المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
عمليات الخدمة اللازمة للجزر
2024-11-24
العوامل الجوية المناسبة لزراعة الجزر
2024-11-24
الجزر Carrot (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-24
المناخ في مناطق أخرى
2024-11-24
أثر التبدل المناخي على الزراعة Climatic Effects on Agriculture
2024-11-24
نماذج التبدل المناخي Climatic Change Models
2024-11-24



أخبار علي (عليه السلام) في وقعة أحد  
  
7154   05:09 مساءً   التاريخ: 18-10-2015
المؤلف : السيد محسن الامين
الكتاب أو المصدر : أعيان الشيعة
الجزء والصفحة : ج2,ص102-110
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام علي بن أبي طالب / مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام) /

كانت في شوال لسبع خلون منه أو للنصف منه يوم السبت سنة ثلاث من الهجرة على رأس اثنين وثلاثين شهرا منها ؛ وكان سببها أن المشركين اجتمعوا وقرروا غزو المدينة للأخذ بالثار بما أصابهم يوم بدر فكتب العباس كتابا وأرسله مع رجل من غفار إلى النبي (صلى الله عليه واله) يخبره بخبرهم استأجره وشرط عليه أن يصل المدينة في ثلاث فوصلها وسلم الكتاب وأقبل المشركون في ثلاثة آلاف وقائدهم أبو سفيان ومعهم مائتا فرس وثلاثة آلاف بعير وخمس عشرة امرأة فنزلوا أولا بذي الحليفة على نحو مسير أربع ساعات من المدينة ؛ ثم ساروا حتى مروا بالعقيق وساروا منه حتى نزلوا ببطن الوادي من قبل أحد مقابل المدينة وكان وصولهم يوم الأربعاء ثاني عشر شوال فاقاموا الأربعاء والخميس والجمعة وبات رؤساء الأنصار سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وأسيد بن حضير بالسلاح بباب رسول الله (صلى الله عليه واله) ليلة الجمعة خوفا عليه من البيات حتى أصبحوا وحرست المدينة تلك الليلة فلما أصبح النبي (صلى الله عليه واله) يوم الجمعة خطب أصحابه فقال رأيت البارحة في منامي أني أدخلت يدي في درع حصينة ورأيت بقرا تذبح ورأيت في ذباب سيفي ثلما وإني أردفت كبشا . وأولتها أما الدرع الحصينة فالمدينة وأما البقر فناس من أصحابي يقتلون وأما الثلم فرجل من أهل بيتي يقتل وأما الكبش فكبش الكتيبة نقتله إن شاء الله فان رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم حيث نزلوا فان أقاموا أقاموا بشر مقام وإن دخلوا علينا قاتلناهم فيها فانا أعلم بها منهم فكان رأيه البقاء بالمدينة واختلف رأي أصحابه فكان رأي أكثر وجوههم موافقا لرأيه وكان رأي الشبان الذين لم يحضروا بدرا وبعض الشيوخ الخروج فلما رأى النبي (صلى الله عليه وآله) أكثرهم يريد الخروج وافقهم لأن المصلحة تقتضي ذلك وإن كانت من وجه آخر تقتضي خلافه ؛ ومع ذلك كان النصر فيها مضمونا لولا مخالفة الرماة كما يأتي ، وعقد رسول الله (صلى الله عليه واله) ثلاثة ألوية على ثلاثة رماح ، لواء المهاجرين بيد علي بن أبي طالب ولواء الأوس بيد أسيد بن حضير ، ولواء الخزرج بيد الحباب بن المنذر أو سعد بن عبادة ، وأعطى الراية وهي العلم الأكبر واللواء دونها علي بن أبي طالب ، وسار من المدينة بعد العصر في ألف من أصحابه فيهم مائة دارع ومعهم فرسان ، هذا على بعض الروايات ، ولكن الطبري قال أنه أمر الزبير على الخيل وقال استقبل خالد بن الوليد فكن بازائه وكان على خيل المشركين ، وأمر بخيل أخرى فكانوا من جانب آخر ، ثم قال فأرسل إلى الزبير أن يحمل فحمل على خالد بن الوليد وهذا يدل على أنه كان معه خيل كثيرة فلما وصل إلى مكان يسمى الشيخين عرض عسكره وبات هناك ثم سار سحرا حتى وصل إلى بستان يسمى الشوط بين المدينة وأحد فصلى فيه صلاة الصبح ومن هناك رجع عبد الله بن أبي بن سلول في ثلاثمائة من المنافقين وبقي في سبعمائة فلما نهض من الشيخين زحف المشركون على تعبئة فوصل إلى أحد وهو جبل على مسافة نحو ساعتين من المدينة فجعل أحدا خلف ظهره وجاء المشركون فاستدبروا المدينة واستقبلوا أحدا وأعطى المشركون لواءهم إلى طلحة بن أبي طلحة من بني عبد الدار لأن لواء قريش كان لهم في الجاهلية فلما علم رسول الله (صلى الله عليه واله) إن لواء المشركين مع بني عبد الدار أخذ اللواء من علي ودفعه إلى رجل من بني عبد الدار اسمه مصعب بن عمير وقال نحن أحق بالوفاء منهم فلما قتل مصعب رده إلى علي فحيث أن أعطاه المشركين لواءهم للعبدري كان وفاء منهم لعشيرته الذين كان لهم لواء قريش في الجاهلية دفع النبي (صلى الله عليه واله) لواءه إلى مصعب بن عمير العبدري مقابلة لفعل قريش وقال نحن أحق بالوفاء منهم لا لأن أحدا في الناس أحق باللواء من علي ولذلك لما قتل مصعب رده إلى علي .

