أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-05-18
985
التاريخ: 2024-04-18
837
التاريخ: 22-4-2016
1927
التاريخ: 2024-06-06
732
|
(ولا يبعد كون أغلب التضعيفات التي طعن فيها على الغلاة ممّن تأخّر عن ابن قولويه بعشرات السنين ناشئاً عن اغترارهم بما ذكر من أحوالهم بعد انحرافهم من مقالاتهم الباطلة وترويج بضائعهم الكاسدة وعقائدهم الفاسدة، غافلين عن هجران الأصحاب للرواية عنهم حينها وكون ما روي عنهم في كتبنا المعروفة المشهورة إنّما كان حال استقامتهم ووثاقتهم في الحديث).
أقول: هذا كلام لا يبتني على التتبّع والتحقيق، فإنّ من له إلمام بطريقة الأصحاب في تأليف كتب الروايات والأحاديث يعلم أنّهم لم يكونوا يقتصرون فيها من روايات الغلاة والفاسدين على ما تمّ تلقّيها منهم قبل انحرافهم.
ومن شواهد ذلك أنّ كتاب نوادر الحكمة لمحمد بن أحمد بن يحيى الذي كان من أشهر كتب الحديث عند الإماميّة، وقد عدّه الصدوق (قده) في مقدّمة الفقيه (1) من (الكتب المشهورة التي عليها المعوّل وإليها المرجع) استثنى منه بنفسه عند روايته إيّاه في فهرسته (2): (ما كان فيه من غلو وتخليط) مصرّحاً بأنّه يقصد به ما كان من روايات من ذكرهم أستاذه ابن الوليد.
ومن الشواهد عليه أيضاً ما تقدّم آنفاً من التقييد بحال الاستقامة في بعض روايات الغلاة ومنحرفي المذهب، فإنّه إذا كان دأبهم الاعراض عن روايات هؤلاء بعد انحرافهم فما الوجه في التقييد المذكور؟! ولحشد سائر الشواهد على هذا محل آخر.
(وأمّا ادعاء كون الاستقامة في كثير من المنحرفين فرضاً لا شاهد عليه فيدفعه كلام الشيخ الطوسي (قده) في عدّته: وأمّا ما ترويه الغلاة والمتّهمون والمضعّفون وغير هؤلاء فما يختص الغلاة بروايته فإن كانوا ممّن عرف لهم حال استقامة وحال غلو عمل بما رووه في حال الاستقامة وترك ما رووه في حال خطئهم، ولأجل ذلك عملت الطائفة بما رواه أبو الخطّاب محمد بن أبي زينب في حال استقامته وتركوا ما رواه في حال تخليطه، وكذلك القول في أحمد بن هلال بن العبرتائي وابن أبي العزاقر وغير هؤلاء، فأمّا ما يرويه في حال تخليطهم فلا يجوز العمل به على كل حال، وكذلك القول فيما ترويه المتّهمون والمضعّفون.
وكلامه (قده) إن دلّ على شيء فإنّما يدل على حالة متفشية في كثير من الرواة، بنحو يتناسب معها الرواية عنهم وإدراج مرويّاتهم في كتب الأصحاب الذين يحترزون عادة عن أخبار من اشتهر بالكذب والوضع والغلو لولا كونها منقولة عنهم زمن الاستقامة، ولا يسع المجال لحشد الشواهد وجلب الموارد).
أقول: يرد عليه أنّ احتمال وجود حالة استقامة لأولئك المضعّفين المذكورين في كامل الزيارات كانوا فيها من ثقات أصحابنا لا يعدو كونه مجرّد احتمال لا شاهد عليه بوجه، بل ينبغي القطع بخلافه في أكثرهم، فإنّه لو كانت لأكثرهم حالتان من هذا القبيل لتمثّل ذلك في كتب الرجال، كما نجده بالنسبة إلى بعض الرواة ممّن كانوا منحرفين ثم اهتدوا أو كانوا مهتدين ثم انحرفوا.
