إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ! فقال لها : فاذهبي فبرى قسمك ، فإنه بأعلى الوادي . قالت أم هاني : فجئت إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو في قبة يغتسل وفاطمة « عليها السلام » تستره ، فلما سمع رسول الله كلامي قال : مرحباً بك يا أم هاني . قلت : بأبى وأمي ما لقيت من على اليوم ! فقال ( صلى الله عليه وآله ) : قد أجرتُ من أجرتِ ! فقالت فاطمة « عليها السلام » : إنما جئت يا أم هانئ تشكين علياً في أنه أخاف أعداء الله وأعداء رسوله ! فقلت : إحتملينى فديتك ! فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : قد شكر الله لعلى سعيه ، وأجرت من أجارت أم هانئ لمكانها من علي بن أبي طالب » !
« وروت مصادرهم مجئ أم هانى إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) وعفوه عن المخزوميين الذين أجارتهم ، واتفقوا على أن علياً ( عليه السلام ) لم يدخل البيت ، مع أنه يحمل أمراً قضائياً من النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وأن أم هانى لم تخرجهم بل أغلقت الغرفة عليهم ، وذهبت إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) تشتكي علياً ( عليه السلام ) ! وروى أن أم هانى أمسكت بساعد على ( عليه السلام ) لتمنعه من دخول دارها ، فكشف قناعه فعرفته ، وأن ذلك أعجب النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : لله در أبى طالب ! لو ولد الناس كلهم كانوا شجعاناً » . كشف الغمة : 2 / 235 .
كما رووا أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لم يدخل بيت أحد في مكة إلا بيت أم هاني !
ففي مجمع الزوائد : 6 / 175 : « دخل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على أم هانئ بنت أبي طالب يوم الفتح وكان جائعاً . وقال هل عندك من طعام نأكله ؟ فقالت : ليس عندي إلا كسر يابسة ، وإني لأستحى أن أقدمها إليك ! فقال : هلمى بهن فكسرهن في ماء وجاءت بملح فقال : هل من إدام ؟ فقالت ما عندي يا رسول الله إلا شئ من خل . فقال : هلميه فصبيه على الطعام فأكل منه ثم حمد الله ، ثم قال : نعم الإدام الخل يا أم هانئ لا يفتقر بيت فيه خل » . وذخائر العقبي / 223 والطبراني الصغير : 2 / 67 .
16 - النبي « صلى الله عليه وآله » ينصب حاكماً لمكة
كان على زعماء قريش أن يتفهموا الوضع الجديد ، فقد داهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) مكة بألوف من جنود الله تعالى وأجبرهم على الاستسلام وخلع سلاحهم ، وبذلك صاروا أسرى حرب في يده ، وكان من حقه أن يضرب أعناقهم ويغنم أموالهم ، لكنه منَّ عليهم وأطلقهم ! فكان عليهم أن يشكروه ويقبلوا بالحاكم الذي ينصبه لمكة . لكنهم لم يفعلوا ! وفى الأيام الأولى لدخوله مكة عين النبي ( صلى الله عليه وآله ) حاكماً هو الشاب الأموي عَتَّاب بن أسَيد ، وجعل معه أنصارياً يساعده هو معاذ بن جبل ، وجعل عتاباً نائبه في الصلاة .
ففي المسترشد / 129 : « استخلف عتاب ابن أسيد على مكة ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مقيم بالأبطح ، وأمره أن يصلى بالناس بمكة الظهر والعصر والعشاء الآخرة ، وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يصلى بهم الفجر والمغرب » .
وفى إعلام الوري : 1 / 243 : « استخلف عتاب بن أسيد وخلف معه معاذاً يفقه الناس في الدين ويعلمهم القرآن ، وحج بالناس في تلك السنة وهى سنة ثمان عتاب بن أسيد . ثم كانت غزوة تبوك . وبعث إلى عتاب بن أسيد عامله على مكة يستنفرهم لغزو الروم » .
وفى المغني : 4 / 372 : « واستخلف النبي عتاب بن أسيد على مكة ، والياً وقاضياً » .