قال المفيد : فصار صاحب الراية واللواء جميعا ، وليس معنى كونهما معه أنه يحملهما جميعا بل المراد أن أمرهما إليه فيعطي أحدهما من شاء كما كانوا يفعلون في ولاية البلدان أو أنه مرة كان يحمل اللواء ومرة الراية وصف المشركون صفوفهم وكان لهم مجنبتان ميمنة وميسرة فيهما مائتا فرس وخالد بن الوليد في الميمنة وعكرمة بن أبي جهل في الميسرة وصف النبي   (صلى الله عليه واله) أصحابه وجعل الرماة خلف العسكر عند فم الشعب الذي في جبل أحد وكانوا خمسين رجلا وأمر عليهم عبد الله بن جبير وقال انضح الخيل عنا بالنبل لا يأتوننا من خلفنا فان الخيل لا تقدم على النبل وأثبت مكانك إن كانت لنا أو علينا فانا لا نزال غالبين ما ملكتم مكانكم فان رأيتمونا قد هزمناهم حتى أدخلناهم مكة فلا تبرحوا وإن رأيتموهم قد هزمونا حتى ادخلونا المدينة فلا تبرحوا وألزموا مراكزكم . وبرز طلحة بن أبي طلحة عبد الله بن عثمان العبدري صاحب لواء المشركين وكان يسمى كبش الكتيبة وطلب البراز مرارا فلم يحبه أحد فبرز إليه علي بن أبي طالب فقتله .

ومن الذي يجيب نداء المنادي إلى البراز حين يجبن عنه الناس ويكشف الكرب غير علي فهو الذي أجاب نداء طلحة هذا كبش الكتيبة يوم أحد ونداء عمرو بن عبد ود فارس يليل يوم الخندق ونداء مرحب فارس اليهود يوم خيبر جبن عنهم الناس وبارزهم وقتلهم وهم فرسان الحروب . وقد اتفق المؤرخون على أن الذي قتل طلحة هو علي بن أبي طالب ؛ وإنما اختلفت الروايات بعض الاختلاف في كيفية مبارزة علي له وقتله فقد وردت في ذلك روايات إحداها أن طلحة طلب المبارزة مرارا فلم يجبه أحد فقال يا أصحاب محمد زعمتم أن قتلاكم إلى الجنة وقتلانا إلى النار فهل أحد منكم يعبطني بسيفه إلى النار أو أعجله بسيفي إلى الجنة كذبتم واللات والعزى لو تعلمون ذلك لخرج إلي بعضكم فقام إليه علي بن أبي طالب فقال والذي نفسي بيده لا أفارقك حتى أعجلك بسيفي إلى النار أو تعجلني بسيفك إلى الجنة فضربه علي فقطع رجله فسقط فانكشفت عورته فقال أنشدك الله والرحم يا ابن عم فتركه فكبر رسول الله (صلى الله عليه واله) وقيل لعلي ما منعك أن تجهز عليه قال ابن عمي ناشدني حين انكشفت عورته فاستحييت منه . ومن هذا تعلم عمرو بن العاص ويسر بن أرطأة فكشفا سوأتيهما يوم صفين اتقاء سيف علي (عليه السلام) .

ثانيتها رواية الواقدي قال : برز طلحة بن أبي طلحة فصاح من يبارز فقال علي (عليه السلام) هل لك في مبارزتي قال نعم فبرزا بين الصفين فالتقيا فبدره علي بضربة على رأسه فمضى السيف حتى فلق هامته إلى أن انتهى إلى لحيته فوقع وانصرف علي (عليه السلام) فقيل له هلا دففت عليه قال إنه لما صرع استقبلني بعورته فعطفتني عليه الرحم وقد علمت أن الله سيقتله هو كبش الكتيبة إشارة إلى رؤيا النبي (صلى الله عليه واله) المتقدمة .

ثالثتها ما ذكره الواقدي أيضا قال : وروي أن طلحة حمل على علي (عليه السلام) فضربه بالسيف فاتقاه بالدرقة فلم يصنع شيئا وحمل عليه علي (عليه السلام) وعلى طلحة درع ومغفر فضربه بالسيف فقطع ساقيه ثم أراد أن يدفف عليه فسأله طلحة بالرحم أن لا يفعل فتركه ولم يدفف عليه ، قال الواقدي : ويقال إن عليا (عليه السلام) دفف عليه ، ويقال إن بعض المسلمين مر به في المعركة فدفف عليه أقول لعل رواية أنه قطع ساقية أقرب إلى الصحة فان من يمضي السيف في رأسه حتى يصل إلى لحيته كما تضمنته الرواية الثانية لا يمكن أن يبقى حيا حتى يحتاج إلى أن يدفف عليه .

رابعتها ما رواه المفيد بسنده عن عبد الله بن مسعود أن عليا (عليه السلام) ضربه على مقدم رأسه فندرت عينه وصاح صيحة لم يسمع بمثلها قط وسقط اللواء من يده .

خامستها ما ذكره علي بن إبراهيم بن هاشم القمي في تفسيره قال : كانت راية قريش مع طلحة بن أبي طلحة العبدري من بني عبد الدار فبرز ونادى يا محمد تزعمون أنكم تجهزوننا بأسيافكم إلى النار ونجهزكم بأسيافنا إلى الجنة فمن شاء أن يلحق بجنته فليبرز إلي فبرز إليه أمير المؤمنين فقال طلحة من أنت يا غلام قال أنا علي بن أبي طالب قال قد علمت يا قضيم أنه لا يجسر علي أحد غيرك وشد عليه طلحة فضربه فاتقاه علي بالحجفة ثم ضربه علي على فخذيه فقطعهما فسقط على ظهره وسقطت الراية فذهب علي ليجهز عليه فحلفه بالرحم فانصرف عنه فقال المسلمون أ لا أجهزت عليه قال قد ضربته ضربة لا يعيش معها أبدا .

قال الواقدي : فلما قتل طلحة سر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكبر تكبيرا عاليا وكبر المسلمون ، ثم شد المسلمون على كتائب المشركين فجعلوا يضربون وجوههم حتى انتقضت صفوفهم ولم يقتل أحد إلا طلحة بن أبي طلحة وحده .

وفي ترتيب أسماء من أخذ اللواء بعد طلحة وعددهم ومن قتلهم بعض الاختلاف بين المؤرخين بعد اتفاقهم على أن طلحة قتله علي .

قال الواقدي : حمله بعد طلحة أخوه عثمان وهو أبو شيبة فقتله حمزة ثم حمله أخوهما أبو سعد أو أبو سعيد فقتله سعد بن أبي وقاص ثم حمله بعد أبي سعد مسافع بن طلحة بن أبي طلحة فقتله عاصم بن ثابت ثم حمله أخوه الحارث بن طلحة بن أبي طلحة فقتله عاصم أيضا ثم حمله أخوهما كلاب بن طلحة بن أبي طلحة فقتله الزبير وقيل عاصم بن ثابت ثم حملاه أخوهما الجلاس بن طلحة بن أبي طلحة فقتله طلحة بن عبيد الله .

