أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-10-20
1122
التاريخ: 2023-10-07
848
التاريخ: 2023-10-08
1043
التاريخ: 2024-07-31
415
|
فائدة رقم (12):
في توضيح حديث خلق العقل وهو مشهور ورد من عدة طرق بأسانيد مختلفة تزيد على عشرين متفرقة في كتب الحديث فمن تلك الطرق ما رواه الكليني بإسناده الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لمّا خلق الله العقل استنطقه ثم قال له: أقبل فأقبل ثم قال له: أدبر فأدبر ثم قال: وعزّتي وجلالي، ما خلقت خلقًا هو أحب إليَّ منك ولا أكملتك إلا فيمن أحب أما إنّي إيّاك آمر وإيّاك أنهى وإياّك أعاقب وإيّاك أثيب (1).
أقول: قد أورد بعضهم على هذا الحديث الشريف جملة من الإشكالات ترد عليه بحسب الظاهر ويندفع بعد التأمّل.
أحدها وثانيها: قوله استنطقه أي طلب منه النطق مع أنّه ليس من أفعال العقل ولا له عليه قدرة فطلبه منه مع ذلك قبيح ويلزم منه تكليف ما لا يطاق وهو باطل بالضرورة من مذهب الإماميّة.
والجواب أولا: انّ معنى استنطقه غير منحصر في طلب النطق بل جملة معانيه ما قاله صاحب الصحاح انّ استنطقه بمعنى كلّمه وكثيرا ما يكلّم الإنسان ما لا يفهم الكلام لغرض آخر كما يكلّم الدار وغرضه التحسّر أو الاعتبار.
وقال الشاعر:
قف بالديار وسلها عن أهاليها *** عسى ترد جوابًا من يناديها
وقد ورد في الحديث انّ تفكّر ساعة خير من قيام ليلة.
وسُئل الإمام (عليه السلام) عن معنى هذا التفكّر فقال: انّ يمر بالديار الخربة فيقول: أين بانوك؟! أين ساكنوك؟! مالك لا تتكلّمين (2).
فالمراد من مكالمة العقل مجرد إظهار انقياده وطاعته لا نطقه بالجواب.
وثانيا: يحتمل ارادة المعنى المذكور في السؤال ويكون تعالى أراد النطق من العقل مع أقداره عليه فإنّه لا يمتنع ان يكون الله سبحانه جعل فيه قوة للنطق والاقتدار على التعبير عمّا يريده من الاعتراف له.
وثالثا: يحتمل ان يراد بالنطق الفهم والإدراك فإنّه أحد معانيه وكثيرًا ما يُستعمل فيه.
واعلم انّ الوجه الأول والثاني متقاربان فإن كلّمه يتضمّن معنى طلب منه النطق؛ لأنّ الكلام يستلزم طلب الجواب غالبا والوجه الثاني قريب باعتبار كمال قدرته تعالى على مثل ذلك وما هو أعظم منه ومن أنكر ذلك فقد أنكر قدرته تعالى ولا يخفى انّ النطق لا يتوقف على وجود الجوارح من اللسان ونحوه باعتبار كمال القدرة وان توقف على ذلك في بنى آدم لا يلزم توقّفه عليه في المجرّدات لو سلم تجرّد العقل ح فانّ لها حكما آخر وممّا يقرب ذلك قوله تعالى: {قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [فصلت: 21] {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 11] {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 44].
ورابعا: يحتمل ان يريد بالنطق المجازي أعني الإخبار بلسان الحال والدلالة على المقصود بأيّ وجه كان أي طلب تعالى من العقل ان يكون دليلا لعباده على وحدانيّته ومخبرًا لهم بربوبيّته بالتفكّر فيه أو به.
وثالثها ورابعها: قوله (عليه السلام): ثم قال له: أقبل فأقبل ثم قال: وعزّتي إلخ فإنّ لفظة ثم موضوعة للتراخي ولا تراخي هنا بحسب الظاهر.
والجواب أولا انّ التراخي غير معلوم الانتفاء إذ يحتمل تخلّل زمان طويل أو كلام كثير بين كل واحد من الأمور المذكورة وبين أبعده.
وثانيا: انّ ثم تأتي أيضا بمعنى الفاء أي لمجرّد التعقيب من غير تراخٍ كما في قوله: جرى في الأنابيب ثم اضطرب.
وثالثا: انّ التراخي يعتبر في كل مقام بحسبه كما قالوه في التعقيب كما في قولهم تزوج فولد له والأمور العظيمة المهمة تستعمل فيها ثم دون الفاء وان لم يكن تراخٍ ظاهر لعظم قدرها ينبغي ان تكون في أزمنة متباعدة لقصور الزمان القليل عنها ولو باعتبار والادعاء أو لأنّها لكثرة الاحتياج إليها واهميتها وتشوّق النفوس الى العلم بها بعد الزمان القصير المتخلل دونها أو بينها طويلا متراخيا عمّا قبله يشهد بذلك من تتبع كلام الفصحاء وتراكيب البلغاء.