وفى الدرر / 236 و 237 : « واستخلف على مكة عتاب بن أسيد بن أبي العيص ، وهو ابن نيف وعشرين سنة . . وهو أول أمير أقام الحج في الإسلام ، وحج المشركون على مشاعرهم . وكان عتاب بن أسيد خيراً فاضلاً ورعاً » .
وقال ابن هشام : 4 / 891 : « استعمل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس على مكة ، أميراً على من تخلف عنه من الناس ، ثم مضى رسول الله على وجهه يريد لقاء هوازن » .
17 - بعث النبي « صلى الله عليه وآله » سرايا إلى المناطق القريبة من مكة
في إعلام الوري : 1 / 227 : « وبعث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) السرايا فيما حول مكة يدعون إلى الله عز وجل ، ولم يأمرهم بقتال ، فبعث غالب بن عبد الله إلى بنى مدلج فقالوا : لسنا عليك ولسنا معك ، فقال الناس : أغزهم يا رسول الله ، فقال : إن لهم سيدا أديباً أريباً ، ورب غاز من بنى مدلج شهيد في سبيل الله .
وبعث عمرو بن أمية الضمري إلى بنى الديل فدعاهم إلى الله ورسوله ، فأبوا أشد الإباء فقال الناس : أغزهم يا رسول الله ، فقال : أتاكم الآن سيدهم قد أسلم فيقول لهم : أسلموا ، فيقولون : نعم . وبعث عبد الله بن سهيل بن عمرو إلى بنى محارب بن فهر ، فأسلموا وجاء معه نفر منهم إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) » .
18 - بعث خالد بن الوليد في سرية فغدر بهم
في إعلام الوري : 1 / 228 : « بعث خالد بن الوليد إلى بنى جذيمة بن عامر ، وقد كانوا أصابوا في الجاهلية من بنى المغيرة نسوة وقتلوا عم خالد ، فاستقبلوه وعليهم السلاح وقالوا : يا خالد إنا لم نأخذ السلاح على الله وعلى رسوله ونحن مسلمون فانظر فإن كان بعثك رسول الله ساعياً فهذه إبلنا وغنمنا فاغد عليها ، فقال : ضعوا السلاح ، قالوا : إنا نخاف منك أن تأخذنا بإحنة الجاهلية وقد أماتها الله ورسوله . فانصرف عنهم بمن معه فنزلوا قريباً ثم شن عليهم الخيل فقتل وأسر منهم رجالاً ثم قال : ليقتل كل رجل منكم أسيره فقتلوا الأسري !
وجاء رسولهم إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأخبره بما فعل خالد بهم ، فرفع ( عليه السلام ) يده إلى السماء وقال : اللهم إني أبرأ إليك مما فعل خالد ، وبكي ! ثم دعا علياً ( عليه السلام ) فقال : أخرج إليهم وانظر في أمرهم وأعطاه سفطاً من ذهب ، ففعل ما أمره وأرضاهم » .
وفى أمالي الصدوق / 237 : « عن أبي جعفر الباقر ( عليه السلام ) قال : بعث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خالد بن الوليد إلى حي يقال لهم بنو المصطلق من بنى جذيمة ، وكان بينهم وبين بنى مخزوم إحنة في الجاهلية ، فلما ورد عليهم كانوا قد أطاعوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأخذوا منه كتاباً ، فلما ورد عليهم خالد أمر منادياً فنادى بالصلاة فصلى وصلوا فلما كانت صلاة الفجر أمر مناديه فنادى فصلى وصلوا ، ثم أمر الخيل فشنوا فيهم الغارة فقتل وأصاب فطلبوا كتابهم فوجدوه فأتوا به النبي ( صلى الله عليه وآله ) وحدثوه بما صنع خالد بن الوليد ، فاستقبل القبلة ثم قال : اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد ! قال : ثم قدم على رسول الله تبر ومتاع ، فقال لعلى ( عليه السلام ) : يا علي إئت بنى جذيمة من بنى المصطلق فأرضهم مما صنع خالد . ثم رفع ( صلى الله عليه وآله ) قدميه فقال : يا علي ، اجعل قضاء أهل الجاهلية تحت قدميك ! فأتاهم على ( عليه السلام ) فلما انتهى إليهم حكم فيهم بحكم الله ، فلما رجع إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : يا علي أخبرني بما صنعت ، فقال : يا رسول الله عمدت فأعطيت لكل دم دية ولكل جنين غرة ، ولكل مال مالاً ، وفضلت معي فضلة فأعطيتهم لميلغة كلابهم وحبلة رعاتهم ، وفضلت معي فضلة فأعطيتهم لروعة نسائهم وفزع صبيانهم ، وفضلت معي فضلة فأعطيتهم لما يعلمون ولما لا يعلمون ، وفضلت معي فضلة فأعطيتهم ليرضوا عنك يا رسول الله . فقال ( صلى الله عليه وآله ) : يا علي أعطيتهم ليرضوا عني ، رضى الله عنك يا علي ، إنما أنت منى بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي » .
وفى أمالي الطوسي / 498 : « فأدى إليهم ديات رجالهم ، وما ذهب لهم من أموالهم ، وبقى معه من المال زعبة فقال لهم : هل تفقدون شيئاً من أموالكم وأمتعتكم ؟ فقالوا : ما نفقد شيئاً إلا ميلغة كلابنا فدفع إليهم ما بقي من المال فقال هذا لميلغة كلابكم وما أنسيتم من متاعكم . وأقبل إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : ما صنعت ؟ فأخبره حتى أتى على حديثهم فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : أرضيتنى رضى الله عنك يا علي أنت هادي أمتي ، ألا إن السعيد كل السعيد من أحبك وأخذ بطريقتك ، ألا إن الشقي كل الشقي من خالفك ورغب عن طريقك إلى يوم القيامة » .
أقول : روته مصادرهم وحذفوا منه مدح النبي ( صلى الله عليه وآله ) لعلى ( عليه السلام ) ! وتجاهلوا براءة النبي ( صلى الله عليه وآله ) من فعل خالد ، وحاولوا تبرير فعل خالد بأنه لم يفهم كلام بنى جذيمة فأسرهم وقتلهم ! وتجرأ بعض المتأخرين وهو العقاد في كتابه عبقرية عمر ، فأدان خالداً قال : « بعث رسول الله خالداً إلى بنى جذيمة داعياً إلى الإسلام ولم يبعثه للقتال وأمره ألا يقاتل أحداً إن رأى مسجداً أو سمع أذاناً . ثم وضع بنو جذيمة السلاح بعد جدال بينهم واستسلموا فأمر بهم خالد فكتفوا ! ثم عرضهم السيف فقتل منهم وأفلت من القوم غلام يقال له السميدع حتى اقتحم على رسول الله وأخبره وشكاه إليه » . النص والاجتهاد / 460 .
قتل خالد عاشقاً غريباً ولم يرحمه
وروى ابن حجر في فتح الباري : 8 / 46 حالة مؤثرة من مجزرة خالد في بنى جذيمة ! قال : « وذكر ابن إسحاق من حديث ابن أبي حدرد الأسلمي قال : كنت في خيل خالد ، فقال لي فتى من بنى جذيمة قد جمعت يداه في عنقه برمَّة « حبل » : يا فتى هل أنت آخذ بهذه الرمة فقائدى إلى هؤلاء النسوة ؟ فقلت : نعم ، فقدته ، ثم ضربتُ عنق الفتى فأكبت عليه فما زالت تقبله حتى ماتت !
وقد روى النسائي والبيهقي في الدلائل بسند صحيح من حديث ابن عباس نحو هذه القصة ، وقال فيها : فقال إني لست منهم إني عشقت امرأة منهم فدعونى أنظر إليها نظرة ! فضربوا عنقه فجاءت المرأة فوقعت عليه فشهقت شهقة أو شهقتين ثم ماتت ! فذكروا ذلك للنبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : أما كان فيكم رجل رحيم » !
ونقل ابن هشام : 4 / 883 قول عبد الرحمن بن عوف لخالد : كذبت ولكنك إنما ثأرت بعمك الفاكه بن المغيرة !