ثم حمله أرطأة بن شرحبيل فقتله علي بن أبي طالب . ثم حمله قارظ أو فارط أو قاسط بن شريح بن عثمان بن عبد الدار فقتل وفي بعض المواضع ثم حمله شريح بن قارظ بن شريح بن عثمان الخ قال الواقدي لا يدري من قتله ، وقال البلاذري قتله علي بن أبي طالب . ثم حمله غلام لهم اسمه صواب فقتله علي بن أبي طالب .

هذه رواية الواقدي في ترتيب أسماء من أخذ اللواء وقاتليهم ، فعلى هذه الرواية يكون الذين قتلهم علي من أصحاب اللواء ثلاثة طلحة وأرطاة وصواب .

وروى المفيد في الارشاد بسنده عن ابن مسعود ان الذي أخذ اللواء بعد طلحة أخ له يقال له مصعب فقتله عاصم بن ثابت ثم أخذه أخ له يقال له عثمان فقتله عاصم أيضا فاخذه عبد لهم يقال له صواب وكان من أشد الناس فضربه علي (عليه السلام) على يده فقطعها فاخذ اللواء بيده اليسرى فضربه علي على يده اليسرى فقطعها فاخذ اللواء على صدره وجمع يديه وهما مقطوعتان عليه فضربه علي على أم رأسه فسقط صريعا (اه) .

وقال ابن الأثير كان الذي قتل أصحاب اللواء علي قال أبو رافع وروى الطبري وعلي بن إبراهيم والمفيد ما يدل على أن عليا (عليه السلام) قتل أصحاب اللواء جميعهم . أما الطبري ففي روايته الآتية بسنده عن أبي رافع قال لما قتل علي بن أبي طالب أصحاب الألوية الخ فهذا ظاهر في أنه

هو الذي قتل أصحاب الألوية جميعهم ؛ وقال علي بن إبراهيم في تفسيره كما مر في الجزء الثاني : كانت راية قريش مع طلحة بن أبي طلحة العبدري فبرز إليه علي فضربه على فخذيه فقطعهما فسقط على ظهره وسقطت الراية ثم أخذ الراية أبو سعيد بن أبي طلحة فقتله علي وسقطت الراية إلى الأرض فاخذها عثمان بن أبي طلحة فقتله علي وسقطت الراية إلى الأرض فاخذها مسافع بن أبي طلحة فقتله علي وسقطت الراية إلى الأرض فاخذها الحارث بن أبي طلحة فقتله علي وسقطت الراية إلى الأرض فاخذها أبو عزيز بن عثمان فقتله علي وسقطت الراية إلى الأرض فاخذها عبد الله بن أبي جميلة بن زهير فقتله علي وسقطت الراية إلى الأرض فقتل أمير المؤمنين التاسع من بني عبد الدار وهو أرطأة بن شرحبيل فبارزه علي وقتله وسقطت الراية إلى الأرض فاخذها مولاهم صواب فضربه أمير المؤمنين على يمينه فقطعها وسقطت الراية إلى الأرض فاخذها بشماله فضربه أمير المؤمنين على شماله فقطعها وسقطت الراية إلى الأرض فاحتضنها بيديه المقطوعتين ثم قال يا بني عبد الدار هل أعذرت فضربه أمير المؤمنين على رأسه فقتله وسقطت الراية إلى الأرض فأخذتها عمرة بنت علقمة الحارثية ونظرت قريش في هزيمتها إلى الراية قد رفعت فلاذوا بها (اه) قوله عبد الله بن أبي جميلة بن زهير الظاهر أنه هو الآتي في كلام المفيد باسم عبد الله بن حميد بن زهرة بن الحارث بن أسد بن عبد العزى وقد صحف حميد بأبي جميلة وزهير بزهرة وقال ابن أبي الحديد عن الواقدي ومحمد بن إسحاق أنه عبد الله بن حميد بن زهير بن الحارث بن أسد وهو من بني أسد بن عبد العزى لا من بني عبد الدار كما صرح به الواقدي حكاه عنه ابن أبي الحديد قوله التاسع من بني عبد الدار قد يقول قائل أنه السابع لا التاسع لأنه إذا كان عبد الله بن حميد من بني أسد لا من بني عبد الدار يكون أرطأة السابع منهم ويمكن الجواب بان أرطأة وإن كان السابع ممن قتلهم علي (عليه السلام) إلا أنه التاسع ممن قتل من بني عبد الدار ممن قتله علي أو غيره فقد قتل منهم كلاب بن طلحة بن أبي طلحة قتله الزبير والجلاس بن طلحة بن أبي طلحة قتله طلحة بن عبيد الله وعليه فيكون أرطأة هو التاسع وإذا ضممنا شريح بن قارظ أو نارظ بن شريح إليهم صاروا عشرة قال ابن هشام فقال حسان بن ثابت في ذلك :

فخرتم باللواء وشر فخر * لواء حين صار إلى صواب

جعلتم فخركم فيه بعبد * والأم من يطأ عفر التراب

ظننتم والسفيه له ظنون * وما أن ذاك من أمر الصواب

بان جلادكم يوم التقينا * بمكة بيعكم حمر العياب

أقر العين إن عصبت يداه * وما أن تعصبان على خضاب

ويقول أيضا :

