المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9093 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
{ان أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه}
2024-10-31
{ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا}
2024-10-31
أكان إبراهيم يهوديا او نصرانيا
2024-10-31
{ قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله}
2024-10-31
المباهلة
2024-10-31
التضاريس في الوطن العربي
2024-10-31

الكميات القياسية
19-8-2019
المبيدات الفطرية (مبيد ايبوكسي كونازول + ثيوفانات مثيل)
4-10-2016
برامج التحليل الكيفي- هيبر تکست
6-4-2022
الصحّة والمرض
1-07-2015
امتصاص واستقلاب الكوليسترول الغذائي
4-8-2021
النظر إلى المرآة
1-8-2018


الفرق الإسلامية واختلافها في شخص المهدي (عليه السّلام)  
  
1819   03:23 مساءً   التاريخ: 2023-07-15
المؤلف : الشيخ خليل رزق
الكتاب أو المصدر : الإمام المهدي ( ع ) واليوم الموعود
الجزء والصفحة : ص 171-189
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام محمد بن الحسن المهدي / خصائصه ومناقبه /

رافقت الأحاديث والروايات الواردة عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وأهل بيته المعصومين المتعلقة والمبشّرة بالإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف الذي ينتهي بنسبه إلى الإمام الحسين عليه السّلام العديد من الاعتراضات والمشكلات والمواقف الرافضة لها لأسباب متعددة ، وليس بحثنا هنا مع من أنكر أصل وجود الإمام عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف وإنما مع أولئك الذين حاولوا استغلال هذه القضية وتحريفها عن مسارها الصحيح من خلال ادّعاء الكثير من الفرق الإسلامية لمهدوية بعض الناس .

ولعب الحكام والخلفاء وكل الطامعين في الزعامة السياسية والدينية ، والمتآمرين على مركز الخلافة الإسلامية دورا كبيرا في تشكيك الناس في نسب وهوية الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف الحقيقية وذلك خدمة لمطامعهم ومصالحهم الخاصة . إلّا أن الباحث يمكن له في هذا المجال أن يصوّر هذه الإدعاءات في اتجاهين ، أحدهما إيجابي والآخر سلبي .

أما الاتجاه الإيجابي فيمكن دراسته :

أولا : من خلال توظيف هذه الإدعاءات للمهدوية في إطار أو في خانة الأدلة الكثيرة والهامة على شيوع فكرة المهدوية في أذهان الناس ، وسماعهم لها من الروايات الشريفة بحيث أن مجرّد ادّعاء البعض لها يجعلها مورد قبول لدى الناس الذين وقعوا في شبهات كثيرة نتيجة تكرار دعوات المهدوية هنا وهناك حتى جاوزت العشرات ، وحتى أصبح لكل فرقة وطائفة أكثر من مهدي واحد .

وثانيا : إن فكرة المهدوية وإن ادعاها البعض زورا وكذبا لكنها دليل واضح على أن الأحاديث والروايات التي أشارت إلى أن الهدف من وجود المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف في آخر الزمان هو أن يملأ الأرض قسطا وعدلا ، وأن يدمّر عروش الظالمين وينشر لواء العدالة والحرية ، قد ترسّخ في أذهان الناس وتركز في عقيدتهم المهدوية ، وهو دليل آخر يضاف إلى الأدلة التي تذكر في مجال شيوع هذه القضية التي بشّر بها النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وأئمة أهل البيت عليهم السّلام ، وأنها فكرة واقعية ولها جذورها في الإسلام ولا سيما في أحاديث النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، وأنها ليست من نسج الخيال ، ولا هي وليدة بعض الظروف القاسية التي مرّ بها الشيعة .

فقاموا بحياكة فصولها واختراع شخصها الوهمي - كما يدّعي البعض .

ثالثا : إن من أسباب هذه الإدعاءات هو الغموض الذي اكتنف هذه القضية من جرّاء عدم تصريح الأئمة عليهم السّلام باسم الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ، أو زمان خروجه ، وبسبب عامل الخوف عليه ، كما حصل مع أحد أصحاب الإمام الصادق عليه السّلام أبي حمزة الذي يقول بأنه دخل على الإمام الصادق عليه السّلام وقال له :

أنت صاحب هذا الأمر ؟ فقال : لا ، فولدك ؟ فقال الإمام : لا .

فقال : فولد ولدك هو ؟

فقال عليه السّلام : لا .

فقال : فولد ولد ولدك ؟

فقال عليه السّلام : لا .

فقال : من هو ؟

فقال عليه السّلام : الذي يملأها عدلا كما ملئت ظلما وجورا ، على فترة من الأئمّة ، كما أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بعث على فترة من الرّسل[1].

فما قاله البعض :

« ولو كانت هوية المهدي قد حددّت من قبل منذ زمان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم واجمع الشيعة عليها ، لما ذهبوا يمينا وشمالا ، واحتاروا وتساءلوا من الأئمة عن هوية المهدي »[2].

ثم قال : « إن تاريخ أئمة أهل البيت عليهم السّلام ورواياتهم التي يحتفظ بها التراث الشيعي الإمامي تؤكد غموض هوية الإمام المهدي وعدم التصريح باسمه أو زمان خروجه ، ليس بسبب الخوف عليه ، وإنما بسبب عدم تحديده من قبل ، لأن فكرة ( المهدوية ) كانت اسما عاما وأملا يحلّق فوق رأس كل واحد منهم . . . »[3].