وروى الطبري : 2 / 342 حوار العاشِقَين شعراً ، وقال : « قامت إليه حين ضربت عنقه فأكبت عليه ، فما زالت تقبله حتى ماتت عنده » !
19 - قريش تعزل أبا سفيان وتنصب بدله سهيل بن عمرو
اعتبر زعماء قريش أن أبا سفيان خانهم فوافق على استسلام قريش وخلع سلاحها بدون شروط لمصلحتها ، ومال إلى محمد ( صلى الله عليه وآله ) تعصباً للمنافية أي لجدهم المشترك عبد مناف ! وإنه يطمع بمناصب لبنى أمية في دولة محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، وهاهو محمد ينصب حاكماً أموياً على مكة ، مجازاة لأبى سفيان !
وكانوا معجبين بسهيل بن عمرو الذي انتزع من محمد في الحديبية شروطاً لمصلحتهم ، لذلك قاموابعزل أبي سفيان عن قيادة قريش ، ونصبوا سهيل بن عمرو ، ونشطوا في دعمه والالتفاف حوله !
وقد كتبنا في آيات الغدير / 138 ، أن سهيلاً تصرف بعد فتح مكة وكأن شيئاً لم يحدث وتجاهل حاكم مكة الذي نصبه النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! وكتب إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) مطالباً بأناس جاؤوا من مكة اليه ليتفقهوا في الدين ، وجاء إلى المدينة مطالباً بهم ، ونزل عند أبي بكر وعمر ، فذهبا معه إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأيدا مطلبه ! يقول بذلك للنبي ( صلى الله عليه وآله ) هؤلاء أولادنا وعبيدنا هربوا منا وجاؤوك ، فإن كانت حجتهم التفقه فنحن نفقههم في الدين ، فأرجعهم إلينا !
ومعنى ذلك أن قريشاً بقيت على كبريائها ولم تعترف بالحاكم الشرعي لمكة ، وتريد منه الاعتراف بأنها وجود سياسي في مقابله !
روى الحاكم في المستدرك : 2 / 138 : « عن ربعي بن حراش عن علي قال : لما افتتح رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مكة أتاه ناس من قريش فقالوا : يا محمد إنا حلفاؤك وقومك ، وإنه لَحِقَ بك أرقاؤنا ليس لهم رغبة في الإسلام ، وإنما فروا من العمل فارددهم علينا ! فشاور أبا بكر في أمرهم فقال : صدقوا يا رسول الله ! فقال لعمر : ماتري ؟ فقال مثل قول أبى بكر . فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا معشر قريش ليبعثن الله عليكم رجلاً منكم امتحن الله قلبه للإيمان فيضرب رقابكم على الدين ! فقال أبو بكر : أنا هو يا رسول الله ؟ قال : لا . قال عمر : أنا هو يا رسول الله ؟ قال : لا ، ولكنه خاصف النعل في المسجد وقد كان ألقى نعله إلى علي يخصفها . هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه » .
ورواه الحاكم : 4 / 298 ، وصححه بشرط مسلم وفيه : « لما افتتح رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مكة أتاه أناس من قريش . . يا معشر قريش لتقيمن الصلاة ولتؤتن الزكاة أو لأبعثن عليكم رجلاً فيضرب أعناقكم على الدين ، ثم قال : أنا أو خاصف النعل ، قال علي : وأنا أخصف نعل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) » .
لقد جاؤوا إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) في عاصمته يطالبونه بالاعتراف باستقلالهم ، وهى وقاحة ما فوقها وقاحة ! وقالوا له « يا محمد » كما رواه الحاكم وأبو داود : 1 / 611 ! لكن الترمذي جعلها : « يا رسول الله » ! وحاول بعض علماء قريش أن يجعل الحديث قبل فتح مكة ، لكن نصوصه ذكرت أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) غضب من طلبهم وهو لا يغضب إلا بحق ! فلو كان طلبهم قبل نقضهم العهد وفتح مكة لكان حقاً لهم لا يوجب الغضب ! ومما يؤكد أنه بعد فتح مكة أنه ( صلى الله عليه وآله ) قال : « يا معشر قريش لتقيمن الصلاة ولتؤتن الزكاة » ولا يمكن أن يطالبهم بالصلاة قبل فتح مكة ! وقول سهيل « سنفقههم » وهذا لا يقوله إلا الطلقاء الذين يدعون الإسلام ! مضافاً إلى أن رواية الحاكم وغيرها صرحت بأنه بعد فتح مكة .
