أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-3-2016
3462
التاريخ: 21-3-2016
2250
التاريخ: 25-4-2017
3935
التاريخ: 2024-08-21
370
|
قد لا يحافظ المكلف بخدمة عامة بواجباته تجاه الوظيفة العامة الموكلة إليه، فقد يقدم أداء وظيفي غير نزيه مما يضر بالمصلحة العامة للدولة وكذلك بسمعة الجهة الإدارية التي يعمل لصالحها، لا سيما في حال تجاوز الموظف حدود وظيفته واستغلال نفوذ هذه الوظيفة في سبيل الكسب غير المشروع والمنفعة لمصلحته الشخصية، وقد عدَّ المشرع العراقي جريمة الإضرار بمصلحة الدولة للحصول على منفعة من الجرائم الملحقة بجريمة الاختلاس ونص عليها في نفس الفصل الذي عالج فيه جرائم الاختلاس والاستيلاء.
وإن القيام بمثل هكذا ،أفعال، تعد سلوك إجرامي مخالف للقانون مما يترتب على فعله نتيجة جرمية متجاوزا بذلك حدود واجباته الوظيفية، ولأهمية هذا الأمر سيتم تناول أهم الجرائم التي يتجاوز فيها المكلف بخدمة عامة حدود عمله الوظيفي ويضر بمصلحة الدولة التي نص عليها قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1999 المعدل وتتمثل هذه الجرائم بما يأتي: أولاً - جريمة الاضرار بمصلحة الدولة من أجل الحصول على منفعة : تعد هذه الجريمة تعدي على المال العام وتسهم في الانتفاع بالعقود الحكومية من دون وجه حق، وتقوم على الأركان الآتية:
1- الركن المادي :نصت المادة (318) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 على ان يعاقب بالسجن كل موظف أو مكلف بخدمة عامة عهدت اليه المحافظة على مصلحة الجهة التي يعمل فيها في صفقة أو قضية فأضر بسوء نية أو تسبب بالإضرار لهذه المصلحة ليحصل على منفعة لنفسه أو لغيره، الركن المادي لجريمة الاضرار بالمال العام، ويتكون الركن المادي من ثلاث عناصر هي:
أ- السلوك الاجرامي: يتمثل السلوك الاجرامي بقيام الجاني بالإضرار بسوء نية أو التسبب بالاضرار بالمصلحة العامة التي يعمل فيها؛ وذلك لغاية الانتفاع من الصفقات أو القضايا التي تعهد اليه، وتكون الغاية من ذلك هو تحقيق نفع لنفسه أو للغير دون اشتراط تحققه فعلا.
و يشترط بالضرر أن يكون متحققاً تجاه الدولة، وليس تجاه الافراد ، كأن يكونوا من المتعاقدين أو غيرهم، إذ ان الاخيرة عالجتها نصوص أخرى من قانون العقوبات، وهنا قد يكون الضرر يشكل خسارة للجهة الإدارية كقيام الموظف المكلف بخدمة عامة بالإشراف على تنفيذ مشروع ما تكون الجهة الإدارية التي يعمل بها طرفا بالعقد الخاص بهذا المشروع، إلا أنه يقوم بتنفيذ عمله لكن بشكل مخالف للمطلوب، فقد يتغاضى عن سوء تنفيذ المتعاقد مع الإدارة للمشروع من أجل الإضرار بمصلحة الجهة الإدارية(1).
ومن هنا يتضح بأن هذه الجريمة لا تقع إلا عمدية، وفي حال وقوعها عن غير عمد فيمكن أن تقع تحت نص عقابي آخر، ويتضح لنا أيضا بأن الانتفاع لا يشترط به ان يكون لصالح الموظف نفسه، بل يمكن أن يكون لصالح غيره ايضاً، ومثاله ان يستغل وظيفته في إرساء المُناقصات أو العقود على جهة محددة دون غيرها خلافاً للقانون، أو يكون متراخياً في الدفاع عن قضايا الإدارة التي أوكلت له مهامها، بغية الاضرار بمصالح تلك الإدارة مقرونا بالانتفاع منها لأحد الأشخاص الذي يهمهم أمره.
