أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-11-2020
1388
التاريخ: 18-10-2019
3619
التاريخ: 20-6-2016
4491
التاريخ: 2024-06-11
584
|
ما الذي يحدث إذا أفلت تفاحةً من يدك؟ إنها تسقط. افعل الشيء نفسه. تفاحة أخرى، مع. أو مع التفاحة نفسها من ارتفاع مختلف، وسوف تسقط أيضًا. ينطبق الأمر نفسه على الأجسام الأخرى، مثل الكُمَّثْرى وقوالب الطوب والقطط والأطفال. تعطينا التجربة العديد من الأمثلة التي تبرهن أن «الأجسام كذا وكذا تسقط إذا أُفلتت» وبضعة أمثلة نادرة تبرهن أن «الأجسام كذا وكذا لا تسقط إذا أُفلتت»؛ ومن ثم يمكننا اعتبار أنَّ «كل الأجسام تسقط إذا أُفلتت» استنتاج مبدئي بناءً على ملاحظاتنا.
يُطلق على هذا النهج «الاستقراء الإحصائي». وربما يكون هذا النهج هو أبسط نماذج المعرفة التجريبية وأقدمها، وهو يُجرى على النحو التالي: يُجمع عدد كبير من الملاحظات الرصدية بالصيغة: «هذا الشيء هو X وهو أيضًا Y»، مع عدم وجود عدد كبير من الملاحظات الرصدية بالصيغة: «هذا الشيء هو X وهو ليس Y»؛ ومن ثم نستنتج أن «كل ما هو X هو أيضًا Y». ربما يكون هذا نموذجًا جيدًا للكيفية التي يتعلم بها الأطفال الجاذبية. (أنا لا أعتقد ذلك في واقع الأمر، لكنني لست بمتخصص في العلوم الإدراكية.) «ربما» يعكس درجةً من الطريقة التي يتقدَّم بها مجال جديد من العلوم في بداية نشأته. لكنه نموذج عديم الجدوى حين يُستخدم لوصف منهج الفيزياء، أو أي علم ناضج آخر، وإن كانت هذه المحاولة الوصفية تقريبية للغاية.
لماذا؟ يكمن جزء من السبب في أنه لا يمكن الاعتماد على «الرصد فقط». إن العالم غني ومعقد ويمكننا النظر إليه بطرق لا حصر لها؛ فنحن بحاجة إلى تكوين بعض الآراء بشأن ما نختار أن نرصده ينطبق هذا حتى على ما نرصده بأعيننا وآذاننا، لكن الصورة تتضاعف إلى مائة ضعف في الفيزياء الحديثة؛ حيث تُنفق ملايين الدولارات أو المليارات منها على تطوير القدرة، لإجراء عمليات رصد محددة لا تُختار عشوائيا بأي حال من الأحوال. ويكمن جزء آخر من السبب في أن النظرية العلمية أدقُ كثيرًا من صيغة «كل ما هو X هو أيضًا Y»، وأعقد. فليست الصيغة الفعلية لنظرية نيوتن عن الجاذبية – ولا حتى بصورة عامة تقريبية – «كل الأجسام تسقط إذا أُفلتت»؛ وإنما تُصاغ على النحو التالي: «تتناسب قوة الجذب المؤثّرة بين جسمين مع حاصل ضرب كتلتيهما، مقسوما على تربيع المسافة بين مركزيهما.» وليس هذا بالشيء الذي يمكن أن ترصده من العالم دون تفكير. الواقع أنَّ كليهما وجهان لعملة واحدة؛ فالخطأ الذي يقع فيه الاستقراء الإحصائي هو الخلط بين عملية «التوصل» إلى نظرية ما (ما يطلق عليه الفلاسفة «سياق الاكتشاف») وبين عملية جَمْع البراهين على النظرية وتقييمها «سياق التعليل»).