وخامسها: انّ الإقبال والأدبار لا يتصوران من العقل بحسب الظاهر ولا تظهر لهما فائدة.
والجواب : انّه لا بعد في اتصاف العقل بالإقبال والأدبار بمعنى الذهاب والإياب وكذا النفوس والحواس ونحوها فإنّها تذهب وتجيء وتفارق على وجه تصح نسبته إليها ولا ينحصر ذلك فيما يعهد من إقبال الإنسان بوجهه وإعراضه به والغرض في الأمر بالإقبال والأدبار كالغرض في جميع التكاليف من إظهار الانقياد واختبار العباد وبيان امتثال الأمر كما انّ من أراد اختبار طاعة عبده يقول له اذهب ثم يقول له ارجع لإظهار الطاعة وإلزام الحجة ولا بعد في ان يخلقه الله تعالى أولا على حالة يمكن اتصافه بالإقبال والأدبار الحقيقيّين وقد اعطى الله الجن والملائكة قدرة التشكّل بأشكال بني آدم وغيرهم فلا يبعد ان يعطى الله العقل ذلك ولو في حال الأمر بالإقبال والأدبار على نحو ما مرّ في الاستنطاق.
وسادسها: انّ الإقبال والأدبار انّما يتصور أنّ بالنسبة إلى مكان والله سبحانه منزّه عن المكان.
وأيضا قد ورد انّ أول ما خلق الله العقل فعلم انّه لم يكن ح مكان.
والجواب: انّ ذلك ممنوع بل الإقبال والأدبار قد يكونان لا بالنسبة إلى مكان كما يقال اقبل على العلم واعرض عن الجهل ولا يلزم نسبتها الى الله (عزّ وجل) ولا الى مكان سلمّنا لكن لا تعلّق لهما يكون الباري سبحانه وتعالى في مكان بل يمكن ان يعيّن للعقل مكانا للإقبال والأدبار كما يختاره ويريده وقولهم: (عليهم السلام): أول ما خلق الله العقل على تقدير ثبوته يحتمل ان يكون الأوليةّ فيه مخصوصة ببعض الأقسام لما ورد في حديث آخر من أحاديث العقل وهو أوّل ما خلق من الروحانيّين فلا يلزم تقدّم خلقه على خلق المكان مطلقًا أو تقدّم خلق الروحانيّين كذلك يرجع الأمر إلى الجواب الأول.
وسابعها: انّ التكليف متوقّف على كمال العقل وقد تضمّن هذا الحديث الشريف انّه لا يكمل الا فيمن أحبّه الله فيلزم ان يكون كل من أبغضه الله غير مكلّف وهو خلاف المعلوم ضرورة بالنص ويلزم أن يكون كل مكلّف ممّن يحبّه الله وان كان مرتكبًا لجميع المعاصي والكفر وهو باطل ضرورة.
والجواب: انّ العقل على مراتب وينقسم إلى أقسام وكمال العقل أيضًا له مراتب ودرجات فالإكمال المذكور في الحديث أعلى درجة ممّا يتوقّف عليه التكليف ألا ترى انّ النبي والأئمة (عليهم السلام) كانوا يحكمون على أهل زمانهم بأحكام الشريعة مع انّ المعلوم من حالهم وحال أهل كل زمان انّهم في غاية التفاوت في العقول ولا يخصون الأحكام التكليفيّة بأهل الدرجة العالية في العقل ووجه إكمال العقل امّا ان يكون تفضلا من الله على بعض العباد بواسطة عملهم الصالح أو تفضلا محضا أو بتوفيقهم للعمل بمقتضى ما وهبهم من العقل.
ويشير الى ذلك ما في الحديث القدسي: وانّه ليتقرّب الى بالنوافل حتّى أحبّه فإذا أحبته كنت سمعه الذي يسمع به.. الحديث (3) فيرجع إلى الاختبار من العبد الطاعة فالعقل يكون ناقصا على الأول بالنسبة الى عدم العمل بمقتضاه وعلى الثاني بالنسبة الى ما أضيف إليه من العقل الكامل وفي هذا الحديث إشارة إلى تعلق التكليف بالعقل وصاحبه قبل إكماله ويأتي تأويل هذا الحديث إن شاء الله.