ب - النتيجة الجرمية : ونتيجة لسلوك الجاني ستتحقق النتيجة الجرمية المتمثلة بالإضرار بمصالح الجهة التي يعمل بها الجاني، الموظف أو المكلف بخدمة عامة، كأن يقوم بالإخلال بتنفيذ عملية البيع أو الإيجار فيعمد إلى تنفيذها بشكل مضر بمصلحة الجهة الإدارية، أو يقوم بتأجير بناية بمبلغ أقل من المبلغ المقدر لها، رغم امكانية تأجيرها بمبلغ أعلى من المبلغ الذي تم به الإيجار، مما يؤدي إلى جلب خسارة مالية أو خسارة منفعة للجهة الإدارية ويضر بمصالحها، مقابل منفعة يحصل عليها؛ وقد ذهبت محكمة التمييز بالقرار المرقم 266/ث / 50 في 19/أيلول / 1950 إلى أن "العمل الذي قام به المتهمان المميز عليهما كان مغايرا للمعقول بالنظر لظروف القضية وتفاهة قيمة الدار الحقيقية التي قاما بتقديرها والقيمة المقدرة من قبلهما إذ لا يمكن المقارنة بين ما قدر بأربعة آلاف ومائتي دينار و القيمة الحقيقية التي هي مائة دينار، و لا يمكن تفسير ذلك الأمر إلا سوء نية و سوء القصد اضرارا بالحكومة"، وقد حددت عقوبتهما وفق المادة (99) من قانون العقوبات البغدادي (الملغي) وهي التي تنص على جريمة الاضرار بمصلحة عامة لقاء منفعة شخصية للجاني أو لغيره (2).
ج- العلاقة السببية : فضلاً عن السلوك الاجرامي والنتيجة الجرمية لابد من ان تتوافر لها العلاقة السببية، والتي هي بمثابة حلقة اتصال بين نشاط الجاني وبين النتيجة الجرمية المتمثلة بالضرر الذي أصاب الجهة الإدارية التي ينتمي اليها الجاني المكلف بخدمة عامة، حتى يمكن ان يتحقق الركن المادي لهذه الجريمة بجميع عناصره وعندها يمكن مسائلة الجاني عن الجريمة (3).
ونجد ان المشرع المصري هو الاخر قد نظم كل ما يتعلق بهذه الجريمة وعد الاضرار بالمال العام بصورة عمدية فعلاً مجرماً لكنه لم يحدد إذا ما كان الاضرار في صفقات أو غيرها، مما ترك الباب مشرعاً لتجريم أي ضرر عمدي على الاموال العامة يقوم به الموظف العمومي، وكذلك الحال فأنَّه جرم الاضرار بالمال العام الناتج عن خطأ الموظف (4).
هذا ولم يشر المشرع الجزائري إلى جريمة الاضرار بالمال العام بسوء نية، بينما أورد جريمة الغدر الذي يطلب فيها الموظف العمومي عمدًا من الغير ما هو غير مستحق (5)، الأمر الذي يمكن ان يستشف منه ان المشرع الجزائري قد عد جريمة الغدر جريمة اضرار بالمال العام، وان كان أثرها المباشر ضد الافراد، لكنه بالضرورة يصيب الدولة بأضرار، وهذا ما يستخلص ايضا من خلال تنظيمه لجرائم استغلال النفوذ والاختلاس (6).