ومن الغريب الاستشهاد للمدّعى المذكور بكلام الشيخ (قده) في العدّة ودعوى دلالته على أنّ ذلك كان أمراً متفشياً، فإنّه لا يستفاد من كلامه (قده) تفشّي الحالة المذكورة، بل مجرّد وجودها بمقدار معتد به، وهذا لا ينكر؛ ولذلك نبّه على ضرورة الاقتصار في العمل برواياتهم على ما كانت من مرويّاتهم في زمان الاستقامة إلا مع احتفافها بالقرائن. ولكن الكاتب ضمّ إلى ذلك ما زعمه من تحرّز الأصحاب عادة عن أخبار المشهورين بالكذب والوضع، والغلو فاستنتج منه أنّ روايات هؤلاء المبثوثة في كتبنا إنّما هي منقولة عنهم في زمن الاستقامة إلا أنّ هذا وهم محض، بل هي بقسميها مبثوثة في كتبنا، ومتى أريد التمييز بينهما قيّد النقل عنهم بحال الاستقامة كما مرّ بعض نماذجه.
(ثم كلامه صريح في مفروغيّة الأصحاب عن ترك ما رواه الغلاة وأضرابهم حال انحرافهم وفسادهم، فما ورد في كتبنا يحمل على ذاك المحمل الحسن، وأمّا ادعاء كونها كلها مرويّة عنهم في حال الانحراف، لأنّها اقترنت بقرائن الاطمئنان بالصدور فبعيد جداً في مثل هذه الموارد الكثيرة التي لا تخفى على من راجعها من روايات وكتب ومصنّفات وأصول لم تهجر ولم تستثن، وهذا باب وسيع يحتاج إلى فرصة أخرى إن شاء الله تعالى).
أقول: ما ذكره الشيخ (قده) إنّما هو عدم العمل بروايات الغلاة وأمثالهم إذا كانت مروية عنهم حال تخليطهم، لا عدم ايرادها في كتب الحديث، بل يظهر منه المفروغية عن تداول إيرادها فيها، ولذلك احتاج إلى التنبيه على ضرورة عدم العمل بهذا القسم من رواياتهم، وهذا أيضاً ليس على إطلاقه بل فيما إذا لم تكن قرينة على صحتها، وقد بتر الكاتب كلامه (قده) وحذف المقطع الدال على هذا المعنى، وهو قوله (3): (وإن كان هناك ما يعضد روايتهم ويدل على صحتها وجب العمل به، وإن لم يكن هناك ما يشهد لروايتهم بالصحة وجب التوقف في أخبارهم).
وذكر (قده) في موضع آخر من العدّة (4) ما لفظه: (فأمّا ما رواه الغلاة ومن هو مطعون عليه في روايته ومتّهم في وضع الأحاديث فلا يجوز العمل بروايته إذا انفرد، وإذا انضاف إلى روايته رواية بعض الثقات جاز ذلك ويكون ذلك لأجل رواية الثقة دون روايته).
وبما ذكره في الموضعين يظهر الوجه فيما يلاحظ من وجود أعداد غير قليلة من روايات الضعفاء والمطعونين في كتب المتقدّمين حتى ما كانت معدة للعمل بها كالكافي والفقيه.
(فظهر جليًّا كون الاستبعاد المدّعى في غير محلّه، والحمد الله).
أقول: بل تجلّى بأوضح من ذي قبل تمامية الاستبعاد المذكور وأنّه في محلّه جداً، بل يبدو لي كونه مع سائر الشواهد والقرائن موجباً للاطمئنان ـ لمن كان من أهل هذا الفن - بعدم كون ابن قولويه قاصداً بما أورده في مقدّمة الكامل توثيق جميع رواته، وقد تمّ تحرير هذ المقالة في ضوء ما استفيد من الأستاذ (دام تأييده) بمراجعته والمذاكرة معه، والحمد لله أولاً وآخراً وصلّى الله على نبيّه وآله الأطهار.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) من لا يحضره الفقيه: ج1، ص 4.
(2) الفهرست: ص 410.
(3) العدّة في الأصول: ج1، ص 151.
(4) العدّة في الأصول: ج1، ص 135.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم الشؤون الفكرية يختتم مسابقة دعاء كميل
|
|
|