ثمَّة نهج بديل عظيم التأثير قد طرح في القرن العشرين على يد الفيلسوف كارل بوبر، وهو أحد فلاسفة العلم القلائل الذين سمع بهم علماء الفيزياء. ووفقًا للنسخة الأبسط والأشهر من نهج بوبر، فإن المنهج العلمي عملية مكونة من خطوتين:
(1) التوصل إلى نظرية (بغضّ النظر عن الكيفية)؛
(2) محاولة «تكذيب النظرية»؛ أي اختبار بعض التنبؤات التي تطرحها النظرية. وإذا لم تجتَز النظرية الاختبار، فإنها تُكذِّب؛ بمعنى أنها تُنحَّى ونعود إلى الخطوة الأولى. وإذا نجحت يستمر اختبارها بطرق مختلفة. يُطلق على هذا النهج «مذهب التكذيب»، وعلى خلاف الاستقراء الإحصائي، يُعد هذا النهج صورةً مبسطة من المنهج العلمي؛ ومن ثم فهو يُجسّد بعض سماته المركزية، لكن ينبغي تجنُّب التعامل مع تفاصيل الصورة بحرفية بالغة، وإلا فسيؤدي ذلك إلى حدوث لَبْس على الأرجح. يمكننا أن نرى هذا من خلال مثال واقعي من فيزياء القرن التاسع عشر. وفقًا لقانون الجاذبية لنيوتن، تدور الكواكب حول الشمس في مدارات بيضاوية، ونقطة حضيض المدار هي النقطة الأقرب إلى الشمس. ووفقًا لجاذبية نيوتن أيضًا، في حالة عدم وجود كواكب أخرى، تظل نقطة الحضيض للكوكب ثابتة في النقطة نفسها من الفضاء في كل مدار، لكن بما أنه «توجد كواكب أخرى، فإن نقطة الحضيض تبعد عن الشمس قليلًا، في كل مدار عن الذي قبله. معنى هذا أنَّ نقطة الحضيض «تتقدَّم» بمقدار يمكن حسابه بقانون الجاذبية لنيوتن.
عندما أجرى علماء الفيزياء هذه العملية الحسابية، وجدوا تباينا بين القيمة التي تنبأت بها النظرية والقيمة التي قاسوها في حالة اثنين من الكواكب السبعة المعروفة آنذاك؛ وهما عطارد وأورانوس. كانت القيم المقاسة ضئيلة، وكذلك كانت قيمة التباين؛ فبالنسبة إلى كوكب عطارد الذي يكون عند أقرب نقطة بينه وبين الشمس، على مسافة تبلغ 44 مليون كيلومتر، تنبَّأت النظرية بأنَّ مقدار تقدم نقطة الحضيض لديه سيساوي تقريبًا 3 آلاف كيلومتر في كل دورة مدارية، وجاءت القيمة المقاسة لتقدم نقطة الحضيض أقل بنحو 20 كيلومترًا. غير أنَّ العمليات الحسابية والقياسات كانت دقيقة بما يكفي – وإن أُجريت في القرن التاسع عشر – لأن تؤكد أن التباين حقيقي.
وفقًا لمبدأ التكذيب كان ينبغي أن تكون تلك نهاية قانون الجاذبية لنيوتن. فقد طرحت النظرية تنبوا، وتبيَّن زيفُ هذا التنبؤ؛ هذا إذن أوان الانتقال إلى النظرية التالية! لكن هذا لم يحدث، ولم يكن ينبغي له أن يحدث فقد ظلت نظرية الجاذبية لنيوتن ناجحة لمئات السنين، وأدَّت إلى إنتاج الكثير من التنبؤات الناجحة والتفسيرات؛ وكان التخلي عنها والبدء من جديد في غياب أي أفكار ملموسة لصياغة نظرية أفضل من شأنه أن يشلَّ علم الفلك. والأهم من ذلك أنه لم يكن صحيحًا تمامًا أنَّ هذا التباين يعني تكذيب نظرية الجاذبية لنيوتن. فعلى غرار جميع نظريات الفيزياء، لا تطرح نظرية نيوتن للجاذبية التنبؤات إلا بالاستعانة بما يُطلق عليه الفلاسفة «الافتراضات المساعدة»: الكواكب الموجودة والمواضع التي توجد فيها، ومدى ضخامتها، والقميرات والكويكبات والسحب الغبارية الأخرى التي يمكن أن تكون قريبة منها، والتأثيرات الأخرى غير المتعلقة بالجاذبية التي قد يكون لها دور، وحتى كيفية عمل التلسكوبات وأدوات قياس الزمن. ربما يكون السبب في شذوذ التقدُّم المداري هو قصورًا في نظرية الجاذبية، لكن من الوارد جدًّا أيضًا أن يكون السبب هو وجود كوكب بعيد آخر لا نعرفه. ويمكننا بالفعل أن نعكس هذا المنطق على النحو التالي: بافتراض أن نظرية الجاذبية لنيوتن صحيحة، فأين ينبغي أن يوجد الكوكب الآخر كي يحل مسألة الشذوذ ؟ عندما طرح علماء الرياضيات ذلك السؤال بشأن كوكب أورانوس وأجابوا عنه، ثم نظر علماء الفلك إلى تلك النقطة في سماء الليل، اكتشفوا الكوكب نبتون حيث كان ينبغي أن يوجد بالضبط.