أقمنا لهم طعنا مبيرا منكلا * وحزناهم بالضرب من كل جانب

ولولا لواء الحارثية أصبحوا * يباعون في الأسواق بيع الجلائب

وفي ارشاد المفيد : روى عبد الملك بن هشام حدثنا زياد بن عبد الله عن محمد بن إسحاق قال كان صاحب لواء قريش يوم أحد طلحة بن أبي طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار قتله علي بن أبي طالب وقتل ابنه أبا سعيد بن طلحة وقتل أخاه خالد بن أبي طلحة وقتل عبد الله بن حميد بن زهرة بن الحارث بن أسد بن عبد العزى وأبا الحكم بن الأخنس بن شريق الثقفي والوليد بن أبي حذيفة بن المغيرة وأخاه أمية بن أبي حذيفة بن المغيرة وأرطاة بن شرحبيل وهشام بن أمية وعمرو بن عبد الله الجمحي وبشر بن مالك وصوابا مولى بني عبد الدار (اه) وقد صرحت هذه الرواية بان أبا سعيد هو ابن طلحة لا أخاه ولكن الواقدي كما مر صرح بان أبا سعيد هو أخو طلحة لا ابنه ثم أن خالد بن أبي طلحة لم يرد له ذكر في غير هذه الرواية واحتملنا في الجزء الثاني أن يكون هو أبا عزيز بن عثمان المذكور في رواية علي بن إبراهيم لكن تأملنا بعد ذلك فوجدنا أن عثمان والد أبا عزيز الظاهر أنه عثمان بن أبي طلحة المذكور أولا في تلك الرواية فأبو عزيز حفيد بني طلحة وخالد بن أبي طلحة ابنه لا حفيده ولا يبعد أن يكون خالد تصحيف الحارث والله أعلم أما عبد الله بن حميد بن زهرة فالظاهر أنه هو المذكور في رواية علي بن إبراهيم باسم عبد الله بن أبي جميلة بن زهير فوقع التصحيف فصحف حميد بأبي جميلة وزهير بزهرة كما مر وأما بشر بن مالك العامري فقد مر في الجزء الثاني ويأتي في هذا الجزء عن الطبري أن عليا (عليه السلام) قتل شيبة بن مالك أحد بني عامر بن لؤي والظاهر أنه بشر ابن مالك صحف أحدهما بالآخر .

وروى المفيد في الارشاد بسند صحيح عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عن أبيه (عليه السلام) قال كان أصحاب اللواء يوم أحد تسعة قتلهم علي بن أبي طالب عن آخرهم وانهزم القوم وطارت مخزوم فضحها علي يومئذ .

وبعد ما رأينا اختلاف المؤرخين فيمن عدا طلحة واثنين معه من أصحاب اللواء في عددهم وفيمن قتلهم وترتيب قتلهم بحيث لا يكاد يتفق اثنان منهم كابن سعد والطبري والواقدي وابن اسحق وابن الأثير وغيرهم كما عرفت لا نستبعد أن يكون التحامل على علي بن أبي طالب الذي هو فاش في الناس في كل عصر حمل البعض على نقل ما ينافي قتله جميع أصحاب اللواء وما علينا الا أن نأخذ بالرواية الصحيحة المتقدمة عن الباقر (عليه السلام) أنه قتل أصحاب اللواء التسعة مع اعتضادها أيضا بغيرها وترك ما يعارضها .

وهذا اللواء كان شؤما على بني عبد الدار فقد قتلت رجالهم تحته ووقع على الأرض حتى رفعته امرأة وقد حمشهم أبو سفيان في أول الحرب فكان لتحميشه أثرة في محافظتهم على اللواء فإنه ناداهم قبل الحرب فقال يا بني عبد الدار انما يؤتى القوم من قبل لوائهم وانما آتينا يوم بدر من اللواء فالزموا لواءكم وحافظوا عليه أو خلوا بيننا وبينه فأثار حفيظتهم بهذا الكلام فقالوا نحن نسلم لواءنا لا كان هذا ابدا ثم زادهم تحميشا فقال نجعل لواء آخر قالوا نعم ولا يحمله الا رجل من بني عبد الدار لا كان غير ذلك ابدا وقوله انما آتينا يوم بدر من اللواء محض غرور وخداع فإنما اتوا يوم بدر من قتل علي وحمزة وعبيدة رؤساءهم ومن سيف علي الذي قتل نصف المقتولين لا من اللواء ؛ وقال أبو سفيان لخالد بن الوليد وهو في مائتي فارس مع أبي عكرمة بن جهل إذا رأيتمونا قد اختلطنا بهم فاخرجوا عليهم من هذا الشعب حتى تكونوا من ورائهم وكان خالد كلما اتى من يسرة النبي (صلى الله عليه وآله) ليجوز حتى يأتيهم من قبل السفح رده الرماة حتى فعل وفعلوا ذلك مرارا .

قال المفيد : وبارز الحكم بن الأخنس فضربه علي فقطع رجله من نصف الفخذ فهلك منها ولما قتل أصحاب اللواء انهزم المشركون وانتقضت صفوفهم ولحقهم المسلمون يضعون السلاح فيهم حيث شاؤوا حتى اخرجوهم عن المعسكر قال الطبري وامعن في الناس أبو دجانة وحمزة وعلي بن أبي طالب في رجال من المسلمين فأنزل الله عليهم نصره وصدقهم وعده وكانت الهزيمة لا شك فيها وجعلوا ينهبون ويغنمون فلما رآهم الرماة تاقت نفوسهم إلى الغنيمة وتناسوا أمر النبي (صلى الله عليه واله) لهم أن يلزموا مراكزهم أ كانت للمسلمين أم عليهم ومبالغته في الوصية لهم بذلك فقال بعضهم لبعض لم تقيمون هنا في غير شئ وقد هزم الله العدو وهؤلاء اخوانكم ينتهبون عسكرهم فاذهبوا فاغنموا معهم فذكرهم البعض وصية النبي (صلى الله عليه واله) أن لا يبرحوا من مكانهم فأجابوهم بان النبي (صلى الله عليه واله) لم يرد هذا وقد هزم العدو فخطبهم أميرهم ونهاهم عن الذهاب وامر بطاعة الرسول (صلى الله عليه واله) فعصوه وانطلقوا وبقي معه دون العشرة قال الواقدي قالوا ما ظفر الله نبيه في موطن قط ما ظفره وأصحابه يوم أحد حتى عصوه فلما رأى خالد أن الرماة قد تركوا مراكزهم ولم يبق منهم الا القليل كر عليهم بالخيل وتبعه عكرمة فراماهم القوم حتى قتلوا بعد ما فني نبلهم وراماهم عبد الله بن جبير حتى فنيت نبله ثم طاعن بالرمح حتى انكسر ثم كسر جفن سيفه فقاتل حتى قتل ولما رأى المشركون خيلهم تقاتل رجعوا من هزيمتهم وكروا على المسلمين من أمامهم وهم غارون آمنون مشتغلون بالنهب وكر عليهم خالد بخيله من ورائهم وجعلوا المسلمين في مثل الحلقة وانتقضت صفوف المسلمين وجعل بعضهم يضرب بعضا من العجلة والدهشة حتى قتل منهم سبعون رجلا بعدد من قتل من المشركين يوم بدر أو أكثر وتفرقوا في كل وجه وتركوا ما انتهبوه فاخذه  المشركون وتركوا ما بأيديهم من اسرى المشركين .

