شرح (فَتَجاوَزْتُ بِما جَرى عَليَّ ... وَفُكَّنِي مِنْ شَدِّ وَثاقِي). |
1421
08:24 صباحاً
التاريخ: 2023-07-31
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-06-06
918
التاريخ: 2023-05-24
1693
التاريخ: 2023-05-15
2946
التاريخ: 2023-07-08
900
|
(فَتَجاوَزْتُ بِما جرى عَليَّ مِنْ ذلِكَ بَعْضَ حُدودِكَ):
الحدود: جمع الحدّ، وحدوده تعالى: أحكامه من الأوامر والنواهي، كما قال تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّـهِ} وسمّاها: حدوداً؛ لأنَّ الشرائع كانت كالحدود المضروبة للمكلّفين، لا يجوز لهم أن يتجاوزوها.
يريد: أنّه لأجل اغترار من نفسه تجاوز بعض حدود الله تعالى. وحرف الباء للسببية.
(وَخَالَفْتُ بَعْضَ أَوامِرِكَ):
الأوامر: جمع «أمر»، علىٰ غير القياس، وكلمة (بعض) كما يطلق علىٰ واحد من الجماعة، وعلى فرد واحد من كل شيء، وعلى جزء واحد، كذلك يطلق علىٰ أكثرهم وعلى أكثر الأفراد والأجزاء.
ومخالفة الأمر أعمّ من ألا يقضيه أو يقضيه، ولكن لا يكون كما أمره تعالى، مثلاً أمر الله تعالى بإتيان الصلاة وإقامتها في وقتها مع شرائطها المقرّرة، إن صلى أحدٌ غير جامع لشرائطها، أو لم يصلِّ في وقتها عامداً عالماً، كان مخالفاً لأمره تعالى.
ومن جملة أوامره الأمر بتحصيل المعرفة، كما فسّروا قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} أي ليعرفون. وكذا في قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّـهَ}؛ إذا العبادة فرع علىٰ معرفة المعبود ولو إجمالاً.
وأقلّ مراتب معرفته تعالى: معرفته بالبرهان، كما قال تعالى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ}
وقال الباقر (عليه السلام): (إنّي لوددت أن أضرب رؤوسكم بالسياط حتّى تتفقّهوا في الدين، وتستنبتوا اُصول عقائدكم بالحجج والبراهين) (1).
وروي: (المتعبّدون بغير علم كحمار الطاحونة) (2).
(فَلَكَ الحَمْدُ عَلَيَّ فِي جَميْعِ ذلِكَ):
كما في الدعاء: (نحمدك علىٰ بلائك، كما نشكرك علىٰ آلائك).
وحقّ الحمد وحقيقته ما حمد الله به نفسه، إذ حمده هو الوجود المنبسط بشراشيره، فإنّ حقيقة الحمد هي إظهار فضائل المحمود وفواضله، وشرح جماله وجلاله، وهو بتمامه شارح كمالاته تعالى وأفضاله، وواصف كراماته وإجلاله، وإعراب عمّا في مرتبة غيب الغيوب، كما ورد أنَّ كلامه تعالى فعله.
قال السيد المحقّق الداماد ـ نوّر الله ضريحه ـ في القباسة: «أفضل مقامك في الحمد أن تجعل قسطك من حمدك لبارئك قصياً مرتبتك الممكنة من الاتصاف بكمالات الوجود، كالعلم والحكمة والجود والعدل مثلاً، فيكون جوهر ذلك حينئذٍ أجمل الحمد لبارئك الوهاب سبحانه، فإنك إذن تنطق بلسانك الحال كلّ صفة من تلك الصفات أنها فيك ظل صفته سبحانه، وصنع هبة ذاته جلّ سلطانه بحسب نفس ذاته في تلك الصفة، علىٰ أقصى المراتب الكمالية.
فقد ذكرنا في سدرة المنتهى وفي المعلّقات على زبور آل محمد صلى الله عليه وآله: أنّ الحمد في قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} هو ذات كلّ موجود بما هو موجود، وهوية كلّ جوهر عقلي بحسب مرتبته في الوجود وقسطه من صفات الكمال؛ ولذلك كان عالم الأمر ـ وهو عالم الجواهر المفارقة ـ عالم الحمد وعالم التسبيح والتمجيد. ومنه في القرآن الحكيم: {لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ}» (3) انتهى كلامه القمقام.
(وَلاَ حجَّةَ لي فيما جرى عَلَيَّ فيهِ قَضاؤكَ):
الحُجة ـ بضم الحاء ـ اسم من الاحتجاج: وهو المغالبة علىٰ الخصم بالدليل، كما قال تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّـهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} وقوله: {فَلِلَّـهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ}.
