المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17761 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

(اليومٌ العسير) من اسماء القيامة
3-12-2015
تقدير عمر الاسماك بواسطة قشورها (حراشف)
11-2-2016
معنى قوله تعالى : يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا
2024-11-23
أقسام التشبيه
14-9-2020
عهد حسن باشا على بغداد (1704 ــ 1723).
2023-06-03
زوبعة
2023-02-15


الأمانة الإلهية  
  
387   04:10 مساءً   التاريخ: 2024-10-21
المؤلف : الشيخ ماجد ناصر الزبيدي
الكتاب أو المصدر : التيسير في التفسير للقرآن برواية أهل البيت عليهم السلام
الجزء والصفحة : ج ١، ص 34-46
القسم : القرآن الكريم وعلومه / مقالات قرآنية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-10-2014 2462
التاريخ: 2023-09-29 1035
التاريخ: 17-10-2014 2020
التاريخ: 2023-04-18 1174

[ الأمانة الإلهية ]


...وأما قوله تعالى : {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} [هود: 17] ، فذلك حجة اللّه أقامها على خلقه وعرّفهم أنه لا يستحق مجلس النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم إلا من يقوم مقامه ، و [ لا ] يتلوه إلا من يكون في الطهارة مثله منزلة ، لئلا يتسع لمن ماسّه رجس الكفر في وقت من الأوقات انتحال الاستحقاق لمقام الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، وليضيق العذر على من يعينه على إثمه وظلمه ، إذ كان اللّه قد حظر على من ماسه الكفر تقلّد ما فوضه إلى أنبيائه وأوليائه بقوله لإبراهيم : {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة : 124] أي المشركين ، لأنه سمى الظلم شركا بقوله : {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان : 13] ، فلما علم إبراهيم عليه السّلام أن عهد اللّه تبارك وتعالى اسمه بالإمامة لا ينال عبدة الأصنام ، قال : وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ « 4 » .

واعلم أن من آثر المنافقين على الصادقين ، والكفار على الأبرار ، فقد افترى إثما عظيما ، إذ كان قد بين في كتابه الفرق بين المحق والمبطل ، والطاهر والنجس ، والمؤمن والكافر ، وأنه لا يتلو النبي عند فقده إلا من حلّ محله صدقا وعدلا وطهارة وفضلا .

أما الأمانة التي ذكرتها فهي الأمانة التي لا تجب ولا يجوز أن تكون إلا في الأنبياء وأوصيائهم ، لأن اللّه تبارك وتعالى ائتمنهم على خلقه وجعلهم حججا في أرضه ، فبالسامريّ ومن اجتمع معه وأعانه من الكفار على عبادة العجل عند غيبة موسى عليه السّلام ما تمّ انتحال محل موسى عليه السّلام من الطغام ، والاحتمال لتلك الأمانة التي لا تنبغي إلا لطاهر من الرجس ، فاحتمل وزرها ووزر من سلك سبيله من الظالمين وأعوانهم ، ولذلك قال النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : من استنّ سنة حق كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ، ومن استنّ سنة باطلة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ، ولهذا القول من النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم شاهد من كتاب اللّه [ وهو قول اللّه ] عزّ وجلّ في قصة قابيل قاتل أخيه {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة : 32] ، والإحياء في هذا الموضع تأويل في الباطن ليس كظاهره ، وهو من هداها ، لأن الهداية هي حياة الأبد ، ومن سماه اللّه حيا لم يمت أبدا ، إنما ينقله من دار محنة إلى دار راحة ومنحة .

وأما ما كان من الخطاب بانفراد مرّة وبالجمع مرة من صفة الباري جلّ ذكره ، فإن اللّه تبارك وتعالى اسمه على ما وصف به نفسه بالانفراد والوحدانية ، هو النور الأزلي القديم ، الذي ليس كمثله شيء ، لا يتغير ، ويحكم ما يشاء ويختار ، ولا معقب لحكمه ، ولا رادّ لقضائه ، ولا ما خلق

زاد في ملكه وعزه ، ولا نقص منه ما لم يخلقه ، وإنما أراد بالخلق إظهار قدرته ، وإبداء سلطانه ، وتبيين براهين حكمته ، فخلق ما شاء كما شاء ، وأجرى فعل بعض الأشياء على أيدي من اصطفى من أمنائه ، فكان فعلهم فعله ، وأمرهم أمره ، كما قال : {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء : 80] .