2 - الركن المفترض : من أجل إمكانية قيام الجريمة يجب ان يكون الجاني موظفا أو مكلفا بخدمة عامة، إذ أن النص القانوني جاء واضحاً ببيان صفة الجاني الذي يقوم بالإضرار بالقضية أو الصفقة التي ترجع إلى الجهة الحكومية التي يعمل فيها ومن الواضح اختلاف صفة الموظف بين القانونين الإداري والجنائي، فالموظف في القانون الإداري هو كل شخص تعهد اليه وظيفة في القطاع العام (7)، أو الذي يعمل بصفة دائمة في المرافق التابعة للدولة (8).
أما بخصوص مفهوم الموظف في القانون الجنائي فهو واسع، فعرفه الفقه الجنائي بأنه كل شخص تخوله الحكومة بجزء من سلطتها لغرض تنفيذ أوامرها وأداء واجباتها (9). وفي قانون العقوبات العراقي عرفت المادة (19) فقرة (2) المكلف بخدمة عامة: كل موظف أو مستخدم أو عامل انيطت به مهمة عامة في خدمة الحكومة و دوائرها الرسمية وشبه الرسمية و المصالح التابعة لها أو الموضوعة تحت رقابتها ويشمل ذلك رئيس الوزراء ونوابه والوزراء وأعضاء المجالس النيابية والإدارية والبلدية كما يشمل المحكمين والخبراء و وكلاء الدائنين (السنديكيين) والمصفين والحراس القضائيين وأعضاء مجالس الإدارة ومديري ومستخدمي المؤسسات والشركات والجمعيات والمنظمات والمنشآت التي تساهم الحكومة أو احدى دوائرها الرسمية أو شبه الرسمية في مالها بنصيب ما بأية صفة كانت، وعلى العموم كل من يقوم بخدمة عامة بأجر أو بغير أجر. ولا يحول دون تطبيق احكام هذا القانون بحق المكلف بخدمة عامة انتهاء وظيفته أو خدمته أو عمله متى وقع الفعل الجرمي اثناء توافر صفة من الصفات المبينة في هذه الفقرة فيه".
ويلاحظ من النص السابق بأنَّه عد مفهوم الموظف ضمن مفهوم المكلف بخدمة عامة، والذي يشمل الموظفين والمستخدمين والعمال الذين يعملون في المصالح الحكومية وغيرهم وبأي صيغة كانت سواء بأجر منتظم أو غير منتظم، أو بصورة دائمة أو مؤقتة، ورغم ذلك فأن النص لم يشر إلى الموظف الفعلي صراحة، وإن كان ضمنا يمكن أن يستغرقه النص أعلاه (10).
وقد اخذ العراق فقهاً وقضاء بالمعنى الواسع للموظف الفعلي، إذ قضت محكمة التمييز اعتبار الاعتداء على طبيب في عيادته هو اعتداء على موظف اثناء قيامه بعمله (11). أما فيما يخص الركن المفترض في التشريع المصري، فقد اقر المشرع ما يقصد بالموظف العام في احكام الجرائم التي تمس المال العام هم:
أ) القانون بأعباء السلطة العامة والعاملون في الدولة ووحدات الدارة المحلية.
ب) رؤساء وأعضاء المجالس والوحدات والتنظيمات الشعبية وغيرهم ممن لهم صفة نيابية عامة سواء كانوا منتجين أو معينين.
جـ) أفراد القوات المسلحة.
د) كل من فوضته إحدى السلطات العامة في القيام بعمل معين وذلك في حدود العمل المفوض فيه.
هـ) رؤساء وأعضاء مجالس الادارة والمديرون وسائر العاملين في الجهات التي اعتبرت أموالها أموال عامة طبقا للمادة السابقة.
و) كل من يقوم بأداء عمل يتصل بالخدمة العامة بناء على تكليف صادر إليه بمقتضى
القوانين أو من موظف عام في حكم الفقرات السابقة متى كان يملك هذا التكليف بمقتضى القوانين أو النظم المقررة وذلك بالنسبة للعمل الذي يتم التكليف به.