هذا الكلام الذي أراده الكاتب دليلا على إنكار فكرة المهدوية لهو أوهن من بيت العنكبوت باعتباره دليلا يضاف إلى الأدلة التي تؤكّد استقامة الفكرة وصحتها وسلامتها ، ولكن شأنها شأن كل قضية عادلة ومحقّة طبيعي أن تتعرّض للتشويه والتحريف على أيادي المنحرفين والعابثين من أمثاله .

الأشخاص والفرق التي أدعت المهدوية :

وأما الجانب السلبي فإنه يتمثل في التحريف والتشويه الذي تعرّضت له هذه القضية وانعكس ذلك سلبا على أفكار بعض الناس الذين أصابتهم الحيرة من هذه الإدعاءات الكثيرة ، والبعض الآخر اتخذ من ذلك ذريعة للهجوم على الشيعة وعلى كل المؤمنين بحقيقة الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف .

وللإحاطة بهذا الموضوع من كل جوانبه ولكي يكون القارئ على بيّنة من أمره سنورد بالتفصيل أسماء الفرق والأشخاص الذين ادّعوا المهدوية والسبب الذي حدا بكل واحد منهم لهذا الإدّعاء .

لقد بدأت المؤامرة على العقيدة بالإمام المهدي المنتظر عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف تاريخيا في عصر الخلافة الأموية في محاولة من معاوية نفسه ، لتطبيق فكرة المهدي على عيسى بن مريم عليه السّلام لقتلها في الفكر الإسلامي ، والقضاء على جذوتها الإيمانية وفاعليتها الرسالية والجهادية في المجتمع الإسلامي . فقال لجماعة من بني هاشم :

زعمتم أن لكم ملكا هاشميا ومهديا قائما ، والمهدي عيسى بن مريم ، وهذا الأمر في أيدينا حتى نسلمه له » ! !

وواضح من هذا الحوار ، أن معاوية يريد أن يقضي على فكرة القائد المنتظر في الإسلام ، ويجعلها من خصائص الديانة المسيحية ، ومع ذلك يحاول تسخيرها لصالح الخلافة الأموية ، ليبعد أهل البيت عليهم السّلام عن الخلافة آملا أن تبقى في بني أمية ، حتى يسلموها لعيسى بن مريم عليه السّلام .

وكان ابن عباس ، من جملة الحاضرين من بني هاشم في هذا الحوار ، فلم يسكت أمام معاوية الذي يسعى لتحريف الأحاديث النبوية ، ويتلاعب بعقائد الإسلام ومفاهيمه ، لصالح السياسة الأموية الظالمة ، فقال له :

« إسمع يا معاوية ، أما قولك إنا زعمنا أن لنا ملكا مهديا ، فالزعم في كتاب اللّه شك ، قال اللّه سبحانه وتعالى : ( زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ )[4] ، أما قولك : إن لنا ملكا هاشميا ، ومهديا قائما ، فكل يشهد أن لنا ملكا ومهديا قائما ، لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لملّكه اللّه فيه ، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ، أما قولك أن المهدي عيسى بن مريم ، فإنما ينزل عيسى لقتال الدجّال ، والمهدي رجل منّا أهل البيت يصلي عيسى خلفه » .

ومن هذه المواجهة بين معاوية وابن عباس ، نعلم أن الأحاديث التي طبقت فكرة المهدي على عيسى بن مريم عليه السّلام هي جزء من حلقات المؤامرة السياسية على العقيدة بالمهدي المنتظر عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف من قبل بني أمية[5]  .

ثم توالت الدعوات المهدوية فذهبت السبئية إلى مهدوية الإمام علي عليه السّلام ، والكيسانية إلى مهدوية محمد بن الحنفية وولده أبي هاشم عبد اللّه بن محمد بن الحنفية ، وقال قوم بأن الإمامة هي في أبناء الإمام الحسن عليه السّلام فقالوا بإمامة محمد بن عبد اللّه ( ذي النفس الزكية ) ، وقال العباسيون بمهدوية محمد بن عبد اللّه العباسي . والناووسية ذهبت إلى مهدوية الإمام الصادق عليه السّلام ، والإسماعيلية إلى مهدوية الإمام الكاظم عليه السّلام ، وقالت الفطحية بإمامة عبد اللّه بن الأفطح ومهدوية ولده محمد بن عبد اللّه الأفطح ، والواقفية قالوا بإمامة ومهدوية الإمام الرضا عليه السّلام ، والمحمدية قالوا بمهدوية محمد بن علي الهادي عليه السّلام وهؤلاء رفضوا كالإسماعيلية الاعتراف بوفاته في حياة أبيه واصرّوا على حياته وغيبته ومهدويته .

وقال آخرون بمهدوية الإمام الحسن العسكري عليه السّلام وأنه غاب ولم يخلف ولدا ، ومنهم من قال بإمامة جعفر بن علي الهادي عليه السّلام .

هذه هي باختصار أهم الدعوات أو الإدعاءات المهدوية التي ذكرت في التاريخ الإسلامي والتي سنتناولها بشيء من التفصيل وتسليط الضوء عليها ومناقشتها وإبطالها .

مهدوية عيسى بن مريم عليه السّلام :

ذكرنا فيما تقدم بأن السلطة الأموية كانت الأساس في طرح مهدوية عيسى بن مريم عليه السّلام في محاولة منها لإبعاد القضية عن أصحابها الحقيقيين ، وتسخيرها لصالح الخلافة الأموية وصرف نظر الناس عن أهل البيت عليهم السّلام ، واستدل معاوية بحديث مكذوب عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم على مهدوية عيسى بن مريم عليه السّلام .

