أقرأ أيضاً
التاريخ: 15-1-2017
6045
التاريخ: 6-5-2021
3563
التاريخ:
12453
التاريخ: 7-11-2016
1836
|
جعلت طبيعة الأرض السكان في الشمال قسمين: حضر وبدو، فأما الحضر: فهم الذين كانوا يسكنون المدن، وقد ذكرنا في الفصل العاشر تاريخ أهم مدائنهم مكة والمدينة، ونظام الحكم فيهما، وحالتهما الاجتماعية، ونريد أن نذكر هنا أن الفروق بين البدو والحضر لم تكن محددة تمامًا؛ فقد كانت هناك حالة نصف بدوية وحالة نصف حضرية؛ ذلك لأن فريقًا من البدو كانوا في الأصل حضرًا، وفريقًا من الحضر كانوا في الأصل بدوًا، والحضر هم سكان المدن، أما البدو فهم سكان البادية، الذين ليست لهم مدائن يقيمون فيها، وكانوا قبائل، لكل قبيلة رئيس أو شيخ يحكمها، حسب العرف الذي كان يقوم عندهم مقام القانون الذي كان يرجع إليه الحضر، وكانت طبيعة البيئة التي تحيط بهم تحدوهم دائمًا إلى التقاطع وغزو بعضهم بعضًا، فكانت كلمتهم متفرقة، على أنه كان يحدث أن تتحالف جملة قبائل، فتصبح تحت لواء واحد، وتكون الكلمة العليا فيها لمن بيده هذا اللواء، وكان الوصول إلى رئاسة القبيلة أو القبائل المتحالفة إنما يكون بالغلبة أو بالحزم أو بالمال أو بالدسائس، وكان رئيس القبيلة يمارس على أفراد قبيلته نفوذًا لا حد له، فكلمته أمر يطيعه الجميع، وكثيرًا ما كان يستبد رؤساء القبائل استبدادًا شديدًا، كما يُستدل على ذلك من أخبار بعض أيام العرب [راجع فقرة حرب البسوس]، وكانت العصبية بين أفراد القبيلة عظيمة جدًّا، حتى إن القبيلة كانت تقوم بأجمعها انتصارًا لفرد من أفرادها، وينصرونه ظالمًا أو مظلومًا، فإذا تغلب العقل على بعض أفرادها كان ذلك وصمة عار لا تُمحى، ويلي الاهتمام بالعصبية الاهتمام بالنسب، ويدخل في باب النسب الولاء؛ فللمولى من الحقوق ما للنسيب، والنسب يكون في بني الأب الواحد، فإذا تشعبت البطون وافترق بنو الأب إلى قبائل — انحلت روابط القرابة، وحصل التنازع بين القبيلتين، ويقوم مقام النسب الحلف وهو بين قبائل العرب كالمعاهدات السياسية في الوقت الحاضر — ويكون بين أهل النسب الواحد أو بين القبائل المتباعدة في النسب، ومن أشهر أحلافهم التي رواها التاريخ: حلف المطيبين، وحلف الفضول، ويقوم مقام النسب والحلف الجوار، وهذا يجب الدفاع عنه والوفاء له، ولو أدى إلى سفك الدماء، وبذل الأموال.
وكانت طبقاتهم في النسب كالآتي:
(1) الشعب: وهو النسب الأبعد.
(2) والقبيلة: وهي الفرع من فروع الشعب.
(3) والعمارة: وهي قسم من القبيلة.
(4) والبطن: وهم فريق من العمارة.
(5) والفخذ: وهم فريق من البطن.
(6) والفصيلة: وهم فرقة من الفخذ.
