أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-10-16
1231
التاريخ: 2023-10-16
993
التاريخ: 2024-07-12
466
التاريخ: 2023-10-25
1217
|
أدى التطور الاقتصادي والاستقرار الامني اللذين عرفتها اوروبا منذ القرن الحادي عشر إلى قيام حركة تجارية مزدهرة صاحبها نمو مدن الامبراطورية الرومانية من جديد بعد ان اصابها الانحلال والتدهور منذ القرن الثالث الميلادي. فاستصلاح الاراضي على حساب الغابات والمستنقعات، وتطور أدوات العمل الزراعي، والانتقال من الدورة الثنائية إلى الدورة الثلاثية ادى إلى تطور الزراعة وزيادة الانتاج الزراعي عن الاستهلاك المحلي للضيعة الواحدة أو الدومين. ولما كان النشاط التجاري يتطلب في كل المراحل التاريخية، سيادة الأمن والاستقرار فقد عرفت اوروبا منذ القرن الحادي عشر الشروط اللازمة له. إذ انتقل الأوروبيون من دور المدافع عن حدود نفوذهم الى دور المهاجم. وقمت لهم السيطرة على البحر المتوسط وجزره. وقامت الحروب الصليبية تحت ستار الدين، بتشجيع الرأسمال التجاري الاوروبي الذي احتكرته المدن الايطالية طيلة قرنين من الزمن. ونتيجة لازدهار الانتاج الزراعي، وازدياد التبادل السلعي، قـامـت الاسواق التجارية بتشجيع الاسياد ، بجانب الحصون والقلاع والاديرة وملتقى الطرق. وغدت فيما بعد مدناً هامة بفضل تطور الصناعة الحرفية التي اصبحت تفوق صناعة الاقنان بكثير. فأقبل الاسياد على شرائها مما ادى إلى زيادة الربح وظهور الرأسمال التجاري. وأمام نفوذ الاسياد المتزايد نشأت جمعيات الاصناف او اتحادات الحرفيين (Corparations) التي اتخذت الشكــــــل الاقطاعي في تنظيم عملية الانتاج وتحديد الاسعار والاجور وعدد ساعات العمل. وهكذا غدت المدن بفضل تطور الحرفة وازدياد الانتاج الزراعي مراكز تجارية هامة. وقامت جمعيات التجار فيها لمنع مزاحمة الاجانب ولتنظيم المقاييس وتوحيدها، ولحماية حقوقهم ضد الاقطاعيين من المكوس التي فرضها هؤلاء على انتقال بضائعهم. ومع ظهور اتحادات الاصناف وجمعيات التجار غدت مدن العصور الوسطى تستثمر القرية اقتصادياً عن طريق اسعارها المفروضة ونظامها الضرائبي ورباها. في حين استمرت القرية بمؤسساتها الاقطاعية تسيطر على المدينة سياسياً.
كانت الحروب الصليبية من العوامل المهمة التي ساعدت على تنشيط التجارة في العصور الوسطى. ومثلت المدن الايطالية الناشئة تجارياً، المحتكر الوحيد للتجارة بين الشرق والغرب (1). فلقاء نقل الصليبيين والاشتراك الفعلي في الحروب البحرية ضد المسلمين امتلكت هذه الجمهوريات المدن والمرافئ العديدة في الحوض الشرقي للمتوسط (طرابلس - بيروت - صيدا - صور - عكا). وسيطرت كذلك على مراكز مهمة داخل الامارات الصليبية التي تأسست. مما مكنها من السيطرة على تجارة الشرق الاوسط بأكملها. فالتجار العرب كانوا يأتون بحاصلات الهند من التوابل والعاج والبخور إلى حلب وعكا وموانئ مصر ويبيعونها لتجار المدن الايطالية بالإضافة الى منتوجات هذه البلاد من الحرير والزجاج والحبوب والعطور (9) وقد جنى التجار الأوروبيون الأرباح الضخمة من هذه التجارة مما حدا ببعض المدن الايطالية الوقوف الى جانب مصر احياناً ضد الصليبيين بغية ان تحافظ على مراكزها التجارية في تلك البلاد. وعندما جهز لويس التاسع ملك فرنسا حملته (1248) باتجاه مصر وجد صعوبة فائقة في نقل جنوده الى الاسكندرية لأن البندقية امتنعت عن مساعدته بعد ان هددها السلطان الايوبي بأغلاق موانئه بوجهها وهكذا كان احتلال الصليبيين للقسطنطينية سنة 1204 بمساعدة البندقية، لتحقيق مكاسب تجارية لها في السيطرة على موانئ الامبراطورية. البيزنطية التي كانت تصل اليها باستمرار حاصلات الشرقين الادنى والأقصى (2). كما ان قرارات التحريم التي اصدرها الباباوات بعد جلاء الصليبيين لم تستطع ايقاف التجارة مع المماليك وقطع المواد الغذائية والسلاح والاخشاب والرقيق عنهم نظراً للقوة التي اصبحت تمتلكها المدن الايطالية في القرن الرابع عشر (3). ومع ذلك فالنشاط التجاري الذي ساهمت به الحركة الصليبية لم يقتصر على المدن الايطالية وحدها بل ساهم فيه كثير من مدن غرب اوروبا كمرسيلية ومونتبليه وناربون وبرشلونه (4). وبينما احتكرت المدن الايطالية التجارة بين الشرق والغرب، فقد وجد في شمال اوروبا مدناً تجارية هامة ايضاً تجمعت في العصبة الهانزية (Hansa) في القرن الرابع عشر. واسست لها هذه المدن، وهي في اغلبها مدناً المانية، مراكز تجارية هامة في انكلترا واسكندنافيا وبولونيا وروسيا ومارست نفوذاً سياسياً واقتصادياً عظيمين على دول اوروبا الشمالية فحصلت على امتيازات كثيرة واعفاءات ضرائبية وتدخلت في اختيار الملوك والحكومات وامتلكت الاساطيل التجارية والعسكرية الضخمة (5). فتم لها بذلك السيطرة التامة على سواحل البلطيق وبحر الشمال حيث احتكرت تجارة الجلود والفراء والصوف والحبوب والاسماك المجففة (6). ومما ساهم في تنشيط حركة التجارة هذه قيام صناعة مزدهرة في المدن الفلمنكية، اقتصرت على التخصص في المنسوجات الصوفية والقطنية والسجاد ومنذ القرن الثاني عشر نشطت هذه المدن بحكم موقعها بين الشمال والجنوب كوسيط تجاري بين دول اوروبا وباتت تسيطر على عملية تبادل البضائع والمنتوجات الشرقية والغربية بين المدن الايطالية ومدن شمال اوروبا وذلك بأسطولها البحري وتنظيمها للقوافل التجارية البرية. ولم يقتصر النشاط التجاري على اسواق المدن الكبرى في اوروبا فحسب، بل تعداه الى قيام اسواق تجارية هامة غدت في القرن الثاني عشر مراكز عظيمة لتبادل البضائع لأهمية موقعها الوسطي. ومثلت منطقة شمبانيا (Champagne) في فرنسا اهم الاسواق الاوروبية لعرض المنتجات والتبادل التجاري. كان للنشاط الاقتصادي، خلال هذه المرحلة التاريخية، أثره البارز على الحركة الانسانية التي عرفتها مدن العصور الوسطى، قياساً على ما ساد الضيعة الاقطاعية من بطء شديد في عملية التطور هذه. فالمدينة في نضالها الطويل ضد النفوذ الاقطاعي ساهمت في تقويض دعائم نظامه بإقامة مؤسسات جديدة كالمصارف والمجالس البلدية والنقابات والمحاكم الخاصة، اعتبرت اشد متانه وأكثر حاجة من مؤسسات العصور الوسطى. وبحلول القرن الثاني عشر كانت المدن الأوروبية قد اتخذت شكل الحكم الذي حصلت عليه عبر نضالها ضد النبالة. فتوزعت في مجموعات متفاوتة، فالمدن الحرة (Villes Franches) تمتعت ببعض الاعفاءات وكان لبعضها هيئات منتخبة ومحاكم وقوانين خاصة بها ولكنها بقيت تحت سيادة الاقطاعي يمارس عليها نفوذه بواسطة نائب له يدعى (Prevot). وقد وجد هذا النوع من المدن في شمال فرنسا ومناطق الفلاندر حيث