وهذا لا يعني أن أصل الفكرة لم يكن لها منشأ من قبل مقولة الأمويين بذلك ، لأن فكرة المخلّص المنتظر من الأفكار التي اتفقت عليها الأديان والنظريات وأن هذا المخلّص سوف يقيم مجتمع العدالة والخير ، وإن اختلفوا في شخصية المخلّص المنتظر ، فالنظرية الماركسية ترى أن العدالة ستتحقق على أيدي البروليتاريا حيث يرى كارل ماركس وفريدريك أنجلز أن مخلّص البشرية من التناقضات والإستغلال هو الطبقة العاملة التي ستلغي وجود الطبقات في المجتمع وتقيم مجتمع الوفرة والبحبوحة الذي سينال فيه كل إنسان كل ما يحتاجه .

واليهود يعتقدون بأن العدالة ستتحقق على يدي المسيح الذي لم يأت بعد .

والمسيحيون يعتقدون بأن ذلك سيكون على يدي المسيح العائد في آخر الزمان حيث يتناول العهد الجديد مسألة آخر الزمان ويذكر أن المسيح سيعود ، ويسمّيه أحيانا ابن الإنسان ، وفي مناقشته لنظرية المخلّص عند اليهود والمسيحيين يستعرض الدكتور محمد طي مجموعة من النصوص الواردة في التوراة والإنجيل يرى أن هذه النصوص التي تتحدث عن المخلّص لا علاقة للنبي عيسى فيها ، بل إن الأوصاف المذكورة في العهدين لا تنطبق على عيسى بن مريم عليه السّلام ، وإنما هي تشير إلى الشخصية نفسها التي تشير إليها المصادر الإسلامية ، وهي بالضرورة المهدي المنتظر عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف[6].

وأما الحديث الذي أورده معاوية عن مهدوية عيسى بن مريم عليه السّلام فيكفي في الرّد عليه موقف ابن عباس منه الذي أجاب عنه بجواب مقنع . فضلا عن أنه من الموضوعات الأموية في الأحاديث الشريفة . وهو يشكو من ضعف في سنده ويناقض المئات من الأحاديث الواردة عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم .

مهدوية الإمام علي عليه السّلام :

ذكر بعض المؤرخين كالنوبختي في فرق الشيعة والأشعري القمي في المقالات والفرق بأن جماعة من الشيعة رفضوا التصديق بوفاة الإمام علي عليه السّلام ، وقالوا : إن عليا عليه السّلام لم يقتل ولم يمت ولا يقتل ولا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ويملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا .

وذكر أيضا الشيخ الطوسي في ( الغيبة )[7] بأن السبائية قالوا بأن عليا عليه السّلام لم يمت ( وهم فرقة من الغلاة أصحاب عبد اللّه بن سبأ الذي قال لعليّ عليه السّلام :

أنت الإله حقّا فنفاه علي عليه السّلام إلى المدائن )[8].

وأبطل الشيخ مزاعم هذه الفرقة بالقول :

فأما من خالف في موت أمير المؤمنين وذكر أنّه حيّ باق فهو مكابر ، لأن العلم بموته وقتله أظهر وأشهر من قتل كل أحد وموت كل إنسان ، والشك في ذلك يؤدّي إلى الشك في موت النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وجميع أصحابه .

ثم أورد عددا من الروايات التي تؤكد حقيقة شهادته عليه السّلام[9].

مهدوية محمد بن الحنفية وولده :

نشأت في التاريخ الإسلامي بعد شهادة الإمام علي عليه السّلام وقيل بعد شهادة الإمام الحسين عليه السّلام فرقة تدعى الكيسانية[10].

وظهرت هذه الفرقة إلى العلن بعد ثورة كربلاء ، وعندما توفي محمد بن الحنفية في ظروف غامضة عام 81 ه ، وقالت بأنه لم يمت وأنه مقيم بجبال رضوى بين مكة والمدينة واعتقدوا بأنه الإمام المهدي المنتظر الذي بشّر به النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم .

وقد أجاب الشيخ الطوسي على هذه الدعوة لمهدوية محمد بن الحنفية بما يلي :

أولا : أنه لو كان إماما مقطوعا على عصمته لوجب أن يكون منصوصا عليه نصّا صريحا ، لأن العلم لا يعلم إلّا بالنص ، وهم لا يدّعون نصّا صريحا عليه .

ثانيا : الأدلة التي بيّنها الشيعة الإمامية على أن المهدي من ولد الحسين عليه السّلام .

ثالثا : انقراض هذه الفرقة فإنه لم يبق في الدنيا في وقتنا ولا قبله بزمان طويل قائل به ، ولو كان ذلك حقّا لما جاز إنقراضه[11].

وأورد الشيخ جملة من الروايات التي تؤكد موت محمد بن الحنفية ، وذكر المعتقد الذي كان عليه الشاعر الكبير السيد الحميري ( ر ض ) حيث كان يعتقد بإمامة محمد بن الحنفية حتى لقي الإمام الصادق عليه السّلام ورأى منه علامات الإمامة وشاهد فيه دلالات الوصيّة ، فسأله عن الغيبة ، فذكر له أنها حق ولكنها تقع في الثاني عشر من الأئمّة عليهم السّلام وأخبره بموت محمد بن الحنفيّة وأن أباه شاهد دفنه ، فرجع السيّد عن مقالته واستغفر عن اعتقاده ورجع إلى الحق عند إتضاحه له ، ودان بالإمامة[12].