قال المفيد : ولما جال المسلمون تلك الجولة اقبل أمية بن أبي حذيفة بن المغيرة وهو دارع وهو يقول يوم بيوم بدر فعرض له رجل من المسلمين فقتله أمية وصمد له علي بن أبي طالب فضربه بالسيف على هامته فنشب في بيضة مغفرة وضربه أمية بسيفه فاتقاها أمير المؤمنين بدرقته فنشب فيها ونزع أمير المؤمنين سيفه من مغفره وخلص أمية سيفه من درقته أيضا ثم تناوشا فقال علي (عليه السلام) فنظرت إلى فتق تحت إبطه فضربته بالسيف فيه فقتلته (اه) .

وكانت هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان وأم معاوية جعلت جعلا لوحشي بن حرب غلام جبير بن مطعم وكان حبشيا يقذف بحربة له قذف الحبشة قلما يخطئ إن هو قتل رسول الله (صلى الله عليه واله) أو علي بن أبي طالب أو حمزة فقال لها اما محمد فلا حيلة لي فيه لأن أصحابه يطيفون به واما علي فإنه إذا قاتل كان احذر من الذئب واما حمزة فاني اطمع فيه لأنه إذا غضب لم يبصر بين يديه فرمى حمزة بحربته فقتله وهذه مزية انفرد بها علي وهي أنه مع شجاعته الفائقة حذر احذر من الذئب لا يقدر أحد أن يغتاله في الحرب .

وتفرق الناس كلهم عن رسول الله (صلى الله عليه واله) واسلموه إلى أعدائه ولم يبق معه أحد الا علي (عليه السلام) فبعضهم ذهبوا إلى المدينة وبعضهم صعدوا فوق الصخرة التي في جبل أحد وقال بعض أصحاب الصخرة ليت لنا رسولا إلى عبد الله بن أبي فيأخذ لنا أمنة من أبي سفيان فارجعوا إلى قومكم قبل أن ياتوكم فيقتلوكم وبعضهم ذهبوا إلى جبل بناحية المدينة فاقاموا به ثلاثا ثم عاد جماعة من أصحاب الصخرة أربعة أو خمسة فحاموا عن النبي (صلى الله عليه واله) مع علي (عليه السلام) وكان عودهم بسبب ثبات علي وكان علي هو المتميز وحده بالمحاماة عن النبي (صلى الله عليه واله) فكان كلما أقبلت إليه جماعة من المشركين عازمين على أن يقتلوه مجتهدين في ذلك يقول له يا علي احمل عليهم فيحمل عليهم ويفرقهم ويقتل فيهم وهكذا حتى نجاه الله من كيدهم وسلم منهم .

قال المفيد وتوجه العتاب من الله تعالى إلى كافتهم لهزيمتهم يومئذ وذلك قوله تعالى : { إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [آل عمران: 153] وقوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ } [آل عمران: 155] قال الطبري تفرق عن رسول الله أصحابه ودخل بعضهم المدينة وانطلق بعضهم فوق الجبل إلى الصخرة فقاموا عليها وفشا في الناس إن رسول الله ص قد قتل فقال بعض أصحاب الصخرة ليت لنا رسولا إلى عبد الله بن أبي فيأخذ لنا أمنة من أبي سفيان يا قوم إن محمدا قد قتل فارجعوا إلى قومكم قبل أن ياتوكم فيقتلوكم فقال الله عز وجل للذين قالوا هذا القول {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا } [آل عمران: 144] الآية (اه) .

وقوله فارجعوا إلى قومكم يدل على أن القائل من المهاجرين وقال الطبري وغيره : وفر عثمان بن عفان ومعه رجلان من الأنصار حتى بلغوا الجلعب جبلا بناحية المدينة مما يلي الأعرض فاقاموا به ثلاثا فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه واله) : لقد ذهبتم فيها عريضة (اه) ؛ وفي رواية الواقدي انهم انتهوا إلى مكان يسمى الأعرض فقال (صلى الله عليه واله) لهم ذلك .

وقال المفيد فيما رواه بسنده عن ابن مسعود : وثبت معه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأبو دجانة وسهل بن حنيف يدفعون عنه ففتح (صلى الله عليه واله) عينيه وكان قد أغمي عليه مما ناله فقال يا علي ما فعل الناس قال نقضوا العهد وولوا الدبر قال اكفني هؤلاء الذين قد قصدوا قصدي فحمل عليهم علي فكشفهم وعاد إليهم وقد حملوا عليه من ناحية أخرى فكر عليهم فكشفهم وأبو دجانة وسهل بن حنيف قائمان على رأسه بيد كل واحد منهما سيف ليذب عنه (اه) .

وفي ارشاد المفيد : حدثنا أحمد بن عمار حدثنا شريك عن عثمان بن المغيرة عن زيد بن وهب عن ابن مسعود وذكر غزاة أحد إلى أن قال زيد بن وهب قلت لابن مسعود انهزم الناس عن رسول الله (صلى الله عليه واله) حتى لم يبق معه الا علي بن أبي طالب وأبو دجانة وسهل بن حنيف فقال انهزم الناس الا علي بن أبي طالب وحده وثاب إلى رسول الله (صلى الله عليه واله) نفر كان أولهم عاصم بن ثابت وابو دجانة وسهل بن حنيف ولحقهم طلحة بن عبيد الله فقلت وأين كان الشيخان قال كانا فيمن تنحى قلت وأين كان عثمان قال جاء بعد ثلاثة أيام من الوقعة فقال له رسول الله (صلى الله عليه واله) لقد ذهبت فيها عريضة فقلت وأين كنت أنت قال كنت ممن تنحى قلت فمن حدثك بهذا قال عاصم وسهل بن حنيف (اه) .

وقال ابن أبي الحديد : وقد روى كثير من المحدثين أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لعلي (عليه السلام) حين سقط ثم أقيم اكفني هؤلاء الجماعة قصدت نحوه فحمل عليهم فهزمهم وقتل منهم عبد الله بن حميد من بني أسد بن عبد العزى ثم حملت عليه طائفة أخرى فقال له اكفني هؤلاء فحمل عليهم فانهزموا من بين يديه وقتل منهم أمية بن أبي حذيفة بن المغيرة المخزومي .

