أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-07-12
766
التاريخ: 2023-07-13
802
التاريخ: 2023-07-10
722
التاريخ: 2023-07-10
702
|
يعرض هذا المؤلف عدة وجهات نظر حاولت أن تُفسر ظاهرة المد والجزر؛ فالبعض يعتبر أن كوكب الأرض كله مخلوق هائل كبير، ولدى تنفسه يحدث المد والجزر. وبعضهم يرى أن السبب هو انصباب مياه الأنهار في البحار ورجوعها عنه، واقتراح ثالث أن السبب هو وجود فتحة هائلة كبيرة تحت البحر، واقتراح رابع أن البحر من خصائصه أن تغور المياه فيه وتمد، ويختم في النهاية أنه يعتقد بأن القمر هو السبب في ذلك، وذلك بفعل «حقل جاذبيته» المؤثر على الأرض كلها وليس البحار. ولعل هذا الرأي. هو أحد أقرب التفاسير دقةً وقُربًا من تفسيرنا العلمي الحالي. والذي سبق وأن وجدنا ظهور هذه الفكرة عند عبد القادر بن أحمد بن ميمي البصري.
إن «الذي يُحير العقل ويُصيّر اللبيب متحيرًا في الفكر هاتان الحركتان العجيبتان، أعني المد والجزر، وقد اختلف العلماء النظار والحكماء الشطار في إدراك سبب المد والجزر؛ فالبعض منهم قال إن العالم هو حيوان مركب من الأربعة عناصر، متصفٌ بالعقل والحياة، ومنخراه تحت البحر فإذا تنفس واجتذب الهواء اجتذب ماء البحر، ومتى أطلق النفس امتد الماء وهو المد.»
وقال البعض إن السبب في المد والجزر هو جريان الأنهار وانصبابها في البحر وعودها عنه، فإذا جرت المياه النهرية إلى البحر تزايد ماء البحر، وزيادة المياه تقتضي سعة المكان واتساعه، وهكذا يكون المد، وفي رجوع تلك المياه إلى أماكنها من القنايات وتجاويف الأرض عاد البحر إلى حاله وهو الجزر.
وقال البعض إن تحت البحر هويةً عظيمة في غاية الاتساع، فإذا جرت المياه من البحور وأسرعت في الخرير بثقلها من شدة الجريان، صدر امتداد البحر؛ لأن المياه تتسع بكثرة الحركة، ويكون المد. وفي ضعفها تعود إلى حالها الأول وهو الجزر كما شوهد في المياه الجارية من رءوس الجبال، لأنها تعود صاعدة إلى العلو في نزولها إلى السفال بشدة الانصدام، ثم ترجع منعكسة، وهو كالمد، وبضعف الصدمة ورجوع المياه إلى حالها يكون كالجزر، وهذا رأي أفلاطون.
والبعض قالوا عن المد والجزر إنه من كيفيات البحر التي بتأثيرها يغيض ويغور، وبضعف تأثيرها يعود إلى حاله ويحصل الجزر، ويجري ذلك في مدة محدودة كما هو مشهود في بدن المحموم متى أصابته الحُمى، وكما تجتمع الطبائع في مدة محدودة وباجتماعها يتحرر البدن أو يبرد ثم تفترق الطبائع وتعود إلى درجة الاعتدال في مدة أخرى وتزول الحُمى. هكذا البحر في زمن مخصوص تغيض مياهه باجتماع كيفياته المؤثرة ويفعل المد، وفي حين معلوم تعود الكيفيات إلى درجة الاعتدال فيسكن البحر ويعود إلى حاله وهو الجزر.
لكن الرأي الأصوب والقول الأرجح في معرفة السبب الموجب للمد والجزر هو القمر بتأثيره، وهذا التأثير إما ذاتي له وإما مكتسب من الشمس وهو بينهما، ولشرح ذلك اعلم أن البحر المتصف بالمد والجزر فإنه يبتدئ بالامتداد حتى ينتهي ساعات ثم يعود القهقرى إلى الوراء وهو الجزر، وهكذا ست ساعات، وفي بعض الأراضي يبلغ المد من المسافة نحو أربعين ميلًا حتى قيل إنه أغرق كثيرًا من الخلق في مرورهم على مجراه غفلة، واستدل من قال إن سبب المد والجزر هو القمر بأدلة مختلفة:
أولا: من اختلاف نظر الشمس إلى القمر، وذلك مجرب أنه متى كان القمر بدرًا واشتدَّ تأثير الشمس فيه من الوجه الذي يلينا تزايد والجزر في ذلك الحين.
ثانيًا: ازدياد المد والجزر تابع لازدياد القمر وانمحاقه حتى إنه قد يتقدم ويتأخر في كل دور اثنتي عشرة درجة. مثلا: لو قدرنا إن ابتداء المد كان وقت الزوال في يومنا هذا، فإنه يتأخر غدًا اثنتي عشرة درجة بعد الزوال؛ لأن القمر في كل دور يتأخر محله اثنتي عشرة درجة. وأيضًا بازدياد القمر في نوره المكتسب من الشمس يتزايد المد وفي المحاق ينقص.
ثالثا: هو حكم القمر على الأجسام الرطبة حتى إن جالينوس ومن يليه من الحكماء خصوا الأمراض الصادرة من ازدياد البلغم للقمر، وقالوا إنه بتأثيره يتزايد البلغم في الأبدان، ومن هنا نسبوا الجزر والامتداد للقمر، وكما أن القمر يقع بتأثيره في البلغم المتصف بالبرد والرطوبة هكذا يقع تأثيره في البحر المتصف بتلك الكيفيتين.
وإن سألنا أحد بقوله كيف القمر يفعل المد والجزر؟ فالجواب: إنه يفعل ذلك ببعض كيفياته الذاتية لا بضيائه، ولو قرَّرنا بأن القمر يؤثر شيئًا بضيائه لا بحركته كما زعم البعض من الحكماء، لأننا لو فرضنا بأن الأمر كذلك، لاقتضى عدم المد والجزر في انمحاق القمر؛ لأنه حينئذٍ يتعرى من النور، وقد شُوهد وجود المد والجزر في محاقه وشوهد أيضًا متى كان القمر محتجبًا بكرة الأرض، واتَّضح حينئذٍ أن حركة القمر لا يُمكنها التأثير في البحر لمقابلة الأرض بينهما. وأقول لهذا الدليل إن المد والجزر من كيفية موجودة في القمر وبها يُحرك البحر، وبالحركة يكون المد والجزر من ضعفها، وإن قال أحد كيف يمكن ذلك متى كان القمر محتجبًا بكرة الأرض؟
فالجواب: إن القمر إذا كان محتجبًا يفعل المد والجزر كحجر المغناطيس في جذبه الحديد إليه بقوته المؤثرة، ولو كان بينهما جسم حائل؛ ولذلك الشمس وبقية الكواكب في إنشائها المعادن والأحجار في جوف التراب فإن ذلك بمرور كيفياتها وإخراقها جرم الأرض، هكذا يمكن للقمر أن يخرق الأرض بكيفيته المؤثرة ويصدر المد والجزر، ويُمكن للقمر أن يؤثر في البحر من حيث لا يُرى، ووقوع ذلك التأثير في البحر إما من ضيائه المكتسب، أو من حركته أو كيفيته الذاتية أو باشتراك جميع هذه الأحوال في التأثير. ثم البحر فإنه متصل الأجزاء بعضها ببعض، فلما قبل التأثير في بعض أجزائه اشتركت البقية من الأجزاء في قبول ذلك التأثير، وحينئذ يكون المد والجزر فيما يُرى من البحر، ولو صدر التأثير فيما لم ير منه. ومثال اتصال الأجزاء مع بعضها كالخشبة الممتدة متى طعنها الواحد بشيءٍ تحركت جميعًا، والحال إن الطعنة ما كانت إلا في جهة واحدة والسبب لذلك اتصال الأجزاء. وعلى هذا القياس لا يقتضي أن يُقال عن القمر إنه خرق الأرض بكيفيته؛ لأن خرق الجرم المتلزز بكيفية واحدة من القمر لا يقبله العقل البشري.
والرأي عندي أن امتداد البحر وجزءه فهو من ذاته بغير مؤثر فيه من الخارج؛ لأن البحر من ذاته يقتضي الامتداد على الأرض جميعًا كما كان في أول وجوده. وإذا سألنا أحد لماذا الأنهار لم تتصف بالمد والجزر؟ فالجواب: لعدم الاستعداد في المياه النهرية، لم يقع التأثير كحجر المغناطيس فإنه لا يجذب كل معدن مرَّ عليه سوى الحديد، ولا يُوجد فيما عداه استعداد للانجذاب فلو وجد الاستعداد لانجذب كما ينجذب الحديد، لذلك المياه النهرية لخلوها من الاستعداد تعرَّت من الجزر والامتداد. وعلى رأي من قال المد والجزر فهو من البحر بذاته لا من سبب خارج، فالجواب عن ذلك: إن السبب لخلو الأنهار من الجزر والمد خروجها من أماكنها وجريانها وعودها إلى البحر الذي هو مقرها وملجؤها. ويمكن أن يخص شيئًا للماء الراكد في مكانه بخلاف الجاري والمفارق لمكانه.» 142
________________________________________
هوامش
(142) كتاب يشتمل على الآثار العلوية، كتاب ضمن مجموع [Ahlwardt no. 7543 W1813]، في مكتبة الدولة ببرلين، ص109-98
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|