ونفس هذا الكلام المتقدّم يرد على من قال بمهدوية ولده أبو هاشم عبد اللّه بن محمد بن الحنفية .

مهدوية أبناء الإمام الحسن عليه السّلام :

مارس الأمويون أقسى أنواع الضغوط ضد كل من وقف في وجه حكمهم وسلطانهم وأفرز ذلك العديد من الثورات والنهضات التي قامت في مقابل طغيانهم ، وكان من ضمن التحركات التي انطلقت في ذلك الوقت التحرك الذي قام به الحسنيون وتحالفوا في ذلك مع العباسيين للثورة ضد الحكم الأموي ، وبايعوا جميعا محمد بن عبد اللّه بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب المعروف بصاحب ( النفس الزكية ) .

ونصّبوه قائدا لثورتهم وزعيما عليهم ، ولكن سرعان ما انقلب العباسيون عليه وأعلنوا عن قيام الدولة العباسية ، فانتفض على محمد بن عبد اللّه الحسني من بايعه ، والتفّ حوله قسم من الشيعة فخرج في المدينة سنة 145 وسيطر على مكة واليمن ، وقتل بعد شهور . وهنا أصيب قسم من أنصاره بالصدمة ولم يتحمّلوا نبأ الهزيمة ، ولم يصدّقوا بمقتل ( المهدي ) الذي كانوا ينتظرون خروجه منذ فترة طويلة ، فقالوا : إنه حي لم يمت ولم يقتل وأنه مقيم بجبل العلمية - بين مكة ونجد - حتى يخرج ، وتشبّثوا بالحديث النبوي الذي يقول :

« القائم اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي »[13].

ومن المعلوم أن الإمام الصادق عليه السّلام وقف موقفا حازما من هذه الدعوة وأخبر والد محمد بن عبد اللّه بحقيقة نوايا العباسيين تجاههم ، وهذا ما رواه أبو الفرج الأصفهاني في كتابه « مقاتل الطالبيين » حيث قال بعد ذكره للاجتماع الذي عقد بين العباسيين والحسنيين .

« . . . قالوا : وجاء جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام فأوسع له عبد اللّه بن الحسن إلى جنبه ، فتكلّم بمثل كلامه فقال جعفر الصادق عليه السّلام : لا تفعلوا فإن هذا الأمر لم يأت بعد ، إن كنت ترى - يعني عبد اللّه - أن ابنك هذا هو المهدي ، فليس به وليس هذا أوانه ، وإن كانت إنما تريد أن تخرجه غضبا للّه ، وليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، فإنّا واللّه لا ندعك وأنت شيخنا ونبايع ابنك » .

فغضب عبد اللّه وقال : علمت خلاف ما تقول وو اللّه ما أطلعك اللّه على غيبه ، ولكن يحملك على هذا الحسد لابني .

فقال الإمام الصادق عليه السّلام :

« واللّه ما ذاك يحملني ولكن هذا وإخوته وأبناؤهم دونكم ، وضرب بيده على ظهر أبي العباس ، ثم ضرب بيده على كتف عبد اللّه بن الحسن ، وقال : إنها واللّه ما هي إليك ، ولا إلى ابنيك ، ولكنها لهم وابنيك مقتولان » .

ثم نهض وتوكأ على يد عبد العزيز بن عمران فقال عليه السّلام :

« أرأيت صاحب الرداء الأصفر ؟ - يعني أبا جعفر المنصور - قال :

قلت نعم ، قال : فإنا واللّه نجده يقتله . قال له عبد العزيز : أيقتل محمّدا ؟ قال الصادق عليه السّلام : نعم .

قال : فقلت في نفسي حسده ورب الكعبة . قال : ثم واللّه ما خرجت في الدنيا حتى رأيته قتلهما . . . »[14].

وفي رواية أخرى ينقلها أبو الفرج الأصفهاني أنه :

في رواية العابدي يقول : كان جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام إذا رأى محمد بن عبد اللّه بن الحسن إغرورقت عيناه بالدموع ، ثم يقول :

« بنفسي هو ، إن الناس ليقولون إنّه المهدي ، وإنه لمقتول ، ليس هذا - في كتاب أبيه : عليّ - من خلفاء هذه الأمة »[15] .

هذه الحوادث التاريخية المتقدمة تدل بوضوح وصراحة على أن مسألة المهدوية التي ادّعاها محمد بن عبد اللّه الحسن وكل الحسنيين لم تكن إلّا وليدة ظروف ومشاكل عاشوها مع أبناء عمهم العباسيين في الصراع على السلطة ، والنتيجة المسبقة التي أعلنها الإمام الصادق عليه السّلام تثبت كذب هذه المزاعم وموت المدّعي للمهدوية وهو محمد بن عبد اللّه الذي لم يكن له أيّة صلة بهذه الدعوى سوى حب الرياسة والزعامة من أبيه عبد اللّه بن الحسن .

وعمدة الإستدلال عند من ادعى المهدوية لأبناء الإمام الحسن هو الرواية التي نقلها ابن قيّم الجوزية في كتابه « المنار المنيف » ، وهذا الحديث أخرجه أبو داود في سننه وفيه : « حدّثنا عن هارون بن المغيرة قال : أخبرني عمرو بن أبي قيس عن شعيب بن خالد ، عن أبي إسحاق قال : قال علي عليه السّلام ، ونظر إلى ابنه الحسن ، فقال :

« إن ابني هذا سيد كما سمّاه النبي ، وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم ، يشبهه في الخلق ، ولا يشبهه في الخلق ، يملأ الأرض عدلا »[16].