ما زالت قبضة الاقطاعيين اشد مما كانت عليه قبضة البورجوازية التجارية الناشئة. أما المدن المعروفة بالقوميونات (Communes) فأنها تمتعت باستقلال سياسي واداري تامين فكان لها قوانينها ومحاكمها وشعارها وهيئاتها الانتخابية ومؤسساتها الاجتماعية والدفاعية. وقد حصلت هذه المدن على استقلالها عبر نضالها الطويل ضد نفوذ الاساقفة والأباطرة وعلى الأخص في شمال ايطاليا (توسكانيا ولمبارديا). وقد وضعت هذه المدن المشكلة المعروفة بين السلطتين الزمنية والروحية، بمشكلة القوميونات في القرن الثاني عشر وكانت المدن القنصلية (Villes de Consulat) أكثر المدن استقلالاً ويطلق عليها اسم جمهوريات (7) لكونها اتخذت عند نشأتها النظم الديموقراطية الى حد ما اساساً لإدارة شؤونها. وسميت بالقنصلية لأنه كان يتولى حكمها قناصل منتخبين من قبل الجمعية العامة لسكان المدينة الحائزين على الرعوية فيها. وقد وجد هذا الشكل من المدن في وسط ايطاليا وجنوبها (البندقية - جنوى - بيزا) وكذلك في المانيا والفلاندر وجنوب فرنسا حيث بدت قوة الاقطاع في تلك الجهات ضعيفة ومفككة امام القوة الاقتصادية التي امتلكها سكان تلك المدن عبر تجارتهم بين الشرق والغرب. وبهذا الصدد يذكر فيشر انه: " في انكلترا اندمجت المدن في نظام برلماني قومي حد من استقلالها. ولكنه زاد من فائدتها، وفي فرنسا بدأت المدن بحركة قوميونية وانتهت بالرضوخ لسلطان الملوك. اما في المانيا وايطاليا، فلم توجد حكومة مركزية تستحق الذكر، فلا ملك مهيمن على شؤون المدن، ولا برلمان ضابط لنواحي النشاط المدني، وهذا هو السبب الذي ادى بالمدن ان تبلغ في المانيا وايطاليا اقصى ما تستطيع من قوة واستقلال في العصور الوسطى، حتى صار عدد منها دولاً داخل الامبراطورية، وألف بعضها اتحادات للتجارة والحرب وانزل بعضها الأخر بالإمبراطورية نفسها هزيمة ساحقة" (8). وبنمو تجارة مدن العصور الوسطى اخذ التعامل النقدي يحل محل التعامل العيني. ومنها انتقل إلى الأرياف. فأصبح شراء الحاجيات الكمالية والمنتجات الحرفية من المدينة يتطلب من الاقطاعيين الحصول على النقد مما ادى استبدال اعمال السخرة في اقطاعيتهم بدفع كمية من النقود كان الاقنان يحصلون عليها من بيع محاصيلهم الفائضة عن الاستهلاك. وهكذا ساهمت المدن في تحطيم النظام الاقطاعي لكونها احلت نظام الاقتصاد النقدي المتعارض مع الوجود الاقطاعي الذي يدين بوجوده إلى نظام الاقتصاد الطبيعي.
............................................
1-Heyd. W: Histoire du commerce du Levant. trad. F Raymand Vols. Paris 1885 t. 1, P 135.
2- Revue Historique. Presses Universitaires No 475 (1965)
3- DIEHL. C: Etudes Byzantines. Paris 1905 P. 144 Heyd
4- W: Histoires du commerce du Levant t. 2, P. 20
5- سعيد عاشور الحركة الصليبية. القاهرة 1963 الجزء الثاني ص162.
6- سعيد عاشور اوروبا في العصور الوسطى الطبعة الثالثة 1964 القاهرة، الجزء الأول ص617.
7- هربرت فیشر: تاريخ اوروبا في العصور الوسطى. ترجمة محمد زياد والباز العريني الطبعة الرابعة القاهرة 1966 القسم الأول ص 227.
8- GRousset. R: Histoire des croisades Paris 1934 - 1936. t 3, P 534.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|