أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-6-2016
40209
التاريخ: 15-11-2020
2317
التاريخ: 4-1-2016
18170
التاريخ: 11-10-2014
1646
|
كانت المصاحف العثمانية ـ بصورة عامَّة ـ ذات ترتيب خاصّ يقرب من ترتيب مصاحف الصحابة ـ في أصل المنهج الذي سارت عليه ـ بتقديم الطوال على القِصار ، مع اختلاف يسير .
وكانت خالية عن كلِّ علامة تشير إلى إعجام الحرف ، أو تشكيله ، أو إلى تجزئته من أحزاب وأعشار وأخماس .
وكانت مليئة بأخطاء إملائية ومناقضات في رسم الخطّ ، ويرجع السبب إلى بداءة الخطّ الذي كان يعرفه الصحابة آنذاك .
تلك أوصاف عامَّة جرت عليها تلكمُ المصاحف نفصِّلها فيما يلي :
1 ـ الترتيب :
تقدَّم الكلام عن ترتيب المصحف العثماني ، هو الترتيب الحاضر في المصحف الكريم ، وهو الترتيب الذي جرت عليه مصاحف الصحابة حينذاك ، ولاسيَّما مصحف أُبَي بن كعب ، لكنَّه خالفها في موارد يسيرة .
من ذلك : أنَّ الصحابة كانوا يعدّون سورة يونس من السبع الطوال ، فكانت هي السورة السابعة (1) ، أو الثامنة (2) في ترتيب مصاحفهم .
لكنّ عثمان عمَد إلى سورة الأنفال فجعلَها هي وسورة براءة سابعة السبع الطوال ، زعمَهما سورة واحدة وأخَّر سورة يونس إلى سورة المئين ، الأمر الذي أثار ابن عبّاس (3) ليعترض على عثمان ، قائلاً : ما حَملَكم على أن عمَدتم إلى الأنفال وهي من المثاني (4) ، وإلى براءة وهي من المئين ، فقرَنتم بينهما ، ولم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم (5) ، ووضعتموهما في السبع الطوال ؟! .
قال عثمان : ( كان رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) تنزل عليه السورة ذات العدد ، فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض مَن كان يكتب ، فيقول : ( ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يُذكر فيها كذا وكذا ) ، وكانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة ، وكانت براءة من آخر القرآن نزولاً ، وكانت قصّتها شبيهة بقصَّتها ، فظننتُ أنَّها منها ، فقُبض رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ولم يبيِّن لنا أنَّها منها ؛ فمن أجْل ذلك قرنتُ بينهما ، ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ، ووضعتهما في السبع الطوال ) ، قال الحاكم : ( والحديث صحيح على شرط الشيخين ) (6) .
وهذا يدلّ على اجتهاد الصحابة في ترتيب المصحف ، فكان عثمان يعرف أنَّ آيات من سوَر ربَّما كان يتأخّر نزولها ، فيأمر النبي ( صلّى الله عليه وآله ) أن توضع موضعها من السورة المتقدِّمة ، فزعم عثمان أنَّ سورة براءة هي من تتمَّة سورة الأنفال (7) ؛ لتشابه ما بينهما في السياق العامّ : تعنيف بمناوئي الإسلام من كافرين ومنافقين ، وتحريض بالمؤمنين على الثبات والكفاح ؛ لتثبيت كلمة الله في الأرض ، وحيث لم يرِد نقل بشأنهما ، فقرَن بينهما ، وجعلهما سورة واحدة هي سابعة الطوال .
ولعلَّه لم يتنبَّه أنَّ سورة براءة نقمة بالكافرين ، ومن ثمَّ لم تنزل معها التسمية التي هي رحمة ، حيث لا يتناسب بدْء نقمة برحمة ، قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ( البسملة أمان ، وبراءة نزلت بالسيف ) (8) .
وهكذا اختلافات يسيرة جاءت في المصحف العثماني مع بقيَّة المصاحف ، لا في أُصول منهج الترتيب العام ، بل في سوَر كلِّ نوع من التنويع المتقدّم ، وكان الجدول السابق كفَل بيان هذا الاختلاف .
2 ـ النقط والتشكيل :
كانت المصاحف العثمانية خلْواً عن كلِّ علامة مائزة بين الحروف المعجمة والحروف المهملة ، وفْق طبيعة الخطّ الذي كان دارجاً عند العرب آنذاك ، فلا تمييز بين الباء والتاء ، ولا بين الياء والثاء ، ولا بين الجيم والحاء والخاء ، وهكذا كان مجرَّداً عن الحركة والإعراب ، وكان على القارئ بنفسه أن يميِّز بينهما عند القراءة حسب ما يبدو له من قرائن ، كما كان عليه أن يعرِف هو بنفسه وزن الكلمة وكيفية إعرابها أيضاً .
ومن ثمَّ كانت قراءة القرآن في الصدر الأوَّل موقوفة على مجرَّد السماع والنقل فحسب ، ولولا الإسماع والإقراء كانت القراءة في نفس المصحف الشريف ممتنعة تقريباً .
مثلاً : لم تكن كلمة ( تبلو ) تفترق في المصحف عن كلمة ( نبلو ) ، أو ( نتلو ) ، أو ( تتلو ) ، أو ( يتلو ) ، وكذا كلمة ( يعلمه ) لم تكن تتميَّز عن كلمة ( تعلمه ) ، أو ( نعلمه ) ، أو ( بعلمه ) .