وقال ابن أبي الحديد أيضا : روى أبو عمر الزاهد محمد بن عبد الواحد اللغوي غلام ثعلب ورواه أيضا محمد بن حبيب في أماليه أن رسول الله (صلى الله عليه واله) لما فر معظم أصحابه عنه يوم أحد كثرت عليه كتائب المشركين وقصدته كتيبة من بني كنانة فيها بنو سفيان بن عويف وهم خالد وأبو الشعثاء وأبو الحمراء وغراب فقال (صلى الله عليه واله) يا علي اكفني هذه الكتيبة فحمل عليها وانها لتقارب خمسين فارسا وهو (عليه السلام) راجل فما زال يضرب فيها بالسيف حتى تتفرق عنه ثم يجتمع عليه هكذا مرارا حتى قتل بني سفيان بن عويف لأربعة وتمام العشرة منها ممن لا يعرفون بأسمائهم .

قال ولما انهزم الناس عن النبي (صلى الله عليه واله) في يوم أحد وثبت أمير المؤمنين (عليه السلام) قال له النبي (صلى الله عليه واله) ما لك لا تذهب مع القوم قال أمير المؤمنين اذهب وأدعك يا رسول الله والله لا برحت حتى اقتل أو ينجز الله لك ما وعدك من النصرة فقال له النبي (صلى الله عليه واله) ابشر يا علي فان الله منجز وعده ولن ينالوا منا مثلها ابدا ثم نظر إلى كتيبة قد أقبلت إليه فقال لو حملت على هذه يا علي فحمل أمير المؤمنين عليها فقتل منها هشام بن أمية المخزومي وانهزم القوم ثم أقبلت كتيبة أخرى فقال له النبي (صلى الله عليه واله) حمل على هذه فحمل عليهم فقتل منها عمرو بن عبد الله الجمحي وانهزمت أيضا ثم أقبلت كتيبة أخرى فقال له النبي (صلى الله عليه واله) احمل على هذه فحمل عليها فقتل بشر بن مالك العامري وانهزمت الكتيبة ولم يعد بعدها أحد منهم وتراجع المنهزمون من المسلمين إلى النبي (صلى الله عليه وآله) (اه) .

وروى الطبري بسنده عن أنس بن النضر عم أنس بن مالك أنه انتهى إلى عمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد الله في رجال من المهاجرين والأنصار وقد ألقوا بأيديهم فقال ما يجلسكم ؟ قالوا قتل محمد رسول الله قال فما تصنعون بالحياة بعده قوموا فموتوا على ما مات عليه ثم قاتل حتى قتل (اه) واصعد رسول الله (صلى الله عليه واله) في الجبل مع جماعة من أصحابه فيهم علي بن أبي طالب وهم الذين رجعوا بعد فرارهم اما علي فلم يفارق النبي (صلى الله عليه واله) .

قال ابن هشام : وقع رسول الله (صلى الله عليه واله) في حفرة فشجت ركبته فاخذ علي بن أبي طالب بيده ورفعه طلحة بن عبيد الله حتى استوى قائما وقال ابن هشام أيضا : لما انتهى رسول الله (صلى الله عليه واله) إلى فم الشعب خرج علي بن أبي طالب حتى ملأ درقته ماء من المهراس فجاء به إلى رسول الله (صلى الله عليه واله) ليشرب منه فوجد له ريحا فعافه وغسل عن وجهه الدم وصب على رأسه وقال ابن الأثير : لما جرح (صلى الله عليه واله) جعل علي ينقل له الماء في درقته من المهراس ويغسله فلم ينقطع الدم فاتت فاطمة وجعلت تعانقه وتبكي وأحرقت حصيرا وجعلت على الجرح من رماده فانقطع (اه) .

وقال الواقدي خرجت فاطمة (عليه السلام) في نساء وقد رأت الذي بوجه أبيها فاعتنقته وجعلت تمسح الدم عن وجهه وذهب علي (عليه السلام) فاتى بماء من المهراس وقال لفاطمة امسكي هذا السيف غير ذميم قال فلما أحضر علي الماء أراد رسول الله (صلى الله عليه واله) أن يشرب منه فلم يستطع وكان عطشا ووجد ريحا من الماء كرهها فقال هذا ماء آجن فتمضمض من الدم الذي كان بفيه ثم مجه وغسلت فاطمة به الدم عن أبيها .

وقال أيضا خرج محمد بن مسلمة مع النساء وكن أربع عشرة امرأة قد جئن من المدينة يتلقين الناس منهن فاطمة (عليه السلام) إلى أن قال وجعل الدم لا ينقطع من وجهه فلما رأت فاطمة الدم لا يرقا وهي تغسل جراحه وعلي يصب الماء عليها بالمحن أخذت قطعة حصير فأحرقته حتى صار رمادا ثم ألصقته بالجرح فاستمسك الدم ويقال انها داوته بصوفة محرقة (اه) والظاهر أن الخبر وصل إلى المدينة من بعض المنهزمين الذين دخلوها فلم تتمالك فاطمة حتى جاءت إلى فم الشعب أو إلى مكان غيره قريب من المدينة لتنظر ما جرى على أبيها وبعلها ؛ وقال المفيد في الارشاد : انصرف المسلمون مع النبي (صلى الله عليه واله) إلى المدينة فاستقبلته فاطمة (عليه السلام) ومعها اناء فيه ماء فغسل وجهه وهذا يدل على أن استقبالها له كان في نفس المدينة أو قريبا منها وانها لم تخرج إلى أحد الذي يبعد عن المدينة فرسخا أو أكثر وهذا هو الأقرب إلى الاعتبار .

ولما انصرف أبو سفيان ومن معه بعث رسول الله (صلى الله عليه واله) علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال اخرج في آثار القوم فانظر ما ذا يصنعون فان كانوا قد اجتنبوا الخيل وامتطوا الإبل فإنهم يريدون مكة وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل فهم يريدون المدينة قال علي فخرجت في آثارهم فرأيتهم اجتنبوا الخيل وامتطوا الإبل .