ونلاحظ أن سهيل بن عمر ومن أيده اعتبروا أن فتح مكة « ودخولهم » في الإسلام لا يعنى خضوعهم للنبي ( صلى الله عليه وآله ) وذوبانهم في الأمة الإسلامية ، بل هو تحالف الند للند مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! فعليه الآن أن يعترف بكيانهم القرشي المستقل ! ويعيد لهم الفارين إليه من أبنائهم وعبيدهم ! والعنصر الجديد في الأمر أن أبا بكر وعمر أيدا مطلبهم ! فقال أبو بكر : « صدقوا يا رسول الله ! وقال عمر مثل قوله : صدقوا يا رسول الله ردهم إليهم » ! الحاكم : 3 / 122 ، الزوائد : 9 / 134 و 5 / 186 وصححه .
وجاء الرد النبوي غاضباً حاسماً ، فأعلن يأسه من أن تصلح قريش ويحسن إسلامها إلا بقوة السيف ! ففي عدد من روايات الحادثة كالحاكم : 2 / 125 : « فقال : ما أراكم تنتهون يا معشر قريش حتى يبعث الله عليكم من يضرب رقابكم على هذا » أي على الإسلام ! وأبو داود : 1 / 611 ، البيهقي : 9 / 229 وكنز العمال : 10 / 473 !
وهو تصريح بأنهم لم يسلموا ولن يسلموا إلا تحت سيف على الذي ترتعد منه فرائصهم ، فهذا هو الدواء الوحيد لفراعنة قريش !
وفى تلك الفترة أكمل النبي ( صلى الله عليه وآله ) تهديده « لمسلمة » الفتح بأن أمر علياً ( عليه السلام ) أن يعلن الحرب عليهم إن هم أعلنوا ارتدادهم بعد وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) !
فقد روى في مجمع الزوائد : 9 / 134 : « عن ابن عباس : إن علياً كان يقول في حياة رسول الله : إن الله عز وجل يقول : أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ! والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله تعالى . والله لئن مات أو قتل ( صلى الله عليه وآله ) لأقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت ! لا والله ، إني لأخوه ووليه وابن عمه ووارثه ، فمن أحق به مني ؟ ! » .
وأشد ما في موقف النبي ( صلى الله عليه وآله ) حكمه بكفرهم ! ولعمرى إن مجرد طلبهم كاف لإثبات كفرهم ! ثم إنه ( صلى الله عليه وآله ) أبى أن يرد عليهم أولادهم وعبيدهم المملوكين ، وأخبرهم أنه أعتقهم فصاروا عتقاء الله تعالى ، ومعناه أنه اعتبرهم من أموال الكفار التي أحلها له الله تعالى ! ولو كان الطلقاء مسلمين وكانت ملكيتهم محترمة لم يجز للنبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يعتق عبيدهم ، فهو أتقى الأتقياء ( صلى الله عليه وآله ) وهو القائل : لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه !
وهكذا دخلت قريش بعد فتح مكة معركة « استقلال مكة » مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) والحاكم الذي نصبه عليهم ، وحاول عتاب أن يلزمهم بالصلاة والزكاة وهم يتملصون ، ولا يعرفون حاكماً لهم إلا سهيل بن عمرو !
ففي السيرة الحلبية : 3 / 59 : « فكان شديداً على المريب ليناً على المؤمن وقال : والله لا أعلم متخلفاً يتخلف عن الصلاة في جماعة إلا ضربت عنقه ، فإنه لا يتخلف عن الصلاة إلا منافق ! فقال أهل مكة : يا رسول الله لقد استعملت على أهل الله عتاب بن أسيد ، أعرابياً جافياً ! فقال ( صلى الله عليه وآله ) : إني رأيت فيما يرى النائم كأن عتاب بن أسيد أتى باب الجنة فأخذ بحلقة الباب فقلقلها قلقالاً شديداً حتى فتح له فدخلها ، فأعز الله به الإسلام فنصرته للمسلمين على من يريد ظلمهم .