وثامنها: انّ العقل لم يثبت انّه من جملة أهل التكليف فما وجه قوله: إيّاك آمر وإيّاك أنهى.. إلخ ثم انّ اختصاصه المستفاد من تقديم المعمول غير واضح فكثرة الأوامر والنواهي المتوجّهة إلى غيره والثواب والعقاب الذين يستحقهما غيره وان كان قصّرا إضافيًا بالنسبة الى من ليس بمكلف فما مزيّته على المكلّفين.
والجواب: لا شبهة انّ العقل كان مكلّفًا في ذلك الوقت بالإقبال والأدبار وقد ثبت ذلك بهذه الأحاديث وهو كافٍ ويحتمل كونه مكلّفًا بغير ذلك أيضًا من تحصيل المعارف والاعتقادات ولا بعد في استمرار تكليفه بمثل ذلك وامّا الاختصاص فقد يكون قصرًا حقيقيًّا في ذلك الوقت أو يكون الحصر مخصوصًا بالأمر والنهي المذكورين.
ويحتمل ان يكون وجهه انّ العقل علم انّه مناط التكليف، وانّه حجة الله الباطنة على العباد فظن انّه بذلك خارج من تعلّق التكليف به فنبّهه تعالى على فساد الظن بالنص على توجّه الأمر والنهي المذكورين إليه خاصة.
ويحتمل ان يكون من باب {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا} [يوسف: 82] أي أهل القرية يعني انّما يتوجّه التكليف والأمر والنهي والثواب الى أهل العقل فكأنّ العقل هو المخصوص بذلك وربّما يقرب هذا الإتيان بصيغة المضارع دون الماضي وان كانت هذه العبارة قد تستعمل فيما تقدّم من الأمر ونحوه كما إذا أمرت شخصا ثم قلت له: إيّاك أعني فإنّ ما قارب الحال من الماضي يمكن إدخاله في حكم الحال إذ هو في الحقيقة أجزاء من أواخر الماضي وأوائل المستقبل وان لم يتم ذلك حقيقةً فمجازًا.
وتاسعها: ان ّهذا معارض بما ورد في غيره من أحاديث العقل بك آخذ وبك اعطي وبك أثيب وبك أعاقب وهذا تضمن انّه هو المخصوص بذلك.
والجواب: لا منافاة في ان يكون العقل مكلفا بتكليف خاص ويكون هو للمكلفين دليلا على التكليف ومناطا له وكل من الفريقين يؤمر وينهي ويعاقب ويثاب {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] فليس المراد انّ العقل يثاب ويعاقب بفعل صاحبه قطعا ولعلّ الكليني (قده) لاحظ إيراد ما يدل على التكليف العقل نفسه أولا ثم ما يدل على انّه شرط التكليف ثانيا.
وبالجملة فلا معارضة بين الأحاديث هنا ولا منافاة وعلى تقدير الإضمار في الحديث المذكور وأمثاله يتحد مضمون الأحاديث لكنّه تقدير لا ضرورة إليه لاستقامة المعنى بدونه.
وعاشرها وحادي عشرها: انّ العقل إذا كان من المجرّدات كما قيل فلا يتصور تعلق الثواب والعقاب به وان جعل متشكّلا بشكل ليمكن تعلق الثواب والعقاب فذلك الشكل لا يستحق ثوابا ولا عقابا.
والجواب: انّ الله قادر على أن يوصل اليه ثوابا وعقابا بما يناسبه بل قد وقع ذلك بالفعل كما دلّ عليه حديث جنود العقل والجهل فإنّه ظاهر واضح في ذلك ولم يثبت تجرّد العقل.
وثاني عشرها: انّ الله سبحانه كان عالما بطاعة العقل فلا وجه للأمر.
والجواب : انّه تعالى عالم بطاعة كل مطيع ومعصية كل عاصٍ ومع ذلك يحسن التكليف إظهارًا للطاعة ، أو المعصية ليستحق صاحبها الثواب أو العقاب ولعلّه من قبيل قوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] وإن كان يؤمن منه الشرك ليكون أبلغ في الأمر للغير بالطاعة وفي الزجر عن المعصية وحيث انّ العقل بهذه الطاعة اليسيرة حصل له الثواب بهذا الشرف العظيم والجهل على قياس ذلك مع انّه لولا هذه المعصية لكان بمنزلة العقل ففي ذلك من التنبيه والموعظة ما لا يخفى وقد استدل بعض المحقّقين من المعاصرين بحديث العقل والجهل على وجوب العمل بالنصّ وعدم جواز العمل بخلافه أصلاً. وهو استدلال حسن عند التأمّل لكن لا حاجة إليه لكثرة الأدلة والنصوص الصريحة والله أعلم بحقائق أحكامه ودقائق كلامه.
__________________
(1) الكافي ـ ج 1 ص 10 ح 1.
(2) الكافي ـ ج 2 ص 54 ح 2.
(3) الكافي ج 2 ص 352.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|