ويرد على هذا الحديث :

أولا : أنه متناقض في متنه مع مئات الأحاديث المتواترة القائلة بأن المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف من ولد الحسين عليه السّلام .

ثانيا : إن العلامة الجزري الدمشقي الشافعي يروي الحديث بنحو آخر ويقول :

« والأصح أنه من ذرية الحسين بن علي ، لنص أمير المؤمنين عليّ على ذلك » ثم يروي الحديث قائلا : . . . قال علي - ونظر إلى ابنه الحسين - فقال : . . . إلخ[17].

ثالثا : أنه يوجد اتفاق بين علماء الجرح والتعديل على ضعف رجال هذا الحديث ، وقال بعضهم إن في سنده انقطاع ، ومنهم ابن القيم الجوزية[18].

رابعا : إن في سند الحديث أبي إسحاق عمرو بن عبد اللّه السبيعي وهو قد توفي سنة 129 ه ، والإمام علي عليه السّلام استشهد سنة 40 ه . فلو حسبنا عمره من سنة مقتل الإمام علي عليه السّلام لكان 89 عاما فكم يكون قد عاش إذا ليمكن له أن يرى الإمام علي عليه السّلام ويسمع منه ويحفظ عنه . . .[19].

خامسا : إن هذا الحديث عن السبيعي معارض بنقل آخر عن السبيعي نفسه يذكر فيه اسم الحسين عليه السّلام مكان اسم الحسن عليه السّلام[20].

ويمكن للبعض أن يحتجّ بحديث آخر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يذكر فيه أن المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف هو من ولد الحسن والحسين فيجعل منه دليلا على أن المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف من ولد الحسن عليه السّلام ونص الحديث :

عن علي بن مكي الهلالي عن أبيه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال :

« . . . ومنا سبطا هذه الأمة وهما ابناك الحسن والحسين وهما سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما ، والذي بعثني بالحق خير منهما ، يا فاطمة : والذي بعثني بالحق أن منهما مهدي هذه الأمة »[21].

وهذا الحديث يثبت بشكل قاطع أن المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف من ولد الحسن عليه السّلام كما هو من ولد الحسين عليه السّلام ، ولكنه لا يعارض كون المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف هو حقا وواقعا من نسل الحسين عليه السّلام انسجاما مع المئات من الروايات التي تثبت ذلك ، وتفسير الحديث هو أن زوجة الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السّلام هي أم الإمام محمد الباقر عليه السّلام واسمها فاطمة بنت الحسن المجتبى ، فيكون الإمام محمد الباقر عليه السّلام هاشميا علويا من جهتين ، لأن ذريته المباركة من ذرية الإمامين الحسن والحسين عليهما السّلام ، والإمام المهدي المنتظر من ذرية الباقر عليه السّلام وهو بالتالي من هذه الذرية الطيبة الطاهرة وبذلك ينتهي نسبه إلى كلا الإمامين الحسن والحسين عليهما السّلام .

مهدوية أبناء العباس :

لم يكن تأييد العباسيين وتبنيهم لإدعاءات الحسنيين في مهدوية محمد بن عبد اللّه الحسين إلّا جزءا من اللعبة السياسية التي خططوا لها من أجل الوصول إلى طموحاتهم وأهدافهم التي سعوا من خلالها للوصول إلى السلطة والخلافة الإسلامية .

وقد استعمل العباسيون في سبيل الوصول إلى هذا الهدف شعارات كاذبة أرادوا خداع الأمة بها ، وكان من بين هذه الشعارات الرضا من آل محمد ، وساعدهم على ذلك أيضا الظروف السياسية التي كان يمرّ بها الحكم الأموي وشدّة نقمة الناس عليهم .

لذا يذكر المؤرخون أن العباسيين بادروا لتجميع أنصارهم سرا وسرقوا مخطط الثورة من الحسنيين ، وتمكنوا فيما بعد من إعلان ثورتهم على الأمويين من بلاد خراسان ، واستطاعوا إسقاط الدولة الأموية ، واستلام الخلافة من بعدهم ، ومن ثم القضاء على جميع معارضيهم بما فيهم الحسنيين حلفاؤهم بالأمس ، وبذلك تحقق ما أنبأ به الإمام الصادق عليه السّلام في حديث للحسنيين من أجل أن لا يقعوا في مكيدة العباسيين .

وفي تفاصيل هذه الدعوة العباسية يقول الشيخ الفتلاوي :

وقد شهدت العقيدة بالمهدي المنتظر في الأمة ، قمّة عمليات الوضع والتلاعب بأحاديثها النبوية ، والتآمر على مبادئها وأصولها العقيدية ، على يد خلفاء بني العباس ، وبالأخص خليفتهم الثاني عبد اللّه العباسي ، الملقب بأبي جعفر المنصور الدوانيقي ، وهو الذي نصّب ولده محمد بن عبد اللّه خليفة للمسلمين من بعده ، وحمل الأمة قسرا على مبايعته بالخلافة قبل وفاته ، وأطلق عليه لقب المهدي ، مدّعيا أنه هو الخليفة المنتظر ، المبشّر به في الأحاديث النبوية ، والذي يملأ الأرض قسطا وعدلا .