وجعل السماء والأرض وعاء لمن يشاء من خلقه ، ليميز الخبيث من الطيب ، مع سابق علمه بالفريقين من أهلها ، وليجعل ذلك مثالا لأوليائه وأمنائه ، وعرّف الخليقة فضل منزلة أوليائه ، وفرض عليهم من طاعتهم مثل الذي فرض منه لنفسه ، وألزمهم الحجة بأن خاطبهم خطابا يدل على انفراده وتوحده ، وبأن له أولياء تجري أفعالهم وأحكامهم مجرى فعله ، فهم العباد المكرمون ، الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ، هم الذين أيدهم بروح منه ، وعرف الخلق اقتدارهم على علم الغيب بقوله : {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن : 26، 27] ، وهم النعيم الذي يسأل العباد عنه ، لأن اللّه تبارك وتعالى أنعم بهم على من اتبعهم من أوليائهم » .

قال السائل : من هؤلاء الحجج ؟ قال : « هم رسول اللّه ، ومن أحله محله من أصفياء اللّه الذين قرنهم اللّه بنفسه وبرسوله ، وفرض على العباد من طاعتهم مثل الذين فرض عليهم منها لنفسه ، وهم ولاة الأمر الذين قال اللّه فيهم :

{أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء : 59] ، وقال فيهم : {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء : 83] .

قال السائل : ما ذاك الأمر ؟ قال علي عليه السّلام : « الذي به تنزل الملائكة في الليلة التي يفرق فيها كلّ أمر حكيم ، من خلق ورزق ، وأجل وعمل ، وحياة وموت ، وعلم غيب السماوات والأرض ، والمعجزات التي لا تنبغي إلا للّه وأصفيائه ، والسّفرة بينه وبين خلقه ، وهم وجه اللّه الذي قال : {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] ، هم بقية اللّه ، يعني المهدي يأتي عند انقضاء هذه النظرة ، فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ومن آياته : الغيبة والاكتتام عند عموم الطغيان ، وحلول الانتقام ، ولو كان هذا الأمر الذي عرفتك نبأه للنبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم دون غيره ، لكان الخطاب يدل على فعل ماض غير دائم ولا مستقبل ، ولقال : نزلت الملائكة ، وفرق كل أمر حكيم ، ولم يقل {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ} [القدر: 4] و {يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } [الدخان: 4] ، وقد زاد جل ذكره في التبيان وإثبات الحجّة بقوله في أصفيائه وأوليائه عليهم السّلام : {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} [الزمر: 56] ، تعريفا للخليقة قربهم ، ألا ترى أنك تقول : فلان إلى جنب فلان ، إذا أردت أن تصف قربه منه ؟

وإنما جعل اللّه تبارك وتعالى في كتابه هذه الرموز التي لا يعلمها غيره وغير أنبيائه وحججه في أرضه ، لعلمه بما يحدثه في كتابه المبدلون من إسقاط أسماء حججه منه ، وتلبيسهم ذلك على الأمة ، ليعينوهم على باطلهم ، فأثبت فيه الرّموز ، وأعمى قلوبهم وأبصارهم ، لما عليهم في تركها وترك غيرها من الخطاب الدال على ما أحدثوه فيه ، وجعل أهل الكتاب القائمين به والعالمين بظاهره وباطنه ، من شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء ، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ، أي يظهر مثل هذا العلم لمحتمليه في الوقت بعد الوقت ، وجعل أعداءها أهل الشجرة الملعونة الذين حاولوا إطفاء نور اللّه بأفواههم فأبى اللّه إلا أن يتم نوره . ولو علم المنافقون لعنهم اللّه ما عليهم من ترك هذه الآيات التي بينت لك تأويلها ، لأسقطوها مع ما أسقطوا منه ، ولكن اللّه تبارك اسمه ماض حكمه بإيجاب الحجة على خلقه كما قال : {فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ } [الأنعام: 149] ، أغشى أبصارهم ، وجعل على قلوبهم أكنّة عن تأمل ذلك ، فتركوه بحاله ، وحجبوا عن تأكيده الملتبس بإبطاله ، فالسعداء يتثبتون عليه ، والأشقياء يعمون عنه {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: 40].

