أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-09-28
1269
التاريخ: 2023-10-15
1031
التاريخ: 2024-09-21
258
التاريخ: 2023-11-15
1199
|
وكانت الاضطراباتُ الداخليةُ التي نجمت في الدولة العربية الإسلامية عن مقتل عثمان بن عفان قد انتهت، فاستتبَّ الأمرُ لمعاوية بن أبي سفيان (661–680)، ومعنى هذا — في رأينا — أن الأمر استتب لتجار قريش، أولئك الذين قدروا عظمة التجارة التي كانت تربط حوض المتوسط بالشرق الأقصى، فكان — بالتالي — طبيعيًّا أن يدركوا مبلغ الخسارة التي حلَّت باللبنانيين والسوريين والمصريين من جراء ما سبب لهم الفتح العربي من انقطاع عن أسواقهم في آسية الصغرى والبلقان واليونان وإيطالية وفرنسة وإسبانية وألمانية وبريطانية، وهكذا لم يروا بدًّا من متابعة الحرب ضد الروم ودفعها إلى نتيجة حاسمة.(1) وكان معاوية ومن حوله يعلمون علم يقين أن رغبة الروم في العودة إلى القتال لم تنتهِ، وقد اغتنم قسطنطين الثالث فرصةَ انشغال معاويةَ بالمشاكل الداخلية فَدَسَّ إلى جبال الساحل السوري اللبناني بضعة آلاف من المردة يُغيرون منها على الحواضر والأرياف فيُهددون سيادة العرب في الشام، ويعيثون في البلاد فسادًا، وكان معاوية قد صالح قسطنطين هذا على مال يؤديه له كل سنة شرط أَنْ يقطع قسطنطين الإعانة عن المردة.(2) ولكن قسطنطين الثالث اغتيل سنة 668 في سرقوصة، وفي سرقوصة هذه أعلن مزيزيوس Mizizios رغبته في العرش وثار سابوريوس Saborios القائد في أرمينية، واعتلى أريكة المُلك في القسطنطينية فتًى يافعٌ، وتمرَّد الجُند مُطَالِبِينَ بحق هرقل وطيباريوس شقيقَي قسطنطين الرابع في الملك، واستنجد سابوريوس بالعرب، فرأى معاوية والحالة هذه أَنَّ الفرصة سانحةٌ لضرب الروم ضربةً قاضية يستولي بها على القسطنطينية نفسها، وكان قد احتاط لأمر المردة فاستقدم عددًا كبيرًا من الفُرس وأسكنهم مدن الساحل اللبناني (عكة وصيدا وبيروت وجبيل وطرابلس) وأَتْبَعَهم في السنة 669 غيرهم من أهل العراق.(3) وكان معاويةُ قد عُنِيَ أيضًا بترميم الحصون الساحلية مع ما فيها أسوار الإسكندرية، وإذا به يقوم بمناورة عسكرية بحرية وبرية في الغرب ليضلل خصمه، فيغزو صقلية في السنة 669 وينفذ عقبة في السنة 670 إلى حُدُود ولاية أفريقية، ولكنه في الوقتِ نفسه عمد إلى سبر غور الدفاع البيزنطي في قبدوقية في السنة 669،(4) فإذا بطلائعِ جيشِهِ تصل إلى القسطنطينية، وكان بطل هذه الحملة أبا أيوب الأنصاري، وقد تُوُفي في أثنائها ودُفن خارج أسوار عاصمة الروم، أما قائد الحملة فكان فضلة بن عبيد الأنصاري يؤيده يزيد بن معاوية. ومن طريف الأخبار التي اقترنت بهذه الحملة ما نُقل عن بنت ملك الروم وبنت جبلة بن الأيهم الغساني، فقد روي أن بنت ملك الروم كانت إذا رجحت كفة قومها تُقيم الزينة على قصرها في العاصمة، وكانت بنت جبلة تُقيم الزينة على قصرها إذا رجحت كفة العرب، وهذا ما رغَّب يزيد بن أبي سفيان في فتح المدينة للحصول على بنت جبلة. وفي ربيع السنة 673 وصلت عمارةٌ عربيةٌ إسلاميةٌ كبيرةٌ إلى مياه القسطنطينية، تحاصر عاصمة الروم من البحر وتُحاول إنزال الجنود إليها، فصدتها مراكبُ الروم، وفي الخريف عادتْ هذه العمارة إلى شبه جزيرة كيزيكوس؛ لتمضي فصل الشتاء ولتتلقى المؤن والذخائر من الساحل السوري اللبناني، وفي الربيع التالي استأنف المسلمون الحصار فارتدوا ثانيةً، فعادوا يصرفون الشتاء في كيزيكوس، وظلوا كذلك حتى المرة الرابعة، واستعمل الرومُ في هذا الحصار الذي دام أربع سنوات (673–677) سلاحًا جديدًا أَعَدَّهُ مهندسٌ لبنانيٌّ كان قد فَرَّ من بلده بعلبك عند دخول العرب المسلمين إليها، وهو كالينيكوس الشهير. واختراع كالينيكوس هذا الذي نَشَرَ الذعر في صفوف العرب المسلمين كان عبارة عن حراريق نارية مركبة