و(قضاءُ) ـ بالرفع ـ فاعل (جرى) اُضيف إلىٰ ضمير الخطاب، والمخاطب هو الله تعالى، يريد السائل: أنّه لا حجّة لي في شيء جرى قضاؤك عليَّ في ذلك الشيء، بل لك الحجّة في إجراء قضائك عليَّ. ومقصوده: أنَّ المجاوزة عن بعض الحدود
والمخالفة في بعض الأوامر وقعت عني لسببين:
أحدهما: السبب الطبيعي الذي هو اغترار نفسي المسوّلة.
والآخر: هو السبب الإلهي الذي هو قضاؤك الذي لا مردَّ له، كما قيل: إذا جاء القضاء ضاق الفضاء، وإذا جاء القدر عمى البصر.
(وألزَمِنَي فِيهِ حُكْمُكَ وَبَلاؤك):
حكمه تعالى: مشيئته الفعلية، كقوله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّـهُ}.
والبلاء: بمعنى الابتلاء والامتحان.
وقوله: (ألزمني) أي أثبتني وقّفني، والضمير الغائب راجع إلىٰ التجاوز والتخالف في الأوامر والحدود.
(وَقَدْ أَتيْتِكُ يا إلٰه بَعْدَ تَقْصِيري وإسْرافِي عَلَىٰ نَفْسِي، مُعْتَذِراً نادِماً، مُنْكَسِراً مُسْتَقِيلاً، مُسْتَغِفْراً منيباً، مُقرّاً مُذْعِناً مُعْتَرِفاً، لا أجِدُ مَفَرّاً مِمّا كانَ مِنّي، ولا مَفْزَعاً أتَوَجَّهُ إليهِ في أمْرِي، غَيرَ قَبولِكَ عُذْرِي):
التقصير: التفريط في الأعمال كما مرّ، والإسراف: هو الإفراط فيها بحيث يتجاوز عن الحدود. وهما من القذارات المعنويّة.
فليجتنب المؤمن العادل عن الوقوف في حدّي الإفراط والتفريط، ويستقرّ في حدود الأوساط في كلّ شيء، حتىٰ تتحلى نفسه بالأخلاق الحسنة من الحكمة والعفّة والسخاوة والشجاعة، وليقتصد فليكن أُمّة وسطاً، كما قال تعالى: {جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}.
الاعتذار: إظهار ما يقتضي العذر والإتيان به.
الندامة: هي التوبة، والندم: ضرب من الغمّ والحزن، وهو أن يغتمّ علىٰ ما وقع منه، يتمنى أنّه لم يقع.
والانكسار: هو كسر الفؤاد، كما في الحديث القدسي: (أنا عند القلوب المنكسرة) (4).
الاستقالة: طلب الإقالة والعفو، كما أنّ الاستغفار طلب المغفرة والرحمة.
والإنابة: الرجوع، كما في قوله تعالى: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ} أي راجعين إليه.
مقرّاً: أي قائلاً باللسان.
والإذعان: هو الاعتقاد بالجنان، كما أنَّ الاعتراف هو الإقرار مع الاعتقاد.
وجملة: (لا أجد ...) إلىٰ آخره، متعلّقة بقوله: (مقرّاً) وما بعده
المَفرّ: المهرب والمناص.
المفزع: الذي يلتجأ ويفزع إليه في الشدائد والمهالك.
(غير): اسم الاستثناء، والمستثنى (مفرّاً)، كأنّه قال: لا أجد مفرّاً إلّا أنت لتقبل عذري، وهو تعالى باعتبار المَفَرِّية داخل في المستثنىٰ منه.
(وإدخالِكَ إيّايَ في سَعَةٍ مِنْ رَحْمَـتِكَ):
أي وغير إدخالِكَ، معطوف علی (قَبولِكَ).
المراد بالرحمة هنا: الرحمة الرحيمية؛ إذ هو ثابت في سعة من رحمته الرحمانية. ويحتمل أن يكون المراد مطلق الرحمة.
(اللّهُمَّ فَاقْبَلْ عُذْرِي، وَارْحَمْ شِدَّةَ ضُرّي، وَفُكَّنِي مِنْ شَدِّ وَثاقِي):
الفكاك والتفكيك: التخليص، كقوله تعالى: {فَكُّ رَقَبَةٍ}.
الوَثاق ـ بالفتح، وقد جاء كسر الواو فيه في لغة في الأصل ـ: حبل أو قيد يُشدّ به الأسير والدابة، ثم استعمل في كلّ ما يقيّد به الشخص من الحبال والقيود والسلاسل والأغلال، والذنوب والآثام التي تقيّد الإنسان، ويصير كالأغلال في الأعناق.
فالتمس السائل من الله تعالى إعتاق رقبته من قيود الخطيئات، واستخلاص نفسه عن تحمّلها، والترحّم علىٰ مسكنته وضرّه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) «قرة العيون» للكاشاني، ص 20، وفيه: "ليت السياط علىٰ رؤوس أصحابي حتىٰ يتفقهوا في الحلال والحرام".
(2) «بحار الأنوار» ج 1، ص 208، ح 10، وفيه: "المتعبد علىٰ غير فقه ...".
(3) «القبسات» ص 459.
(4) انظر «شرح الأسماء» ص 424.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|