ثم إن اللّه جل ذكره لسعة رحمته ، ورأفته بخلقه وعلمه بما يحدثه المبدلون من تغيير كتابه ، قسم كلامه ثلاثة أقسام : فجعل قسما يعرفه العالم والجاهل ، وقسما لا يعرفه إلا من صفا ذهنه ولطف حسه ، وصح تمييزه ممن شرح اللّه صدره للإسلام ، وقسما لا يعرفه إلا اللّه وأمناؤه والراسخون في العلم ، وإنما فعل اللّه ذلك لئلا يدّعي أهل الباطل من المستولين على ميراث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم من علم الكتاب ما لم يجعله اللّه لهم ، وليقودهم الاضطرار إلى الائتمار بمن ولاه أمرهم ، فاستكبروا عن طاعته تعززا وافتراء على اللّه عزّ وجلّ ، واغترارا بكثرة من ظاهرهم وعاونهم وعاند اللّه عزّ اسمه ورسوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم .

فأما ما علمه الجاهل والعالم من فضل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم من كتاب  اللّه ، فهو قول اللّه سبحانه : { مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ} ، وقوله : {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب : 56] ، ولهذه الآية ظاهر وباطن ، فالظاهر : قوله : صَلُّوا عَلَيْهِ ، والباطن : قوله :

وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً أي سلموا لمن وصّاه واستخلفه وفضله عليكم ، وما عهد به إليه تسليما ، وهذا مما أخبرتك أنه لا يعلم تأويله إلا من لطف حسه ، وصفا ذهنه ، وصح تمييزه ، وكذلك قوله تعالى : {سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ} [الصافات: 130] لأن اللّه سمّى النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بهذا الاسم حيث قال : {يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} [يس: 1 - 3] ، لعلمه بأنهم يسقطون قوله : سلام على آل محمد ، كما أسقطوا غيره ، وما زال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يتألفهم ويقربهم ويجلسهم عن يمينه وشماله حتى أذن اللّه عزّ وجلّ في إبعادهم بقوله : {وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا } [المزمل: 10] ، وبقوله :

{فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (37) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38) كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ} [المعارج: 36 - 39] ، وكذلك قول اللّه عزّ وجلّ :

{يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} [الإسراء : 71] ، ولم يسمهم بأسمائهم وأسماء آبائهم وأمهاتهم .

وأما قوله : {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88] ، فالمراد كل شيء هالك إلا دينه ، لأنّ من المحال أن يهلك منه كل شيء ويبقى الوجه ، هو أجل وأكرم وأعظم من ذلك ، وإنما يهلك من ليس منه ، ألا ترى أنه قال : {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 26، 27] ؟ ففصل بين خلقه ووجهه .

وأما ظهورك على تناكر قوله : {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] ، وليس يشبه القسط في اليتامى نكاح النساء ، ولا كل النساء أيتام ، فهو مما قدمت ذكره من إسقاط المنافقين من القرآن ، وبين القول في اليتامى وبين نكاح النساء من الخطاب والقصص أكثر من ثلث القرآن ، وهذا وما أبهه مما ظهرت حوادث المنافقين فيه لأهل النظر والتأمل ، ووجد المعطّلون وأهل الملل المخالفة للإسلام مساغا إلى القدح في القرآن ، ولو شرحت لك كل ما أسقط حرف وبدل مما يجري هذا المجرى لطال ، فظهر ما تحظر التقيّة إظهاره من مناقب الأولياء ومثالب الأعداء .

وأما قوله : {وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [البقرة : 57] ، فهو تبارك اسمه أجل وأعظم من أن يظلم ، ولكنه قرن أمناءه على خلقه بنفسه ، وعرف الخليقة جلالة قدرهم عنده ، وأن ظلمهم ظلمه ، بقوله : وَما ظَلَمُونا ببغضهم أولياءنا ، ومعونة أعداءهم عليهم ، وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ إذ حرموها الجنّة ، وأوجبوا عليها خلوة النار .