وبعد ما انصرف المشركون فرغ الناس للنظر في حال من فقد منهم فمن كان حيا جريحا اسعفوه ومن كان ميتا دفنوه فأول ما سأل النبي (صلى الله عليه واله) عن سعد بن الربيع الخزرجي فوجد حيا باخر رمق ومات ثم قال من له علم بعمي حمزة ولا بد أن يكون علم أنه قتيل أو جريح والا لم يتخلف عنه فقال الحارث بن الصمة انا اعرف موضعه والظاهر أنه رآه لما سقط فيمكن أن يكون حيا ويمكن كونه ميتا لكنه لم يعلم أنه قد مثل به هذا التمثيل الفظيع فلما رآه قد مثل به كره أن يرجع إلى رسول الله (صلى الله عليه واله) فيخبره فلم يرجع فلما أبطأ استشعر رسول الله (صلى الله عليه واله) من ابطائه فظاعة الحال فقال لعلي اطلب عمك وانما لم يرسله من أول الأمر إشفاقا عليه من أن يرى عمه قتيلا أو جريحا أثبتته الجراحة فتتحرك فيه عاطفة الرحم فيشتد حزنه فلما لم يعد إليه الحارث بخبره لم يجد بدا من ارسال علي فكره علي أن يعود إليه فيخبره بما رأى فلم يعد فعندها لم يجد بدا من أن يطلبه بنفسه مع ما به من التعب المنهك والجراحة فوجده قد بقر بطنه عن كبده وجدع انفه وأذناه فعلت به ذلك هند بنت عتبة فبكى مع ما به من الصبر والجلد وانتحب وكيف لا يبكي على حمزة ويبلغ به الحزن أقصاه وهو أسد الله وأسد رسوله الذي يعده للشدائد وهو قاتل الأبطال يوم بدر والخارج أمامه بالجيش يوم أحد وعضده وناصره في كل موقف والقائل في حقه يوم الخندق اللهم انك أخذت مني عبيدة يوم بدر وحمزة يوم أحد فاحفظني في علي أو ما هذا معناه .

وهؤلاء الثلاثة كانوا أركان جيشه وبلغ به الأسف على حمزة ان قال لن أصاب بمثلك ما وقفت موقفا قط أغيظ علي من هذا الموقف وبالغ بتمني أن يتركه ليكون في أجواف السباع وحواصل الطير لئلا ينطفي حزنه ليشتد الباعث على الأخذ بثاره لولا أن تحزن أخته صفية أو تكون سنة من بعده وحلف ليمثلن بثلاثين أو سبعين من قريش ان ظفر بهم جزاء عن تمثيلهم بعمه حمزة لكنه صبر وعفا ونهى عن المثلة لما اوحى الله تعالى إليه { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل: 126] وكرر الصلاة على حمزة مع كل شهيد حتى صلى عليه سبعين مرة ولما سمع البكاء من دور الأنصار على قتلاهم ذرفت عيناه فبكى وتأسف أن لا يكون لحمزة بواكي كثيرة مع أن الهاشميات كن يبكينه لكن لا كبكاء الأنصاريات في كثرتهن فقال لكن حمزة لا بواكي له وأي شهيد أحق بالبكاء عليه من حمزة  الذي ابكى مصابه رسول الله (صلى الله عليه واله) فامر رؤساء الأنصار نساءهم أن يبكين حمزة .

قال ابن سعد : فهن إلى اليوم إذا مات ميت من الأنصار بدأ النساء فبكين على حمزة ثم بكين على ميتهن ؛ ولكن أبا سفيان وزوجته أظهرا من خبث السريرة ولؤم الغلبة ما هما أهله فمثلت هند بحمزة ولاكت كبده فسميت آكلة الأكباد وعير به نسلها إلى آخر الدهر وجعل بعلها يضرب بزج رمحه في شدق حمزة وهو ميت ويقول ذق عقق ولما بويع عثمان جاء أبو سفيان إلى قبر حمزة فرفسه برجله وقال يا أبا عمارة إن الذي تقاتلنا عليه يوم بدر صار في أيدي صبياننا :

يجنون ما غرست يدك قضية * ألقت على شهب العقول خمودا

فلما انتهى رسول الله (صلى الله عليه واله) إلى أهله ناول سيفه ابنته فاطمة وقال اغسلي عن هذا دمه يا بنية وناولها علي (عليه السلام) سيفه وقد خضب الدم يده إلى كتفه فقال وهذا فاغسلي عنه فوالله لقد صدقني اليوم وأنشأ يقول :

أ فاطم هاك السيف غير ذميم * فلست برعديد ولا بمليم

لعمري لقد أعذرت في نصر أحمد * وطاعة رب بالعباد عليم

وسيفي بكفي كالشهاب أهزه * اجذبه من عاتق وصميم

فما زلت حتى فض ربي جموعهم * وحتى شفينا نفس كل حليم

اميطي دماء القوم عنه فإنه * سقى آل عبد الدار كأس حميم

وقال رسول الله (صلى الله عليه واله) خذيه يا فاطمة فقد أدى بعلك ما عليه وقد قتل الله بسيفه صناديد قريش ؛ فأخذت فاطمة السيفين وجعلت تغسل عنهما الدم ونفسها فخورة بسيف ابن عمها وجهاده بين يدي أبيها وافتخاره بذلك تحدثا بنعمة الله عليه رغم ما بها من الحزن والجزع على عمها حمزة وهذا مقام لا بد أن تأخذ فيه الروعة والابتهاج نفس فتاة هاشمية نشأت في حجر النبوة وتفرعت من قبيلة عريقة في الشرف حين ترى بين يديها سيفي أبيها وابن عمها الشاب الشجاع الباسل الذي لم يمض على تزوجه بها الا زمان قليل وقد خضب الدم يمين ابن عمها إلى كتفه وهما يقولان خذيهما يا فاطمة فاغسلي عنهما الدم وحق لعلي أن لا تغسل الدماء عن سيفه غير فاطمة وقد مر أن عليا قال لها امسكي هذا السيف غير ذميم والسياق يقتضي أن ذلك كان حين جاء بالماء من المهراس بأحد فكانه حين أراد الذهاب لجلب الماء تخفف باعطاء السيف لها إلى أن رجع حيث أن محل الماء قريب ولا حاجة هناك إلى السيف ثم أعطاه إياها في المدينة لتغسل عنه الدم ووصفه في المقامين بأنه غير ذميم أجل وكيف يكون ذميما سيف في يمين بطل الأبطال وأسد الحروب والوقائع والفخر في كل ذلك ليمين تحمله وكف يضرب به .