من النفط والقطران والكبريت وغيرها من المواد السريعة الاشتعال إذا صُبَّت على جيشٍ أحرقته وإن سقطت في الماء لم تنطفئ، وقد دعاها الروم آنئذٍ النار البحرية، ثم سميت فيما بعد النار الإغريقية (5). واستخدم الروم جنودهم وأصدقاءَهم في جبال طوروس والأمانوس ولبنان للقيام بغارات جريئة في بلاد الشام نفسها تعرقل أعمال التموين وتهدد العاصمة العربية نفسها(6)، وجاءت السنة 677 فإذا بالعرب يعودون إلى الحصار، فانطلقت لصدهم مراكبُ النار البحرية فأحرقت عددًا كبيرًا من مراكب العرب، فاضطر ما بقي من العمارة العربية للعودة إلى قواعده في الشام، وهبَّت عاصفةٌ هوجاءُ حطمت قسمًا آخر، وطارد البيزنطيون البقية الباقية فغنموا معظمها(7)، وفي السنة 678 فاوض معاوية الروم في الصلح فأَقروه عليه لثلاثين سنة، شرط أن يدفع لهم ثلاثةَ آلاف قطعة من الذهب وخمسين عبدًا وخمسين جوادًا عربيًّا عن كل سنة فقبل(8)،»فأصبح اسم قسطنطين الرابع مَحَطَّ احترامِ القبائل البربرية الضاربة في الأراضي المحيطة بدولة الروم، وأرسلت هذه القبائل تخطب ودَّه، ورأت الدول الأُخرى في غرب أوروبة أن رومة الجديدة لم تَقِلَّ في عظمتها وأهميتها عن رومة القديمة الخالدة(9)«. وغامر عقبةُ بن نافع في هذه الآونة في أفريقيا الشمالية فبلغ طنجة «وجوَّل لا يعرض له أحدٌ ولا يقاتله « (10) وأوطأ فرسه الماء حتى بلغ الماءُ صدره وقال: «اللهم اشهد أني قد بلغت المجهود ولولا هذا البحر لمضيت في البلاد أُقاتل من كفر بك حتى لا يُعبد أحدٌ من دونك «(11) وكان قد أهمل أمر المدن المحصنة على ساحل البحر، فتناول رجالها المدد من الروم بعد أن حُطِّم الأسطولُ العربي، وتفاهموا وكُسَيلة أحد زعماء البربر، وعرضوا لعقبة في مكان يُقال له تهوذة في الجزائر في السنة 683 فقتلوا عقبة ومن كان معه(12)، واستغلَّ كُسَيلة نصره ودخل القيروان فأقام بها إلى أَنْ قَوِيَ أَمْرُ عبد الملك بن مروان(13). وتُوُفِّيَ يزيدُ بن معاوية في السنة 683، وتولى الخلافة بعده ابنُهُ معاويةُ الثاني، ورأى هذا أنه ليس بأهلٍ للخلافة، فخلع منها نفسه ولم يعين له خليفة، فعادت الأُمُور إلى ما كانت عليه قبل ثلاث سنوات عندما تُوُفي معاوية الأول، وتبوأ العرش مروان بن الحكم والأعداء له بالمرصاد، وكان رجلًا طاعنًا في السن، وكان قسطنطين الرابع قد استغل مشاكلَ يزيدَ فأكرهه على الخروج من قبرص. وجاءَت مشاكلُ معاوية الثاني ومروان فزحفت جيوش قسطنطين عبر الحدود الجنوبية، فدكَّت حصون ملاطية وأَجْلَت العرب عن جرمانية «مرعش» (683)، وتُوُفي مروان فاضطر ابنُهُ وخليفتُهُ عبد الملك أن يُفاوض الروم وأن يدفع مالًا سنويًّا أكثر مما كان العرب يدفعون من قبل، وتم الصلح على هذا الشرط في السابع من تموز سنة 685 (14).
.........................................
1- Lewis, A. R., Naval Power and Trade in the Mediterranean, 54-55
2- البلاذري، فتوح البلدان، ص159 . Theophanes, Chronographia, 347.
3- الأعلاق النفيسة لابن رستة، ص337، والبلاذري أيضًا.
4- Theophanes, Op. Cit., 532-533.
5- Zenghlis, C., Le Feu Grégeois, Byzantion, 1932, 265–288; Schlumberger, G., Un Empereur Byzantin, 53ff
6- Theophanes, Chron. 356; Lammens, H., Moawia, 18–20.
7- Canard, M., Expéditions des Arabes Contre Constantinople, Journal Asiatique, (1925-26) , 77–80.
الدكتور إبراهيم أحمد العدوي، الإمبراطورية البيزنطية، ص56–58.
8- Theophanes, Chron., 356
9- الدكتور إبراهيم العدوي: المرجع نفسه، ص58-59.
10- ابن عبد الحكم، ص198.
11- المالكي، رياض النفوس، 25.
12- ابن عبد الحكم، ص198.
13- ابن الأثير، ج4، ص91.
14- Brooks, E. W., Op. Cit., 405-406.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|