وأما قوله : {إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ} [سبأ : 46] ، فإنّ اللّه جل ذكره أنزل عزائم الشرائع وآيات الفرائض في أوقات مختلفة ، كما خلق السماوات والأرض في ستة أيام ، ولو شاء أن يخلقها في أقل من لمح البصر لخلق ، ولكنه جعل الأناة والمداراة مثالا ، لأمنائه ، وإيجابا للحجة على خلقه ، فكان أول ما قيدهم به الإقرار بالوحدانية والربوبية والشهادة بأن لا إله إلا اللّه ، فلما أقروا بذلك تلاه بالإقرار لنبيه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بالنبوة والشهادة له بالرسالة ، فلما انقادوا لذلك فرض عليهم الصلاة ثم الصوم ثم الحج ثم الجهاد ثم الزكاة ثم الصدقات ، وما يجري مجراها من مال الفيء ، فقال المنافقون : هل بقي لربك علينا بعد الذي فرضه شيء آخر يفترضه ، فتذكره لتسكن أنفسنا أنه لم يبق غيره ؟ فأنزل اللّه في ذلك قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ يعني الولاية ، وأنزل : {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة: 55] ، وليس بين الأمة خلاف أنه لم يؤت الزكاة يومئذ أحد وهو راكع غير رجل واحد ، لو ذكر اسمه في الكتاب لأسقط ما أسقط من ذكره ، وهذا وما أشبهه من الرموز التي ذكرت لك ثبوتها في الكتاب ليجهل معناها المحرّفون فيبلغ إليك وإلى أمثالك ، وعند ذلك قال اللّه عزّ وجلّ : {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3] .

وأما قوله لنبيه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] ، فأنك ترى أهل الملل المخالفة للإيمان ، ومن يجري مجراهم من الكفار ، مقيمين على كفرهم إلى هذه الغاية ، وأنه لو كان رحمة عليهم لاهتدوا جميعا ونجوا من عذاب السعير ، فإنّ اللّه تبارك وتعالى إنما عنى بذلك أنه جعله سبيلا لإنظار أهل هذه الدار ، لأنّ الأنبياء قبله بعثوا بالتصريح لا بالتعريض ، وكان النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم منهم إذا صدع بأمر اللّه وأجابه قومه ، سلموا وسلم أهل دارهم من سائر الخليقة ، وإن خالفوه هلكوا وهلك أهل دارهم بالآفة التي كان نبيهم يتوعدهم بها ويخوفهم حلولها ونزولها بساحتهم من خسف أو قذف أو رجف أو ريح أو زلزلة وغير ذلك من أصناف العذاب الذي هلكت به الأمم الخالية ، وإن اللّه علم من نبينا صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ومن الحجج في الأرض الصبر على ما لم يطق من تقدمهم من الأنبياء الصبر على مثله ، فبعثه اللّه بالتعريض لا بالتصريح ، وأثبت حجة اللّه تعريضا لا تصريحا بقوله في وصيه : من كنت مولاه فعلي مولاه ، وهو منّي بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي .

وليس من خليقة النبي ولا من شيمته أن يقول قولا لا معنى له ، فلزم الأمة أن تعلم أنه لما كانت النبوة والخلافة موجودتين في خلافة هارون ، ومعدومتين فيمن جعله النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بمنزلته أنه قد استخلفه على أمته كما استخلف موسى هارون حيث قال له : {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي} [الأعراف: 142] ، ولو قال لهم : لا تقلّدوا الإمامة إلّا فلانا بعينه وإلا نزل بكم العذاب ، لأتاهم العذاب ، وزال باب الإنظار والإمهال .

وبما أمر بسدّ باب الجميع وترك بابه ، ثم قال : ما سددت ولا تركت ، ولكني أمرت فأطعت . فقالوا : سددت بابنا وتركت لأحدثنا سنا بابه ! فأمّا ما ذكروه من حداثة سنّه ، فإن اللّه لم يستصغر يوشع بن نون حيث أمر موسى عليه السّلام أن يعهد بالوصية إليه وهو في سن ابن سبع سنين ، ولا استصغر يحيى وعيسى لما استودعهما عزائمه وبراهين حكمته ، وإنما فعل ذلك جلّ ذكره لعلمه بعاقبة الأمور ، وأن وصيّه لا يرجع بعده ضالا ولا كافرا .