قال المفيد في الارشاد وغيره في غيره وفي قتله (عليه السلام) طلحة بن أبي طلحة ومن قتل معه يوم أحد وغنائه في الحرب وحسن بلائه يقول الحجاج بن علاط السلمي :

لله أي مذبب عن حرمة * أعني ابن فاطمة المعم المخولا

جادت يداك له بعاجل طعنة * تركت طليحة للجبين مجدلا

وشددت شدة باسل فكشفتهم * بالسفح إذ يهوون أسفل اسفلا

وعللت سيفك بالدماء ولم تكن * لترده حران حتى ينهلا

وقد تميز علي (عليه السلام) في هذه الوقعة كغيرها من الوقائع بأمور لم يشاركه فيها أحد : منها انه كان صاحب راية رسول الله (صلى الله عليه واله) فيها كما كان يوم بدر وصاحب لواء المهاجرين ؛ والراية هي العلم الأكبر واللواء دونها فقد مر انه (صلى الله عليه وآله) عقد يوم أحد ثلاثة ألوية اثنان للأوس والخزرج وهم الأنصار والثالث للمهاجرين فكان من مقتضيات التدبير والسياسة أن يكون ألوية الأنصار إلى رؤسائهم بما آووا ونصروا وبما لهم من الفضل على الاسلام واما لواء المهاجرين فكان إلى علي (عليه السلام) فاجتمع له في أحد الراية واللواء وقد كان لواء قريش في الجاهلية إلى بني عبد الدار فأعطاه المشركون يوم أحد لهم لأنه حق من حقوقهم فلما بلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه واله) قال نحن أحق بالوفاء منهم ذكره ابن سعد في الطبقات فاخذه من علي (عليه السلام) وأعطاه إلى رجل منهم يسمى مصعب بن عمير فلما قتل رده إلى علي (عليه السلام) ذكر ذلك ابن هشام في سيرته والطبري وابن الأثير وصاحب السيرة الحلبية والمفيد وغيرهم قال ابن هشام لما قتل مصعب بن عمير اعطى رسول الله (صلى الله عليه واله) اللواء علي بن أبي طالب ثم روى بسنده إنه لما اشتد القتال يوم أحد ارسل (صلى الله عليه واله) إلى علي بن أبي طالب ان قدم الراية فتقدم (اه) ؛ وقال الطبري لما قتل مصعب بن عمير اعطى رسول الله (صلى الله عليه واله) اللواء علي بن أبي طالب ومثله قال ابن الأثير وصاحب السيرة الحلبية .

وقال المفيد في الإرشاد روى المفضل بن عبد الله عن سماك عن عكرمة عن عبد الله بن العباس أنه قال لعلي بن أبي طالب أربع ما هن لأحد هو أول عربي وعجمي صلى مع رسول الله (صلى الله عليه واله) وهو صاحب لوائه في كل زحف وهو الذي ثبت معه يوم المهراس يعني يوم أحد وفر الناس وهو الذي ادخله قبره (اه) وقال محمد بن سعد في الطبقات : دعا رسول الله (صلى الله عليه واله) يوم أحد بثلاثة ارماح فعقد ألوية فدفع لواء الأوس آسيا بن حضير ولواء الخزرج إلى الحباب بن المنذر بن سعد بن عبادة ولواء المهاجرين إلى علي بن أبي طالب ويقال إلى مصعب بن عمير (اه) , ودفع اللواء إلى علي وإلى مصعب لا تنافي بينهما لما مر .

ومنها قتله أصحاب لواء المشركين وهم سبعة أو تسعة أولهم طلحة بن أبي طلحة الذي كان يسمى كبش الكتيبة لشجاعته والذي لم يبرز إليه أحد لما برز بعد ما كرر النداء ووبخ المسلمين لعدم خروج أحد منهم إليه بأنهم كاذبون في دعوى ان من يقتل منهم إلى الجنة ومن يقتل من غيرهم إلى النار فبرز إليه علي (عليه السلام) فقتله باتفاق الرواة وجرى له معه نظير ما جرى مع عمرو بن عبد ود يوم وقعة الخندق الآتية ولذلك كبر الرسول (صلى الله عليه واله) عند قتله تكبيرا عاليا إظهارا للسرور بقتله وكبر معه المسلمون فكان قتله أول فتح شد قلوب المسلمين وأوهن المشركين .

اما بقية من حمل اللواء من بني عبد الدار فقد عرفت إن المؤرخين ذكروا ان اثنين منهم قتلهما علي بن أبي طالب وهما أرطاة بن شرحبيل وصواب غلام لبني عبد الدار واختلفوا في الباقي فذكر الواقدي إن الذين قتلوهم جماعة مختلفين وإن الأصح في الرواية ان قاتلهم علي بن أبي طالب فان روايات الطبري وعلي بن إبراهيم والمفيد تدل على أن عليا (عليه السلام) هو الذي قتل أصحاب اللواء جميعهم وكان آخرهم عبدهم صواب وبقتلهم انهزم المشركون وتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون وينهبون وكانت الهزيمة لا شك فيها وإنما لم يجن المسلمون ثمرة انتصارهم ووقعت الغلبة عليهم بمخالفة الرماة أمر رسول الله (صلى الله عليه واله) .

ومنها ثباته مع رسول الله (صلى الله عليه واله) وعدم فراره بعد ما فر عنه الناس جميعهم أو أكثرهم وأسلموه إلى عدوه ؛ فمنهم من صعد في الجبل ومنهم من فر إلى المدينة ومنهم إلى خارجها ؛ وكان عود من عاد منهم بسبب ثباته وتوجه العتاب من الله تعالى إلى كافتهم لهزيمتهم يومئذ سواه ومن ثبت معه من رجال الأنصار وكانوا ثمانية وقيل خمسة وقيل أربعة وقيل لم يثبت معه أحد وإنما عادوا بعد ما تنحوا كما مر بقوله تعالى {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ } [آل عمران: 153] , قال المفيد في الإرشاد : روى سلام بن سليمان عن قنادة عن سعيد بن المسيب لو رأيت مقام علي يوم أحد لوجدته قائما على ميمنة رسول الله (صلى الله عليه واله) يذب عنه بالسيف وقد ولى غيره الأدبار .

ومنها إنه كان هو المحامي عن رسول الله (صلى الله عليه واله) والدافع عنه كتائب المشركين الذين صمدوا لقتله.

 

 




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.