و يستوي ان تكون الوظيفة أو الخدمة دائمة أو مؤقتة بأجر أو بغير أجر طواعية أو جبرا، ولا يحول انتهاء الخدمة أو زوال الصفة دون تطبيق أحكام هذا الباب متى وقع العمل أثناء الخدمة أو توافر الصفة" (12).
أما المشرع الجزائري، فقد نحا المنحى ذاته في توسيع نطاق الموظف العمومي لأغراض القوانين الجزائية، ومنها قانون مكافحة الفساد الذي عرف الموظف لأغراض القانون بأنَّه "1_ كل شخص يشغل منصبا تشريعيًا أو تنفيذيًا أو إداريًا أو قضائيًا أو في أحد المجالس الشعبية المحلية المنتخبة، سواء كان معينا أو منتخبا ، دائمًا أو مؤقتا، مدفوع الاجر أو غير مدفوع الأجر ، بصرف النظر عن رتبته وأقدميته، 2_ وكل شخص آخر يتولى ولو مؤقتا، وظيفة أو وكالة بأجر أو بدون أجر، ويساهم بهذه الصفة في خدمة هيئة عمومية أو مؤسسة عمومية أو أية مؤسسة أخرى تملك الدولة كل أو بعض رأسمالها، أو أية مؤسسة أخرى تقدم خدمة عمومية، 3 كل شخص آخر معرف بأنه موظف عمومي أو من في حكمه طبقا للتشريع والتنظيم المعمول بهما (13).
وتجدر الاشارة بأن هذه الجريمة يمكن أن تقف إلى حد الشروع (14)، إذ يمكن أن يقوم الجاني المكلف بخدمة عامة بالسلوك الإجرامي من أجل الإضرار بمصالح الجهة الإدارية التي يعمل بها، إلا أن فعله لا يكتمل بل يصل إلى حد الشروع (15) ؛ فمثلا قيام المكلف بخدمة عامة بالاتفاق مع المقاول بتنفيذ مبنى بمواد رديئة إلا أنه فعله يخيب نتيجة لإلقاء القبض عليه قبل استعمالهم للمواد الرديئة فالحالة هنا حالة شروع، كونه بدأ بتنفيذ الفعل المادي للجريمة (16).
3- الركن المعنوي: وفي هذا الركن من الجريمة يتوجب وجود عناصر القصد الجرمي وهما العلم والارادة، والعلم هو "التصور لحقيقة الشيء على نحو يطابق الواقع" (17) ، أما الارادة فهي اتجاه ارادة الجاني إلى القيام بالفعل المجرم" (18) وعرفت أيضا بأنها صفة" تخصص الممكن وهي نشاط نفسي يعول عليه
الإنسان في التأثير بما يحيط به من أشخاص واشياء، إذ هي الموجه للقوى العصبية لإتيان أفعال تترتب عليها آثار مادية مما يشبع به الانسان حاجاته(19).
ويشترط بالضرر الذي نتج عن فعل الجاني بأن يكون متعمدا، إذ أنَّ الضرر غير المقصود يفضي إلى جريمة غير عمدية، كأن تكون جريمة اهمال الجاني لمهام العمل الموكل اليه، ولا نكون أمام جريمة الاضرار العمدي للصالح العام؛ ويشترط ايضًا وجود القصد الجرمي الخاص و المتمثل بقصد الجاني الاضرار بسوء نية بمصلحة الإدارة، مقروناً بالانتفاع بالأعمال الموكلة اليه لنفسه أو لصالح غيره، إذ لابد من أن يعلم الجاني بأن سلوكه مخالفاً لواجباته أو التزاماته الوظيفية، بالإضافة لذلك توجه إرادته نحو القيام بالسلوك غير المشروع واتجاهها إلى الإضرار بمصالح الجهة الإدارية مقابل ما سيحصل عليه من منفعة له أو لغيره، ويخل بذلك اذا اقترن القصد بحسن نية أو لم يكن له قصد الانتفاع لنفسه أو للغير من المهام الموكلة له، واذا انتفى القصد الجرمي و صفة العمد عن الفعل كأن يتحقق الضرر نتيجة للإهمال أو التقاعس عن اداء الواجب (20).