وبأن عمد النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم إلى سورة براءة فدفعها إلى من علم أن الأمة تؤثره على وصيّه ، وأمره بقراءتها على أهل مكّة ، فلما ولى من بين يديه أتبعه بوصيّه ، وأمره بارتجاعها منه والنفوذ إلى مكّة ليقرأها على أهلها ، وقال : إن اللّه جلّ جلاله أوحى إلي أن لا يؤدي عني إلا رجل مني ، دلالة منه على خيانة من علم أن الأمة اختارته على وصيّه ، ثم شفّع ذلك بضمّ الرجل الذي ارتجع سورة براءة منه ومن يؤازره في تقدّم المحل عند الأمّة إلى علم النفاق عمرو ابن العاص في غزاة ذات السلاسل وولاهما عمرو حرس عسكره ، وختم أمرهما بأن ضمهما عند وفاته إلى مولاه أسامة بن زيد ، وأمرهما بطاعته والتصريف بين أمره ونهيه ، وكان آخر ما عهد به في أمر أمته ، قوله : أنفذوا جيش أسامة ، يكرر ذلك على أسماعهم إيجابا للحجة عليهم في إيثار المنافقين على الصادقين .

ولو عددت كل ما كان من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في إظهار معايب المستولين على تراثه لطال ، وإن السابق منهم إلى تقلد ما ليس له بأهل قام هاتفا على المنبر لعجزه عن القيام بأمر الأمّة ومستقيلا لما تقلده لقصور معرفته عن تأويل ما كان يسأل عنه ، وجهله بما يأتي ويذر ، ثم أقام على ظلمه ولم يرض باحتقاب عظيم الوزر في ذلك حتى عقد الأمر من بعده لغيره ، فأتى التالي بتسفيه رأيه ، والقدح والطعن على أحكامه ، ورفع السيف عمّن كان صاحبه وضعه عليه ، ورد النساء اللاتي كان سباهنّ إلى أزواجهنّ وبعضهن حوامل ، وقوله : قد نهيته عن قتال أهل القبلة فقال لي : إنك لحدب على أهل الكفر ، وكان هو في ظلمه لهم أولى باسم الكفر منهم ، ولم يزل يخطئه ويظهر الإزراء عليه ويقول على المنبر : كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى اللّه شرّها ، فمن دعاكم إلى مثلها فاقتلوه ، وكان يقول قبل ذلك قولا ظاهرا : ليته حسنة من حسناته ، ويود أنه كان شعرة في صدره ، وغير ذلك من القول المتناقض المؤكد لحجج الدافعين لدين الإسلام .

وأتى من أمر الشورى وتأكيده بها عقد الظلم والإلحاد والبغي والفساد حتى تقرر على إرادته ما لم يخف على ذي لبّ موضع ضرره ، ولم تطق الأمة الصبر على ما أظهره الثالث من سوء الفعل ، فعاجلته بالقتل ، فاتسع بما جنوه من ذلك لمن وافقهم على ظلمهم وكفرهم ونفاقهم محاولة مثل ما أتوه من الاستيلاء على أمر الأمة .

كل ذلك لتتم النظرة التي أوجبها اللّه تبارك وتعالى لعدوّه إبليس إلى أن يبلغ الكتاب أجله ، ويحقّ القول على الكافرين ، ويقترب الوعد الحق الذي بينه اللّه تعالى في كتابه بقوله {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور: 55] ، وذلك إذا لم يبق من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه ، وغاب صاحب الأمر بإيضاح العذر له في ذلك ، لاشتمال الفتنة على القلوب ، حتى يكون أقرب الناس إليه أشدهم عداوة له ، وعند ذلك يؤيده اللّه بجنود لم تروها ويظهر دين نبيه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم على يديه على الدين كله ولو كره المشركون .