وهكذا قوله : {لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً } [يونس: 92] ربّما قرأه بعضهم : لِمن خلقك .
وفيما يلي أمثلة واقعية ، اختلفت القراءة فيها ، مغبَّة خلوّ المصاحف من النُقَط :
في سورة البقرة : 259 ( ننشزها ) ، ( ننشرها ) ( تنشرها ) (9) .
في سورة آل عمران : 48 ( يعلمه ) ، ( نعلمه ) (10) .
في سورة يونس : 30 ( تبلو ) ، ( تتلو ) (11) .
في سورة يونس : 92 ( ننجّيك ) ، ( ننحّيك ) (12) .
في سورة العنكبوت : 58 ( لنبوئنّهم ) ، ( لنبوينَّهم ) (13) .
في سورة سبأ : 17 ( تجازي ) ، ( يجازي ) (14) .
في سورة الحجرات : 6 ( فتبيَّنوا ) ، ( فتثبَّتوا ) (15) .
إلى غيرها من أمثلة ، وهي كثيرة .
* * *
هذا ، وخلوّ المصاحف الأوَّليَّة من علائم فارقة ، كان عُمدة السبب في اختلاف القراءات فيما بعد ، إذ كان الاعتماد على الحفْظ والسماع ، وبطول الزمان ربَّما كان يحصل اشتباه في النقل أو خلْط في السماع ، ما دام الإنسان هو عُرضة للنسيان ، والاشتباه حليفه مهما دقَّق في الحِفظ ، لو لم يقيِّده بالكتابة ، ومن ثمَّ قيل : ( ما حُفظ فرَّ ، وما كُتب قرَّ ) .
أضف إلى ذلك : تخلخل الأُمم غير العربية في الجزيرة ، وتضخّم جانبهم مطّرداً مع التوسعة في القطر الإسلامي العريض ، فكان على أعضاء المشروع المصاحفي في وقته أن يفكّروا في مستقبل الأمّة الإسلامية ، ويضعوا علاجاً لِمَا يُحتمل الخلل في قراءة القرآن قبل وقوعه ، ولكن أنّى وروح الإهمال والتساهل كان مسيطراً تماماً على المسؤولين آنذاك .
هذا ، وقد أغرب ابن الجزري ، فزعم أنَّ المسؤولين آنذاك تركوا وضع العلائم عن عمدٍ وعن قصدٍ لحكمة ! قال : وذلك ليحتمل الخطّ ما صحّ نقله وثبتت تلاوته عن النبي ( صلّى الله عليه وآله ) ، إذ كان الاعتماد على الحفْظ والسماع لا على مجرَّد الخطّ (16) .
ووافقه الزرقاني على هذا التبرير المفضوح ، قال : كانوا يرسمونه بصورة واحدة خالية من النقَُط والشكل ؛ تحقيقاً لهذا الاحتمال (17) .
لكن لا مجال لهذا التبرير ، بعد أن نعلم أنَّ الخطَّ عند العرب حينذاك كان بذاته خالياً عن كلِّ علامة مائزة ، وكان العرب هم في بداءة معرفتهم بالخطّ والكتابة ، فلم يكونوا يعرفون من شؤون الإعجام والتشكيل وسائر العلائم شيئاً لحدّ ذاك الوقت .
________________
(1) في مصحف ابن مسعود .
(2) في مصحف أُبَيّ بن كعب .
(3) سبقَ أنّ عضويَّته في لجْنة توحيد المصاحف كانت متأخّرة .
(4) لعلّه ينظر إلى مصحف ابن مسعود الذي جعلها من المثاني ، أمّا في مصحف أُبَي بن كعب فهي من المئين .
(5) أيضاً ينظر إلى مصحف ابن مسعود الذي أثبت فيه البسملة لسورة براءة .
(6) مستدرك الحاكم : ج2 ، ص221 و330 .
(7) وهكذا روى العيّاشي (ج1 ، ص73) بسنده عن أحدهما ( عليهما السلام ) قال : ( الأنفال وسورة براءة واحدة ) .
وهناك اختلاف بين العلماء في أنَّهما سورة واحدة أم اثنتان ؟ ( راجع مجمع البيان : ج5 ، ص2 ) ، وربَّما كان يرجّح القول بأنَّهما سورة واحدة ما ورد : ( إنَّما كان يُعرَف إنقضاء السورة بنزول بسم الله الرحمن الرحيم ابتداءً للأُخرى ) . ( العياشي : ج1 ، ص19 ) .
(8) مستدرك الحاكم : ج2 ، ص 330 . الإتقان : ج1 ، ص65 . مجمع البيان : ج5 ، ص2 .
(9) راجع : مجمع البيان : ج2 ، ص368 .
(10) راجع نفس المصدر : ج2 ، ص444 .
(11) راجع نفس المصدر : ج5 ، ص105 .
(12) راجع نفس المصدر : ج5 ، ص130 .
(13) راجع : مجمع البيان : ج8 ، ص290 .
(14) راجع نفس المصدر : ج8 ، ص384 .
(15) راجع نفس المصدر : ج3 ، ص94 ، وج 9 ، ص131 .
(16) النشر في القراءات العشر : ج1 ، ص7 .
(17) مناهل العرفان : ج1 ، ص251 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|