ماذا عن كوكب عطارد؟ جرَّب العلماء الحيلة نفسها؛ إذا كان هناك كوكب مجهول أقرب إلى الشمس، فربما يفسر الشذوذ. أُطلق على هذا الكوكب الجديد اسم «فولكان»، لكنَّ أحدًا لم ينجح في العثور عليه؛ غير أنَّ ذلك لم يكن دليلا حاسمًا على عدم وجوده، فمن المفترض أنه كوكب شديد القرب من الشمس؛ ومن ثمَّ سيكون شبه خفي في وهجها. لكن بعد مرور وقت طويل، اختلف التفسير تمامًا؛ تنبأت نظرية النسبية العامة لأينشتاين - النظرية المنافسة لنظرية الجاذبية - بمقدار التباين المرصود بالضبط من دون الحاجة إلى أي كوكب إضافي. لدينا إذن واقعتان واضحتان من وقائع التكذيب؛ ونحن ندرك، بأثر رجعي، أنَّ إحداهما كانت بمثابة انتصار لنظرية الجاذبية لنيوتن؛ حيث إنها لم تكذِّب النظرية في حد ذاتها بل الافتراضات المساعدة بشأن المجموعة الشمسية، مما أدى إلى اكتشاف الكوكب الثامن، بينما كانت الواقعة الأخرى تكذيبًا فعليًّا يتمثل في استبدال نظرية جديدة محسنة بنظرية الجاذبية لنيوتن. لكنا لا نستطيع التوصل إلى هذه الاختلافات «إلا» بعد إمعان النظر بأثر رجعي؛ فلم تكن فكرة كوكب فولكان غير منطقية في جوهرها، ولم يكن هناك أي تطوُّر في المنهج العلمي يثني العلماء عن افتراضها، وما كان ينبغي لذلك أن يحدث على أي حال.
ما من اتفاق في الآراء، بشأن كيفية تقديم سردية إيجابية للمنهج العلمي تُضيف تحسينات على مبدأ التكذيب كما لا يوجد اتفاق في الآراء على إمكانية تحقيق ذلك في الأساس. (يطرح فيلسوف العقل جيري فودور الاقتراح الساخر التالي: «حاول ألا تتفوه بأي شيء زائف، وحاول أن تظل يقظا متأهبًا».) على الرغم من ذلك، توجد بعض الأفكار العامة المشتركة بين العديد من السرديات وستفي هذه الأفكار بالأغراض التي نرمي إليها (وسوف أتبع الفيلسوف إمري لاكاتوس والفيلسوف توماس كون، متجاهلا العديد من الفروق بين سردية كل منهما):
(1) ينبغي ألَّا نفكر من منظور وجود نظريات ثابتةٍ تُصاغ على نحو نهائي ثم تختبر بعد ذلك، بل ينبغي أن يُستبدل بهذا الإطار برامج بحثية مستمرة (لاكاتوس) أو «نماذج» (كون) يُستخدم فيها جوهر النظرية؛ من أجل تفسير الظواهر عبر مجموعة من الافتراضات المساعدة التي يمكن تغييرها لتفسير البراهين التي تُجمع تباعًا.
(2) ما يؤدي تحديدًا إلى تقدم البرامج البحثية هو اكتشاف السمات الشاذة التي تفسر فيما بعد. والمعيار الذهبي لهذه التفسيرات أن تؤدي إلى تنبؤات جديدة يجري تأكيدها بعد ذلك (مثل كوكب نبتون).
(4) بمرور الوقت، يمكن أن تتراكم السمات الشاذَّة غير المفسرة، أو تتزايد وتيرة الاختلاق في التغييرات التي تطرأ على الافتراضات المساعدة اللازمة لتفسير السمات الشاذة، وتصبح مرتجلة وغير ناجحة في إنتاج تنبؤاتٍ جديدة، وقد يحدث كلا الأمرين. وفي هذه الحالة، يوصف البرنامج البحثي بأنه أخذ في التدهور (لاكاتوس)، ويوصف النموذج بأنه في أزمة (كون).
(4) على الرغم من ذلك، فمن النادر للغاية أن نتخلّى عن برنامج بحثي إلا عندما يتوافر برنامج منافس أنجح منه ذلك أنَّ البرامج البحثية لا تُختبر على الكون وتُقارن معه فحسب، بل تختبر أيضًا على البرامج البحثية الأخرى وتُقارن معها. (فلم تُعتبر نظرية الجاذبية لنيوتن نظريةً خضعت للتكذيب، إلا بعد نجاح النسبية العامة، التي تمثل البرنامج البحثي الجديد.)
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|