أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-11-2015
5222
التاريخ: 25-09-2014
5453
التاريخ: 9-11-2014
4997
التاريخ: 25-09-2014
5031
|
العبوديّة[1]
1- مفهوم العبوديّة:
العبادة هي نصب العبد نفسه في مقام المملوكية لربّه. والعبودية إنّما يستقيم بين العبيد ومواليهم في ما يملكه الموالي منهم، وأمّا ما لا يتعلّق به الملك من شؤون وجود العبد، ككونه ابن فلان أو ذا طول في قامته فلا يتعلّق به عبادة ولا عبودية، لكنّ الله سبحانه في ملكه لعباده على خلاف هذا النعت فلا ملكه يشوبه ملك ممّن سواه، ولا أنّ العبد يتبعّض في نسبته إليه تعالى، فيكون شيء منه مملوكاً وشيء آخر غير مملوك، ولا تصرُّف من التصرّفات فيه جائز وتصرُّف آخر غير جائز كما أنّ العبيد في ما بيننا شيء منهم مملوك وهو أفعالهم الاختيارية وشيء غير مملوك وهو الأوصاف الاضطرارية، وبعض التصرّفات فيهم جائز، كالاستفادة من فعلهم وبعضها غير جائز، كقتلهم من غير جرم مثلاً، والله تعالى مالك على الإطلاق من غير شرط ولا قيد، وغيره مملوك على الإطلاق من غير شرط ولا قيد، فهناك حصر من جهتين، الربّ مقصور في المالكية، والعبد مقصور في العبودية، وهذه هي التي يدلّ عليها قوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾، حيث قُدِّمَ المفعول وأُطلقت العبادة. ثم إنّ الملك حيث كان متقوّم الوجود بمالكه، فلا يكون حاجباً عن مالكه ولا يُحجَب عنه... وما سواه تعالى ليس له إلا المملوكية فقط، وهذه حقيقته، فشيء منه في الحقيقة لا يُحجَب عنه تعالى، ولا النظر إليه يُجامع الغفلة عنه تعالى، فله تعالى الحضور المطلق، قال سبحانه: ﴿أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَاء رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ﴾[2].
2- العبادة نزوع فطري:
إذا قضى الإنسان أنّ للعالم إلهاً خلقه بعلمه وقدرته، لم يكن له بدّ من أن يخضع له خضوع عبادة، اتباعاً للناموس العام الكوني، وهو خضوع الضعيف للقوي، ومطاوعة العاجز للقادر، وتسليم الصغير الحقير للعظيم الكبير، فإنّه ناموس عامّ جارٍ في الكون حاكم في جميع أجزاء الوجود، وبه يؤثّر الأسباب في مسبّباتها، وتتأثّر المسبّبات عن أسبابها. وإذا ظهر الناموس المذكور لذوات الشعور والإرادة من الحيوان، كان مبدأً للخضوع والمطاوعة من الضعيف للقوي، كما نُشاهده من حال الحيوانات العجم إذا شعر الضعيف منها بقوّة القوي آيساً من الظهور عليه والقدرة على مقاومته. وظهوره في العالم الإنساني أوسع وأبين من سائر الحيوان، لما في هذا النوع من عمق الإدراك وخصيصة الفكر، فهو متفنّن في إجرائه في غالب مقاصده وأعماله، جلباً للنفع أو دفعاً للضرر، كخضوع الرعيّة للسلطان، والفقير للغني، والمرؤوس للرئيس، والمأمور للآمر، والخادم للمخدوم، والمتعلّم للعالم، والمحبّ للمحبوب، والمحتاج للمستغني، والعبد للسيّد، والمربوب للربّ. وجميع هذه الخضوعات من نوع واحد، وهو تذلّل وهوان نفساني، قِبال عزّة وقهر مشهود، والعمل البدني الذي يظهر هذا التذلّل والهوان، هي العبادة، أيّاً ما كانت؟ وممّن ولمن تحقّقت؟ ولا فرق في ذلك بين الخضوع للربّ تعالى وبينه إذا تحقّق من العبد بالنسبة إلى مولاه، أو من الرعية بالنسبة إلى السلطان، أو من المحتاج بالنسبة إلى المستغني، أو غير ذلك، فالجميع عبادة. وعلى أيّ حال لا سبيل إلى ردع الإنسان عن هذا الخضوع، لاستناده إلى قضاء فطري، ليس للانسان أن يتجافى عنه، إلا أن يتبيّن له أنّ الذي كان يظنّه قويّاً ويستضعف نفسه دونه، ليس على ما كان يظنّه، بل هما سواء مثلاً. ومن هنا ما نرى أنّ الإسلام لم ينهَ عن اتّخاذ آلهة دون الله وعبادتهم إلا بعد ما بيّن للناس أنّهم مخلوقون مربوبون أمثالهم، وأنّ العزّة والقوّة لله جميعاً، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ﴾[3]. وقال: ﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلآ أَنفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ * وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ﴾[4]، وقال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾[5]، حيث ختم الآية بحديث التسليم لله تعالى بعد ما دعاهم إلى ترك عبادة غير الله تعالى من الآلهة ورفض الخضوع لسائر المخلوقين المماثلين لهم، وقال تعالى: ﴿أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً﴾[6]، وقال: ﴿فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا﴾[7]، وقال: ﴿مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ﴾[8]، إلى غير ذلك من الآيات. فليس عند غيره تعالى ما يدعو إلى الخضوع له فلا يسوغ الخضوع لأحد ممّن دونه، إلا أن يؤول إلى الخضوع لله ويرجع تعزيره أو تعظيمه وولايته إلى ناحيته، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾[9]، وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾[10]، وقال: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾[11]، وقال: ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾[12]، فلا خضوع في الإسلام لأحد دون الله، إلا ما يرجع إليه تعالى ويُقصَد به.
3- دواعي العبادة:
العبادة لأحد ثلاث خصال: إمّا رجاء لما عند المعبود من الخير، فيُعبد طمعاً في الخير الذي عنده، لينال بذلك، وإمّا خوفاً ممّا في الإعراض عنه وعدم الاعتناء بأمره من الشرّ، وإمّا لأنّه أهل للعبادة والخضوع. والله سبحانه هو المالك لكلّ خير، لا يملك شيء شيئاً من الخير، إلا ما ملَّكه هو إياه، وهو المالك مع ذلك لما ملَّكه، والقادر على ما عليه أقدره، وهو المنعم المفضل المحيي الشافي الرازق الغفور الرحيم الغني العزيز، وله كلّ اسم فيه معنى الخير، فهو سبحانه المستحقّ للعبادة، رجاءً لما عنده من الخير دون غيره. والله سبحانه هو العزيز القاهر الذي لا يقوم لقهره شيء، وهو المنتقم ذو البطش شديد العقاب لا شرّ لأحد عند أحد إلا بإذنه فهو المستحقّ لأن يُعبد خوفاً من غضبه، لو لم يخضع لعظمته وكبريائه. والله سبحانه هو الأهل للعبادة وحده، لأنّ أهلية الشيء لأن يُخضَع له لنفسه ليس إلا لكمال، فالكمال وحده هو الذي يخضَع عنده النقص الملازم للخضوع، وهو إمّا جمال تنجذب إليه النفس انجذاباً وإمّا جلال يخرّ عنده اللبّ ويذهل دونه القلب، وله سبحانه كلّ الجمال وما من جمال إلا وهو آية لجماله، وله سبحانه كلّ الجلال وكلّ ما دونه آيته. فالله سبحانه لا إله إلا هو ولا معبود سواه، لأنّه له الأسماء الحسنى.