وأما ما ذكرته من الخطاب الدالّ على نهجين النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم والإزراء به ، والتأنيب له ، مع ما أظهره اللّه تبارك وتعالى في كتابه من تفضيله إيّاه على سائر أنبيائه ، فإن اللّه عزّ وجلّ جعل لكل نبيّ ، عدوا من المجرمين ، كما قال في كتابه . وبحسب جلالة منزلة نبينا صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عند ربه كذلك ، عظّم محنته لعدوه الذي عاد منه في شقاقه ونفاقه كل أذى ومشقّة لدفع نبوّته وتكذيبه إياه ، وسعيه في مكارهه ، وقصده لنقض كل ما أبرمه ، واجتهاده ومن مالأه على كفره وعناده ونفاقه وإلحاده في إبطال دعواه ، وتغيير ملّته ، ومخالفة سنته ، ولم ير شيئا أبلغ في تمام كيده من تنفيرهم عن موالاة وصيّه ، وإيحاشهم منه ، وصدّهم عنه ، وإغرائهم بعداوته ، والقصد لتغيير الكتاب الذي جاء به ، وإسقاط ما فيه من فضل ذوي الفضل ، وكفر ذوي الكفر منه ، وممن وافقه على ظلمه وبغيه وشركه ، ولقد علم اللّه ذلك منهم ، فقال : {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا} [فصلت: 40] ، وقال : {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ } [الفتح: 15] ولقد أحضروا الكتاب كملا مشتملا على التأويل والتنزيل ، والمحكم والمتشابه ، والناسخ والمنسوخ ، لم يسقط من حرف ألف ولا لام .

فلما وقفوا على ما بيّنه اللّه من أسماء أهل الحق والباطل ، وأن ذلك إن ظهر نقض ما عقدوه ، قالوا : لا حاجة لنا فيه ، نحن مستغنون عنه بما عندنا ، وكذلك قال : {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } [آل عمران: 187] .

ثم دفعهم الاضطرار بورود المسائل عليهم عما لا يعلمون تأويله إلى جمعه وتأليفه وتضمينه من تلقائهم ما يقيمون به دعائم كفرهم ، فصرخ مناديهم : من كان عنده شيء من القرآن فليأتنا به ، ووكلوا تأليفه ونظمه إلى بعض من وافقهم على معاداة أولياء اللّه ، فألفه على اختيارهم ، وما يدل للمتأمل له على اختلال تمييزهم وافترائهم ، وتركوا منه ما قدّروا أنه لهم وهو عليهم ، وزادوا فيه ما ظهر تناكره وتنافره ، وعلم اللّه أن ذلك يظهر ويبين ، فقال : {ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} [النجم : 30] ، وانكشف لأهل الاستبصار عوارهم وافتراؤهم ، والذي بدأ في الكتاب من الإزراء على النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم من فرية الملحدين ، ولذلك قال : {لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا } [المجادلة : 2] .

ويذكر جل ذكره لنبيه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ما يحدثه عدوه في كتابه من بعده بقوله : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ} [الحج : 52] ، يعني أنه ما من نبيّ تمنى مفارقة ما يعاينه من نفاق قومه وعقوقهم والانتقال عنهم إلى دار الإقامة ، إلا ألقى الشيطان المعرّض لعداوته عند فقده ؛ في الكتاب الذي أنزل عليه ذمّه والقدح فيه الطعن عليه ، فينسخ اللّه ذلك من قلوب المؤمنين فلا تقبله ، ولا تصغي إليه غير قلوب المنافقين والجاهلين ، ويحكم اللّه آياته بأن يحمي أولياءه من الضلال والعدوان ومشايعة أهل الكفر والطغيان الذين لم يرض اللّه أن يجعلهم كالأنعام حتى قال : {بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان: 44] .

فافهم هذا ، واعمل به ، واعلم أنك ما قد تركت مما يجب عليك السؤال عنه أكثر مما سألت ، وأني قد اقتصرت على تفسير يسير من كثير لعدم حملة العلم ، وقلة الراغبين في التماسه ، وفي دون ما بينت لك بلاغ لذوي الألباب » .

قال السائل : حسبي ما سمعت يا أمير المؤمنين ! شكر اللّه لك على استنقاذي من عماية الشك وطخية الإفك ، وأجزل على ذلك مثوبتك ، إنه على كل شيء قدير . وصلّى اللّه أولا وآخرا على أنوار الهدايات وأعلام البريّات محمد وآله أصحاب الدلالات الواضحات وسلّم تسليما كثيرا « 1 » .

وهنا لك روايات كثيرة لا مجال لذكرها سوف يأتي ذكرها إن شاء اللّه .

____________
 

( 1 ) الاحتجاج : ج 1 ، ص 240 .
 

------------------------------




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .