أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-5-2017
2826
التاريخ: 2023-05-25
1366
التاريخ: 9-5-2017
2518
التاريخ: 2023-09-03
1047
|
تتمثل الشروط الموضوعية في الوساطة الجنائية، بمجموعة من الشروط وهي مستخلصة من القوانين المقارنة التي تضمنت انظمتها الوساطة الجنائية، كأسلوب حديث لحل النزاعات الجنائية، لذلك تعد هذه الشروط من مقتضيات الوساطة الجنائية، وأبرز هذه الشروط مشروعية وملائمة اجراءات الوساطة، ووجود دعوى جزائية في حوزة النيابة العامة وقبول الأطراف إجراء الوساطة، واخيراً تحقيق أهداف الوساطة الجنائية، وسنعالج هذه الشروط تباعاً وفق الفقرات التالية:
اولاً: مشروعية الوساطة الجنائية وملائمتها:
1- مشروعية الوساطة الجنائية
يلزم لتطبيق الوساطة الجنائية ان يكون أجراءها مشروعاً، فالمقصود بشرعية الوساطة ضرورة وجود نص قانوني يقرها وتستند اليه السلطة القضائية عند اللجوء الى تطبيقها، وهذا الشرط يعد تطبيقاً لمبدأ الشرعية الاجرائية(1)، وخلافاً لذلك أي عدم وجود نص تشريعي يقر الوساطة الجنائية، فلا يجوز اتخاذ أي اجراء من اجراءاتها ما لم يوجد نص يسمح بذلك صراحة أو ضمناً وهذا الأمر يعد تطبيقاً لمبدأ (لا جريمة ولا عقوبة الا بنص)(2)، فقبل اقرار الوساطة الجنائية في فرنسا، كانت مباشرتها تتم استناداً الى المادة (40) من قانون الاجراءات الجنائية الفرنسية والتي تنص على ان (رئيس النيابة العامة يتلقى الشكاوى والبلاغات ويقدر التصرف فيها) ويتم ذلك استناداً لمبدأ الملائمة في تحريك الدعوى الجزائية، وبذلك يكون امام النيابة العامة خيارات ثلاث: أما تحريك الدعوى الجزائية أو حفظ اوراق الدعوى أو اللجوء الى الوساطة الجنائية(3). ورغبة من المشرع الفرنسي في اضفاء صفة المشروعية بعد انتشار ممارسات الوساطة الجنائية بشكل كبير، قد ادخل المشرع الفرنسي نظام الوساطة الجنائية بمقتضى القانون رقم (93 – 2) الصادر في 4 كانون الثاني سنة 1993، وهذا يمثل تجسيداً لمحاولات سابقة لإدخالها في صلب التشريع الفرنسي(4). وفي بلجيكا فإن الوساطة الجنائية تستمد مشروعية تطبيقها من نص المادة (216/مكرر ثانياً) من قانون تحقيق الجنايات البلجيكي المضافة بالقانون الصادر في 10 شباط 1994 (5).
أما على صعيد التشريعات العربية، فنجد ان المشرع الجزائري قد أقر تطبيق الوساطة الجنائية بموجب نص المادة (37) مكرر من قانون الاجراءات الجزائية المعدل بمقتضى الامر (15 – 2) الصادر في (15/7/2015)(6)، وكذلك نجد كل من المشرع التونسي والمغربي، كلاهما قد اقر نظام الوساطة الجنائية ضمن المنظومة القانونية (7).
2- الملائمة في اجراء الوساطة الجنائية:
لقد اشارت لمبدأ الملائمة(8)، المادة (41 – 1) من قانون الاجراءات الجنائية الفرنسية اذا نصت بأنه (يستطيع المدعي العام .....)، وبناءً عليه فإن لجوء النيابة العامة لإجراء الوساطة الجنائية، يعد امراً جوازياً وبذلك لا يجوز للأطراف اجبار النيابة العامة على قبول إجراء الوساطة، وايضاً لا يجوز احالة النزاع للوساطة دون ان تتم موافقة النيابة حتى لو كان بموافقة الاطراف، ووفقاً لما جاء بالنص فأن النيابة العامة تمتلك سلطة تقديرية في تقرير مدى الحاجة للجوء لإجراء الوساطة الجنائية لإنهاء الدعوى الجزائية حسب مبدأ الملائمة(9)، وان قرار رئيس النيابة العامة بإحالة النزاع للوساطة الجنائية يخضع لمعيارين، المعيار الأول موضوعي، يكون متعلقاً بالضرر الحاصل للمجنى عليه واثره الاجتماعي، أما المعيار الثاني، فانه يتعلق بشخص الجاني وظروفه الاجتماعية، فإذا تبين لرئيس النيابة العامة ان الضرر الواقع على المجني عليه بسيط ويمكن ازالته، وكذلك عدم خطورة الجاني وامكان اعادة اصلاحه وتأهيله، فانه في الغالب يقرر اللجوء الى إجراء الوساطة، والنيابة العامة لا تلجأ الى الوساطة إلا إذا وجدت ان اللجوء اليها يمكن ان يحقق الاهداف التي نص عليها المشرع الفرنسي في المادة (41 – 1) من قانون الاجراءات الجنائية الفرنسي، وإذا ما قدر رئيس النيابة العامة ملائمة اللجوء اليها، فيقوم باستدعاء طرفي الوساطة للحصول على رضائهما بالمشاركة في اجراءاتها، حيث يجب على رئيس النيابة العامة ان يقدم للطرفين (الجاني والمجني عليه) شرحاً مفصلاً لظروف الدعوى والنظام القانوني للوساطة ومدى جدواه لكليهما حتى يكون رضاء كل منهما صادر عن قناعة تامة، وأيضاً يجب ان يحيط كل منهما علماً بحقهم في الاستعانة بمحام ضماناً لحق الدفاع، على الرغم من ان المادة (41 – 1) اجراءات فرنسي جاءت خالية من النص على هذا الحق(10).
ثانياً: وجود دعوى جزائية وقبول الاطراف بالوساطة الجنائية:
1- وجود دعوى جزائية
يشترط تطبيق نظام الوساطة الجنائية وجود دعوى جزائية، وهي الوسيلة التي نص عليها القانون لضمان حق المجتمع بالعقوبة، وذلك بالتحري عن الجرائم ومعرفة فاعلها والتحقيق معه ومحاكمته وتنفيذ الحكم بحقه بواسطة السلطة المختصة(11). وتبدأ هذه الدعوى بتحريكها أمام الجهات المختصة(12)، وتحرك الدعوى الجزئية بناءً على شكوى شفهية أو تحريرية من قبل المتضرر من الجريمة أو من المجني عليه أو من يقوم مقامه قانوناً أو بإخبار شخص علم بوقوعها أو من قبل الادعاء العام، وذلك بحسب ما جاءت به المادة الأولى من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي (13).
وقد اوجب المشرع الفرنسي ايضاً توافر هذا الشرط، حيث ان اللجوء للوساطة الجنائية يفترض وجود جريمة قد وقعت، وان اوراق هذه الجريمة تحت يد النيابة العامة لكونها ما زالت في مرحلة التحري وجمع الادلة، مما يعني ان النيابة العامة لم تتخذ القرار بالتصرف في هذه الاوراق بالتحقيق فيها، وهذا يدل على ان الوساطة الجنائية لا يجوز اجراءها في مرحلة التحقيق الابتدائي، ولا يجوز من باب اولى امام قاضي الحكم لكونه لا يملك صلاحية احالة الدعوى الى الوساطة، وايضاً لا يملك صلاحية احالتها الى النيابة العامة لكي تقوم بدورها بإحالتها الى الوساطة، وهذا بحسب ما جاء به التشريع الفرنسي، وقد أكدت المادة (41) من قانون الاجراءات الجنائية الفرنسي على ضرورة توافر هذه الشرط من اجل اللجوء لإجراء الوساطة(14)، وان تحريك الدعوى الجزائية يتطلب ضرورة توافر مفترضاتها، والتي تتمثل في وقوع الجريمة ونسبتها الى شخص بالغ، فضلاً عن وجود المجني عليه وان يكون هناك ضرر قد لحق به من جراء الجريمة(15)، وبهذا يتضح أن جوهر الدعوى مجموعة من الاجراءات الجزائية(16). أما التشريعات المقارنة فقد جاءت خالية من النصوص الصريحة التي تجيز هذا الامر (17).
ووفقاً لما تقدم يمكننا القول إن عدم توافر شرط وجود الدعوى الجزائية، لا يمكن بدونه تصور اللجوء لإجراء الوساطة الجنائية.
2- قبول الأطراف بالوساطة الجنائية:
يعد رضا الاطراف امراً مهماً واساسياً في عملية الوساطة الجنائية، فإن الرضا المتبادل بقبول إجراء الوساطة الجنائية كأسلوب بديل لحل النزاع القائم بين الطرفين يعطي فرصة للتفكير المنطقي والواقعي لعرض النزاع من جانب، ومن جانب أخر في تحديد الحقوق واستيفاءها عن طريق الاتفاق وهذا يؤدي الى تحقيق السلام الاجتماعي والمحافظة على استمرار العلاقات الاجتماعية(18)، ولذلك فيجب على النيابة العامة الحصول على موافقة اطراف النزاع للجوء للوساطة، إذ إن موافقة الاطراف تعد شرطاً جوهرياً للسير في عملية الوساطة، فلا يمكن نجاح عملية الوساطة دون توافر رضا اطرافها(19)، وهذا ما نصت عليه التشريعات الجنائية المقارنة كالقانون الفرنسي والجزائري والتونسي (20).
ويشترط ان يصدر رضا الاطراف بالوساطة الجنائية بصورة صريحة وواضحة وبحرية تامة ودون ممارسة أي ضغط على أحد الأطراف (الجاني والمجني عليه) من قبل النيابة العامة، ولكي يكون رضا الاطراف صحيحاً يجب على النيابة العامة أو الوسيط شرح نظام الوساطة الجنائية لأطرافها، واحاطتهم بإبعاد الوساطة واحكامها وطبيعتها والاثار المترتبة عليها، واطلاع الاطراف على المقصود منها أو الغاية التي سوف تتحقق من تطبيق الوساطة، حيث ان الرضا لا يتحقق الا اذا كان واقعاً بعد الإحاطة الكاملة بنظام الوساطة الجنائية، وفي حال إذا كان الجاني أو المجني عليه حدثاً لعدم بلوغه السن القانونية التي تمكنه من اجراء الوساطة وابداء رضاؤه بصورة صحيحة، فيكون للولي أو من يقوم مقامه قانوناً في حال عدم وجود الولي، صلاحية أبداء رضاؤه بدلاً عنه، وذلك في حال وجود مصلحة لأحد الأطراف في تطبيق الوساطة الجنائية (21).
ويعد قبول المجني عليه بالوساطة الجنائية شرط اساسي وضروري لقيامها، وذلك لتفعيل مشاركته في الاجراءات الجزائية، بالإضافة الى بطء اجراءات العدالة الجنائية التقليدية واحتمال عدم ملاحقة الجاني، في الغالب هو الامر الذي يدفع المجني عليه بقبول اللجوء للوساطة الجنائية(22)، وكذلك يشترط لإجراء الوساطة بالإضافة لقبول المجني عليه، يجب قبول الجاني للوساطة من اجل اجراءها، وهذا ما اوصت به الندوة الدولية لقانون العقوبات التي عقدت في طوكيو، بأن رضا الجاني وتعاونه امراً لازماً لتسوية النزاع الجنائي عن طريق الوساطة الجنائية، وقد اثبتت التجارب العملية ان رفض الجاني اللجوء لإجراءات الوساطة يعد امر نادر الحدوث في الواقع(23)، أما في حالة رفض أحد الأطراف (الجاني او المجني عليه) حل النزاع ودياً عن طريق الوساطة الجنائية، فيكون له الحق الاعتراض على قرار النيابة العامة، ويجب ان يكون هذا الاعتراض صريحاً، ويلزم الوسيط بالتأكد من وجود الارادة لدى الاطراف على حل النزاع قبل ان يتم البدء في اجراءات الوساطة، وبالتالي يترتب على عدم موافقة احد الاطراف، قيام الوسيط بأثبات ذلك في تقرير يتم ارساله الى النيابة العامة من اجل التصرف في القضية(24)، حيث ان الوساطة الجبرية مصيرها الفشل (25).
ثالثاً: تحقيق اهداف الوساطة الجنائية:
يمثل نظام الوساطة الجنائية احدى صور أو وسائل العدالة التصالحية(26)، بوصفه وسيلة من الوسائل البديلة عن الدعوى الجزائية، والتي شرعت من اجل تحقيق اهداف عديدة ومتنوعة، وتأتي في مقدمتها تغيير مفهوم العدالة من عدالة تقليدية عقابية أو ثأرية الى عدالة تعويضية أو توفيقية اصلاحية(27)، وبذلك يمكن استخلاص اهداف واغراض الوساطة الجنائية من خلال التشريعات المقارنة والتي تتمثل بالاتي:
1- اصلاح الضرر الواقع على المجني عليه
لتطبيق الوساطة الجنائية يشترط ان يكون الضرر الذي لحق المجني عليه من الممكن ازالته وإصلاحه، وهذا الشرط يمثل الهدف الاساسي للوساطة الجنائية، وعليه يجب على الجهة القضائية عند ممارستها لسلطتها التقديرية الاختيار بين الحلول المطروحة أمامها، فأما تختار تحريك الدعوى الجزائية أو اللجوء لنظام الوساطة الجنائية، فإن اختيار اللجوء للوساطة يساهم في جبر المجني عليه وتعويضه بصورة افضل من ادعائه مديناً أمام المحاكم الجنائية، أو لجوئه للقضاء المدني عن طريق رفع الدعوى المدنية(28)، فالغاية المطلوبة هي رضاء المجني عليه وقبوله فيما تم الاتفاق عليه بينه وبين الجاني(29). وتسترشد النيابة العامة وهي بصدد تقدير مدى جدوى اللجوء للوساطة الجنائية لإصلاح الضرر الذي اصاب المجني عليه بأمرين: ارادة المجني عليه وطبيعة الجريمة (30).
وتتنوع صور جبر الضرر وإصلاحه في الوساطة الجنائية، حيث يمكن ان تتخذ صورة التعويض المعنوي، كتقديم الجاني اعتذاراً للمجني عليه، أو يتخذ التعويض شكل المساهمة في الخدمات لمصلحة المؤسسات العامة او الجمعيات الخاصة(31)، وذلك لان المقصود بإصلاح الضرر لا يعني التعويض المالي الذي يقدر على اساس ما لحق المجني عليه من خسارة وما فاته من كسب، وانما كل وسيلة من شأنها جبر وارضاء شعوره، سواء كانت تقديم مجرد اعتذار شفهي أو مكتوب، او الحصول على مبلغ نقدي أو القيام بعمل ما(32)، وفي حالة عدم إمكانية اصلاح الضرر فلا يمكن تطبيق الوساطة الجنائية(33)، ذلك لان هذا الهدف لا يمكن ان يتحقق الا اذا كان اصلاح الضرر الذي لحق بالمجني عليه امراً ممكناً (34).
2- اصلاح الجاني واعادة تأهيله:
من الأغراض الأخرى للوساطة الجنائية، اصلاح الجاني واعادة تأهيله اجتماعياً، وهي تعد من اهم الافكار التي نادت بها حركة الدفاع الاجتماعي الجديد(35)، ومما لاشك فيه ان الربط بين اللجوء الى الوساطة الجنائية وتأهيل الجاني، إنما يعبر عن مدى مساهمة الوساطة الجنائية في تنفيذ الاغراض الحديثة للعقوبة والتدابير الاحترازية، وهي الاغراض التي لم يعد ينظر اليها من خلال فكرة التخويف ومقابل الجريمة، بل بالنظر الى تأهيل الجاني اجتماعياً، وبذلك يمكن عّد الوساطة وسيلة لتأهيل الجاني وإصلاحه(36). حيث إن الجريمة قد أصابت الجاني بشيء من العزلة عن الافراد والمجتمع، وهذا الأمر يجعل منه أكثر خطورة على المجتمع لعدم تكيفه اجتماعياً، ومن اجل ذلك تتولى الجهة القضائية مهمة دراسة شخصية الجاني ووضعه المادي وظروفه في بيئته العائلية والاجتماعية والتي تقدر على اساسها مدى قابلية الجاني للإصلاح والتأهيل (37).
3- انهاء الاضطراب الناشئ عن الجريمة:
يترتب على وقوع الجريمة احداث نوعين من الضرر، الضرر الذي يلحق بالمجني عليه وهو ضرر خاص، والضرر الذي يصيب المجتمع بأكمله ويهدد أمنه واستقراره ويتمثل بالضرر العام، وان الجريمة مهما كانت جسامتها فأنها تؤدي الى احداث هذا النوع من الضرر(38)، لذلك فإن الهدف الرئيسي للوساطة الجنائية، يتمثل بوضع حد للإخلال الناتج عن الجريمة وقد عبر عنه البعض في (الاضطراب الناشئ عن الجريمة)، فالوساطة بذلك تهدف الى تحقيق السلم الاجتماعي واعادة الاستقرار للمجتمع(39). واجاز المشرع الفرنسي لرئيس النيابة العامة اللجوء الى الوساطة الجنائية، اذا ما وجد ان ذلك يؤدي الى وضع حد أو نهاية للاضطراب الذي احدثته الجريمة في المجتمع، ويتحدد مدى الضرر الذي احدثته الجريمة للمجتمع بمدى جسامة السلوك الاجرامي، فكلما كانت الجريمة جسيمة كلما كانت أكثر مساساً بالنظام العام للمجتمع، وكان توقف الاضطراب الناتج عنها امراً صعباً وعسيراً(40)، وعليه لا يجوز اللجوء الى اجراء الوساطة الجنائية الا اذا كان الاضطراب الناتج عن الجريمة ضئيلاً وقابلاً للمعالجة والتوقف، بينما اذا كان النزاع جسيماً بحيث لا يمكن توقفه الا بواسطة الاجراءات التقليدية، عندئذ يمنع اللجوء لنظام الوساطة الجنائية(41). وقد استحدث القانون الفرنسي هذا الشرط حيث انه يراعي الاثار الاجتماعية التي تترتب على وقوع الجريمة، وذلك لان الجريمة لا يقتصر اثرها على المجني عليه فحسب، بل تؤثر على اطراف النزاع والمجتمع ايضاً (42).
وقد ذهب رأي الى القول، بأن ضرورة توافر هذا الشرط أو المعيار قد اضفى مسحة عقابية أو جزائية على نظام الوساطة الجنائية، إذ انه يؤدي الى كفالة تحقيق السلام الاجتماعي في حدود ما تسمح به الوساطة من بعض مظاهر الردع العام، وذلك لان الوساطة الجنائية لا تضمن تحقيق الردع العام على غرار ما تكفله العقوبة التقليدية، فضلاً عن ان اشتراط هذا الضابط في شأن الوساطة يصلح كأساس لتوسيع نطاقها، حيث يشمل الجرائم ذات التأثير على الرأي العام(43). وهناك صعوبة تبرز في التحقق من هذا الشرط من الناحية العملية، وذلك لكون فكرة النظام العام ذات طبيعة نسبية مرنة تختلف من مجتمع لأخر باختلاف القيم والافكار والاخلاق السائدة فيه، فقد ذهب البعض بالقول، أن الوساطة تعتمد فلسفة جديدة للتنظيم الاجتماعي، فضلاً عن المبالغة في الصورة التي تقدمها وسائل الاعلام عن الضرر الذي احدثته الجريمة(44)، الا انه نظراً لاقتصار تطبيق الوساطة الجنائية على الجرائم البسيطة، وانصراف الاهتمام الى تأهيل الجاني وتعويض المجني عليه، ستتضاءل اهمية هذا الشرط(45). والرأي الراجح في الفقه، يرى ان المشرع الفرنسي يتطلب أن تتحقق الأغراض الثلاثة للوساطة الجنائية بصورة مجتمعة، فهي شروط تكميلية لا يكفي تحقيق البعض منها دون الاخر، وذلك لأنها تمثل الغاية الأساسية من إجراء عملية الوساطة، وتقدير توافر هذه الشروط يخضع لتقدير النيابة العامة والتي يكون لها في حالة عدم توافر هذه الشروط أو توافر احدها، ان تقوم بتحريك الدعوى الجزائية امام المحاكم المختصة في اطار سلطتها في تقدير ملائمة الادعاء(46).
___________
1- يمثل مبدأ الشرعية الاجرائية الشق المكمل للشرعية الجزائية، بل بدونها لا تكفي الشرعية الجزائية في حماية الحقوق والحريات الفردية، ويقصد بهذا المبدأ (أن يكون القانون هو المصدر الوحيد للإجراءات الجزائية وان تخضع جميع الاجراءات الى رقابة القضاء). ينظر: د. عبد الرحمان خلفي، محاضرات في الاجراءات الجزائية، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة عبد الرحمان ميرة – بجاية، الجزائر، 2017، ص26 وما بعدها. ومقتضى هذا المبدأ (التزام جميع اعضاء المجتمع واجهزة الدولة بالقوانين التي تصدرها السلطة المختصة كأساس لمشروعية اعمال هذه السلطة، فهو يضمن احترام حقوق الاشخاص وحرياتهم في مواجهة السلطة العامة، لأنها تصبح محكومة بالقانون وحده، بعيداً عن تحكم السلطة واهواءها). ولمزيد من التفصيل ينظر: د. عصام عفيفي حسين عبد البصير، مبدأ الشرعية الجنائية – دراسة مقارنة في القانون الوضعي والفقه الجنائي الاسلامي، بلا طبعة، دار النهضة العربية، القاهرة، بلا سنة، ص7.
2- نصت المادة (19/ثانياً) من الدستور العراقي النافذ لعام 2005 على أنه (لا جريمة ولا عقوبة الا بنص، ولا عقوبة إلا على الفعل الذي يعده القانون وقت اقترافه جريمة ...)، وكذلك نصت المادة الاولى من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 على أنه (لا عقاب على فعل أو امتناع إلا بناءً على قانون ينص على تجريمه وقت اقترافه ولا يجوز توقيع عقوبات أو تدابير احترازية لم ينص عليها القانون). ولمزيد من التفصيل ينظر: زينة عبد الجليل عبد، ذاتية التجريم والعقاب في القوانين الخاصة – دراسة مقارنة، رسالة ماجستير، كلية القانون – جامعة بغداد، 2018، ص73.
3- د. هشام مفضي المجالي، الوساطة الجزائية وسيلة غير تقليدية في حل النزاعات الجزائية – دراسة مقارنة، أطروحة دكتوراه، كلية الحقوق – جامعة عين شمس، 2008 ، ص191.
4- د. أسامة حسنين عبيد، الصلح في قانون الإجراءات الجنائية ماهيته والنظم المرتبطة به، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة، 2004 ، ص394.
5- قد تبنى المشرع البلجيكي نظام الوساطة الجنائية بموجب القانون الصادر في 10/2/1994 والذي اضاف المادة (216 مكرر ثانياً) لقانون الإجراءات الجنائية والتي نصت على أنه (يمكن لوكيل الملك، بدون المساس بالسلطات التي يمنحها له الفصل 216 مكرر ثانياً، استدعاء مرتكب الجريمة، واقتراح تعويض أو إصلاح الضرر الذي أحدثه الفعل الاجرامي وإقامة الدليل على ذلك...).
6- نصت المادة (37) مكرر من قانون الاجراءات الجزائية الجزائرية المعدل بمقتضى الامر (15 – 2) الصادر في 15/7/2015 على انه (يجوز لوكيل الجمهورية قبل أي متابعة جزائية أن يقوم بمبادرة منه أو بناء على طلب الضحية أو المشتكي منه اجراء الوساطة ....).
7- قد تبنى المشرع التونسي نظام الوساطة الجنائية بموجب القانون رقم (39) لسنة 2002، حيث حدد المشرع التونسي في الفصل (335/ثانياً) من مجلة الاجراءات الجزائية التونسية رقم 23 لسنة 1968 مجموعة الجرائم التي يجوز فيها تطبيق الوساطة، وقد سار على ذات النهج المشرع المغربي حيث تبنى نظام الوساطة الجنائية بالمادة (41) التي تم اضافتها الى قانون المسطرة الجنائية بقانون صدر بتأريخ 8 أيار سنة 2014.
8- ويقصد بمبدأ الملائمة (وهو نوع من التفريد الإجرائي للدعوى يقوم على اعتبارات وضوابط موضوعية محددة مستمدة من خطورة النزاع موضوع الوساطة، والخطورة الاجرامية للمتهم، وجدوى اللجوء الى الوساطة وما إذا كانت قادرة على تحقيق الاهداف التي تحققها الاجراءات العادية). ينظر: د. محمود طه جلال، أصول التجريم والعقاب في السياسة الجنائية المعاصرة – دراسة مقارنة، أطروحة دكتوراه، كلية الحقوق – جامعة عين شمس، 2004 ، ص431 – 432.
9- صباح أحمد نادر، التنظيم القانوني للوساطة الجنائية وإمكانية تطبيقها في القانون العراقي – دراسة مقارنة، بحث ترقية مقدم الى مجلس القضاء في اقليم كردستان، العراق، وزارة العدل، 2014 ، ص8 وما بعدها.
10- د. رامي متولي القاضي، الوساطة في القانون الجنائي الاجرائي المقارن، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة، 2010 ، ص136.
11- د. عبد الامير العكيلي، اصول الاجراءات الجنائية في قانون اصول المحاكمات الجزائية، الجزء الاول، الطبعة الاولى، مطبعة المعارف، بغداد، 1975، ص52.
12- ويقصد بتحريك الدعوى الجزائية: بأنها (البدء بتسيرها امام جهات التحقيق، وهو أول اجراءات استعمالها امام تلك الجهات). ينظر: د. سعيد حسب الله عبد الله، شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية، دون تحديد طبعة، دار الحكمة للطباعة والنشر، الموصل، 1990 ، ص46.
13- ينظر نص المادة الاولى فقرة (أ) من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي، وينظر كذلك في موضوع تحريك الدعوى الجزائية: د. حسين عبد الصاحب عبد الكريم ود. تميم طاهر احمد، شرح قانون اصول المحاكمات الجزائية، الطبعة الاولى، المكتبة القانونية بغداد، 2013، ص35 وما بعدها.
14- تنص المادة (41) من قانون الاجراءات الجنائية الفرنسي الصادر في سنة 1993 على الشروط الواجبة توافرها لتطبيق الوساطة حيث نصت على إنه (يلزم توافر ثلاثة شروط للجوء الى الوساطة الجنائية:
1- وجود دعوى مطروحة امام النيابة العامة والا يكون قد صدر فيها قرار بإحالتها الى المحكمة المختصة...). ينظر: د. رامي متولي القاضي، الوساطة في القانون الجنائي الاجرائي المقارن، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة، 2010 ، ص136 – 137.
15- رامي متولي القاضي، مرجع سابق، ص135.
16- د. شوقي ابراهيم عبد الكريم، ايقاف سير الدعوى الجزائية وانهاؤها بدون حكم في الفقه الاسلامي والقانون الوضعي – دراسة مقارنة، ط1، مكتبة الوفاء القانونية، الاسكندرية، 2013، ص63.
17- محمد فوزي ابراهيم، دور الرضا في قانون الاجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة، 2014، ص308.
18- سعاد قطاف، الوساطة ودورها في قضايا الاحداث، رسالة ماجستير، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة خضير – بسكرة، الجزائر. 2016 / 2017، ص14.
19- د. رامي متولي القاضي، مرجع سابق، ص137.
20- نصت المادة (41/1) من قانون الاجراءات الجنائية الفرنسي على ان (يستطيع مدعي الجمهورية وبموافقة طرفي النزاع ....)، وكذلك نصت المادة (37 مكرر/1) من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري على انه (يشترط لإجراء الوساطة قبول الضحية والمشتكى منه)، وكذلك ينص الفصل (335/ثالثاً) من مجلة الاجراءات الجزائية التونسية على ان (لوكيل الجمهورية عرض الصلح بالوساطة في المادة الجزائية على الطرفين قبل اثارة الدعوى العمومية، اما من تلقاء نفسه او بطلب من المشتكى به أو من المتضرر أو من محامي أحدهما ...).
21- د. فايز عايد الظفيري، تأملات في الوساطة الجزائية بوصفها وسيلة لإنهاء الدعوى الجزائية، بحث منشور في مجلة الحقوق، جامعة الكويت، السنة 33، العدد 2، 2009 ، ص171 وما بعدها.
22- شنين سناء ود. سليمان النحوي، الوساطة الجزائية نموذج للتحول من عدالة عقابية الى عدالة اصلاحية، مقال منشور في مجلة حقوق الانسان، العدد 22، متاح على الموقع الالكتروني http://jilrc.com تاريخ اخر زيارة 16/6/2019 الساعة 1:35م.
23- سافر نور الهدى، الوساطة في المواد الجزائية، رسالة ماجستير، كلية الحقوق والعلوم السياسية – جامعة د. الطاهر مولاي – سعيدة، الجزائر، 2015 / 2016، ص 52. وينظر كذلك: د. رامي متولي القاضي، مرجع سابق، ص138.
24- وهذا الأمر قد اكدت عليه التوصية رقم (99 – 19) الصادرة لعام 15/9/1999 عن المجلس الاوربي، حيث اشارت على ضرورة توافر موافقة أطراف النزاع على إجراء الوساطة. أشار اليه: 32) قريشي عماد، الوساطة الجزائية في التشريع الجزائري، رسالة ماجستير، كلية الحقوق والعلوم السياسية – جامعة عبد الرحمان ميرة – بجاية، الجزائر، 2015/2016، ص34 – 35.
25- د. شريف سيد كامل، الحق في سرعة الإجراءات الجنائية – دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة، 2005 ، ص144.
26- ويقصد بمصطلح العدالة التصالحية: هي عملية يشارك فيها الضحية والجاني واي فرد من افراد المجتمع او اي عضو من اعضاء المجتمع المحلي المتضررين من الجريمة بتسوية النزاعات الناشئة عن الجريمة، فهي تعد طريقة غير قضائية لإدارة الدعوى الجزائية. لمزيد من التفصيل ينظر: ليلى بعتاش، العدالة الجنائية التصالحية، جامعة الامير عبد القادر للعلوم الاسلامية، بحث منشور ومتاح نسخة (pdf) على الموقع الالكتروني http:// www.asjp.cerist.Dslen.article أخر زيارة 4/3/2019 الساعة 12:17م. وينظر كذلك: امل فاضل عبد خشان عنوز، العدالة الجنائية التصالحية – دراسة مقارنة، بحث منشور في المجلة الاكاديمية للبحث القانوني، المجلد الثالث عشر، العدد الاول، 2016، ص11.
27- د. جمال ابراهيم الحيدري، احكام العدالة الجنائية التصالحية، بحث منشور في مجلة العلوم القانونية، كلية القانون – جامعة بغداد، المجلد الثلاثون، العدد الثاني، 2015، ص78.
28- د. قايد ليلى، الرضائية في المواد الجنائية، اطروحة دكتوراه، كلية الحقوق والعلوم السياسية – جامعة جيلالي اليابس سيدي بلعباس، الجزائر، 2014/2015، ص215.
29- د. فايز عايد الظفيري، تأملات في الوساطة الجزائية بوصفها وسيلة لإنهاء الدعوى الجزائية، بحث منشور في مجلة الحقوق، جامعة الكويت، السنة 33، العدد 2، 2009 ، ص164.
30- د. قايد ليلى، الرضائية في المواد الجنائية، أطروحة دكتوراه، كلية الحقوق والعلوم السياسية – جامعة جيلالي اليابس سيدي بلعباس، الجزائر، 2014/2015 ، ص215.
31- د. رامي متولي القاضي، مرجع سابق، ص144.
32- د. قايد ليلى، مرجع سابق، ص216. وينظر كذلك: د. شريف سيد كامل، مرجع سابق، ص142.
33- د. رامي متولي القاضي، مرجع سابق، ص144.
34- غضبان سلمى، دور المجني عليه في انهاء الدعوى العمومية، رسالة ماجستير، كلية الحقوق والعلوم السياسية – جامعة محمد بوضياف – المسيلة، الجزائر، 2016 / 2017، ص47.
35- د. جمال ابراهيم الحيدري، مرجع سابق، ص78. ولمزيد من التفصيل ينظر: د. بارش سليمان، مدخل لدراسة العلوم الجنائية (السياسة الجنائية)، كلية الحقوق – جامعة باتنة، الجزائر، 1995، ص49 وما بعدها.
36- د. محمد عبد اللطيف عبد العال، مرجع سابق، ص108 – 109.
37- د. أسامة حسنين عبيد، الصلح في قانون الإجراءات الجنائية ماهيته والنظم المرتبطة به، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة، 2004 ، ص398.
38- محمد فوزي ابراهيم، دور الرضا في قانون الاجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة، 2014، ص316.
39- د. محمد الطاهر بلموهوب، الوساطة القضائية – دراسة مقارنة بين الفقه الاسلامي والقانون الجزائري، اطروحة دكتوراه، كلية العلوم الاسلامية – جامعة باتنة 01 – الجزائر، 2016/2017، ص201 – 202.
40- د. منصور عبد السلام عبد الحميد حسان العجيل، العدالة الرضائية في الاجراءات الجنائية – دراسة مقارنة، اطروحة دكتوراه، كلية الحقوق – جامعة القاهرة، 2016، ص394 – 395.
41- محمد فوزي ابراهيم، مرجع سابق، ص314.
42- Jacques Faget, La mediation: essai de Polituque Penale, trajets Toulouse, 1997, P. 146.
43- د. أسامة حسنين عبيد، الصلح في قانون الإجراءات الجنائية ماهيته والنظم المرتبطة به، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة، 2004 ، ص397.
44- د. هشام مفضي المجالي، مرجع سابق، ص197. وينظر كذلك: د. إسامة حسنين عبيد، مرجع سابق، ص298.
45- عماد الفقي، الاتجاهات الحديثة في ادارة الدعوى الجنائية دراسة في النظام الاجرائي الفرنسي، دراسة منشورة على شبكة الانترنت والمتاحة على الموقع الالكتروني، http://www.files.uscedu.ege.pdf تاريخ اخر زيارة 24/1/2019 الساعة 5:27م. وينظر كذلك: د. منصور عبد السلام عبد الحميد حسان العجيل، العدالة الرضائية في الإجراءات الجنائية – دراسة مقارنة، أطروحة دكتوراه، كلية الحقوق – جامعة القاهرة، 2016 ، ص395.
46- د. شريف سيد كامل، الحق في سرعة الإجراءات الجنائية – دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة، 2005 ، ص141. وينظر كذلك: د. هشام مفضي المجالي، الوساطة الجزائية وسيلة غير تقليدية في حل النزاعات الجزائية – دراسة مقارنة، أطروحة دكتوراه، كلية الحقوق – جامعة عين شمس، 2008 ، ص137. وينظر كذلك: د. مدحت عبد الحليم رمضان، الإجراءات الموجزة لإنهاء الدعوى الجنائية في ضوء تعديلات قانون الإجراءات الجنائية – دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة، بلا سنة طبع ، ص25.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|