وكان يشترط في شيخ القبيلة أو الزعيم — إطلاقًا — خمس صفات هي: الشجاعة والكرم والحلم والثروة وكثرة الأنصار، وكان توافر هذه الشروط من الأمور التي تستلزمها طبيعة الحياة البدوية، فالشجاعة كانت مطلوبة؛ لأن البيئة البدوية بيئة غزو وغارات؛ لأنها بيئة قليلة الموارد، فالقبيلة التي كانت لا تملك شيئًا ترى من حقها أن تأخذ ممن يملك، إن لم يكن بالتفاهم فبالغزو، حتى لقد أصبح الغزو حالة عقلية مزمنة، فإذا لم يجد البدوي من يغزوه، غزا أصدقاءه، ولقد صدق الشاعر — القطامي — الذي قال:
نغير من الضباب على حلول وضبة إنه من حان حانا
وأحيانًا على بكر أخينا إذا ما لم نجد إلا أخانا
ولم يكن البدو حريصًا — رغم هذا — على إراقة دم أخيه أو إراقة دمه، فإذا استطاع أن يصل إلى ما يريد دون إراقة دم فبها ونعمت، والكرم والضيافة — أيضًا — من مستلزمات هذه البيئة، فقد كانا يخففان من شرور الغزو، وكان الامتناع عن إكرام الضيف في أرض ليس فيها حانات ولا فنادق، أو الإضرار به بعد قبوله ضيفًا — يعتبر جريمة من الجرائم ضد مبادئ الأخلاق والشرف المعترف بها في البادية، وأما الحلم فكانت تستلزمه البيئة أيضًا؛ لأن الجميع وُلدوا في مهاد الديموقراطية، فترى البدوي يقابل شيخه وقد وقف معه على قدم المساواة؛ لأن المجتمع الذي وُلد فيه قد سوى بين الجميع وكما كان البدوي ديموقراطيًّا، كذلك كان أرستقراطيًّا، يعتقد أنه أعلى مثل للخليقة، والأمة العربية في نظره هي أفخر الأمم وأكثرها نبلًا، والرجل المتمدين أو ساكن الحضر أقل منه سعادة ودونه في الرتبة؛ وقد يكون سبب ذلك أن الصحراء عصمت البدو من الاتصال بالعالم الخارجي، وكانت من العوامل التي أبقت على البدوي نقاء دمه، وخلوص لغته، وقداسة تقاليده. والثروة لازمة لشيخ القبيلة؛ لأنها تسهل له القيام بواجباته الأخرى كالكرم، ولكي يحفظ البدو على الشيخ أمواله كانوا إذا أصابوا غنائم في غارة من غاراتهم استخلص الزعيم لنفسه ما يأتي:
(1) الصفي: وهو ما يصطفيه لنفسه قبل القسمة.
(2) النشيطة: وهو ما يصيبه في الطريق قبل أن يصل إلى من يريد غزوهم.
(3) المرباع: وهو ربع الغنيمة.
(4) الفضول: وهو ما لا تصح قسمته على عدد من الغزاة كالبعير والفرس.
وقد جمعها بعضهم في قوله:
لك المرباع منها والصفايا وحكمك والنشيطة والفضول
وقلَّ إن كنت تجد من بين أهل الصحراء سمينًا مترهلًا، والسبب في ذلك يرجع إلى قلة الغذاء، وإلى إقفار ما حولهم من أرض، لقد كان البدو — على حد تعبيرهم — مجموعة أو حزمة من الأعصاب والعظام والعضلات الدقيقة، وكان طعامهم اليومي من التمر المخلوط بالدقيق أو القمح المحمص مع الماء واللبن، كذلك كان لباسهم بسيطًا كطعامهم، فكانوا يلبسون ثوبًا هو عبارة عن قميص طويل يتمنطقون عليه ويضعون فوقه عباءًا، أما لباس الرأس فكان الكوفية يُحيط بها العقال، ولم يكونوا يلبسون السراويل، وقلَّ أن كانوا يلبسون النعال. وكان أشهر صفات ذلك البدوي الصبر والمروءة، وهي في نظرهم وليدة فضيلتين هما الشجاعة والكرم، وخير ضروب الشجاعة ما كان دفاعًا عن القبيلة. وكانت كل أسرة تعيش داخل خيمة واحدة قد تكون من الوبر أو الجلد، فإذا اجتمعت عدة خيام في معسكر واحد أُطلق عليها اسم الحي، وأعضاء الحي الواحد يُطلق عليهم اسم القوم، وإذا تجمع عدة أقوام تربطهم صلة القربى كونوا ما يُعرف باسم القبيلة، ويعتبر أفراد القوم الواحد أنفسهم أبناء دم واحد يخضعون لرئيس واحد، هو في الغالب أسن أعضاء القوم ويتداعون إلى الحرب بقولهم: يا بني فلان، وفي بعض الأحوال يدعون بيا بني فلانة، مما يدل على بقايا نظام الأمومة الذي كان أسبق على نظام الأبوة، وكان البدوي لا يملك ملكًا خاصًّا إلا خيمته، وما تنطوي عليه من متاع متواضع، أما الماء والمرعى والأرض الزراعية — إن وجدت — فكانت ملكًا للقبيلة بأجمعها، وإذا ارتكب أحد أفراد القبيلة في داخلها جريمة القتل — لم يجد من يحميه، فإذا فر عُد طريدًا أو خارجًا على القانون، فإذا حدثت جريمة القتل خارج القبيلة احتمل أي فرد من القبيلة الجناية، كما لو كان هو الجاني، وكان العُرف القائم في الصحراء ينص على أن الدم لا يغسله إلا الدم، ولقد كان هذا المبدأ هو الأساس في كثير من أيام العرب التي وصفنا بعضها سابقًا، وكان في بعض الأحيان تُقبل الدية.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|