أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-9-2016
1658
التاريخ: 21-4-2022
1972
التاريخ: 4-3-2022
1349
التاريخ: 3-9-2021
1849
|
روي عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: "نيّة المؤمن خيرٌ من عمله، ونيّة الكافر شرّ من عمله، وكلّ عاملٍ يعمل على نيّته"[1].
يظهر من هذا الحديث أهمّيّة النيّة ودورها، لكنّ هذا لا يعني أنّ الأفضل هو الاقتصار على النيّة والاجتزاء بها عن العمل، كما قد يتوهّم بعض البسطاء، وإنّما المراد هو إبراز ما في سريرة المؤمن والكافر، وما فيها من الدفائن التي هي أساس العمل وأصله.
وقد ذكر في بيان المراد من الحديث وجوه، هي:
الأوّل: إنّ المراد من نيّة المؤمن، اعتقاده الحقّ، ونيّة الكافر، اعتقاده الباطل. ولا شكّ في أنّ العقيدة أهمّ من العمل، فعقيدة الحقّ خيرُ الأعمال وباب قَبولها، وعقيدة الباطل توجب ردّ الأعمال والخلود في النار.
وهذا التوصيف ناظر إلى ما ورد عنه عليه السلام أيضاً، في قوله لرجل قال بحضرته: أستغفر الله، فقال له الإمام (عليه السلام): "ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، أَتَدْرِي مَا الِاسْتِغْفَارُ! الِاسْتِغْفَارُ دَرَجَةُ الْعِلِّيِّينَ، وهُوَ اسْمٌ وَاقِعٌ عَلَى سِتَّةِ مَعَانٍ، أَوَّلُهَا النَّدَمُ عَلَى مَا مَضَى، والثَّانِي الْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ الْعَوْدِ إِلَيْه أَبَداً، والثَّالِثُ أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى الْمَخْلُوقِينَ حُقُوقَهُمْ، حَتَّى تَلْقَى اللَّه أَمْلَسَ لَيْسَ عَلَيْكَ تَبِعَةٌ، والرَّابِعُ أَنْ تَعْمِدَ إِلَى كُلِّ فَرِيضَةٍ عَلَيْكَ ضَيَّعْتَهَا، فَتُؤَدِّيَ حَقَّهَا، والْخَامِسُ أَنْ تَعْمِدَ إِلَى اللَّحْمِ الَّذِي نَبَتَ عَلَى السُّحْتِ، فَتُذِيبَه بِالأَحْزَانِ حَتَّى تُلْصِقَ الْجِلْدَ بِالْعَظْمِ، ويَنْشَأَ بَيْنَهُمَا لَحْمٌ جَدِيدٌ، والسَّادِسُ أَنْ تُذِيقَ الْجِسْمَ أَلَمَ الطَّاعَةِ، كَمَا أَذَقْتَه حَلَاوَةَ الْمَعْصِيَةِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَقُولُ أَسْتَغْفِرُ اللَّه".
الثاني: إنّ المراد تقويم النيّة بشكل عامّ، فالمؤمن ينوي الخير دائماً، وقد لا يوفَّق لأدائه على مستوى الكمّ وعلى مستوى الكيف، فينوي الإتيان بالكثير من الأعمال الصالحة ولا يحالفه التوفيق لأداءها، وينوي الإتيان بالطاعات على أفضل وجه، فلا يتيسّر له ذلك كما أراد، فنيّته دائماً تتعلّق بالأفضل وبالأكثر حسناً، وما يأتي به دونها مستوىً، فكانت النيّة عنده أفضل من العمل، وأمّا الكافر فبالعكس تماماً، لأنَّه ينوي الشرّ دائماً، ولا يتهيّأ له كلّ ما نوى وكيفما نوى، فكانت النيّة عنده شرّاً من العمل.
ولعلّ هذا ما يشير إليه بعض النصوص الأخرى، منها:
ما روي من أنّه سئل الإمام الصادق (عليه السلام) عن الخلود في الجنّة والنار، فقال: "إنّما خلّد أهل النار في النار، لأنّ نيّاتهم كانت في الدنيا لو خلّدوا فيها أن يعصوا الله أبداً، وإنّما خلّد أهل الجنّة في الجنّة، لأنّ نيّاتهم كانت في الدنيا لو بقوا أن يطيعوا الله أبداً ما بقوا، فالنيّات تخلّد هؤلاء وهؤلاء"، ثمّ تلا قوله تعالى: ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ﴾[2]، قال: على نيّته"[3].