4- حقّ العبوديّة:
إذا كان الله تعالى مالك على الإطلاق من غير شرط ولا قيد "الربّ مقصور في المالكيّة"، وغيره مملوك على الإطلاق من غير شرط ولا قيد "العبد مقصور في العبوديّة"، فحقّ عبادته تعالى أن يكون عن حضور من الجانبين. أمّا من جانب الرب عزّ وجلّ، فأن يُعبَد عبادة معبود حاضر وهو الموجب للالتفات المأخوذ في قوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾[13] عن الغيبة إلى الحضور. وأمّا من جانب العبد، فأن تكون عبادته عبادة عبد حاضر من غير أن يغيب في عبادته، فتكون عبادته صورة فقط من غير معنى، وجسداً من غير روح، أو يتبعّض، فيشتغل بربّه وبغيره: إمّا ظاهراً وباطناً، كالوثنيين في عبادتهم لله ولأصنامهم معاً، وإمّا باطناً فقط، كمن يشتغل في عبادته بغيره تعالى بنحو الغايات والأغراض، كأن يعبد الله وهمّه في غيره، أو يعبد الله طمعاً في جنّة أو خوفاً من نار، فإنّ ذلك كله من الشرك في العبادة الذي ورد عنه النهي، قال تعالى: ﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ﴾[14]، وقال تعالى: ﴿أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾[15]. فالعبادة إنّما تكون عبادة حقيقة، إذا كانت عن خلوص من العبد، وهو الحضور الذي ذكرناه، وقد ظهر أنّه إنّما يتمّ إذا لم يشتغل بغيره تعالى في عمله، فيكون قد أعطاه الشركة مع الله سبحانه في عبادته، ولم يتعلّق قلبه في عبادته رجاءً أو خوفاً، هو الغاية في عبادته، كجنّة أو نار، فتكون عبادته له، لا لوجه الله، ولم يشتغل بنفسه، فيكون منافياً لمقام العبودية التي لا تلائم الإنّيّة والاستكبار.
5- الغاية من العبادة:
قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[16]، وقوله: ﴿إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾، استثناء من النفي، لا ريب في ظهوره في أنّ للخلقة غرضاً، وأنّ الغرض العبادة، بمعنى كونهم عابدين لله، لا كونه معبوداً، فقد قال: ﴿لِيَعْبُدُونِ﴾، ولم يقل: "لأُعبد" أو "لأكون معبوداً لهم". على أنّ الغرض كيفما كان أمر يستكمل به صاحب الغرض ويرتفع به حاجته، والله سبحانه لا نقص فيه ولا حاجة له حتى يستكمل به ويرتفع به حاجته. ومن جهة أخرى الفعل الذي لا ينتهي إلى غرض لفاعله لغو سفهي. ويستنتج منه: أنّ له سبحانه في فعله غرضاً هو ذاته لا غرض خارج منه، وأنّ لفعله غرضاً يعود إلى نفس الفعل، وهو كمال للفعل لا لفاعله، فالعبادة غرض لخلقة الإنسان وكمال عائد إليه هي وما يتبعها من الآثار، كالرحمة والمغفرة وغير ذلك، ولو كان للعبادة غرض، كالمعرفة الحاصلة بها والخلوص لله، كان هو الغرض الأقصى، والعبادة غرضاً متوسطاً.
[1] انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج1، ص24-26, ج10، ص274-275, ج14، ص123-124, ج18، ص386-388.
[2] سورة فصلت، الآيتان 53-54.
[3] سورة الأعراف، الآية 194.
[4] سورة الأعراف، الآيتان 197-198.
[5] سورة آل عمران، الآية 64.
[6] سورة البقرة، الآية 165.
[7] سورة النساء، الآية 139.
[8] سورة السجدة، الآية 4.
[9] سورة الأعراف، الآية 157.
[10] سورة المائدة، الآية 55.
[11] سورة التوبة، الآية 71.
[12] سورة الزمر، الآية 3.
[13] سورة الذاريات، الآية 56.
[14] سورة الحج، الآية 32.
[15] سورة الفاتحة، الآية 4.
[16] سورة الزمر، الآية 2.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم الشؤون الفكرية يختتم مسابقة دعاء كميل
|
|
|