ويستوي بذلك قانون العقوبات المصري، والقوانين الجزائرية التي توجب القصد الجرمي لإكتمال الركن المعنوي لهذه الجريمة ويتضح ذلك من العبارات الواردة في النص ومنها "عمدًا وبدون وجه حق" كما ورد في المادة (29) وعبارة "يعلم انها غير مستحقة" التي وردت في نص المادة (30) من قانون الوقاية من الفساد والجزائري وعبارة أضر عمدًا" التي وردت في نص المادة (16) مكرر (1) من قانون العقوبات المصري.
ومن ذلك يظهر أنَّ هذه الجريمة تتطلب قيام القصد الجرمي بشقيه العلم والارادة لأنها جريمة عمدية تتطلب توافر القصد الجرمي بجميع عناصره، وبخلاف ذلك لا نكون أمام جريمة المادة (318) من قانون العقوبات العراقي، إذا ما انتفى أحد عناصر القصد الجرمي فيها والتي تعد من الجرائم العمدية في التشريع العراقي وكذلك التشريعات المقارنة وقد يقع الفعل تحت نص عقابي آخر. ثانيا: جريمة المخالفة أو الامتناع عن أداء الواجبات الوظيفية لتحقق منفعة أو الحاق ضرر ان الجريمة التي يقوم بها المكلف بخدمة عامة بشكل عمدي من أجل الإضرار بمصالح الأفراد أو من أجل منفعة شخص على حساب شخص آخر أو على حساب الدولة أوضحها المشرع العراقي وفق قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 ،المعدل من حيث بيانه لفاعل الجريمة والقصد الجرمي فضلاً عن ذلك الغاية التي يرمي إلى تحقيقها من وراء مخالفته لواجباته الوظيفية؛ إذ نصت المادة (331) من قانون العقوبات العراقي على أن يعاقب بالحبس أو بالغرامة أو بأحدى هاتين العقوبتين: كل موظف أو مكلف بخدمة عامة ارتكب عمداً ما يخالف واجبات وظيفته أو امتنع عن أداء عمل من أعمالها بقصد الأضرار بمصلحة أحد الأفراد أو بقصد منفعة شخص على حساب آخر أو على حساب الدولة". وتتمثل أركان هذه الجريمة بالآتي:
1- الركن المادي: تناولت المادة رقم (331) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل الركن المادي لهذه الجريمة والذي يتكون من العناصر الآتية:
أ- السلوك الاجرامي: يتمثل نشاط الجاني في هذه الجريمة بالقيام بعمل أو الامتناع عنه بصورة عمدية، ويتضح من ان العمل الذي يقوم به الجاني يكون عملاً غير مشروعاً ومخالفاً لمقتضيات وظيفته، فلو كان عملاً مشروعاً لما جرم من الأساس ولو تحقق ضررا للغير، وكذا الحال في امتناع الجاني عن عمل، إذ يشترط ان يكون هذا الامتناع غير مشروع ومخالفاً لنصوص القانون، بمعنى ادق ان السلوك الاجرامي لهذه الجريمة يتمثل في أي فعل يقوم به الموظف يسهم في تحقيق منفعة أو ضرر على حساب الغير.
ب- النتيجة الجرمية : تتمثل النتيجة في هذه الجريمة بتحقق عنصر الضرر جراء القيام بالعمل غير المشروع أو الامتناع عن العمل المشروع، عليه فإن عدم وجود الضرر كنتيجة للفعل أو للامتناع عنه لا يحقق هذه الجريمة، ويشترط ايضاً ان يكون الضرر موجهاً إلى الأفراد أو إلى الدولة، أو كان الغاية منه تحقيق نفع لشخص على حساب شخص اخر أو على حساب الدولة (21).
ويلاحظ في هذه الجريمة انها تتحقق بحدوث الضرر بالنسبة للأفراد جراء الامتناع عن عمل مشروع أو القيام بعمل مشروع، أو ان الجاني قد حقق منها انتفاعا على حساب الآخرين أو الدولة، بمعنى اخر لا يشترط اقتران الضرر مع المنفعة بل يكفي تحقق احداهما ليقوم الركن المادي للجريمة أما ضرر أو منفعة، وهذا هو جوهر الاختلاف عن الجريمتين المنصوص عليهما في المادتين (331، و 318).
ج- العلاقة السببية : تقوم العلاقة السببية على أساس الارتباط بين النشاط الجرمي والنتيجة الضارة، فاذا كان الضرر نتيجة حتمية لفعل الجاني تحقق هذا الارتباط وأصبح الجاني في شباك المسؤولية الجزائية، أما إذا لم يتحقق ولم يكن هناك رابط حقيقي بين سلوك المتهم والنتيجة الضارة انتفت المسؤولية لعدم توافر عنصر مهم من عناصر الركن المادي (22).
وعند النظر إلى نصوص قانون العقوبات المصري، فأنه لم يتطرق إلى هذه الجريمة بوجه الخصوص، لكنه تطرق إلى ما يشابهها في عد الفعل مجرما إذا عمد الموظف العمومي إلى الاضرار بمصالح الجهة التي يعمل بها أو الاضرار بمصالح الغير، ولم يشترط فيه الحصول على منفعة أو تربح (23).
وكذا الحال بالنسبة للقانون الجزائري فقد جرم ما يشابه هذا الفعل، وهي جريمة استغلال الوظيفة العامة من خلال خرق القوانين من أجل الحصول على منفعة لنفسه أو للغير وحدد عقوبات جزائية للموظف الذي يقترف مثل هذه الأفعال (24).
2 - الركن المفترض : حيث تبرز في هذه الجريمة صفة الجاني المتمثلة بما نصت عليها المادة (331) من قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969، والتي نصت على قيام الموظف أو المكلف بخدمة عامة بالإضرار بمصالح وأموال الجهة التي يعمل بها أو التي تكون عائدة للأشخاص التي عهدت بها اليه من ثم لا تقوم هذه الجريمة إذا كان من قام بها شخص عادي فالقانون حددها بشكل واضح، إلا ما يمكن استثناؤه بحسب نظرية الموظف الفعلي (25)، وعلى ذلك سار القانونان المصري و الجزائري.
ويتمثل الركن المفترض كما أشرنا سابقا أن يكون من قام بفعل الإضرار أو الانتفاع موظف أو مكلف بخدمة عامة، وهذا الركن أساس لقيام الجريمة إذ ان بانتفائه قد نكون امام جريمة اخرى ولا مجال لقيام هذه الجريمة من دون وجود موظف أو مكلف بخدمة عامة يقترف فعل يعده القانون جريمة حسب ما نص عليه القانون.
3- الركن المعنوي: يتجسد القصد الجرمي في هذه الجريمة بتوافر العلم لدى الجاني بماهية فعله أي هو يعلم بأن ما يقوم به هو سلوك مخالف لواجباته الوظيفية؛ كذلك اتجاه إرادة الجاني إلى القيام بالفعل فضلا عن اتجاه ارادته للقصد الجرمي الخاص المتمثل بالإضرار بمصلحة أحد الأفراد أو مصالح الدولة أو بقصد منفعة شخص على حساب شخص آخر أو على حساب الدولة، أي اتجاهها إلى تحقيق النتيجة الجرمية (26) ، ويتوافق القانونين الجزائري والمصري في كون الجريمة يجب ان تكون عمدية، وإن افرد المشرع المصري جرائم اضرار بمصالح الدولة أو الافراد بصورة الخطأ أو الإهمال (27).
وعلى ذلك لا مناص من القول ان هذه الجريمة جريمة عمدية ينبغي ان يتوافر فيها القصد الجرمي بعناصره المتمثلة بعلم الجاني بالفعل الذي يقترفه بأنه مخالف للقانون، وأن تتجه ارادته لإرتكاب هذا الفعل، و إن إنتقاء أي عنصر من العناصر المذكورة قد يؤدي إلى انتفاء الجريمة بحيث لا مجال للحديث عن تحقق هكذا جريمة كما لو قام الموظف بحسن نية بعمله وأدى ذلك إلى انتفاع شخص معين أو الاضرار بمصلحة معينة (28).
__________
1- د. علي جبار شلال، أحكام قانون العقوبات القسم الخاص، جرائم الاعتداء على المصلحة العامة، ط2، مكتب زاكي للطباعة، بغداد، 2010م، ص 40
2- نقلا عن د. ماهر عبد شويش الدرة شرح قانون العقوبات القسم الخاص، ط 2 ، المكتبة القانونية، بغداد، بدون سنة نشر، ص 101.
3- د. محمود ،مصطفی شرح قانون العقوبات / القسم الخاص، ط 2، مطبعة جامعة القاهرة، القاهرة، 1984، ص 59.
4- نصت المادة (116) مكرر / 1 من قانون العقوبات المصري رقم 58 لسنة 1937 ، على أنه كل موظف عام أضر عمداً بأموال أو مصالح الجهة التي يعمل بها أو يتصل بها بحكم عمله أو بأموال الغير أو مصالحهم المعهود بها إلى تلك الجهة يعاقب بالسجن المشدد فإذا كان الضرر الذي ترتب على فعله غير جسيم جاز الحكم عليه بالسجن".
5- بشكير ليدية الأموال العامة وحمايتها الجزائية في قانون العقوبات الجزائري رسالة ماجستير، كلية الحقوق، جامعة أكلي محند أولحاج البويرة، 2016، ص 59.
6- المادة (30)، قانون الوقاية من الفساد ومكافحته رقم 06-01 لسنة 2006 المعدل يعد مرتكبا لجريمة الغدر ويعاقب بالحبس من سنتين (2) إلى عشر (10) سنوات وبغرامة من 200,000 دج إلى 1,000,000 دج، كل موظف عمومي يطالب أو يتلقى أو يشترط أو يأمر بتحصيل مبالغ مالية يعلم أنها غير مستحقة الأداء أو يجاوز ما هو مستحق سواء لنفسه أو لصالح الإدارة أو لصالح الأطراف الذين يقوم بالتحصيل لحسابهم. والمادة (29): يعاقب بالحبس من سنتين (2) إلى عشر (10) سنوات وبغرامة من 200,000 دج إلى 1,000,000 دج كل موظف عمومي يختلس أو يتلف أو يبدد أو يحتجز عمدًا وبدون وجه حق أو يستعمل على نحو غير شرعي لصالحه أو لصالح شخص أو كيان آخر أية ممتلكات أو أموال أو أوراق مالية عمومية أو خاصة أو أي أشياء أخرى ذات قيمة عهد بها إليه بحكم وظائفه أو بسببها".
7- د. شاب توما ،منصور القانون الإداري، الكتاب الثاني، ط 1 ، منشورات جامعة بغداد العراق، 1980، ص 277.
8- د. ماهر صالح علاوي، مبادئ القانون الإداري، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، بغداد، 2009، ص105.
9- د. محمد حامد الجمل الموظف العام فقها وقضاء، ط 2 ، دار الفكر الحديث، القاهرة، 1969، ص 48.
10- عرف الموظف الفعلي بأنه: "من يتولى وظيفة عامة دون سند شرعي او دون سند اطلاقا، والأصل أن تعد تصرفاته باطلة، ولكن القضاء يعد تصرفاته مشروعة مع كونه غير مختص بمباشرتها، وذلك لحماية الغير حسن النية، ودوام سير المرافق العام بانتظام واطراد.
11- قرار محكمة التمييز العراقية رقم 1435 في 1973/6/17 ، مشار له لدى د. زياد خلف نزال، النظام القانوني للمناقصات العامة، بحث منشور في مجلة كلية المأمون الجامعة، العدد الثاني، بغداد، العراق،2020 ص 112.
12- المادة (119) مكرر ، قانون العقوبات المصري رقم 58 لسنة 1937 المعدل.
13- المادة 2 ب قانون الوقاية من الفساد ومكافحته رقم 06-01 لسنة 2006 المعدل.
14- د. جمال إبراهيم الحيدري، شرح احكام القسم الخاص من قانون العقوبات، ط 1 ، مكتبة السنهوري، بغداد، 2014، ص 115.
15- نصت المادة (30) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل على انه: "البدء بتنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة إذا وقف أو خاب أثره الأسباب لا دخل لإراده الفاعل فيها."
16-Donald keatibg lawand building cantract 3th edn London 1969. P 121.
17- د. غازي حنون خلف الدراجي، نحو تطورات في السياسة الجنائية المعاصرة، مجموعة أبحاث جنائية معمقة، ط1، منشورات الحلبي ،الحقوقية، بيروت، لبنان، 2013، ص290.
18- محمد زكي ابو عامر، قانون العقوبات القسم الخاص، الدار الجامعية، بيروت، 1998، ص70.
19- د. غازي حنون خلف الدراجي استظهار القصد الجنائي في جريمة القتل العمد (دراسة مقارنة)، ط 1، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، لبنان، 2012، ص 30.
20- د. جمال ابراهيم الحيدري، الوافي في شرح قانون العقوبات / القسم العام، ط1، دار السنهوري القانونية والعلوم السياسية، القاهرة، 2016، ص 150.
21- د. فخري عبد الرزاق الحديثي، شرح قانون العقوبات القسم الخاص، المكتبة القانونية، بغداد، 2007، ص 57.
22- قيس لطيف التميمي، شرح قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 بقسميه العام والخاص وتعديلاته، المكتبة القانونية بغداد 2019، ص 538
23- المادة (116) مكرر ، قانون العقوبات المصري رقم 58 لسنة 1937 النافذ كل موظف عام أضر عمدًا بأموال أو مصالح الجهة التي يعمل بها أو يتصل بها بحكم عمله أو بأموال الغير أو مصالحهم المعهود بها إلى تلك الجهة يعاقب بالسجن المشدد. فإذا كان الضرر الذي ترتب على فعله غير جسيم جاز الحكم عليه بالسجن."
24- المادة (33) قانون الوقاية ومكافحة الفساد 06-01 لسنة 2006 ، يعاقب بالحبس من سنتين (2) إلى عشر (10) سنوات وبغرامة من 200،000 دج إلى 1،000،000 دج كل موظف عمومي اساء استغلال وظائفه أو منصبه عمدًا أجل أداء عمل أو الامتناع عن أداء عمل في إطار ممارسة وظائفه، على نحو يخرق القوانين والتنظيمات، وذلك بغرض الحصول على منافع غير مستحقة لنفسه أو لشخص أو كيان آخر".
25- قيس لطيف التميمي، شرح قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 بقسميه العام والخاص وتعديلاته، مصدر سابق، ص 538
26- قيس لطيف التميمي، شرح قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 بقسميه العام والخاص وتعديلاته، مصدر سابق، ص538
27- المادة 116 مكرر (أ)، قانون العقوبات المصري النافذ.
28- د. علي حمزة عسل الخفاجي د. صعب ناجي عبود، شاکر عثمان داود الاثار الجزائية لجريمة الاضرار بالمال العام، بحث منشور في مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية، العدد ،3، السنة الثامنة، جامعة بابل، العراق، 2016، ص 21.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|