ومما ذكره المؤرّخ الشهير أبو الفرج الأصفهاني في كتابه « الأغاني » بهذا الصدد قوله :

لما أراد المنصور البيعة للمهدي ، وكان ابنه جعفر يعترض عليه في ذلك ، فأمر بإحضار الناس فحضروا ، وقامت الخطباء فتكلّموا ، وقالت الشعراء فأكثرت في وصف المهدي وفضائله ، وفيهم مطبع بن إياس ، فلما فرغ الخطباء من كلامهم والشعراء من شعرهم قال للمنصور : يا أمير المؤمنين ، حدثنا فلان عن فلان أن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال : « المهدي منا ، محمد بن عبد اللّه ، وأمه من غيرنا ، يملأها عدلا كما ملئت جورا » . وهذا العباس ابن محمد أخوك يشهد على ذلك .

ثم أقبل على العباس فقال له : أنشدك اللّه ، هل سمعت هذا ؟ فقال : نعم ، مخافة المنصور ! فأمر المنصور الناس بالبيعة للمهدي . ولما إنفض المجلس وكان العباس بن محمد لم يأنس به فقال : أرأيتم هذا الزنديق - يعني : مطيع بن إياس - إذ كذب على اللّه عزّ وجل وعلى رسوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، حتى استشهدني على كذبه ، فشهدت له خوفا ، وشهد كل من حضر عليّ بأني كاذب .

وكان جعفر بن أبي جعفر المنصور ماجنا ، ومع ذلك فلما بلغه هذا القول عن مطيع ابن إياس وكذبه على النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في حديث المهدي ، غاظه ذلك وقد شقّت عليه البيعة لأخيه محمد لأنه كان يتطلّع إلى الخلافة بعد أبيه ، وكان مطيع بن إياس منقطعا في خدمة جعفر بن المنصور ، ولكن بعد قوله هذا طرده من خدمته وتناوله بكلام فاحش[22]  .

وامتدت أيادي العباسيين لتعبث بأحاديث النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، وتدس فيها الأكاذيب التي تجعل المهدي في ذرية العباس ، وقد وردت هذه الأحاديث بصيغ متعددة منها :

أولا : « يا عم النبي إن اللّه ابتدأ بي الإسلام وسيختمه بغلام من ولدك هو الذي يتقدّم عيسى بن مريم » .

هذا الحديث رواه الخطيب البغدادي في تاريخه في الجزء الثالث في الصفحة 323 وفي الجزء الرابع من الصفحة 117 ، ورواه أيضا ابن عساكر في تاريخ دمشق في الجزء الرابع في الصفحة 126 ، والذهبي في ميزان الاعتدال - الجزء الأول في الصفحة 89 وغيرهم من الرواة .

وقد علّق الذهبي على رواية تاريخ بغداد فقال : « رواه عن محمد بن مخلد العطار فهو آفته ، والعجب أن الخطيب ذكره في تاريخه ولم يضعفه ، وكأنه سكت عنه لانتهاك حاله ( أي لتأييده بني العباس أو خوفه منهم ) »[23].

ثانيا : « المهدي من ولد العباس » .

روى هذا الحديث ابن حماد في كتابه ( الفتن ) فقال : حدثنا الوليد عن شيخ عن يزيد ابن الوليد الخزاعي عن كعب « ولم يسنده إلى الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فلا تعتد به ، لا سيما وأن فيه شخصا مجهولا « عن شيخ » . وفي عرف السيوطي قال الدارقطني : « هذا حديث غريب تفرّد به محمد بن الوليد مولى بني هاشم - يقصد العباسيين منهم . « والذي قال عنه الذهبي : كان يصنع الحديث »[24].

وقد علّق العديد من أهل العلم على هذه الأحاديث الواردة في كون المهدي من ذرية العباس بأنه يمكن الجمع بين هذه الأحاديث وبين سائر الأحاديث الواردة حول كون المهدي من عترة الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، بأنه من ولد العباس من جهة أمه ، فإن أمكن الجمع فهذا ، وإلّا فالأحاديث أنه من ولد النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أرجح .

فضلا عن أن الأحاديث في كونه من ذرية النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم متواترة ومورد الإجماع ، بخلاف الأحاديث الواردة في كونه من ذرية العباس والتي لا تصمد أمام تواتر الأحاديث الأولى وشهرتها وصحة سندها .

الإدعاءات المهدوية الباقية :

هذه الفرق التي ادعت المهدوية قام الشيخ الطوسي ( رضوان اللّه عليه ) بالإجابة عنها بما يكفي دليلا على عدم صحة هذه الأقوال .

ومما قاله الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة :

وأما الذي يدل على فساد مذهب الواقفة الذين وقفوا في إمامة أبي الحسن موسى عليه السّلام وقالوا : إنّه المهدي فقولهم باطل بما ظهر من موته عليه السّلام واشتهر واستفاض ، كما اشتهر موت أبيه وجده ومن تقدّم من آبائه عليهم السّلام .

ولو شككنا لم ننفصل من الناووسية والكيسانية والغلاة والمرجئة الذين خالفوا في موت من تقدّم من آبائه عليهم السّلام .

على أن موته اشتهر ما لم يشتهر موت أحد من آبائه عليهم السّلام لأنه أظهر وأحضر القضاة والشهود ونودي عليه ببغداد على الجسر ، وقيل : هذا الذي تزعم الرافضة أنه حيّ لا يموت ، مات حتف أنفه ، وما جرى المجرى لا يمكن الخلاف فيه .