ولما ولاه على مكة جعل له في كل يوم درهماً . ويروى أنه قام فخطب الناس فقال : أيها الناس ، أجاع الله كبد من جاع على درهم أي له درهم ، فقد رزقني رسول الله درهماً في كل يوم فليست لي حاجة إلى أحد » . وبعضه ابن هشام : 4 / 936 .
وبقى عتَّاب والياً على مكة والطائف من قبل النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وأمره أن يحج بالناس في تلك السنة لكن القرشيين لم يحجوا معه !
قال اليعقوبي : 2 / 76 : « فوقف عتاب بالمسلمين ، ووقف المشركون على حدتهم » .
وتواصلت مؤامرتهم على عتاب ، وكانت أول أعمالهم لأخذ خلافة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وإبعاد عترته « عليهم السلام » ! فقد كانت قريش تعتبر عتاباً من « عُبَّاد محمد » الذين يريدون فرض عترته بعده ! وقد جاءتهم الفرصة لقتله عندما جاءهم خبر وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) فشاع في مكة أن قريشاً ارتدت عن الإسلام ، وخاف منهم عتَّاب فاختبأ ، مع أنه مكي قرشي أموي ! وعندما وصلهم خبر يطمئنهم بعزل بني هاشم وبيعة أبى بكر اطمأن سهيل بن عمرو وخطب في قريش بنفس خطبة أبى بكر في المدينة ، وقال كلمتهم المشهورة : من كان يعبد محمداً فإن إلهه قد مات ، ونحن لا نعبد محمداً ، بل هو رسول بلغ رسالته ومات ، وهو ابن قريش وسلطانه سلطان قريش ، وقد اختارت قريش حاكماً لنفسها بعده وهو أبو بكر ، فاسمعوا له وأطيعوا . وأصدر سهيل أمره إلى عتاب الحاكم : أخرج من مخبئك واحكم مكة ، لكن ليس باسم رسول الله ، بل باسم الزعيم القرشي أبى بكر بن أبي قحافة » !
قال ابن هشام : 4 / 1079 : « حدثني أبو عبيدة وغيره من أهل العلم أن أكثر أهل مكة لما توفى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) هموا بالرجوع عن الإسلام وأرادوا ذلك ، حتى خافهم عتاب بن أسيد فتواري ! فقام سهيل بن عمرو فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر وفاة رسول الله ، وقال : إن ذلك لم يزد الإسلام إلا قوة ، فمن رابنا ضربنا عنقه ، فتراجع الناس وكفوا عما هموا به ، وظهر عتاب بن أسيد » !
ومن الواضح أن عتاباً بقي حاكماً إسمياً لأن أبا بكر لم يرد عزل ولاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) حتى لا يقال نصبهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) وعزلهم أبو بكر ! أما الحاكم الحقيقي لمكة فكان سهيل بن عمرو ! ولم يطل الأمر بعتاب حتى قتلوه ! فهو أحد من يجب تصفيتهم لتصل الخلافة إلى عمر ! قال الطبري : 2 / 611 : « ومات عتاب بن أسيد بمكة في اليوم الذي مات فيه أبو بكر ، وكانا سُمَّا جميعاً « في المدينة »
ثم مات عتاب بمكة » !
قتلوه بالسم في ريعان شبابه « رحمه الله » ، لأنه كان متمسكاً بالنص النبوي ، موالياً لعترة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ولم يكن كأبى سفيان عارضهم حتى وصل اليه سهم فدعا لأبى بكر !
قال الطبري : 2 / 449 : « لما استخلف أبو بكر قال أبو سفيان : ما لنا ولأبى فصيل ؟ ! إنما هي بنو عبد مناف ! قال فقيل له : إنه قد ولَّى ابنك ! قال : وصلته رحم » !
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|