الثالث: إنّ النيّة لمّا كانت هي الباعث على العمل وأصله وعلّته، والعمل فرعها، فنيّة المؤمن أصل الخير، ونيّة الكافر أصل الشرّ، فكانت لأجل ذلك خيراً من العمل، وشرّاً منه، بهذا اللحاظ.
الرابع: إنّ النيّة روح العمل، والعمل بمثابة البدن لها، وما يلحق البدن من صفات الخير والشرّ تابع للروح وناشئ منها، فكما أنّ الروح هي الأصل، فكذلك النيّة صفة العمل آتية من قبلها.
وربّما كانت هذه الوجوه جميعاً مقصودة، لتقاربها، ولكونها مجموعة لحاظات تلتقي على محلّ واحد، فالنتيجة التي يمكن الالتزام بها، والتي تتناسب مع ذيل الحديث هي: أنّ النيّة أساس العمل وعلّته، وهي المحرّكة للجوارح، وهي تتّبع وضع القلب، فكلّما كان القلب صافياً نقيّاً، خالياً من الكدورات، وعامراً بحبّ الله، وزاهراً بنوره، جاءت النيّة صادقة وخالصة، وانعكست على العمل، فأعطته قيمة عالية، وكذلك العكس عندما يكون القلب مظلماً، خالياً من حبّ الله ومن التعلّق به، انعدمت فيه البصيرة، وعلاه الرين، وامتلأ بالزيغ، فلا تصدر عنه إلّا النيّة الفاسدة، ولا ينتج عنها إلّا العمل الخبيث، ولمّا كانت قدرات الإنسان، مؤمناً كان أو كافراً، محدودة، جاء العمل دون النيّة، كمّاً وكيفاً، وأقلّ تأثيراً من النيّة.
روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "صاحب النيّة الصادقة صاحب القلب السليم، لأنّ سلامة القلب من هواجس المحذورات، بتخليص النيّة لله في الأمور كلّها، قال الله عزَّ وجلّ: ﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾[4]"[5].
وبهذا تظهر أهمّيّة إخلاص النيّة وتصفيتها، فإذا سلمت النيّة، سلم القلب وسلم العمل، فمن هنا يبدأ جهاد النفس، والصلاح والفساد.
روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة الوسيلة أنّه قال: "تصفية العمل أشدّ من العمل، وتخليص النيّة عن الفساد أشدّ على العاملين من طوال الجهاد"[6].
حيث إنّ تصفية العمل بتصفية النيّة وتخليصها من شوائب الكدورات والشرك وحبّ الدنيا. وهذا هو الذي جعله عليه السلام يعقبه بالكلام عن صعوبة تخليص النيّة عن الفساد، وهو الجهاد الأكبر الذي لا ينقطع ولا يقف عند حدّ، فطوبى لمن جاهد نفسه وغلبها وأمسك بزمامها.
وعليه تظهر بصورة جليّة أهمّيّة النيّة ودورها في صفاء القلب والثواب والعقاب، من خلال النصوص الواردة في شأن من بلغه ثواب على عمل، فعمله رجاء ذلك الثواب، ومن بلغه رغبة مولاه في شيء، فجاء به رجاء تحقيق رغبة المولى، فإنّ هذا الانقياد يُعدّ حسناً ودليل خير، وإنْ تبيّن بعد ذلك أنّ المولى لم يكن له رغبة في ذلك ولا طلبه واقعاً.
روي عن الإمام الباقر(عليه السلام) أنّه قال: "من بلغه ثواب من الله على عمل، فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب، أوتيه، وإنْ لم يكن كما بلغه"[7].
وقد جعلت هذه الروايات أساساً لقاعدة فقهيّة أُطلق عليها اسم: "قاعدة التسامح بأدلّة السنن"، وهي تدلّ على أنّ الثواب والعقاب يتركّزان أوّلاً وبالذات على الانقياد والطاعة والنيّة الخالصة الصالحة، فمن صلحت نيّته، صلح أمره وصلح عمله، ومن فسدت نيّته، فسد أمره وفسد عمله.
فالدين - إذاً - لا يقوم إلّا بالنيّة الصادقة، ولا تثبت النيّة الصادقة إلّا بالعمل.
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص84.
[2] سورة الإسراء، الآية 84.
[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص85.
[4] سورة الشعراء، الآيتان 88 ـ 89.
[5] "مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة" المنسوب للإمام الصادق (عليه السلام)، مؤسّسة الأع لميّ للمطبوعات، لبنان - بيروت، 1400ه - 1980م، ط1، ص53.
[6] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج8، ص24.
[7] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص87.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|