وأما من خالف من الفرق الباقية : الذين قالوا بإمامة غيره كالمحمدية الذين قالوا بإمامة محمد بن علي بن محمد بن علي الرضا عليهم السّلام والفطحية القائلة بإمامة عبد اللّه بن جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام وفي هذا الوقت بإمامة جعفر بن علي ، وكالفرقة القائلة إن صاحب الزمان حمل لم يولد بعد ، وكالذين قالوا : إنه مات ثم يعيش ، وكالذين قالوا : بإمامة الحسن عليه السّلام ، وقالوا : هو اليقين ، ولم يصح لنا ولادة ولده ، فنحن في فترة ، فقولهم ظاهر البطلان من وجوه :

أحدهما : إنقراضهم فإنه لم يبق قائل يقول بشيء من هذه المقالات ولو كان حقا لما انقرض .

ومنها : أن محمد بن علي العسكري ( ابن الإمام الهادي ) مات في حياة أبيه موتا ظاهرا ، والأخبار في ذلك ظاهرة معروفة ، من دفعه كمن دفع موت من تقدّم من آبائه عليهم السّلام .

فروى سعد بن عبد اللّه الأشعري ، قال : حدّثني أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري ، قال : كنت عند أبي الحسن العسكري عليه السّلام وقت وفاة ابنه أبي جعفر ، وقد كان أشار إليه ودل عليه ، وإني لأفكر في نفسي وأقول هذه قصة إبراهيم ، وقصة إسماعيل ، فأقبل إليّ أبو الحسن عليه السّلام وقال : نعم يا أبا هاشم بدا للّه في أبي جعفر وصيّر مكانه أبا محمد ، كما بدا له في إسماعيل بعدما دل عليه أبو عبد اللّه عليه السّلام ونصّبه وهو كما حدّثتك نفسك وإن كره المبطلون ، أبو محمد ابني الخلف من بعدي ، عنده ما تحتاجون إليه ، ومعه آلة الإمامة والحمد للّه ، والأخبار بذلك كثيرة ، وبالنص من أبيه على أبي محمد عليه السّلام لا نطول بذكرها الكتاب ، وربما ذكرنا طرفا منها فيما بعد إن شاء اللّه .

أما ما تضمّنه الخبر من قوله : بدا للّه فيه : معناه من اللّه فيه ، وهكذا القول في جميع ما يروى من أنه بدا للّه في إسماعيل ، معناه أنه بدا من اللّه ، فإن الناس كانوا يظنون في إسماعيل بن جعفر أنه الإمام بعد أبيه ، فلما مات علموا بطلان ذلك وتحققوا إمامة موسى عليه السّلام ، وهكذا كانوا يظنون إمامة محمد بن علي بعد أبيه ، فلما مات في حياة أبيه علموا بطلان ما ظنّوه .

وأما من قال : إنه لا ولد لأبي محمد عليه السّلام ، ولكن ههنا حمل مشهور سيولد ، فقوله باطل لأن هذا يؤدي إلى خلّو الزمان من إمام يرجع إليه ، وقد بيّنا فساد ذلك ، على أنّا سندل على أنه قد ولد وله ولد معروف ، ونذكر الروايات في ذلك فيبطل قول هؤلاء أيضا .

وأما من قال : إن الأمر مشتبه فلا يدرى هل للحسن عليه السّلام ولد أم لا ؟

وهو مستمسك بالأول حتى يتحقق ولادة ابنه ، فقوله أيضا يبطل بما قلناه من أن الزمان لا يخلو من إمام ، لأن موت الحسن عليه السّلام قد علمناه كما علمنا موت غيره ، وسنبيّن ولادة ولده فيبطل قولهم أيضا .

وأما من قال : إنه لا إمام بعد الحسن عليه السّلام ، فقوله باطل بما دللنا عليه من أن الزمان لا يخلو من حجة للّه عقلا وشرعا .

وأما من قال : إن أبا محمد عليه السّلام مات ويحيى بعد موته ، فقوله باطل بمثل ما قلناه ، لأنه يؤدّي إلى خلو الوقت من إمام من وقت وفاته عليه السّلام إلى حين يحييه اللّه تعالى ، واحتجاجهم بما روي من أن صاحب هذا الأمر يحيى بعدما يموت وأنه سمي قائما ، لأنه يقوم بعدما يموت ، باطل لأن ذلك يحتمل لو صح الخبر أن يكون أراد بعد أن مات ذكره حتى لا يذكره إلا من يعتقد إمامته ، فيظهره اللّه لجميع الخلق ، على أنّا قد بيّنا أن كل إمام يقوم بعد الإمام الأول يسمى قائما .

وأما القائلون : بإمامة عبد اللّه بن جعفر من الفطحية ، وجعفر بن علي ، فقوله باطل بما دللنا عليه من وجوب عصمة الإمام ، وهما لم يكونا معصومين ، وأفعالهما الظاهرة التي تنافي العصمة معروفة نقلها العلماء ، وهي موجودة في الكتب فلا نطول بذكرها الكتاب ، على أن المشهور الذي لا مرية فيه بين الطائفة أن الإمامة لا تكون في أخوين بعد الحسن والحسين عليهما السّلام ، فالقول بإمامة جعفر بعد أخيه الحسن يبطل بذلك[25].

وعلى الرغم من كثرة عدد هذه الفرق التي إدّعت المهدوية وانحرفت عن المسار الصحيح لهذه القضية ، لا يمكن لأحد إن يتسلّح بكثرة عدد هذه الفرق ليجعل من ذلك دليلا أو مؤيدا لتكذيب القائلين بوجود الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت عليهم السّلام وأنه الإمام المهدي المنتظر .

يقول أحمد الكاتب في جملة ما ذكره من نقض لقضية الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف :

« انقسم الشيعة بعد وفاة الحسن العسكري عليه السّلام إلى أربعة عشر فرقة . . .

ولم يقل بوجود وولادة وإمامة ومهدوية ( محمد بن الحسن ) إلّا فرقة واحدة ( شرذمة قليلة ) من تلك الفرق الأربعة عشر »[26].

فها هو كما ترى يجعل من تعدد الفرق المهدوية في مقابل فرقة صغيرة قالت بإمامة ( محمد بن الحسن ) دليلا على عدم صحة رأي الشيعة .

فلماذا تذكّر الأستاذ الكاتب كل هذه الفرق وذكرها بالتفصيل في كتابه ، وفاته ( عن عمد ) الحديث عن حجم هذه الفرق ، وأين هي الآن ، وهل ما زالت موجودة أم أنها انقرضت ؟ !

فالثابت لكل باحث ومؤرخ يكتب الحقيقة من دون تشويه أو تزييف أن هذه الفرق رغم كثرة عددها إلا أنها لا تضاهي بوجودها حجم الفرقة الإمامية القائلة بإمامة ( محمد بن الحسن ) . لأن أتباع هذه الفرق يكاد لا يتجاوز عدد أصابع اليد ، ولذلك يقول الشيخ المفيد في كتابه الفصول المختارة .

« ولما توفي أبو محمد الحسن بن علي بن محمد عليه السّلام إفترق أصحابه بعده على ما حكاه أبو محمد الحسن بن موسى النوبختي بأربع عشرة فرقة ، فقال الجمهور منهم بإمامة القائم المنتظر عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف وأثبتوا ولادته وصححوا النص عليه وقالوا هو سمي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ومهدي الأنام . . .

وليس من هؤلاء الفرق التي ذكرناها فرقة موجودة في زماننا هذه وهو سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة إلا الإمامية الإثنا عشر القائلة بإمامة ابن الحسن المسمى باسم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم القاطعة على حياته وبقائه إلى وقت قيامه بالسيف حسبما شرحناه فما تقدّم عنهم وهم أكثر فرق الشيعة عددا وعلماء ومتكلمون ونظّار وصالحون وعباد ومتفقهة وأصحاب حديث وأدباء وشعراء ، وهم وجه الإمامية ورؤساء جماعتهم والمعتمد عليهم في الديانة ومن سواهم منقرضون ولا يعلم من جملة الأربع عشرة فرقة التي قدّمنا ذكرها ظاهرا بمقالة ولا موجودا على هذا الوصف من ديانته وإنما الحاصل منهم حكاية عمن سلف وأراجيف بوجود قوم منهم لا تثبت »[27].

 

[1] الكافي ، الكليني ، ج 1 ، ص 341 ، ح 21 .

[2] تطور الفكر السياسي الشيعي ، أحمد الكاتب ، ص 172 .

[3] المصدر نفسه .

[4] سورة التغابن ، الآية : 7 .

[5] المهدي المنتظر ، مهدي الفتلاوي ، ص 9 - 10 .

[6] المهدي المنتظر بين الدين والفكر البشري ، ص 55 - 62 .

[7] كتاب الغيبة ، الطوسي ، ص 192 .

[8] ألف العديد من علماء الشيعة بعض الكتب لإثبات أن شخصية عبد اللّه بن سبأ هي شخصية وهمية مخترعة من قبل أعداء الشيعة .

[9] كتاب الغيبة ، الطوسي ، ص 192 - 193 .

[10] علم الكلام في الإسلام ، فضل اللّه الزنجاني ، ص 287 .

[11] الغيبة ، الطوسي ، ص 18 - 19 وص 195 .

[12] كمال الدين وتمام النعمة ، الصدوق ، ص 32 - 33 .

[13] فرق الشيعة ، النوبختي ، ص 62 .

[14] مقاتل الطالبيين ، ص 140 - 171 - البحار ، ج 47 ، ح 18 .

[15] المصدر نفسه ، ص 142 .

[16] سنن أبي داوود ، ج 3 - 4 ، ص 311 ، ح 4290 .

[17] راجع المهدي المنتظر من ولد الإمام الحسن أم الإمام الحسين ، الفتلاوي ، ص 22 - 23 .

[18] المصدر نفسه ، ص 22 .

[19] الإمام المهدي المنتظر وأدعياء البابية والمهدوية ، عدنان البكاء ، ص 59 .

[20] المصدر نفسه ، نقلا عن البحار ، ج 51 ، ص 116 .

[21] المعجم الكبير ، الطبراني ، ج 3 ، ص 52 ، نقلا عن المهدي المنتظر بين الدين والفكر البشري ، د . محمد طي ، ص 71 .

[22] الأغاني ، الأصفهاني ، ح 12 ، ص 81 ، نقلا عن المهدي المنتظر من ولد الإمام الحسن أم الإمام الحسين ، الفتلاوي ، ص 14 - 15 .

[23] المهدي المنتظر بين الدين والفكري البشري ، د . طي ، ص 66 - 67 .

[24] المصدر السابق ، ص 67 .

[25] راجع الغيبة ، الشيخ الطوسي ، الفصل الأول .

[26] تطور الفكر الشيعي ، أحمد الكاتب ، ص 234 - 235 .

[27] الفصول المختارة ، الشيخ المفيد .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.